"الفاو".. سباق مع الزمن لتوفير غذاء آمن لمليار جائع - جديد جريدة الرؤية

    • "الفاو".. سباق مع الزمن لتوفير غذاء آمن لمليار جائع - جديد جريدة الرؤية


      الرؤية- خالد البحيري
      -


      بميزانية 1.5 مليار دولار و2000 مشروع وبرنامج ميداني
      تشهد كثير من البلدان والأقاليم الأشد فقراً في العالم تضاعف عدد سكانه بين العامين 2000 و2050، وسوف يقفز عدد سكان إفريقيا مثلاً من 820 مليون إلى ملياري نسمة؛ لذلك سيتعين على المزارعين والمزارعات في إفريقيا والأمم النامية الأخرى إنتاج أكثر من ضعفي كمية الأغذية التي ينتجونها حالياً.
      وما يجعل هذا التحدي - الذي هو مسألة حياة أو موت - أكثر إحباطاً هو وجود عدد من المعوقات؛ من بينها: تغير المناخ وما يصاحبه من ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة حالات الجفاف، والفيضانات التي تؤدي إلى نزوح المزارعين عن أراضيهم وتدمير سبل معيشة السكان.
      .. وهنا يبرز دور منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أو اختصاراً منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)؛ وهي إحدى المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، والتي تقود الجهود الدولية للقضاء على الجوع في العالم. ويقوم بإدارتها حالياً السنغالي جاك ضيوف.
      وتقوم الفاو بخدمة الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، وتعمل كمنتدى محايد حيث تتقابل الأمم كلها على أساس الند للند لمفاوضة الاتفاقيات وسياسات المناقشة.
      وتعتبر الفاو أيضا مصدرًا للمعرفة والمعلومات الدقيقة وتقوم بمساعدة البلدان النامية والبلدان في مرحلة التطور على تطوير وتحسين ممارسات الزراعة، الغابات ومصايد الأسماك.. كافلة بذلك التغذية الجيدة والأمن الغذائي للجميع.
      وشعار المنظمة باللاتينية هو (fiat panis)، والذي يترجم إلى العربية بـ"أوجدوا خبزاً".
      وقد تم تأسيس منظمة الأغذية والزراعة في السادس عشر من أكتوبر من العام 1945 في مدينة كويبيك الكندية.. وفي العام 1951 تم نقل المقر الرئيسي للمنظمة من واشنطن إلى روما.
      تطور النشاطات
      وقد تطورت نشاطات المنظمة الميدانية خلال الـ20 سنة الماضية كي تتلاءم على نحو أفضل مع احتياجات الشركاء، مما أدى إلى تغييرات ملموسة في مجالات التركيز والنهُج المتبعة.
      وباتت النشاطات الميدانية الآن تقوم على أساس تنسيق الأولويات القطرية مع الأهداف التنظيمية؛ وذلك جنباً الى جنب مع التأهب للتعامل مع العدد المتصاعد من حالات الطوارئ التي تواجه الأمن الغذائي في البلدان الفقيرة والاستجابة لها، لكن النشاطات الميدانية لا تعمل إلا بصورة ترادفية مع خدمات المنظمة الأخرى.
      فقد يثبت أحد مشروعات المنظمة الميدانية نجاعة أسلوب زراعي جديد واعد مثلاً، غير أنه إن لم يكن لدى الحكومة القدرة على نشر استخدام هذا الأسلوب من خلال أعمالٍ مثل تدريب المزارعين والسياسات الداعمة والاستثمار، فما الفائدة منه؟
      ولذلك تقوم المنظمة بمساندة الحكومات في هذه المجالات كافة بغية المحافظة على استمرار زخم العمل.
      ويعود برنامج العمل الميداني لدى المنظمة في بدايته الى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، حينما كان هدفه تقديم المساعدات العملية لمحاربة الجوع. ومنذ ذلك الحين جمعت المنظمة ثروة ضخمة من القدرات والخبرات الفنية بشأن التنمية الريفية والزراعية.
      وباتت تدير المنظمة ما يربو على 2000 مشروع وبرنامج ميداني بميزانية متاحة تقرب من 1.5 مليار دولار.
      وتنفق المنظمة ما يقرب من نصف مجموع مواردها على برنامج عملها الميداني، وهي أعلى نسبة مخصصات في تاريخها. غير أن ما تقدمه ميزانية المنظمة العادية لا يتجاوز الستة في المائة من تمويل البرنامج، ويأتي الباقي من المساهمات الطوعية وصناديق الائتمان المتعددة.
      وتغطي النشاطات الميدانية مجموعة واسعة من المبادرات التي تتراوح بين مكافحة الأمراض الحيوانية أو النباتية العابرة للبلدان أو الأقاليم وبين تجديد مرافق تخزين الحبوب القروية وتقديم المشورة في مجال السياسات، ولكن ازدياد حالات الطوارئ خلال العقد الماضي يجلب معه فرصاً جديدة، كما يزيد من ضرورة سرعة تنفيذ استعجال أعمال المنظمة في الميدان.
      وينجم كثير من الكوارث الجديدة عن تغير المناخ، ومنها مثلاً فيضانات باكستان في 2010، وموجة الجفاف التي تعرض لها القرن الإفريقي. كما أن الأزمات السياسية خلال العقد الماضي لم تزد من حيث العدد فحسب، بل ازداد تعقيدها وتأثيرها وطول مدتها الزمنية.
      كما أن صغار المزارعين وصيادي الأسماك وسكان الغابات الذين يشكلون 75 في المائة من المليار جائع في العالم يعتمدون بصورة كلية في أمنهم الغذائي وسبل معيشتهم على الزراعة والمشروعات التجارية الصغيرة ذات الصلة.
      وعندما تحل الكارثة، يكونوا معرضين لفقدان بعض أصولهم أو كلها. لذلك بات نهج المنظمة يركز حالياً على مساعدة الأسر المعرضة كي تصبح أكثر قدرة على الصمود أمام الكوارث، بل وفيما هو أفضل من ذلك وهو تجهيزها للاحتياط للأزمات والتعامل معها حينما تقع.
      فكرة إدماج التنمية
      وبمرور الوقت، ركزت المنظمة على تحديد أفضل خليط من التدخلات للتعامل مع كل نوع من الأزمات بعينه. مما تمخض عن نهج يقوم على إدماج التنمية ضمن سياق الحالة الطارئة. ففي مرحلة ما بعد فيضان 2010 في باكستان مثلاً كان تقديم المعونات الغذائية الفورية أمراً حاسماً. غير أنه كان من الضروري كذلك المحافظة على الثروة الحيوانية وضمان توفر القدرة لدى المزارعين على زراعة محاصيلهم وريّها في المدى المتوسط.
      وفي 2007 لاح فجر حقبة من تقلب أسعار المواد الغذائية، مما ألحق الضرر بفقراء المزارعين وفقراء المستهلكين على حد سواء. فقامت المنظمة في ديسمبر 2007 بإطلاق مبادرة مكافحة ارتفاع أسعار المواد الغذائية من اجل مساعدة صغار المزارعين في زراعة المزيد من الأغذية واكتساب المزيد من المال.
      كذلك أرسلت المنظمة منذ ذلك الحين فرق تقديرات مشتركة بين الوكالات إلى نحو 60 بلداً، وقامت بتنفيذ مشروعات في 25 بلداً آخر. كما قدمت المشورة للحكومات في مجال السياسات وحسّنت مستوى رصد أسعار المواد الغذائية من خلال النظام العالمي للإعلام والإنذار المبكر بشأن الأغذية والزراعة.
      كذلك حدا اتجاه آخر في برنامج العمل الميداني بالمنظمة للعمل يداً بيد مع المصارف الإنمائية والحكومات القطرية والبلدية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الشعبية لصوغ برامج للتنمية الزراعية والريفية مملوكة ومدارة ومموّلة جزئياً من جانب الحكومات ذاتها.
      فقد ساعدت المنظمة بنجلاديش في الآونة الأخيرة في تطوير خطة استثمارية قطرية في مجالات الزراعة والأمن الغذائي والتغذية. مما أدى إلى حصول هذا القطر على منحة قيمتها 50 مليون دولار من البنك الدولي تستخدم المنظمة جزءاًً صغيراً منها لتعزيز قدرات بنجلاديش على تنفيذ الخطة.
      وبالاضافة إلى ذلك، باتت بلدان متوسطة الدخل كالصين تدخل على نحو متصاعد كشركاء في مجال التعاون الإنمائي؛ حيث بدأت تقدم المساندة المالية أو العينية من خلال المنظمة بغية مساعدة بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض في تحقيق أولوياتها القطرية، كما تقوم البرازيل بتمويل برنامج عمل ميداني كبير داخل القطر ذاته.
      وقامت المنظمة مع مرور الوقت بتحويل جزء كبير من عملياتها إلى اللامركزية، وهو إجراء لم يؤدِّ إلى خفض التكاليف فحسب، بل أدى كذلك إلى إرسال المزيد من المسؤولين الفنيين للعمل في الميدان؛ حيث يكفل قربهم من أماكن عملهم بناء سياسات المساعدة القطرية لدى المنظمة على أساس الفهم العميق والشامل لنقاط الالتقاء بين أولويات الحكومات والميزات النسبية التي تتمتع بها المنظمة؛ إذ يتمثل الهدف الكلي لبرنامج العمل الميداني، شأنه في ذلك شأن كافة أعمال المنظمة، في ضمان وصول الناس إلى الغذاء عالي الجودة والكافي ليعيشوا حياة مفعمة بالنشاط والصحة.
      إنجازات المنظمة
      وقد أطلقت المنظمة موقعاً على الإنترنت بهدف تقديم أحدث المعلومات بشأن سلالة (Ug99) المهلكة من مرض صدأ ساق القمح. ويقوم الموقع كذلك برصد السلالات الجديدة من هذا المرض وتيسير الوصول إلى بيانات موثوقة على نطاق عالمي.
      ويذكر أن سلالة (Ug99) تشكل تهديداً خطيراً لمحصول القمح العالمي وتسبب خسائر تقدر بملايين الدولارات من هذا المحصول. ويعدّ هذا الرصد أمراً حاسماً لأن 90 في المائة من أصناف القمح المستخدمة في العالم معرضة للإصابة بالأنواع السبعة المعروفة من سلالة (Ug99) وقد تم تجهيز موقع (Rust Spore) بالتعاون مع مبادرة بورلوج العالمية بشأن صدأ القمح.
      ومن الإنجازات أيضا ما قامت به هيئة الدستور الغذائي، فقد وضعت حدوداً قصوى جديدة لمادة الميلامين في الأغذية والأعلاف: (1 ملليجرام/كيلوجرام في مسحوق حليب الأطفال و2.5 ملليجرام/كيلوجرام في باقي الأغذية وأعلاف الحيوان). فقد اكتشفت خلال السنوات القليلة الماضية مستويات عالية من الميلامين في منتجات غذائية متنوعة؛ من بينها: حليب الأطفال، وأغذية الحيوانات المنزلية؛ مما أدى إلى الإصابة بالمرض والموت.
      وكانت هذه المستويات قد نجمت عن الإضافة المتعمدة لمادة الميلامين بغية زيادة المحتوى البروتيني الظاهري في المنتجات الغذائية. كما وضعت الهيئة تدابير لحماية السلطات الطازجة من التقاط العوامل الممرضة كالسَّلمونيلَّة وإي. كولاي وفيروس التهاب الكبد A، إضافة إلى مكافحة البكتيريا من نوع فيبريو في الأغذية البحرية. وتم كذلك وضع حدود وتدابير للأفلاتوكسينات، وهي سموم فطرية مسرطنة يمكن أن تلوث الذرة الصفراء والفول السوداني ومحاصيل غذائية أخرى كالجوزيات الشجرية.
      ويحسب للمنظمة فإنها باتت الآن تتيح الوصول بصورة مجانية وعلى الإنترنت مباشرة إلى قاعدة بياناتها الإحصائية - أكبر قاعدة بيانات ومعلومات بشأن الأغذية والجوع والزراعة في العالم - والتي شكلت ما يزيد على مليون نقطة من المعلومات من 210 بلداًن ومنطقة. وتساعد هذه القاعدة المجهزة للاستخدام من جانب صانعي السياسات والخبراء الاقتصاديين والمخططين على فهم أماكن انتشار الجوع وأسبابه، كما تبرز أهمية الأرقام وقوتها في الحرب الدائرة للتخفيف من وطأة الفقر والجوع. كما باتت قاعدة البيانات تستخدم بالفعل من جانب وكالات الأمم المتحدة والسلطات الإنمائية القطرية والجهات المتبرعة ومنظمات المعونات الدولية والمنظمات غير الحكومية، إضافة إلى الأكاديميين والمستثمرين والمزارعين. ويذكر أن المنظمة تقوم بجمع هذه البيانات منذ العام 1961.