لقد أورَثَتْ قلبـي وكان مصحـحـا * * * بثينـةُ صدغا يـوم طار رداؤهـا
إذ خَطَرَتْ من ذكر بـثـنـة خطرةٌ * * * عصتني شؤون العين فانهلّ ماؤها
فإن لم أزرها عادني الشوق والهوى * * * وعاود قلـبـي من بثينـة داؤها
وكيف بنفـس أنتِ هيّجتِ سقمهـا * * * ويمنع منها يـا بثيـن شفـاؤهـا
لقد كنت أرجـو أن تجـودي بنائل * * * فأخلف نفسـي من جداك رجاؤهـا
فلو أن نفسـي يا بثيـن تطيعـني * * * لقد طال عنكم صبرهـا وعزاؤهـا
ولكن عصتـني واستبدّت بأمرهـا * * * فأنتِ هـواهـا يا بثيـن وشاؤها
فأحيي –هداك الله- نفسـاً مريضةً * * * طويـلاً بكم تهْيامُها وعـنـاؤهـا
وكم وَعَدَتْنا من مواعد –لو وفـت * * * بوأيٍ- فلم تنجَزْ قليـلٍ غنـاؤهـا
وكم لي عليها من ديـونٍ كثيـرةٍ * * * طويـلٍ تقاضيهـا بطيءٍ قضاؤهـا
تجـود بـه في النّـوم غير معرّدٍ * * * ويحـزن أيقاظـاً عليها عطاؤهـا
********************
حلفـت يمينـا يا بثينـة صادقـا * * * فإن كنت فيها كاذبـا فَعَميتُ
إذا كان جلـد غير جلـدكِ مسّني * * * وباشرني دون الشّعار شريتُ
حلفـت لهـا بالبدن تدمى نحورها * * * لقد شَقِيَتْ نفسي بكم وعنيتُ
ولو أن راقي الموت يرقي جنازتي * * * بمنطقها في الناطقين حييتُ
وما بكتِ النساء على قتيلٍ * * * بأشرفَ من قتيل الغانياتِ
حلفت لكي تعلمن أني صادق * * * وللصدق خير في الأمور وأنجح
لتكليم يـوم من بثينـة واحد * * * ورؤيتهـا عندي ألـذ وأملـح
من الدهر لو أخلو بكنّ وإنما * * * أعالج قلبـا طامحا حين يطمح
وبثنـة قد قالت و كل حديثها * * * إلينا ولو قالت بسـوء مملـح
رجال ونسـوان يودون أنني * * * وإياكَ نخزى يابْن عمي ونفضح
وحولي نساء إن ذُكِرْتُ بريبة * * * شمتـن وما منهن إلا سيفـرح
أتقرح أكباد المحبيـن كالذي * * * أرى كبدي من حـب بثنة يقرح
فوالله ثـم الله إني لصـادق * * * لذكرك في قلبـي ألـذ وأملـح
هل الحائم العطشان مسقًى بشربة * * * من المزن تروي ما به فتريح
فقالت: فنخشى إن سقيناك شربة * * * تخبِّر أعـدائـي بهـا فتبـوح
إذن فأباحتني المنـايـا و قادني * * * إلى أجلي عضب السلاح سفوح
أظل نهـاري لا أراهـا وتلتقي * * * مع الليل روحي في المنام وروحها
فهل لي في كتمان حبي راحة ؟ * * * وهل تنفعني بوحـة لو أبـوحهـا
******************
أقـول ولما تجز بالـود طائلا * * * جزى الله خيـرا ما أعف وأمجـدا
فقالت: بغيري كنت تهتف دائبا * * * وكنت صبـورا للغـواني مصيـدا
فقلت: فمن ذا تيّم القلب غيركم * * * وعوّده غيـر الذي كـان عـوّدا
فقالت لتربيها لتصديق قولهـا: * * * هلما اسمعها منه المقالة واشهدا
فقالت: وهل في ذاك بأس وإنما * * * أريـد لكيما تسعـداني وتحمـدا
لا لا أبوح بحب بثنة إنها * * * أخذت علي مواثقا وعهودا
حلّـت بثينة من قلبـي بمنزلة * * * بين الجوانح لم ينزل بها أحد
يا ليتنا – والمنى ليست مقربة * * * أنا لقيناك والأحراس قد رقدوا
فيستفيـق محـبّ قد أضرّ به * * * شوق إليك ويشفى قلبه الكمد
وعاذلون لَحَوني في مودّتهـا * * * يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد
إذا قلتُ: ما بي يا بثينـة قـاتـلـي * * * من الوجـد، قالت: ثابت ويزيد
وإن قلتُ: ردّي بعض عقلي أعش به * * * مع الناس، قالت: ذاك منك بعيد
فمـا ذُكـر الخـلان إلا ذكـرتـهـا * * * ولا البخل إلا قلتُ: سوف تجود
إذا فكرَتْ قـالـت : قد أدركـت ودّه * * * وما ضرّني بخـلٌ ففيم أجـود
علقت الهـوى منهـا وليـدا فلم يزل * * * إلى اليوم ينمي حبّهـا ويزيد
يمـوت الهـوى مني إذا ما لقيتهـا * * * ويحيـا إذا فارقتـهـا فيعـود
يقولـون جاهـد يا جميـل بغـزوة * * * وأي جهـاد غيـرهـن أريـد
ونغّص دهر الشّيب عيشي ولم يكن * * * ينغّصه إذ كنت والرأس أسود
نخصّ زمـان الشّيـب بالذّم وحده * * * وأي زمـان يا بثينـة يحمـد
ليت شعري أجفوة أم دلال * * * أم عـدوّ أتى بثنـة بعـدي
فمريني أطعك في كل أمر * * * أنت واللهِ أوجه الناس عندي
يكاد فضيض الماء يخدش جلدها * * * إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
فلا تكثرا لومي، فما أنا بالذي * * * سننت الهوى في الناس أو ذقته وحدي
ومما شجاني أنها يـوم ودّعـت * * * تولّت وماء العين في الجفن حائر
فلمّا أعـادت من بعيـد بنظـرة * * * إليّ التفاتا أسلمتـه المحـاجـر
يقولون لا تنظـر وتلـك بليّـة * * * بلى كلّ ذي عيـن لا بدّ نـاظـر
أُلامُ إذا حنّت قلوصي من الهوى * * * ولا ذنب لي في أن تحـنّ الأباعر
والحـب أول ما يكون لجـاجـة * * * تأتي به وتسوقه الأقـدار
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى * * * جاءت أمور لا تطاق كبار
لا والذي تسجد الجباه له * * * ما لي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت بـه * * * ما كان إلا الحديث والنّظر
أقلّب طرفي في السّماء لعله * * * يوافق طرفي طرفها حين تنظر
إني عشيّة رُحْتُ وهي حزينة * * * تشكو إليّ صبابة لصبور
وتقول: بِتْ عندي فديتك ليلة * * * أشكو إليك فإنّ ذاك يسير
غرّاء مبسـام كأن حديثهـا * * * درّ تحدّر نظمـه منثـور
لا حسنها حسـنٌ ولا كدلالها * * * دلٌّ ولا كوقارها توقيـر
ألا قاتل الله الهوى كيف قادني * * * كما قيد مغلول اليدين أسير
وكان التفرّق عند الصباح * * * عن مثل رائحة العنبر
خليـلان لم يقربا ريبـة * * * ولم يستخفا إلى المنكر
يقولـون: مسحـور يجنّ بذكرها * * * فأقسم ما بي من جنون ولا سحر
* * *
تجـود علينـا بالحديـث وتـارة * * * تجود علينا بالرضاب من الثّغـر
فلو سألـت مني حيـاتي بذلتهـا * * * وجدت بها إن كان ذلك من أمري
هي البـدر حسنا والنساء كواكب * * * وشتّان ما بين الكواكـب والبـدر
بقد فُضِّلتْ حُسْنا على الناس مثلما * * * على ألف شهرٍ فُضِّلتْ ليلة القدر
عليها سلام الله من ذي صبابـة * * * وصبّ معنّى بالوسـاوس والفكـر
مضى لي زمـان لو أخيّر بينـه * * * ويبن حياتي خـالدا آخـر الدهـر
لقلـت: ذروني سـاعـة وبثينـة * * * على غفلة الواشين ثم اقطعوا أمري
مفلّجـة الأنيـاب لـو أن ريقهـا * * * يُداوى به الموتى لقاموا من القبـر
إذا ما نَظَمْتُ الشّعْرَ في غير ذكرها * * * أبى وأبيها أن يطـاوعني شعـري
وآخر عهدٍ لي بها يوم ودّعـت * * * ولاح لها خـدّ مليـح ومحجـر
عشّية قالـت لا تضيعنّ سرّنـا * * * إذا غبت عنّا وارعه حين تدبـر
وطرفـك إما جئتنـا فاحفظنّـه * * * فزيغ الهـوى باد لمن يتبصّـر
وأعرض إذا لاقيت عينا تخافها * * * وظاهـر ببغـضٍ إن ذلك أستـر
فإنك إن عرّضت بي في مقالـة * * * يزد في الذي قد قلت واشٍ مكثّر
وينشر سرّاً في الصديق وغيره * * * يعزّ علينا نشـره حيـن ينشـر
وما زلت في إعمال طرفك نحونا * * * إذ جئت حتى كاد حبّـك يظهـر
لأهليَ حتى لامنـي كل ناصـح * * * شفيـق لـه قربى لدينـا وأيصر
وقطّعني فيك الصديـق ملامـة * * * وإني لأعصي نهيهـم حين أُزْجَر
وما قلـت هذا فاعلمـنّ تجنّبـا * * * لصرم ولا هذا بنـا عنـك يقصر
ولكنني –أهلي فـداءك- أتقـي * * * عليك عيـون الكاشحيـن وأحذر
وأخشى بني عمّي عليـك وإنما * * * يخـاف ويبقي عرضـه المتفكّر
وأنت امرؤ من أهل نحد وأهلنا * * * تهـام ومـا النجـدي والمتغـوّر
غريـب إذ ما جئت طالب حاجة * * * وحولي أعـداء وأنـت مشهّـر
وقد حدّثوا أنا التقينا على هوى * * * فكلهـم من حمله الغيـظ موقـر
فقلت لها: يا بثن أوصيت حافظا * * * وكل امـرئ لم يرعه الله معـور
فإن تك أم الجهم تشكي ملامـة * * * إليّ فما ألفـي من اللـوم أكثـر
سأمنح طرفي حين ألقاك غيركم * * * لكيما يروا أن الهـوى حيث أنظر
وأكني بأسمـاء سـواك وأتقي * * * زيـارتكـم والـحـبّ لا يتغيّـر
فكم قد رأينـا واجـدا بحبيبـه * * * إذا خاف يبدي بغضه حين يظهر
ديـار ليـلى إذ نحلّ بهـا معـا * * * وإذ نحن منها بالمودّة نطمـع
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها * * * ولا بد من شكوى حبيب يروّع
ألا تتقيـن الله فيمـن قتلـتـه * * * فأمسى إليكم خاشعـا يتضـرّع
فإن يك جثمـاني بأرض سواكم * * * فإن فـؤادي عندك الدهر أجمع
ألا تتقين الله في قتـل عاشـق * * * لـه كبـد حرّى عليـك تقطّـع
فيا ربّ حببنـي إليهـا وأعطني * * * المـودّة منها أنت تعطي وتمنع
وإلا فصبّرني وإن كنت كارهـا * * * فإني بها يـا ذا المعارج مولـع
تمتّعْتُ منها يوم بانـوا بنظـرة * * * وهل عاشـقٌ من نظـرةٍ يتمتّع
كفى حزنا للمرء ما عاش أنه * * * ببين حـبـيـب لا يـزال يـروّع
فوا حزني لو ينفع الحزن أهله * * * ويا جزعي إن كان للنفس مجزع
فأي قلـوب لا تذوب لما أرى * * * وأي عيـون لا تجـود فتـدمـع
أبت مقلتـي كتمان ما بي وبيّنت * * * مكان الذي أخفي وفـاض المدامع
غداة لقيناهـا على غير موعـد * * * بأسفـل خيـم والمطيّ خواضـع
وأومت بجفن العين واحتار دمعها * * * لتقتلنـي مملوحـة الـدّلّ مانـع
كمت دمعها عين الصحيح وبيّنت * * * مكان ذوي الشوق العيون الدوامع
ورقرقت دمـع العيـن ثم ملكته * * * مجال القذى فالدمع في الجفن ناقع
أحقّا عبـاد الله أن لست زائـرا * * * بثينـة إلا أُصْغِيَتْ لي المسـامـع
وإلا عدانـي دون بثنـة أعيـنٌ * * * حـداد ولامتها النسـاء الهلامـع
*****************
أقـول ولما تجز بالـود طائلا * * * جزى الله خيـرا ما أعف وأمجـدا
فقالت: بغيري كنت تهتف دائبا * * * وكنت صبـورا للغـواني مصيـدا
فقلت: فمن ذا تيّم القلب غيركم * * * وعوّده غيـر الذي كـان عـوّدا
فقالت لتربيها لتصديق قولهـا: * * * هلما اسمعها منه المقالة واشهدا
فقالت: وهل في ذاك بأس وإنما * * * أريـد لكيما تسعـداني وتحمـدا
لا لا أبوح بحب بثنة إنها * * * أخذت علي مواثقا وعهودا
حلّـت بثينة من قلبـي بمنزلة * * * بين الجوانح لم ينزل بها أحد
يا ليتنا – والمنى ليست مقربة * * * أنا لقيناك والأحراس قد رقدوا
فيستفيـق محـبّ قد أضرّ به * * * شوق إليك ويشفى قلبه الكمد
وعاذلون لَحَوني في مودّتهـا * * * يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد
إذا قلتُ: ما بي يا بثينـة قـاتـلـي * * * من الوجـد، قالت: ثابت ويزيد
وإن قلتُ: ردّي بعض عقلي أعش به * * * مع الناس، قالت: ذاك منك بعيد
فمـا ذُكـر الخـلان إلا ذكـرتـهـا * * * ولا البخل إلا قلتُ: سوف تجود
إذا فكرَتْ قـالـت : قد أدركـت ودّه * * * وما ضرّني بخـلٌ ففيم أجـود
علقت الهـوى منهـا وليـدا فلم يزل * * * إلى اليوم ينمي حبّهـا ويزيد
يمـوت الهـوى مني إذا ما لقيتهـا * * * ويحيـا إذا فارقتـهـا فيعـود
يقولـون جاهـد يا جميـل بغـزوة * * * وأي جهـاد غيـرهـن أريـد
ونغّص دهر الشّيب عيشي ولم يكن * * * ينغّصه إذ كنت والرأس أسود
نخصّ زمـان الشّيـب بالذّم وحده * * * وأي زمـان يا بثينـة يحمـد
ليت شعري أجفوة أم دلال * * * أم عـدوّ أتى بثنـة بعـدي
فمريني أطعك في كل أمر * * * أنت واللهِ أوجه الناس عندي
يكاد فضيض الماء يخدش جلدها * * * إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
فلا تكثرا لومي، فما أنا بالذي * * * سننت الهوى في الناس أو ذقته وحدي
ومما شجاني أنها يـوم ودّعـت * * * تولّت وماء العين في الجفن حائر
فلمّا أعـادت من بعيـد بنظـرة * * * إليّ التفاتا أسلمتـه المحـاجـر
يقولون لا تنظـر وتلـك بليّـة * * * بلى كلّ ذي عيـن لا بدّ نـاظـر
أُلامُ إذا حنّت قلوصي من الهوى * * * ولا ذنب لي في أن تحـنّ الأباعر
والحـب أول ما يكون لجـاجـة * * * تأتي به وتسوقه الأقـدار
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى * * * جاءت أمور لا تطاق كبار
لا والذي تسجد الجباه له * * * ما لي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت بـه * * * ما كان إلا الحديث والنّظر