من فترة وأنا أريد أكتب شيء في هذه المدونة لكن كلما خطرت في بالي فكرة وجدت أن كتابتها بحاجة إلى تركيز وأرقام وشغل "من صح" وأنا بصراحة ما فيني.. خريف ورذاذ ومظبي.. ما شي وقت :). لم أستطع التركيز منذ فترة لأسباب عديدة منها الموسم السياحي الذي أطل علينا بحلته البهية وما ترتب عليه من أنشطة قد لا تكون منطقية أو مفيدة بالضرورة ولكنها من متطلبات الموسم وهي كفيلة بأن تجعل الواحد منشغل حتى بـ"اللاشغل"
الانهماك الشديد في العمل و"قلة الأمطار" لعبا دور بارز في نسياني للمدونة رغم تصفحي الدائم للنت من خلال هاتفي ومتابعتي لبعض المنتديات وصفحات الفيسبوك على طريقة " تفرج بس لا تلمس".. أحس أن 2012 سنة قحط تدويني :).. كنت معول على موسم الخريف بأنه سيعيد لي الحماس للكتابة لكنه طلع حاسد.. تأخَرَت الأمطار بعض الشيء وكان عليّ الانتظار. إلى الآن لم أشعر بمطر الخريف "من صح" إلا مرة واحدة.. الله كريم.
قبل ليلتين وأنا عائد من المهرجان (مركز البلدية الترفيهي ماعرف ليش نسميه المهرجان) شعرت أن الخريف بدأ يتحرش..كان الوقت يقارب منتصف الليل..كنت مرهق جداً لكنه تَحَرُّش الرذاذ، فبدلاً من الذهاب إلى البيت قررت الاتجاه إلى الجبل.. وصلت إلى إحدى البقع الخالية من الأشجار والصخور.. أوقفت سيارتي على بعد متر واحد من الشارع.. رميت "نعالي" خارج السيارة وهِمْتُ على وجهي كالمجنون.. أتممت ساعة كاملة أمشي حافي القدمين وحاسر الرأس.. كنت أريد أن أبتلّ بالكامل.. كانت السماء كريمة جداً وكنت في قمة البهجة والشاعرية والجنون..ابتللت.. أحسست أن الخريف كل الخريف لي وأن كل قطرة قد بعثتها السماء لي وحدي.. اندمجت مع المكان وأحسست أن العالم من حولي عبارة عن رذاذ لطيف.. هنا السماء تمطر محبة.. أحببت العالم كما لم أحبه من قبل وأحببت الحياة بطريقة رذاذية صافية .. تصالحت مع كل شيء.. تذكرت عبارة قرأتها في كتاب رائع تقول" هناك لحظات نشعر فيها أننا متصالحون مع العالم".. نعم كانت تلك هي لحظاتي الأكثر تصالحية مع ما حولي .. أحسست أن علي أن أرقص رقصة زوربا اليوناني.. كانت لحظات صفاء لا يمكن التعبير عنها إلا بتلك الرقصة.
بعد أن شبعت قدماي من المشي والحوار مع التربة المبللة رجعت إلى الموقع الذي تركت فيه السيارة .. جلست على الأرض المبللة.. لا أريد ترك المكان.. كانت رائحة التربة تملأ المكان..وكانت لحظات الصفاء والتصالح مع الكون مسيطرة..اغمضت عينيّ واستسلمت لهمس الرذاذ كطفل غلبه النوم بعد أن أعياه اللعب طوال النهار... فجأة مرت سيارة عابرة بقربي أفسدت علي خلوتي.. نظرت إلى شاشة الهاتف فإذا بالساعة تناهز الثالثة صباحاً.. قلت في نفسي "ويحوووه" راح دوام بكره :).. دورت على نعالي، ركبت السيارة وعدت أدراجي حاملاً معي ما حَمَلَتْه ملابسي وشَعَري من الرذاذ وما التصق بقدميّ من تراب.. كان ذلك بداية وقع قطر الخريف علي.. الله يستر من الجاي وكل عام والجميع "مخرف".
عيناك مثل الليلة الماطرة .. مراكبي غارقة فيها ... (نزار)
المصدر : مدونة tahyati