تونس - موفدة الرؤية - سعاد العريمية
-
- سفير السلطنة: التظاهرة رافد لتوطيد العلاقات بين البلدين
مدير "اليونسكو": فرصة للاطلاع على منجزات الثقافة والتراث في السلطنة
اعتبر معالي المهدي مبروك وزير الثقافة التونسي الأيام الثقافية العمانية في تونس، جسر محبة وتواصل وتعارف لنقل المعرفة من عُمان إلى تونس ومن تونس إلى عُمان.
وقال مبروك بمناسبة انطلاق فعاليات الأيام الثقافية: "إنها فرصة للالتقاء بالمبدعين والمثقفي العمانيين والصحفيين والإعلاميين والدبلوماسيين للتعريف بهذه الحضارة العربية الضاربة في الجذور، والتي وصلت اشعاعاتها في يوم من الأيام إلى مختلف قارات العالم أفريقيا وأمريكا وآسيا".
وأضاف: "لقد اطلعنا من خلال قراءتنا في الكتب على الثقافة العمانية العريقة، أما اليوم فنحن نتعرف عليها عن طريق المثقف العماني وعن كثب" .
وأكد مبروك على وجود قواسم مشتركة بين السلطنة وتونس، قائلا: "بيننا وأشقائنا في السلطنة قواسم مشتركة، فلدينا حضارة وثقافة مشتركة تتفرد فيها الثقافة بالمعنى الانثروبولجي للكلمة.
وقال: إن مثل هذه التظاهرات من شأنها أن تدعم أواصر التقارب بين الشعبين الشقيقين، إلى جانب أنها فرصة للاكتشاف المتبادل لثراء المخزون الثقافي. كما أن من شأنه أن يقرب المسافات ويجعل الصور المتبادلة وتمثلاتها عن بعضها البعض أكثر وضوحا ودقة.
وأضاف: اعتقد أنها مبادرة مهمة، واشكر المنظمين والقائمين عليها، وهم نادي اليونسكو المدينة وسفارة السلطنة في تونس وجمعية الأدباء والكتاب العمانية. وتمنى في ختام حديثه تكثيف هذا الحضور من خلال تواجد العمانيين في معرض الكتاب ومهرجان قرطاج وغيرها من المناسبات الثقافية مما يحفز ويفعل التبادل الثقافي، ويجسد اللحمة وأواصر التآخي بين الشعبين.
ترسيخ أواصر التعاون
من جهته أعرب سعادة حسين بن عمر بن عبدالله آل إبراهيم سفير السلطنة المعتمد لدى تونس عن سعادته بهذه المناسبة .
وقال: لقد لمست من خلال تجوالي في معرض الكتاب والصور أن الكتاب العماني تطرق لمختلف نواحي الحياة الثقافية والحضارية، مؤكدا أن إقامة مثل هذه الفعاليات تجسد وترسخ أواصر التعاون والتآخي والتواصل بين البلدين .
واعتبر التظاهرة رافدا لتوطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، معربا عن أمله في استمرار التواصل لما فيه خير الشعبين والبلدين .
وقال آل إبراهيم :إن الثقافة مرآة تعكس ثقافة الشعوب وتطورها، إلى جانب أن الحضارة العمانية حضارة عريقة ومعروفة منذ القدم .
وحول الحضور اللافت الذي حظى به افتتاح الأيام الثقافية العمانية التونسية، قال: إن عمان بلد محبوب لدى العالم العربي والغربي، وعندما علمنا بتنظيم هذه الفعالية بعثنا دعوات للسفارات والمنظمات العربية والدولية، فكان التجاوب كبيرا للتعرف على الحضارة العمانية .
وقال: إن ما وصلت إليه عمان اليوم يأتي بفضل اهتمام ورعاية حضرة صاحب الجلالة للإنسان العماني، وتأكيده على تنمية الموارد البشرية.
من جانبه أشار المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة "اليونسكو" إلى أن أهمية تنظيم هذه الفعالية في اطلاع الجمهور والمثقفين التونسيين على أهم ما يدور في عمان من حراك ثقافي فني وإبداعي. واعتبرها فرصة مناسبة للاطلاع على منجزات الثقافة والتراث في السلطنة.
وأثنى على ما تميزت به السلطنة من حرص على التوازن بين صيانة التراث ومحافظتها على هويتها الأصيلة والحداثة من جهة أخرى، ودخولها بخطى ثابتة إلى العصر الحديث ومواكبتها له .
منوها بجهود السلطنة في مجال ترميم وصيانة الموروثات والمعالم المادية وغير المادية، والاهتمام المتناهي من جلالة السلطان ورعايته السامية للتعبيرات الفنية والعصرية متمثلة في الاوركسترا السلطانية وإنشاء دار الأوبرا السلطانية والتوفيق بين كل تلك الجوانب التراثية والثقافية والإبداعية بين الماضي والحاضر والمستقبل.
ختامه .. شعر
وتختتم غدا الأيام الثقافية بيوم الشعر ويتضمن جلسة شعرية مشتركة بين السلطنة وتونس مع وصلة موسيقية تونسية بمشاركة الشاعر سماء عيسى والشاعر محمود السليمي والشاعر عبدالرزاق الربيعي والشاعر محمد الحضرمي والشاعر النبطي خميس السلطي ومشاركة شاعرين تونسيين. إضافة إلى تقديم مداخلة نقدية عن المشهد القصصي في تونس تقدمها حياة الرايس.
وكانت قد تواصلت أمس ولليوم الثاني على التوالي فعاليات الأيام الثقافية العمانية، بحضور لافت من الجمهور التونسي. ونظمت جمعية الأدباء والكتاب مساء أمس محاضرات، تعكس الواقع الثقافي العماني بجميع تجلياته الأدبية والفكرية والاجتماعية، من بينها محاضرة حول "المدرسة السلوكية في الشعر العماني" قدمها الباحث الدكتور محمود السليمي تتحدث حول، المصطلح في المنتج الأدبي السلوكي بين المواضعة المعجمية والمواضعة السلوكية، من خلال ثلاثة من أعلام: الأدب السلوكي في عمان، هم: الشيخ جاعد بن خميس الخروصي، والشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، والشاعر أبي مسلم ناصر بن سالم بن عديم الرواحي البهلاني ممهدا لذلك بالتعريف بالمدرسة السلوكية، وواقفا على مفهوم مصطلح السلوك، وما يفرقه عن مفهوم التصوف والسمات الفارقة بينهما، ليعالج بعد ذلك أبعاد المصطلح السلوكي ومراميه .
الثقافة المجتمعية
ثم تم تقديم ورقة أخرى بعنوان "الهوية المجتمعية في التراث الثقافي العماني" قدمتها الدكتورة عائشة الدرمكية تناولت فيها الكاتبة محورين: المحور الأول.. ويتناول الحياة المجتمعية والإنتاج الفكري والثقافي في عمان، أما المحور الثاني فتناول فيه اللغة والتراث الثقافي الشفاهي في عمان تؤكد فيها على أن عمان بوصفها دولة ذات سمات حضارية ومجتمعية خاصة تتميز - رغم تطورها ونمائها الاقتصادي والتنموي السريع - بأنها تتمركز على حالة الثبات تلك حتى تضمن وصل الأفراد بماضيهم الذي تعتبره منطلقاً وموجهاً للحياة في الحاضر كونه منتجاً عاماً وليس خاصاً بفرد ما.
عرفت فيها الكاتبة في بداية استعراض ورقتها: أن الثقافة المجتمعية ظاهرة نشأت مع الإنسان منذ ولادة الخليقة فلا يمكن أن يكون هناك شعب أو أمة بلا ثقافة فهي مستمرة ومتغيرة في الوقت ذاته، تتغير وتتطور بتغير حياة الفرد وتطور وسائله وعلاقاته ولغته وأدبه وفكره وتواصله مع ذاته ومع الآخر، ضمن المجموعة الثقافية أو خارجها كلما اتسع نطاق تواصله، غير أن هذا التغير والتطور يكشف عن حالة ثبات واضحة في تلك الثقافات، هذا الثبات يكشف عن تلك العلاقة بين الأزمنة المتلاحقة والمتواصلة بوساطة الفرد والجماعة .
وقالت: سلطنة عمان بوصفها دولة ذات سمات حضارية ومجتمعية خاصة تتميز - رغم تطورها ونمائها الاقتصادي والتنموي السريع - بأنها تتمركز على حالة الثبات تلك حتى تضمن وصل الأفراد بماضيهم الذي تعتبره منطلقاً وموجهاً للحياة في الحاضر كونه منتجاً عاماً وليس خاصاً بفرد ما، فما يميز مواد التراث الثقافي في عمان شيئين هما التداول والتراثية؛ بمعنى أن هذه المواد يجب أن تكون متداولة وأن تكون مأثورة.
وحين تناولها للمحور الأول الطبيعة الجغرافية والحضارية والإنتاج الفكري قالت الدرمكية إن سلطنة عمان من أكثر بلدان الجزيرة العربية تنوعاً من الناحية الجغرافية فهي تمتد على مساحة تبلغ أكثر من 300.000 كيلو متر مربع تمتزج فيها الصحاري الرملية بالسهول الخصبة والجبال الخضراء في الشمال، مع تألق جبال وسهول محافظة ظفار في الجنوب؛ حيث تشغل السلطنة الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية ويحدها بحر عمان من الجانب الشمالي الشرقي، وترتبط في حدودها البرية مع المملكة العربية السعودية من الغرب، والجمهورية اليمنية من الجنوب الغربي، بينما تحدها دولة الإمارات العربية المتحدة من الشمال الغربي .
إن هذا التنوع ما بين السهول الصحراوية الحجرية، والمناطق الرملية والجبلية والخطوط الساحلية يجعل منها أرضاً خصبة للتنوع الفكري والثقافي؛ فحيث يعيش الإنسان يوجد له طرائق ووسائل حياة مناسبة لظروف بيئته الطبيعية والاجتماعية؛ إن يبدع كل يوم شيئاً جديداً يؤكد به وجوده الإنساني معبرا به عن كفاياته الفكرية والحسية والوجدانية، من خلال ممارسته لقدراته العقيلة والمادية وتذوقه الأخلاقي والفني لجوانب الحياة فكوَّن الإنسان على أرضه وبين مجتمعه شكل الثقافة التي تعبر عن ذاته وعن جوانب الحياة التي تحف به وعلاقاته بمن يشاركونها الحياة.
وعلى ذلك فإن الإنسان العماني أبدع خلال مسيرته الحياتية الاجتماعية والحضارية أنماطاً من العيش ليست مادية فقط بل فكرية وروحية وفلسفية شكَّلت عمق الثقافة العمانية، وهذه الثقافة اختلفت باختلاف الطبيعة الجغرافية والحضارية للمنطقة، وعلى أن مصطلح (تراث) كما يقول محمد عابد الجابري في كتابه (الحداثة والتراث) هو ذلك الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني "وهو مصطلح لم يكون موجوداً في الثقافة القديمة لدى الأسلاف وإنما ظهر في العصر الحديث ليعبر عن كل ما ورثناه من أجدادنا في المجالات الفكرية والثقافية جميعاً، ولعل ذلك مرجعه إلى التسارع الكبير في المتغيرات التنموية والاقتصادية التي تدخل في صراع مع ما أطلقنا عليه (تراث) .
وقالت: إن الأدب الفصيح والأدب الشعبي وجهان لعملة واحدة هي التراث الإنساني، ومنزلة الأدب الشعبي في إثراء التراث لا تقل في أهميتها وفعاليتها عن الشعر الفصيح، ولكنها تغنيه وتثريه وتزيده عمقاً وتأصيلاً؛ وذلك لما للأدب الشعبي بحكم تكوينه ومجال انطلاقه وممارساته من مقدرة فعالة في تغطية الجوانب الدقيقة لحياة المجتمع وعلاقاته الخاصة؛ فالأدب الشعبي عامة يمثل عمق هذا التراث وبؤرته من حيث أنه يشغل حيزاً كبيراً من حياة الإنسان وفكره بل ومخزون ثقافته عموماً . ووصف الشعر الشعبي بأنه تراث لا يخرج عن كونه مجموع البُنى الشعرية التي ورثناها عن الأجداد وهذه البُنى الشعرية تمثل قوالب محددة في أسلوبها ولغتها وأدائها وإيقاعها ونحن نجد ذلك في تلك القوالب التي ورثناها من الأجداد عبر الفنون الشعبية كالميدان، والرزحة، والهبوت، والعازي، وغيرها.
مستشهدة من بين تلك القوالب ما يقوله الشاعر الشيخ عامر بن سليمان الشعيبي، في قصيدته (بيت العنكبوت).
التراث الشفاهي
أما المحور الثاني اللغة والتراث الثقافي الشفاهي في عمان، فقد استعرضت فيه اختلاف اللغات والإنتاج الفكري بوصف إن التراث الثقافي نشاط نابع من اللاشعور الجمعي، وعنه تصدر الأفعال والتعبيرات الواعية التي لا يمكن إدراك مغزاها إلاَّ إذا بحثنا عن جذورها النفسية؛ فمحتوى التراث في بناه ودلالاته ورموزه وإشاراته وقيمه ومعارفه المتنوعة من روحية وأدبية ودستورية وفنية وأخلاقية ونفسية وأيديولوجية وفكرية ذات أنماط وتجارب مادية وروحية تختلف من حيث شكل وأسلوب التعامل، بيد أنها لا تختلف في طبائع الأشياء وقيمها ودلالاتها ونزعاتها الأخلاقية والنفسية والمعتقدات المعرفية والإنسانية .
مستخلصة في وقتها إلى إن الحركة أو التحول من مرحلة إلى مرحلة على كل المستويات تعد قانوناً أساسياً للوجود، فالبشر لا يظلون على حال واحد، وإنما يتغيرون داخلياً وخارجياً. ومع كل مرحلة من مراحل التغير يكتسب الفرد الإنساني شكلاً جديداً، ويكتسب بالضرورة وعياً جديداً يتسابق مع لحظته الحضارية، وإذا كان التحول أو فطرية الحركة تعد قانوناً أساسياً للوجود فإن الأمر في الأدب وفي الشعر يندرج في ذلك الإطار، فالشعر يتغير من زمن إلى آخر، مع تغير مفهومه الناتج حتماً من الارتباط بلحظة حضارية يشارك في تشكيل ملامحها عبر تاريخ حضاري مستمر، على هذا الأساس سنجد أن الشعر الشعبي في عمان استمد من تراث الأجداد ما يصقل به موهبة الأبناء الذين نسجوا الشعر ونظموه في قوالب الفنون الشعبية والإنشاد، بل خرجوا في بعض الأحيان إلى عوالم جديدة تنسج لها خطوط الفكر الحديث ضمن منضومة اجتماعية لا تخرج عن المؤسسة الاجتماعية العامة.
إن كل قصيدة شعرية هنا تهدف إلى تفسير جانب من جوانب الحياة، ولهذا فإنها تعد مجموعة من صنع العقلية المفسرة القادرة على استغلال اللغة في كلتا وظيفتيها وهما الإبداع والتحليل؛ فالإبداع بشكل عام يتطور تدريجياً بفعل الوعي المعرفي والثقافي المتراكم، وبفعل الحركات الإبداعية المتوالية وهذا التطور الخاص بالإبداع عموماً، لابد أن يرافقه تطور في طريقة التناول والدرس والاهتمام وتتطور تبعاً لذلك الآليات التي يستخدمها الباحث لمقاربة ذلك التطور.
ما من أمة تعتز بمكونات ذاتها وتحرص على أصالة كيانها وتقويته وتعزيزه، وتطمح إلى أن يكون لها شأن بين بقية الأمم، إلاَّ وتبذل قصارى جهدها في رصد المكونات والمظاهر هي بمثابة الخيط الحضاري الذي ينتظم عقد أجيال الأمة عبر قرون، والسداة التي تلتحم مختلف فئات الشعب وطبقاته في صفوف متراصة وحلقات مترابطة من التلاحم والتواصل. مأثورات الأمة هي الروح التي تعيش بها والسمة التي تميزها، ووجهها الذي تطل به على العالم، وبدون التعرف على هذه المأثورات وإبرازها بالشكل الملائم فإنه يصعب إدراك كنه الأمة ويميز نكهتها، وتحديد شخصيتها ومكانتها بين الأمم الأخرى .
التسامح في عُمان
أما الورقة الأخيرة فهي بعنوان "التسامح في عُمان" يقدمها الدكتور الكاتب زكريا المحرمي يتطرق من خلالها عن التسامح في عمان مستشهدا بطرح المستشرق الأمريكي برنارد لويس كتابه "الإسلام في التاريخ" وتناوله فكرة صدام الحضارات وصراعها على مفكري العالم، حيث حاولت منظمة الأمم المتحدة مواجهة مدّ مظاهر التطرف الديني من خلال إعلان اليونسكو يوم 16 من نوفمبر عام 1995م يوماً عالميا لـ(التسامح) باعتباره وسيلة للتعايش بين الجماعات والأفراد، وتعود فكرة التسامح إلى مفكري القرن السابع عشر الميلادي مثل سبينوزا وجون لوك اللذين قدما بديلاً تنويرياً للحرب الكاثوليكية البروتستانتية التي أهلكت ثلث سكان أوروبا، إلا أن التعصب الديني ما يزال حاضرا وبقوة ومؤثرا لا في اتجاهات الأفراد وحسب بل وحتى في قرارات ومواقف كثير من الدول، خاصة في العالم العربي والإسلامي الذي يضم بين جنابته على كثير من مظاهر التعصب الديني والطائفي والفكري وآخر تجلياته في أحداث لبنان والعراق والبحرين وسوريا.
ليؤكد الكاتب من خلال ورقته أن سلطنة عمان تمثل حالة "تاريخية" فريدة! فالبرغم من تنوعها العرقي والمناطقي والديني والمذهبي إلا أن عمان لم تشهد حالة واحدة من حالات الاضطهاد الديني أو المذهبي فضلا عن خلو التاريخ العماني من أية حرب بسبب ديني أو مذهبي، ويرجع ذلك إلى عوامل متعددة، منها، الأصول التاريخية العرقية والدينية، والجغرافيا، ودولة الإمامة، والتجارة، وحضور المذهب الإباضي، والتصوف.
