يبرز سؤال: هل اثبتت التجارب المخبرية اخيرا ماقاله الشاعر الروماني(أوفيد) منذ اكثر من الفي عام حول الدموع التي"تهدهد الحزن وتغسله".. وان البكا لراحة.. كما قال الشعر العربي.. وان الدموع العاطفية تغسل الدم من الهرمونات المرتبطة بالشدائد والمصائب؟.. نعم هذا مقاله بعض العلماء.
على ان علماء اخرين وان كانو متفقين على فائدة البكاء لمن كان يشعر بالاسى.. الا انهم يقولون ان تلك الفوائد الصحية والنفسية مرتبطة بطبيعة شعور الانسان عند البكاء وادراكه أن شخصا اخر او اشخاصا يسمعون بكاءه ويحسون به.
وتدل دراسات الدكتور(جيمس غروس) استاذ علم النفس في جامعة ستانفورد الامريكية على ان البكاء بحد ذاته ليس العنصر الذي يجلب الراحة والاطمئنان.. بل ينحصر دوره في انه يطلق اشاره استغاثة من الصعب تجاهلها.. وتكون الراحة التالية لإطلاق الدموع ناجمه عن شعور الباكي بأن احدا التقط اشارة الاستغاثة هذه. أن الباكي ليتوقع من الناس ان يعزوه في كربته.. فهو يبكي طالبا منهم ان يهونو عليه ويعينوه.
لكن كيف نفسر حالة من يبكي لوحده في خلوته وفي غياب الرقيب؟
يبقى الامر كذلك حسب رأي غروس.. أي يبقى الباكي طالبا للعون من حوله حتى لو لم يكن لاي من هؤلاء أي وجود الا في خياله..
ويتكهن غروس أن يحاول ان يستحضر الى مخيلته صور اشخاص وهميين ان لم يستطع تجنيد اشخاص حقيقيين.. وكل ذلك من اجل ان يرضى نفسه. ان احساس الباكي بان هناك من فهم ندائه العاطفي يمكن ان يخفض ضغط الدم المرتفع عنده.. وعلى هذا يمكن اعتبار الضغط المرتفع (وبعض الامراض الاخرى) بمثابة البكاء الصامت الذي لايراه احد ولايسمع به..فاذا ماسمع به بكاء صاحب الضغط ادى الى الاستماع الى انخفاض الضغط.

ونتسائل الان: هل تختلف الدموع من حالة الى اخرى؟
في اوائل الثمانينات قام الكيميائي الحيوي الأمريكي (وليام فري) بجمع قطرات دموع حقيقية من بضعة عشر شخصا.. حيث أجبر المتطوعين في مختبره على البكاء عن طريق مشاهدة فيلم سينمائي محزن أو عن طريق استنشاق رائحة بصل مقطع.. وبعد التحليل ثبت ان (الدموع العاطفية) اغنى بالبروتينات من دموع (البصل) ، مما يدل على اختلاف التركيب الكيمائي للدموع حسب الحالة النفسية. وفي محاولة لإثبات دور البكاء في تهدئة الباكين قام(فري) بتثبيت اشرطة لقياس التبدلات الحيوية في اجسام الباكين.. غير ان الغريب هو ان اجهزة القياس سجلت علامات توتر بدلا من الاسترخاء.. فاشتدت ضربات القلب وانخفضت حرارة الاصابع وزداد التعرق.. وكان الباكون اكثرحركة ونشاطا على مقاعدهم..فالبكاء بحد ذاته لم يسبب الهدوء بل زاد الانفعال والالم.
اعزائي..

لاتصدقو كل من يبكي.. فهناك صنف ضعيف النفس.. رخيص الدمع.. يبكي كصغار الاطفال بسبب او بدون سبب..يستغلون اشفاق الاخرين..مهنتهم البكاء والاستبكاء والنواح..فدعيت دموعهم( دموع التماسيح) مع ان التماسيح لاتذرف الدموع.. التي يجب ان نميزها عن دموع رقاق النفس..اصحاب الشفافية الشاعرية.. فمن هؤلاء من يقتلون القتيل ويمشون في جنازته يبكون عليه.. ذارفين سخي الدمع.. اتمثيلا ياترى ام على اخطائهم الشنيعة ام تمويها؟ لست ادري..!!
ثم لاتضنو ان الذي لايبكي كاذب .. فهناك عصي الدمع على حد قول ابي فراس:
اارك عصي الدمع شيمتك الصبر اما للهوى عليك نهي ولا امر
وهاهو ذا اعرابي يرثي ابنته:
بنى لئن ضنت جفون بمائها
لقد قرحت مني عليك جفون
دفنت بكفي بعض نفسي فاصبحت
وللنفس منها دافن ودفين

ثم جاء الاطباء فقالو: ابكو قبل ان تقرح معدتكم.. ابكو قبل ان تتلوى بطونكم الما.. قبل ان يرتفع ضغطكم..
اردنا ان نبكي فلم نجد الدموع..

وحماكم الله من داء تجف فيه الدموع


الحب بين الادب والطب د غالب خلايلي( كتيب . المجلة العربية)


__________________