تحقيق ومتابعة - النقيب عيسى بن حمدان الفارسي تصوير / العريف بدر بن ناصر الكلباني - جديد جريدة الرؤية

    • تحقيق ومتابعة - النقيب عيسى بن حمدان الفارسي تصوير / العريف بدر بن ناصر الكلباني - جديد جريدة الرؤية


      تحقيق ومتابعة - النقيب عيسى بن حمدان الفارسي
      تصوير / العريف بدر بن ناصر الكلباني
      -

      تواصلا لرسالة المحبّة والصداقة التي تنتهجها السلطنة
      فريق الجيش السلطاني العماني للمغامرة يرفع علم السلطنة على أعلى قمة أوروبية
      أول فريق عسكري خليجي للمغامرة يتسلق قمة المون بلان
      معسكرات إعداديّة للتدرب على المسافات الطويلة وقوة التحمّل وانخفاض الأكسجين والضغط الجوي

      بعد (21) ساعة ووسط الانهيارات الثلجية وأجواء من البرودة الشديدة تجاوزت ما دون الصفر تمكن فريق الجيش السلطاني العماني للمغامرة من رفع علم السلطنة على قمة (المون بلان) ليكون أول فريق خليجي عسكري للمغامرة يصل إلى أعلى قمة في القارة الأوروبية والبالغ ارتفاعها (4810) متراً، وذلك في إنجاز جديد لفريق المغامرة العسكري بعد بلوغه في عام 2010 م قمة آيلند في النيبال إحدى أعلى قمم جبال الهملايا.
      ولتحقيق هذه المهمة لا بد أن تتوافر بعض الصفات الشخصيّة التي تؤهل أعضاء الفريق للقيام بمثل هذه المهام كاللياقة البدنية، والثقة بالنفس والقدرات الذاتية، والعمل بروح الفريق الواحد، ومهارات السير الجبلي والقدرة على تحمل درجات الحرارة المنخفضة.
      وقد وضعت خطة الاستعداد الملائمة لهذه المغامرة الجريئة وذلك بمحاكاة الظروف التضاريسية والمناخية، من خلال قيام أعضاء الفريق بالتخييم والإقامة في الأماكن المرتفعة ذات درجات الحرارة المنخفضة وزيادة جرعات اللياقة البدنية، وهذا ما تمّ في المناطق الجبلية بالسلطنة، ومن ثمّ بالمعسكر التدريبي في فرنسا للوصول إلى أعلى مستويات الجاهزية .
      نجاحات فاقت التوقعات
      أكّد العميد الركن علي بن عبدالله المشيخي مدير عام العمليات والتدريب بقيادة الجيش السلطاني العماني أنّ هذه التجربة تعد تواصلا لرسالة المحبة والصداقة التي تنتهجها السلطنة وقال: " لاشك أنّ تسلق قمة ( المون بلان) أعلى قمة في أوروبا هو حدث مهم رغم الظروف الصعبة في تلك المنطقة يضاف إلى النجاحات المتميزة التي فاقت التوقعات لفريق المغامرة، وهناك تخطيط بإذن الله لمشاركات أخرى قادمة لفريق الجيش السلطاني العماني للمغامرة في تسلق الجبال ومغامراتها، وبلا شك أنّ مثل هذه المشاركات والفعاليات تعد إضافة مهمة إلى تلك الإنجازات المتواصلة في مختلف المحافل الرياضية الأخرى، ومن هذا المنطلق جاء تأسيس مركز تدريب المغامرة في شهر أبريل عام 2010 م بقصد تنمية المهارات القيادية وتعزيزها لدى منتسبي الجيش السلطاني العماني على مدار العام ووفق برنامج مخطط لدورات المغامرة، وذلك بتنفيذ مهام وواجبات مليئة بالتحدي في بيئات وتضاريس متنوعة، ترجمةً للاهتمام والدعم المتواصل من اللواء الركن قائد الجيش السلطاني العماني وتحقيقاً للغايات والأهداف المرجوة ".
      المقدم هلال بن محمد السناوي رئيس وفد فريق الجيش السلطاني العماني للمغامرة أشار إلى أنّ الاستعداد الإداري وبرنامج الإمداد لهذه المغامرة بدأ منذ العام الماضي وقال: أقمنا معسكراً تدريبياً لمدة ثلاثة أسابيع بالجمهورية الفرنسية لانتقاء أفضل العناصر للمشاركة في المغامرة الأوروبية، وقد شمل هذا المعسكر اختبارات اللياقة البدنية والصبر والتحمل، ومن ثمّ العودة للسلطنة وإجراء تدريبات مكثّفة على صعود قمة جبل شمس والجبل الأخضر، وعقب استطلاع منطقة التدريبات في أوروبا وقمة جبل (المون بلان) والتضاريس المحيطة بها إلى جانب عوامل الطقس المتوقع تأثيرها على المغامرين تمّ اتخاذ كافة التدابير اللازمة من حيث استئجار السكن ومعدات التسلّق والمغامرة والتعاقد مع عدد من المرشدين ذوي الخبرة في مجال تسلق الجبال، كما أود أن أشير هنا إلى إسهام الخدمات الطبيّة للقوات المسلحة بالسلطنة في توفير كافة المستلزمات والأدوات الطبية، وكذلك النشرات التوعوية، كما أود كذلك الإشارة إلى متابعة قيادة الجيش السلطاني العماني لتفاصيل المغامرة والحرص على تذليل الصعوبات، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة مدير عام الإدارة والقوى البشرية بقيادة الجيش السلطاني العماني يرافقه كلٌ من الملحق العسكري بسفارة السلطنة بالجمهورية الفرنسية وعدد من القائمين على التدريب بقيادة الجيش السلطاني العماني، حيث اطلعوا يومي 23 و24 يونيو على التجهيزات الأخيرة قبل صعود أعضاء الفريق لقمة المون بلان، وتحفيزهم على القيام بذلك باعتبارها مهمة وطنية".

      حكاية الوصول إلى المون بلان
      القصة بأكملها يحكيها لنا أعضاء الفريق الذي خاض تجربة (المون بلان)، والبداية كانت مع الرائد مظلي سليمان بن سعيد السالمي رئيس الفريق الذي قال :" تعد المنطقة المؤدية إلى قمة جبل ( المون بلان) من المناطق ذات التصدعات الثلجية والانزلاقات الخطيرة، وقد تحرك أعضاء الفريق يوم 17 / 6 إلى منطقة (جلاسير) مسيراً ولمدة 8 ساعات ومن ثمّ التدرب لمدة 3 ساعات على نزول الصدع بعمق 300 متراً والصعود باستخدام الأحذية المسننة والمطارق المدببة، بعدها بدأت المرحلة الثانية ضمن خطة الوصول إلى أعلى قمة في أوروبا، وذلك بالتدريب على المسافات الطويلة وقوة التحمّل وانخفاض الأكسجين والضغط الجوي، والبداية يوم 18/ 6 ولمسافة 16 كيلو متر ولمدة 12 ساعة سيراً للوصول إلى قمة شامبكس السويسرية على ارتفاع 3500 متراً، وفي اليوم التالي تحركنا لمسافة 25 كيلو متر ولمدة 14 ساعة لمنطقة فلوج لنجتاز بعدها سلسلة الجبال الفرنسية والوصول إلى جبال الألب والمبيت في إيطاليا، وكان الهدف التالي هو الوصول إلى قمة ( جرانت برويسوا) أعلى قمة في إيطاليا والتي يبلغ ارتفاعها ( 4061) متراً وهذا ما تحقق يوم 23/ 6 بعد 13 ساعة متواصلة، أمّا المرحلة الثالثة فبدأت بالتدرب على الارتفاعات الشاهقة الحادة وذلك بالاعتماد على الحبال فقط بارتفاع 1800 متراً والتسلق الرأسي بهدف التأكد من جاهزية أعضاء الفريق وذلك لمدة 6 ساعات، وفي يوم 26 / 6 بدأ أعضاء الفريق المسير للوصول إلى قمة ( المون بلان) وتمّ رفع علم السلطنة وعلم الجيش السلطاني العماني صباح يوم 27 / 6 الساعة 0740 بالتوقيت المحلي لفرنسا، ومن ثمّ بدأت مرحلة نزول أعضاء الفريق بالقفز بالمظلات الترادفية".
      ويضيف الرائد مظلي: " هناك مجموعة من العوائق والصعوبات التي صاحبت مشوارنا وصولا إلى صعود المون بلان، ومنها ضرورة مراعاة إجراءات الأمن والسلامة وتوافر المعدات الطبية تحسباً لأي عارض لا قدر الله، إلى جانب التأقلم مع الأجواء الشديدة البرودة. كما أن فريق المغامرة التابع للجيش السلطاني العماني هو أول فريق عسكري خليجي للمغامرة يتمكن من الوصول إلى قمة (مون بلان) واستطعنا التعريف بالسلطنة من خلال توزيع المنشورات والكتيبات الدالة على حضارة سلطنة عمان، وفي هذا الخصوص نشكر التوجيه المعنوي برئاسة أركان قوات السلطان المسلحة ووزارة السياحة على دعهم وتزويدهم لنا بالكتيبات والمنشورات السياحية وبذلك حققنا الهدف المنشود، ورفعنا علم السلطنة على أعلى قمة أوروبية ".

      الفريق العربي الوحيد
      ويكمل رئيس الفريق حديثه قائلاً: " تصادف أثناء بدء رحلتنا وحتى ختامها وجود عدد من محترفي رياضة تسلق الجبال من مختلف العالم، وأبرزها الفرق الأوروبية والأمريكية التي وجدت في المخيمات المحيطة بالمناطق الجبلية، ولعلّ وجودنا لممارسة نشاط المسير الجبلي والتسلق جعل الفرق الأخرى تتساءل عن تجربتنا واستعدادنا لها؛ خاصة أننا كنا الفريق العربي الوحيد، كما تطرقت بعض تساؤلاتهم إلى السلطنة والمناطق السياحية ذات الصبغة الجبلية وهنا تحقق جانب آخر من أهداف هذه الرحلة، والذي تمثل في التعريف بالسلطنة وماضيها التليد، وما تزخر به من منجزات ونهضة تنموية شاملة مما جعل الكثيرين منهم يخطط لزيارة السلطنة والتعرف عليها عن قرب بعد أن علموا أن كافة الإمكانات متاحة لذلك".
      مركز تدريب المغامرة.. وتجهيز الفرق
      الرائد عبدالله بن سالم السيابي قائد مركز تدريب المغامرة بالجيش السلطاني العماني أشار إلى دور المركز في تجهيز فرق المغامرة عبر مستويات من التدريب الاحترافي وقال: " يقدم مركز تدريب المغامرة في الوقت الراهن الدعم اللازم من خلال توفير معدات التدريب المختلفة، وحتى يتسنى للمغامر القيام بمهمته بالشكل المتوقع منه يتوجب عليه أولا اجتياز الدورات التأسيسية ، حيث يخضع لدورات تتضمن تدريبًا لتجاوز التحديات البدنيّة والذهنية ومهارات العمل الجماعي، ومن ثمّ الانتقال لمرحلة التدريب التخصصي كتسلق الجبال أو مهارات التجديف ولمدة لا تتجاوز الأسبوعين، كما سيتم مستقبلاً تأهيل عناصر منتقاة ليكونوا قادةً ومدربين لكل نشاط من أنشطة التدريب على المغامرة، وذلك بعقد دورات تخصصية".
      النقيب هلال بن عبدالله النوفلي نائب قائد مركز تدريب المغامرة تحدّث عن تجربته ومشاركته في بطولة اللوازم الملكيّة البريطانية للتزلج (RLT) وقال:" في هذه البطولة حقق الفريق المركز الثامن من بين (25) فريقاً محترفاً في مجال المغامرة والتحدي، وبفضل تواجد مركز تدريب المغامرة سنسعى جاهدين للارتقاء بمستويات التدريب حيث من المزمع عقد دورات في التجديف وتسلق الجبال وعبور الأودية".
      انطباعات المغامرين.. ولحظات لن تنسَى
      الملازم أول عيسى بن سيف الأغبري تحدث عن لحظات رفع علم السلطنة على أعلى قمة في أوروبا وقال: إنّها للحظات لا توصف تمازجت فيها مشاعر السعادة بالاعتزاز لكوننا نرفع علم السلطنة على ارتفاع ( 4810) متراً بعد اجتيازنا لمراحل متعددة وانهيارات ثلجية وأجواء تجاوزت ما دون الصفر.
      وأضاف قائلاً: " فعلاً إنّها لحظات لن تمحى من ذاكرتي وذاكرة أعضاء فريق الجيش السلطاني العماني للمغامرة، حيث كان رفع علم السلطنة ورايات الجيش السلطاني العماني هو أول ما قمنا به بعد أن حققنا هدفنا بالوصول في دقائق نسينا فيها المشقة والتعب، وبعدها توافدت باقي المجموعات القادمة الأخرى حيث التقطنا العديد من الصور التذكارية معهم والذين أدهشهم وصولنا وتفوقنا عليهم رغم الظروف المناخية الصعبة". ويكمل الرقيب أول سعيد بن عبدالله الراشدي الحديث قائلا: " إنّ هذه التجربة كانت بمثابة اختبار حقيقي لقوة التحمّل البدني والنفسي، وكيفية التعامل مع مختلف المواقف الإنسانية أثناء تأديتنا لمهمة الصعود على قمة المون بلان "، كما يؤكد كلٌ من العريف يعقوب بن حمد الراشدي والعريف حمد بن سيف الغافري أنّ للحافز المعنوي دورا مهما لإنجاز هذه المهمة وبنجاح والمتمثل في التواصل الدائم والمستمر من قبل قيادة الجيش السلطاني العماني وتشجيعها للفريق في كافة المراحل والتي ذللت مختلف الصعاب لتحقيق الأهداف المتوخاة .