الإنفاق على بحوث التطوير.. تنافس محموم بين الدول والشركات لملاحقة عالم يتغير - جديد جريدة الرؤية

    • الإنفاق على بحوث التطوير.. تنافس محموم بين الدول والشركات لملاحقة عالم يتغير - جديد جريدة الرؤية

      الرؤية- مركز البحوث
      -


      أمريكا تتصدر والصين واليابان على إثرها
      بجلاء يمكن تعريف بحوث تطوير المنتجات بأنها "العمل الإبداعي الذي يتم على أساس نظامي؛ بهدف زيادة مخزون المعرفة، بما في ذلك معرفة الإنسان، الثقافة والمجتمع، واستخدام مخزون المعرفة هذا لإيجاد تطبيقات جديدة".
      وفي ظل التنافس المحموم بين الدول والشركات في عالم يتغيّر بسرعة، فقد بات من الضروري التركيز على قطاع البحث والتطوير بهدف مراجعة وتنقيح التصاميم والتقنيات المتوفرة، وزيادة كفاءة عمليات الإنتاج وتحسين المنتجات الحالية، وابتكار منتجات جديدة من أجل مواجهة المنافسين ومتابعة التغيرات المستمرة في رغبات الزبائن.
      بالإضافة للأهمية العلمية والتقنية، فإنّ نشاطات البحث والتطوير من الناحية الاقتصادية تعكس رغبة الدولة أو المؤسسة في أن تتنازل عن جزء من إيراداتها وأرباحها الحالية في سبيل تحسين كفاءتها وإيراداتها المستقبلية وذلك عبر توظيف جزء من الإيرادات في أنشطة بحثية يؤمل أن تؤتي ثمارها في المستقبل.
      إلا أنّ الكثير من الأبحاث قد لا تأتي بالنتائج المرجوة، وهو ما يطرح العديد من التحديات أمام ممولي الأبحاث.
      ففي مجال الأدوية في الولايات المتحدة مثلا ًفإنّ من كل عشرة أدوية محتملة تتجاوز الأبحاث الأساسية هناك دواء واحد فقط ينجح في تجاوز كل مراحل التطوير وينجح في الوصول إلى السوق.
      ولذا فمن الشائع في الولايات المتحدة أن تركز الجامعات على الأبحاث والتجارب الأساسية في مجال الأدوية في حين تكرس الشركات جهودها على تطوير الأدوية المحتملة التي تخرج بها نتائج أبحاث الجامعات.
      وتقوم العديد من الدول بتقديم الحوافز والإعفاءات الضريبية للشركات والمؤسسات التي تقوم بالبحث والتطوير. وفي كثير من الأحيان تدخل عدة شركات أو مراكز أبحاث أو دول معا في تحالفات للبحث والتطوير، ولعل أشهر تلك التحالفات هو برنامج الإطار السابع الخاص بدول الاتحاد الأوروبي.
      وبحسب مندوبية الاتحاد الأوروربي فإنّه: " تكمن المعرفة في صميم استراتيجية لشبونة للاتحاد الأوروبي لتصبح "أكثر حركة تنافسية في العالم تقوم على المعرفة الاقتصادية". ويعتبر 'مثلث المعرفة' - التعليم والبحث والابتكار - هو العامل الأساسي في الجهود الأوروبية لتلبية أهداف لشبونة الطموحة. ويتم تنفذ العديد من البرامج والمبادرات وتدابير الدعم على مستوى الاتحاد الأوروبي في دعم العلم والمعرفة. وجميع حزم برنامج الإطار السابع (FP7) متعلقة بمبادرات الاتحاد الأوروبي للبحوث وتلعب تحت سقف واحد دورًا حاسمًا في تحقيق أهداف النمو والتنافسية والعمالة؛ بالإضافة إلى برنامج إطار القدرة التنافسية والابتكار (CIP) الجديد، وبرامج التعليم والتدريب وصناديق البناء والتلاحم من أجل التقارب الإقليمي والقدرة التنافسية. وهو أيضًا ركيزة أساسية لمجال البحوث الأوروبية (ERA).
      وقد تمّ تصنيف الأهداف العريضة لـ FP7 إلى أربع فئات: التعاون، والأفكار والأفراد والقدرات. ولكل نوع من الأهداف هناك برنامج محدد يتوافق مع المجالات الرئيسية لسياسات البحوث في الاتحاد الأوروبي. وجميع البرامج المحددة تعمل معًا لتعزيز وتشجيع خلق الأعمدة الأوروبية للتميّز (العلمي)."
      وفي عام 2011 كان أكبر المنفقين على البحث والتطوير في العالم هم الولايات المتحدة (405.3 مليار دولار سنويا)، يليها الاتحاد الأوروبي (231 مليار دولار)، ثم الصين (153.7 مليار دولار) ثمّ اليابان (144.1 مليار دولار).
      وعند مقارنة الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول، فإنّ أكبر عشرة دول هي إسرائيل (4.5%)، السويد (3.7%)، فنلندة (3.45%)، اليابان (3.4%)، كوريا الجنوبية (3.2%)، سويسرا (2.9%)، آيسلندة (2.8%)، الولايات المتحدة (2.6%)، ألمانيا (2.5%) ثم النمسا (2.45%).
      وبشكل عام فإنّ متوسط ما تنفقه شركة صناعية في الولايات المتحدة على البحث والتطوير هو 3.5% من إيراداتها. إلا أنّ هذه النسبة تختلف بشدة من شركة إلى أخرى.
      فشركات التكنولوجيا العالية High-Tech تنفق نسب كبيرة من إيراداتها على الأبحاث. فشركة نوفارتس للأدوية مثلا ً تنفق 15.1% من إيراداتها على البحث والتطوير، وتصل النسبة في شركة مثل إريكسون إلى 24.9% من إيراداتها.
      أمّا في الخليج فليست هناك أرقام واضحة لبحوث التطوير وإن كانت هناك توصية صدرت عن مؤتمر الصناعيين الخليجيين الثالث عشر الذي عقد بالعاصمة السعودية الرياض منتصف يناير الماضي تطالب بضرورة زيادة الإنفاق على مراكز البحث والتطوير بصورة أكثر فاعلية، وتضمينها في إطار استراتيجيات وطنية للبحث العلمي ودعم وتشجيع التعاون بين القطاع الصناعي من جهة والجامعات ومراكز البحوث والتطوير من جهة أخرى في دول المجلس، إضافة دعم عملية البحث والتطوير في الشركات الصناعية، والعمل على تبني شباب دول المجلس في مجالات البحوث والتقنية للارتقاء بالصناعة الخليجية.
      وقال تقرير للأمم المتحدة بثّته وكالة أنباء رويترز منتصف نوفمبر 2011 إنّ الصين تجاوزت اليابان لتأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة في الانفاق على البحوث الصناعية والتطوير.
      وذكر تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة أنّ الاستثمار الصيني في البحوث الصناعية والتطوير ارتفع إلى 12.8 % من الإجمالي العالمي بعدما كان 2.2 % فقط في 1993.
      وتجاوز الاستثمار في البحوث والتطوير الذي تقوده شركات الصين وجامعاتها التي تمولها الدولة بسهولة ما تنفقه ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وهي الدول التي كانت تقترب من صدارة القائمة قبل عشرين عامًا.
      وأشارت المنظمة المعنية بحقوق الملكية الفكرية العالمية ونظام حقوق الاستنساخ إلى أنّ حصص هذه الدول انخفضت.
      وتعتبر البحوث الصناعية والتطوير المحرك الرئيسي للصناعات القائمة على التكنولوجيا لكنّها تحفز النمو في جميع القطاعات.
      وأظهر التقرير أيضًا ارتفاعًا حادًا في عدد الطلبات الصينية لبراءات الاختراع والعلامات التجارية وحماية الابتكارات التي تنتجها البحوث الصينية.
      واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في التصنيف العالمي للبحوث الصناعية والتطوير. لكن حصتها انخفضت 3.4 % لتصل إلى 33.4 % أي أنّها لا تزال تتفوق على الصين بمقدار مثلين ونصف.
      وقالت المنظمة إنّ القطاع العام هو الممول الرئيسي للبحث والتطوير في معظم البلدان متوسطة الدخل ومعظمها في أمريكا اللاتينية وآسيا. ويبلغ نصيب البرازيل الآن 1.8 بالمئة من الإجمالي العالمي.
      * قطاع التكنولوجيا
      على الرغم من تراجع الإنفاق على الأبحاث والتطوير بعض الشي بسبب الأزمة المالية العالمية، احتفظت صناعة الكمبيوتر والإلكترونيات بمرتبتها كالقطاع الأكثر إنفاقا على الابتكار، فيما بقيت صناعة السيّارات في المرتبة الثالثة. واحتلت الرعاية الصحية المرتبة الثانية حيث ارتفع الإنفاق على الأبحاث والتطوير فيها بنسبة 5 .1%، وهي أقل بكثير من نسبة نمو عائدات هذه الصناعة البالغة 6%.
      وعرفت اليابان أكبر نسبة انخفاض للانفاق على الأبحاث والتطوير وفق مناطق وجود مقرات الشركات.
      وبالنظر إلى الأثر الإجمالي للركود على الانفاق على الابتكار، خفضت الشركات التي تقوم مقرّاتها في المناطق الأكثر تأثرًا بالأزمة الاقتصادية إنفاقها على الأبحاث والتطوير أكثر من سواها عموماً. تراجع الإنفاق على الأبحاث والتطوير لدى الشركات التي تقع مقراتها في اليابان بنسبة 8 .10%، فيما تراجع في أمريكا الشمالية 8 .2%، وفي أوروبا 2 .0% فقط. في المقابل، رفعت الشركات التي تقوم مقراتها في الصين والهند إنفاقها على الأبحاث والتطوير بنسبة 8.4%، علما أنّ ذلك يبقى ضمن إطار صغير عالميًا، لأنّ هذه الشركات تمثل 1% فقط من مجمل إنفاق الشركات العالمية على الابتكار.
      * صناعة الدواء
      ولأن الطب آخد في التقدم بصفة مستمرة يتحتم على شركات صناعة الدواء العالمية زيادة الإنفاق على بحوث التطوير فعلى سبيل المثال ضاعفت شركة "جلفار" حجم إنفاقها على البحوث العلمية بهدف تطوير إنتاج أدوية التقنية الحيوية ضمن استراتيجيتها لهذا العام.
      مدفوعة بأنّ صناعة الدواء في المنطقة شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية بسبب التقدّم العلمي وارتفاع مستوى معيشة الأفراد في هذه البلدان.
      كما أنّ سوق الدواء العربي ينمو بمعدل 10% سنويا وبلغ خلال العام الماضي 8 مليارات دولار.
      وهذا الرقم مرشح للزيادة خلال السنوات القادمة بفضل اكتشاف علاج لعديد من الأمراض إلى جانب ارتفاع نسبة الإنفاق على العلاج قياسًا بمستوى الدخل،
      وعالميا أفادت تحليلات صدرت عن بنك دوتشه بخصوص أكبر سبع شركات مصنعة للأدوية في أوروبا بأنّها أنفقت 161 مليار دولار على البحث والتطوير في الفترة من 2007 – 2011 لإنتاج أدوية بقيمة صافية حالية تبلغ 86 مليار دولار فقط.
      وكانت شركة نوفاريتس الوحيدة التي كسبت أكثر مما أنفقت، كما أنّ شركة جلاكسو سميث كلاين، وشركة باير، استعادتا نسبة كبيرة من تكاليفهما. وكان أداء شركة أستراينيكا هو الأسوأ.
      بحوث النفط
      وتُعد صناعة البترول بحكم عالميتها أولاً، وبالنسبة الكبيرة التي تشكِّلها من إجمالي التبادل العالمي ثانياً من أفضل الأمثلة على الدور الذي يمكن أن يلعبه تطوير عناصر الصناعة على تقدِّمها ككل ورفع مستوى أدائها.
      كما يُعد البحث وتطوير التقنيات في عالم صناعة البترول تحديداً أمراً بالغ الأهمية في حد ذاته من جهة، ومن جهة ثانية لأن هذه الصناعة تواجه اليوم تحدياً تاريخياً يتمثَّل في المحافظة على سعر لبرميل النفط مقبول عند كل من المنتج والمستهلك، وفي تأمين الطلب المتزايد على البترول الذي يتوقع أن يصل إلى أكثر من 100 مليون برميل يومياً بحلول العام 2015م.
      ويُعد الاستثمار والإنفاق على البحث والتطوير من المؤشرات المهمة والأكثر ارتباطاً بالحالة التنافسية لأية شركة ومدى قوتها أو ضعفها في السوق مقارنة مع الشركات العاملة في نفس المجال.
      ويشجِّع النشاط والزيادة في الإنفاق على البحث والتطوير التصور الداخلي لأية شركة فيما يتعلق بالفرص والأسواق المستقبلية لمنتج ما أو عملية جديدة.
      وبصورة عامة، فإنّ الإنفاق على البحث والتطوير في صناعة البترول والغاز يشمل النفقات المترتبة على الأبحاث الأساسية والتطبيقية، إضافة إلى النفقات غير البحثية المرتبطة بتطوير المنتجات والعمليات والخدمات الفنية.
      وتتضمَّن الأبحاث الأساسية المعرفة العلمية غير المرتبطة بأهداف تجارية، بالرغم من إمكانية وجود اهتمام تجاري بتلك الأبحاث.
      أما الأبحاث التطبيقية فتتضمَّن اكتشاف المعرفة العلمية الجديدة ذات الأهداف التجارية المحددة بالمنتجات أو العمليات أو الخدمات.
      ويتم تعريف التطوير بأنه الاستخدام والتطبيق المنظَّم للمعرفة أو لنتائج الأبحاث لإنتاج مواد أو أجهزة أو أنظمة أو وسائل، بما في ذلك تصميم وتطوير العمليات.
      وتعد شركات البترول العالمية والجامعات ومراكز البحث المتخصصة من أهم المؤسسات التي تقوم بالأبحاث والدراسات المتعلِّقة بتطوير تقنيات جديدة للصناعة البترولية.
      وبالرغم من الإسهامات الكبيرة والمؤثرة لصناعة البترول والغاز في الاقتصاد العالمي واعتمادها على التقنيات الحديثة ووجود أكثر من 3500 شركة بترول في العالم، فإنّ حجم الإنفاق العالمي على البحث والتطوير في هذه الصناعة يُعد ضئيلاً إذا ما قورن بما هو عليه في الصناعات الكبرى الأخرى، إذ إنّه لا يتعدى 1.4% من إجمالي الإنفاق على الأبحاث الصناعية. ويأتي الإنفاق العالمي على أبحاث تقنية المعلومات في المقدمة، تليه أبحاث صناعة السيارات، وأبحاث الصناعات الدوائية كما سبق ذكره.