
ظفار- علي بن سالم العجيلي
-
تناولت الألحان والأنماط الشعرية والغنائية
نظم النادي الثقافي، على مسرح المروج، أمسية للشاعر الراحل جمعان ديوان، وذلك بالتعاون مع مهرجان صلالة السياحي 2012.
وشملت الأمسية الثقافية تجربة الراحل في مجال الشعر والغناء، بحضور عبدالله بن علي المقدم مدير دائرة المهرجان، وعدد من أفراد أسرة الفقيد. وقد شارك في الندوة عدد من الباحثين؛ وهم: خالد صواخرون، والدكتور أحمد بالخير، ومسلم الكثيري. فيما أدار الندوة حسن المطروشي مدير النادي الثقافي. واحتوت الندوة على ثلاث أوراق عمل تناولت عددًا من الجوانب في حياة الشاعر وأشعاره.
وقال حسن المطروشي مدير النادي الثقافي، إن اختيار شخصية الشاعر الراحل جمعان ديوان يأتي من أن الراحل يعد من أبناء المنطقة، وله صدى كبير لكثير من الناس من داخل وخارج المنطقة، وهو يمثل عمقا ثقافيا ووجدانيا لأبناء محافظة ظفار. وأضاف بأن رؤية النادي لتنفيذ هذه الامسية هي تعريف أبناء المحافظة بالشاعر الراحل في ظل ظاهرة ثقافية وهو يستحق كل هذا العمل، وانه شاعر بامتياز، وسكن قلوب الناس، وعايشهم في أفراحهم وأحزانهم، وكان مساهمًا في الحركة الشعرية والغنائية، وهو رافد من روافد الفن والابداع ويشكل ذاكرة ذهبية للباحثين.
وقدم الورقة الأولى الباحث خالد صواخرون، حيث تناول فيها جزءا من سيرة الشاعر الراحل جمعان ديوان وألقى الضوء على جانب من حياته، ثم عرّج على جمع شتات قصائد الشاعر الموجودة هنا وهناك وكيف تم التمكن في تجميعها واخراجها في ديوان شعري متكامل وموثق. أما الدكتور أحمد بن عبدالرحمن بالخير فقدم ورقة مهمة تناول خلالها الجانب الجمالي لدى شعر الشاعر الراحل جمعان ديوان الذي له خصائص جمالية ومقاومات فنية عديدة ومهمة؛ سلط الباحث الأضواء عليها.
وقال بلخير إنه وكما هو معروف بأن الشاعر الراحل له إسهام فني وموسيقي وغنائي، فقد قدمت الورقة الثالثة من الباحث مسلم الكثيري والتي تتناول الانماط الغنائية التي لحنها وتطرق إليها المرحوم في شعره.
وفي جانب تفاعل الناس في مثل هذه التظاهرات الثقافية، قال حسن المطروشي مدير النادي الثقافي: "هي حقيقة التظاهرات الثقافية، والتي تبحث فعالياتها عما هو أصيل وجوهري ليست ترفيهية بالمقام الأول وبالتالي عادة يكون من يتجاوب ويأتي إليها هم الناس ذوي الاهتمامات والميول الثقافية وآخرون متابعون لتجربة الرجل وغيرهم يريدون أن يتعرفوا عن إرثهم وتاريخهم وماضيهم وعن رموزهم، فهذه الشريحة هي حتما من ستأتي وتتجاوب".
مسيرة حياة
وذكر مسلم الكثيري في ورقته عن مكانة جمعان ديوان الشاعر والملحن والمغني، ودوره الفني في الواقع الموسيقي الظفاري عبر عدّة محاور اساسية هي: ملخص سيرة حياة الفنان جمعان ديوان والبيئة الاجتماعية والفنية التي نشأ فيها، والانماط الموسيقية التي اشتغل عليها، ونستعرض كذلك آراء بعض الموسيقيين في ديوانه كنوع من المقارنة مع معاصريه من المغنين - الشعراء.. وفي الواقع قد يكون هذا أهم المحاور هنا إثارة للنقاش والجدل؛ بسبب ما برز من اختلاف الرأي حول المكانة الفنية لديوان بالمقارنة مع معاصريه عند عدد من الفنانين الظفاريين الذين التقيتهم أثناء جمع مادة هذا البحث. فكان البعض يقدم موضوع الشهرة على غيرها من العناصر ويعتبرها دليلا واضحا على مكانته وتأثيره، ولكن هناك من يرى أن هذه الشهرة لم تتحقق إلا بسبب خدمته كشاعر مدافع عن السلطة السياسية وانتخابها له لأداء هذه المهمة في مرحلة تاريخية معلومة، وكان من الممكن أن يحدث هذا التكليف والتوظيف الرسمي مع شاعر ـ مغني آخر. غير أننا نعتقد وبعد الاستماع ودراسة عدد من ألحانه أن ديوان بموهبته كان فاعلا في هذا المجال الذي أسند إليه، وكان صانعا بارعا للألحان ومغنيا جيدا، وقد يكون من أوائل المطربين الذين صاغوا ألحانا وطنية في القوالب الفنية التقليدية كالطبل والبرعة، وأثبت قدرة على مقارعة أقرانه من الشعراء شديدي المراس في صياغة اشعار الزوامل وارتجالها في المناسبات التي كانت تجمعه معهم، فخدمته إلى جانب موهبته ووظيفته كشاعر للحكومة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي رغم أن أشهر الحانه حسب علمنا صاغها في الستينيات وربما قبل ذلك.
وتابع الكثيري: في الواقع كنت قد توجهت - كما ذكرت- إلى عدد من الفنانين في صلالة بالسؤال عن رأيهم في مكانة جمعان ديوان الفنية كشاعر وملحن ومغني بالمقارنة مع معاصريه أومن هو على نهجهم الفني من أمثال: عوض القعيطي، ونصيب بوسلاسل، وعمر جبران وغيرهم، فأجمع الكثير على تقدمه عليهم في الوقت الذي عبر فيه بعضهم عى أن ديوان لا يتميز عنهم في الموهبة الفنية ولا يتقدم عليهم بشيء، وشهرته وسمعته تعودان إلى قربه من الحكومة. وهذا رأي جدير بالملاحظة من الناحية العلمية إذ إنه يمثل اشكالية اساسية في هذا البحث تستوجب تطويره بمزيد من المقارنات، على أننا بسبب أن الشق الأدبي في شخصية ديوان خارج نطاق دراستنا فسنكتفي بهذه الإشارة الدالة والمثيرة بشأن دوره ومكانته كشاعر.
واستدرك بقوله: إننا من جهة أخرى سنستثمر هذه الإشكالية في سياق الجزء الثاني من هذه الدراسة بحيث نحاول الكشف عن أثر ديوان وشخصيته وبصمته الفنية في ألحانه والأساليب الشائعة والبارزة فيها، ومن الملاحظ أن ديوان ترك تراثا لحنيا لا يعرفه أهل ظفار فحسب بل عُمان كلها تقريبا وهذه واحدة من أبرز عناصر التفوق إن جاز لنا هذا الوصف غير أنه في الوقت ذاته ظل فنانا محافظا للطابع الفني التقليدي في الغناء الحضري الظفاري الذي أختص به في الصيغ الفنية والتراكيب اللحنية والإيقاعية، وهذا ما سنناقشه في الجزء الثاني من هذه الدراسة.
وأضاف بأن زكي الشنفري قد ذكر في كتاب "ديوان جمعان ديوان" عددًا من معاصريه من المواطنين السمر وهم: سعد بن رعيدان (ملحن وشاعر ومغني مدار)، وجمعان بن عبدربه (شاعر ومغني صوت الزنوج مصوت)، وخميس بردحان (شاعر ومغني وملحن).
بدايات ديوان
وجمعان ديوان من مواليد مدينة مدينة صلالة حوالي 1900 ـ 1905، لم يحصل علي أي تعليم، وبدايته كانت مع المدار وهو نمط من الغناء والرقص التقليدي يمارسه المواطنون السمر في مناسبات الأفراح المختلفة. وحسب كتاب "أشعار جمعان ديوان"، والذي أعدّه زكي الشنفري، فإن سلامة والدة ديوان كانت مغنية وشاعرة مشهورة في صلالة ومختصة بطبل النساء (الطبل العربي) وهو غناء ورقص خاص بالنساء في مدينة صلالة وحواضر ظفار المجاورة لصلالة بشكل خاص مثل طاقة ومرباط، ذلك أن نساء وبنات الجبل والبادية لا يتسنى لهن حضور حفلات الطبل التي تقام في هذه المدن ويشاركن في أنماط غنائية أخرى دون آلات موسيقية بطبيعة الحال، فالبدو والجباليين بشكل عام ينفرون من العزف على الآلات الموسيقية وتكوين الفرق الغنائية بل وربما يعتبرون ذلك لا يليق بهم؛ ورغم ذلك برز منهم عدد من مشاهير الغناء العودي منذ سبعينيات القرن الماضي نذكر منهم لا الحصر الفنان سالم بن علي سعيد وأحمد مبارك غدير وغيرهما.
وعن جدته أم والده، يروي مانع بن جمعان ديوان أن شخصا روى له ما يحكى عن أسباب موهبة جدته بأنها اكتسبت قول الشعر بعد أن جاءها رجل في الحلم وقال لها: "بعطيش كلام وأحفظيه.. فأعطاها من شعر الهبوت ومن المدار ومن جميع الفنون الموجودة"، ولكن هذه الموهبة كانت سببا في موتها إثر مرض اصابها بعد حفل غنائي وجمعان كان طفلا رضيعا، فتولت خالته تربيته التي كانت تشتغل كعاملة بسيطة في أكثر من مكان، لذلك كانت تضطر لتركه في رعاية نساء من أسر عديدة أرضعنه مع أولادهن! ومن الملاحظ أن ديوان سمى أكبر بناته على أمه سلامة مغنية الطبل المشهورة في صلالة.
وطبل العربي أو طبل النساء كما يعرف حديثا غناء ولعب (رقص) النساء تؤديه المغنيات بمصاحبة عدد من الرديدات والطبالات. وأكثر الطبل في المدح ومن المعروفات بهذا الغناء في صلالة خلال القرن الماضي: صرب البحارية، وزوينة بنت بكران، وزيادة بنت سعد، وهذه الأخيرة (زيادة) لا تزال على قيد الحياة.
