لماذا يا أبي؟!

    • لماذا يا أبي؟!

      لماذا يا أبي ؟؟؟؟؟ أتمنى أن توسّعوا صدوركم لقراءةِ ما كُتبَ فمبتغاه الصلاح .

      [INDENT] بسم الله الرحمن الرحيم



      لماذا يا أبي ؟؟

      سؤالٌ من شابٍّ مهمومٍ ، وفتاةٍ مسكينةٍ يدوّي سمعَ الآباء وأولياءَ الأمور .
      زفراتٌ ، وحسراتٌ ، وأنّاتٌ أحاطت بالشبابِ والفتيات ، ولاقوْا منها أشدّ المعاناة ، والسببُ في ذلك هو : "الأب" .


      مهلاً يا أبي :

      أعطني سمعكَ ، وعقلكَ ، وقلبكَ ، وكلَّ جوارحكْ فأنتَ أبي وأنا ابنك ، وأنتَ أبي وأنا ابنتك ، نحن لا نريدُ مأكلاً أو مشرباً ، أو كساءً ، إنما نريدُ ضمّةً منكَ تشعرنا بدفءِ الوالديّة ، نستشعرُ من خلالها أبّوتكَ الحانية ، ورحمتكَ السارية ، ومحبّتكَ الصادقة ، وتربيتكَ الصالحة التي تأخذنا إلى شاطئ الأمان ، ومهيعِ الحق .

      أيها الأبُ الفاضل :

      هل تذكرُ حينَ كنتَ تُلحُّ في الدعاءِ متضرّعاً لله تعالى أن يرزقكَ الذريّةَ الصالحة ؟؟
      هل تذكرُ حينَ كنتَ تُراقبُ حملَ امراتكَ شيئاً فشيئاً تنتظرُ ساعةَ الفرحِ بمولودٍ جميلٍ تقرُّ به عينكْ ؟؟
      هل تذكرُ نداءَ سيدنا زكريا -عليه السلام- : "فهب لي من لدنك وليّا يرثني ويرثُ من آلِ يعقوبَ واجعله ربِّ رضيّا" ونداءه : "ربِّ لا تذرني فرداً وأنتَ أرحم الراحمين" ؟؟

      الكلُّ يتمنى الأولادَ والبناتَ ليملأونَ البيتَ سعادةً وحبورا ، وبهجةً وسرورا ، إلا أنّ الكثيرَ من يفشلُ في التربيةِ ، وينسى أن يوجّه شكرَ النعمةِ إلى منعمها ، فيربّي هذه الذرّية التربيةَ الصالحة التي تؤتي أكلها يانعةً نظرةً تسرُّ الناظرين .
      كم من وليِّ أمرٍ وأبٍ يكتنفه الحقدُ والغضبُ لأنّ ابنه استقام ، وسلكَ طريقَ الأبرار ، وكم من وليِّ أمرٍ منعَ ابنته من الحجابِ الشرعي ، وأمرها بالتعرّي ، وكلُّ ذلك حتى لا ينشأ كلا الجنسينِ نشأةَ التشدّدِ والتزمّتِ كما يزعمُ هو .


      إليكم قصّةَ ماجد المبكية :

      ماجد شابٌّ لم يتجاوزِ السابعةَ عشْرَ من عمره ، ذو خلُقٍ رفيع ، وابتسامةٍ جميلة ، وبرٍّ متناهي لوالده ووالدته ، كثيرُ الذكرِ لله تعالى ، وقراءةِ القرآن الكريم ، تعرّفَ ماجد على إمامِ المسجدِ المجاورِ لمنزلهم الكائن في حيٍّ راقي فأبوه من كبارِ التجّارِ في المنطقةِ بل على مستوى الدولة ، فبدأ إمامُ المسجدِ يغرسُ الأخلاقَ وينمّيها في قلبِ ماجد ، ويحفّظه كتابِ الله تعالى ، ويقيمُ معه دروساً إيمانية ، وعرّفه على رفقةٍ صالحةٍ سَعُدَ بهم ماجدُ ، وأنِسَ بهم كثيراً ، فلاحظَ والدُ ماجد بعضَ التغيّرات في ولده ، فلم يعدْ يسمعُ صوتَ الموسيقى المنبعثةِ من غرفته ، ما عادَ يرى بنطالَ الجنزِ الذي تعوّد ماجدٌ على لبسه ، بل كانَ يراه ذا سمتٍ عجيب ، ووقارٍ غريب ، وبرٍّ كبير به وبزوجه ، فغاضَ حنَقاً ، وهاله ما وصلَ إليه ابنه ، أيعقلُ أنّ ابني قد التزامَ واستقام ؟؟ كلا أنا لا أريدُ ابناً متشدّداً ومتزمّتاً ، أنا أريدُ ابناً كلاسيكياً غيرَ متتشدّد ، فبدأتِ المعاناة حيثَ قامَ الوالدُ بنهرِ ماجد أمامَ والدته وإخوته ، ويقولُ له : لماذا تلبسُ هذا الثوب ؟ لماذا تصلي هل هذا وقتُ صلاة ؟ لماذا تقومُ بهذا الأمر ؟؟ ومضى الأبُ على غيّه وعصيانه ، ففي أحدِ المرّات طرقَ ماجد بابَ غرفةِ والده وقال : أبي إنهض لصلاةِ الفجرِ ، وكادَ الأبُ أن يجنَ جنونه فهو لم يصلّي لله تعالى بعدَ زواجه ، فهل يأتي هذا الشابُّ المغفل لإيقاضه الآن ؟؟ وإذا بالأبِ يفتحُ البابَ فبصقَ على وجه ماجد ، وردّ عليه ماجد : شكراً يا أبي وانصرف ، فقال الأبُ : لا بدّ من إبعادِ ماجد عن رفقته الصالحة ، فيمّمَ شطرَ المسجدِ الذي يصلي فيه ماجد فالتقى بإمام المسجد وقال له : لقد أفسدتم عليّ ولدي فقال له الإمام : نحن لم نفسده وإنما دللناه على طريقِ الخيرِ ، ومسلكِ الفلاح ، وابنكَ الآن يحفظُ ستّةَ أجزاءٍ من القرآن الكريم ، ولا تفوته تكبيرةُ الإحرام ، فقال الأب : يا حقير والله لو رأيتُ ابني معكم لأقطعنّ مفاصلكم ، فبصقَ في وجه إمامِ المسجد ، فقال له الشيْخ : جزاكَ الله خيراً ، ومسحَ لحيته وانصرف .
      فكّر والدُ ماجد في طريقةٍ تمكّنه من إغواء ابنه ، وزعزعةِ إيمانه والتزامه ، فساقه تفكيره إلى ابن أخيه الذي اشتهرَ بالفسادِ والفسقِ والمعاصي ، فقال له : أريدُكَ أن تأخذَ ابني ماجد إلى رحلةٍ ترفيهيةٍ في إحدى الدولِ الأوربية ، فجاءَ ابن عمَِ ماجدَ فقال له : ما رأيكَ يا ماجد أن نسافرَ إلى أسبانيا فهناكَ المعالمُ والآثارُ الإسلامية التي ستعجبكَ كثيراً ، فوافقَ ماجد دونَ تردد فهو لا يزالُ طالباً وانطلت عليه حيلةُ أبيه وابنَ عمّه ، فحلّقت بهم طائرةُ الأحزانِ إلى أين ؟ إلى مدريد حيثُ التعرّي والانحلال ، ومرّ الأسبوعُ الأوّل وكانَ ماجدٌ ثابتاً محافظاً على أذكاره وصلواته ، وابنُ عمّه يوسوسُ له ويهمسُ إليه ما رأيكَ أن نذهبَ إلى قاعةٍ الألعاب فليس فيها ما يعكّرُ صفوك ، فذهب ماجدٌ ليرى في الطرقاتِ النساءَ المتبرّجات ، والملاهي الليليةِ التي زيّنها ابنُ عمّه له ، فوقعَ ماجدٌ في بئرِ الظلماتِ ، ومغبّةِ الشهوات ، ومستنقعِ المحرّمات ، لا تسألوني عن صلاته ، وعبادته ، وطاعاته فقد أصبحت نسياً منسياً فقد استبدلها ماجدُ بالسهراتِ ، والراقصات ، والأفلام ، والمومسات ، والفتيات ، فتهلّلت أساريرُ ابن عمّه المخادع وبرقت عينه بالخبثِ فقد استطاعَ أن يوقعَ ماجدَ في شَرَكه .
      هل تذكرونَ ماجد ذلكَ الشابَُّ الوقور ؟ هل تذكرونَ مداعبته لأمّه وأبيه ؟ هل تذكرونَ المصحفَ الذي كانَ يقرأُ منه ؟ هل تذكرونَ تلكَ الشعرات القليلة التي كانت تُزيّنُ وجهه ؟؟ هل تذكرونَ محافظته على الصلاةِ في جماعة ؟؟ هل وهل وهل ...
      وفي أحدِ ألأيامِ أعطاه ابنُ عمّه سيجارة محشوّة بنوعٍ فاخرٍ من المخدرات لا يتناولها إلا المحترفون ، وإذا بماجد بسقطُ صريعاً من تأثيرها وتخديرها ، فخشيَ ابن عمّه من حالته وظنّ أنه قد مات ، وبعدَ دقائقَ أفاقَ ماجدٌ واللهاثُ يستعرُ به ، والنشوةُ العارمةُ تجتاحه وتأسره لتجرّه إلى بحرِ الظلمات ، وعالمِ المخدّرات ، فباعَ ما يملك ، واتّصلَ بوالده : أبي كيف حالك ؟ أريدُ منكَ أن ترسلَ لي خمسةَ آلاف دولار ، ففرحَ الأبُ فرحاً كثيراً لأنّ ابنه قد تغيّر ، وكانَ ابن أخيه قد أخفى عنه وقوعَ ماجد في المخدّرات ، وفي إحدى الأيام الكئيبة وتحتَ جسرٍ مظلمٍ في مدريد في الساعةِ الرابعةِ فجراً كانَ ماجدُ يضربُ إبرةً من الهيروين في يده ، وتناهى إلى سمعه صوتٌ كانَ يتردّدُ في أذنيه يومياً : ( حيَّ على الصلاةِ حيّ على الفلاح ) تأثّر ماجدٌ وأرادَ تلبيةَ النداء إلا أنّ مفعولَ الإبرةِ والمخدّر كانَ أقوى فأقعدَ ماجداً طريحاً أسلمه النومُ على تلكَ الحال المزرية .
      وقَرُبَ موعدُ رجوعهما إلى أرضِ الوطن إلا أنّ ماجدَ أبى الرجوعَ وطلبَ من ابنِ عمّه تجديدَ الفيزا والمدّة ، وحاولَ ابن عمّه أن يقنعه بالعودة إلى الوطنِ وأسرته فقال ماجد والصراخ يعلوه : أنا لا وطنَ لي ، أنا لا بيتَ لي ، أنا لا أبَ لي ، أنا وطني وبيتي ووالدي ربعُ جرامٍ من المسحوقِ الأبيض ، فجاءَ اليومُ الذي ستقلعُ فيه الطائرة إلى بلدهم وماجدُ يرفضُ العودةَ ويودُّ البقاءَ في مدريد ، فاستعانَ ابن عمّه برجالِ الأمنِ في إيصالِ السوّاحِ المتخلّفينَ إلى الطائرة ، وداخلها تتعالى صرخاتُ ماجد من الألمِ ، وابنُ عمّه يحاولُ جاهداً كتمَ صوته ، فاقتربَ وصولهم فحطّتِ الطائرةُ لتحطّ مع عجلاتها كلُّ الآلامِ والأحزان على كاهلِ والده الذي كانَ متشوّقاً لرؤيةِ ابنه وابن أخيه ، وإذا به يرى من بعيد ابن أخيه بصحبةِ شابٍّ له زيٌّ غريب ، وقصّةُ شعرٍ بها لونٌ عجيب ، وقال : من تُرى ذلكَ الشخص ؟؟ وإذا به ماجد الذي ما إن وصلَ إلى أبيه حتّر رفعَ كفّه ليصفعَ والده بما أُوتيَ من قوّة ، فقال الأب : محالٌ أن يكونَ هذا ابني ماجد لقد كانَ فتىً وسيماً أبيضاً خلوقاً لماذ أراه أسوداً ؟ فهمَ إلى ابن أخيه ليضربه وقال له : ماذا فعلتَ بولدي أيها المجرم ؟؟ فقالَ له : هو من سلكَ طريقَ المخدرات ، فبكى الوالدُ بكاءً مريراً ، وهاله ما رآه في ابنه ، وندمَ على فَعْلته التي أقدمَ إليها ، وقد قامَ ماجدٌ بضربِ أبيه أكثرَ من مرّة حتى يعطيه مالاً لشراءِ حبوبٍ مخدّرة ، وكانَ الأبُ يخافُ كثيراً من صرخاتِ ولده ، واستغاثاته ، وتهديد نفسه بالسكّين ، فأخذه إلى أكثرِ من مستشفى ليعالجه ولكن تأخّرَ ذلك ، وأصبحَ الأبُ يشتري لماجدَ المخدّرات في سريّةٍ تامّة ، وبعدَ أيامٍ قلائل حُملتْ جنازة والدا ماجد بعدَ صلاةِ الفجرِ ، فقد قتلهما ماجدُ خنقاً لأنهما لا يملكانِ المالَ الكافي ليشتريَ به المخدّرات ، ومن خلفِ قضبانِ السجنِ كانت دموعُ ماجد تجري غزيرةً على وجنتيه وهو يقول : لماذا يا أبي ؟
      لماذا قدتني نحوَ الردى ، نحوَ الضياعْ ، نحوَ الهلاك ، نحوَ الدمار ؟؟ لماذا لم ترعى حقّ الأمانةِ التي أُنيطت بكَ اتجاهنا ؟؟ لماذا لم تحافظ على صلاحي ، واستقامتي ، وأخلاقي ؟؟


      نعم إخوتي الأحبّة قَصَصٌ يندى لها الجبينُ ألماً ، ويتفطّرُ لها القلب كمداً وأسىً ، ويقفُ العقلُ مشدوهاً من هولها وخاتمتها .
      آباءُ اليومِ همّمهم جمعُ المالِ ، والجريَ وراءَ الملذّاتِ والشهوات .
      آباءُ اليومِ يحزنونَ حينَ يرزقهم الله تعالى بأولادٍ صالحينَ يرفعونَ هامتهم نحو الثرّيا .
      آباءُ اليومِ لا يحزنون حين يروْنَ أبناءهم يتعاطونَ التدخينَ والمسكرات ، وسماعِ الأغاني ، والمحرّمات .
      آباءُ اليومِ يجلسونَ أمامَ القنواتِ الإباحيةِ وبقربهم أبناءهم فعجباً من هذه التربية .


      إخوتي واللهِ لقد مررتُ بموقفٍ لشابٍّ من قريتي أسالَ الدموعَ ، ونشرَ الأسى والحزنَ فيَّ .

      سالمٌ شابٌّ قرّرَ الالتزامَ ، والاستقامةَ على خطى الحبيبِ -صلّى الله عليه وسلّم- فلازمَ رفْقةً صالحةً كانوا يتواصوْنَ على زيارته ، ويلتقونَ به كثيراً ، فأرخى لحيته التي زادت وجهه وضاءةً وإشراقاً ، وسمْتاً جميلاً أخّاذا ، وقصّرَ ثوبه الذي اعتادَ إسباله ، ومضى في ركبِ الصحوةِ يمخرُ عبابَ الطريقِ الموصلِ إلى مرضاةِ ربِّ العالمين ، وكانَ أبوه في منأى عن الإستقامةِ ، ويكره الصالحين كثيراً ، فتنبّه لأمرِ ولده سالم ، وعنّفه بعدمِ الركونِ إلى أولئكَ الأخيار ، فقامَ أبوه بفعلٍ شنيعٍ لم أكن لأتصوّره أو يتصوّره الجميع . أتدرونَ ماذا فعل ؟؟
      لقد أخذَ ابنه قسْراً إلى محلِّ الحلاقةِ وأمره بحلقِ لحيته ، نعم لقد استلّتِ اللحيةُ من مكانها ، واعتزلَ سالمٌ الشبابَ ، وساءتْ أحواله ، وساءتْ معاملةِ أبيه له ، فساءت علاقته بزوجه ليطلّقها ويتفرّق أبناءه حيث ذهبوا للعيْشِ معَ أمّهم ، لا تسألوني عن سالمٍ أيها الأحباب فقد انتقلَ إلى قريةٍ أخرى ، وعادَ إلى ما كانَ عليه في السابق .

      فلماذا يا أبي ؟؟؟؟


      أعتذرُ على الإطالةِ التي لم أستطع اختصارها .
      الكاتب : أستاذ محمد الشكيلي.
      [/INDENT]