لست أدري عنكم لكن فكرة زواج الفتاة رغما عن أنف والديها أمر يؤلمني، المؤلم أكثر هو أن يتعنت بعض الآباء فلا يتركون للفتاة خيارا سوى أن تتزوج رغما عنهم، والمؤلم أكثر أن بعض الأسباب التي يتعنت فيها الآباء اسباب ليست في محلها، لكن المشكلة أيضا التي أراها انه في كثير من الحالات التي بدأت تظهر هذه الايام ليس سببها تعنت الآباء غير المبرر بقدر ما هو تعنت الفتاة في اختيار من تتزوجه مستندة على عاطفتها تجاهه، ضاربة برأي الأهل والعقل عرض الحائط، بعد ان اصبح الاختلاط في مجتمعنا حقيقية واقعة سواء في المؤسسات التعليمية أو في العمل، قد يكون قلب الأم الذي يتحدث اليوم قبل قلم الكاتبة، لكنني أعجز عن استيعاب كيف تفكر فتاة بتأسيس أسرة ستعيش فيها ومعها مدى الحياة على دموع والدتها، وعار والدها واشقائها، بالنسبة لي لا يوجد رجل على هذا الكوكب يستحق تلك التضحية، ولا توجد امرأة كذلك تستحق أن يضحي المرء من أجلها بشرف عائلته، وسعادتها، أشعر - وليسمح لي العشاق الذين يقرأون هذه السطور- إن كان ما أكتب مخيبا للآمال اليوم، لكنني أرى بأن (عمى الحب) لا يسمح للشاب أو الفتاة بأن يحكما بحيادية وعقل على الطرف الآخر لاتخاذ قرار بناء علاقة زوجية ابدية، كما وضعها الشاعر (وعين البغض تبرز كل عيب: وعين الحب لا تجد العيوبا) فالزواج علاقة مقدسة تربط عائلتين معا لا فردين وتستمر مدى الحياة، الحب أعمى منذ بدء الخليقة ولا اظن أن التطور التقني وتقدم الحضارات زادته إلا عمى فوق عماه، رفضي للفكرة ايضا ينبع من قناعتي بأن (الأكبر منك بيوم أعلم منك بسنة)، الوالدان عاشا ما يكفي من السنين وخاضا العديد من التجارب تؤهلهما من وجهة نظري الشخصية للحكم على الأشخاص أمر يفتقده الشاب قليل الخبرة، لهذا جعل ديننا الاسلامي الحنيف موافقة ولي الأمر شرطا من شروط الزواج، فعالم الغيب والشهادة أعلم بكل تأكيد بطبيعة النفس البشرية، وقد سن سبحانه هذه الأديان والشرائع السماوية لحفظ نظام وتوازن هذا الكون بمن فيه وما فيه، أحيانا كثيرة يرى الوالدان بخبرتهما وغريزة الأمومة أو الأبوة التي لا تخطئ ابدا، مالا يراه الابن او الابنة، شخصيا لم أعرف زواجا نجح بدون مباركة الوالدين، وحتى لو نجح فما ابشعها من علاقة يدخلها المرء وهو مدرك بأنه موضوع حديث المجالس، ولا استطيع إلا أن اتساءل كيف تبرر فتاة لأبنائها ما فعلت، وأي قدوة تمثلها هي لبناتها، وأي حياة تلك التي ستعيشها بعيدا عن عائلتها، نحن مخلوقات اجتماعية، لا يمكن أن نعيش بمعزل عن الآخرين خاصة اسرتنا، فحب المرء لأسرته حب فطري لا يستطيع أن ينتزعه من قلبه متى شاء، على عكس الحب الآخر الذي أنا على ثقة بأن الايام كفيلة بأن تمحو اثره من القلب، الأسرة هي السند وهي العزوة حينما تهزمنا الحياة وتتكالب علينا الظروف القاسية لا يبقى غيرهم، مهما كانت علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة المرأة بالرجل، كما ان الدنيا حياة وموت، ما ذا لو حدث مكروه للرجل الذي اخترتيه شريكا للحياة رغما عن انف أسرتك، لمن ستلجئين حينها، حتى ان ضمنت حبه إلى آخر العمر، لا يضمن المرء حياته، وان ضمنت الفتاة حب الرجل وحياته – استغفر الله – كيف ستضمن بقاء قلبها معه، كيف تضمن ان تبقى تحبه إلى آخر العمر؟ هي التي لم يشاورها قلبها في حبه منذ البداية هل تملك الخيار في إبقائه سيدا على ذلك القلب ما بقيت، الزواج نفسه لا أراه شخصيا ضمانا ابديا لدوام العلاقة، فالزواج وإن كان قبول الطرفين شرطا اساسيا في الدخول فيه، الخروج منه عزيزتي الفتاة سلطة مطلقة للرجل، يستطيع وبكلمة واحدة ينطقها ان يخرجك من هذا الزواج، دون ان يكون لك رأي او قرار في البقاء او الخروج من مؤسسة الزوجية، سلطة مطلقة له وحده، بكلمة واحدة يلقيها عليك، البعض منهم لا يملك الشجاعة ليقولها امام الزوجة، وسيصدر حكمه غيابيا، والمؤسف بأن بعض مشايخنا اقر الطلاق عبر الرسائل النصية القصيرة، فأي سند هذا عزيزتي واي مستقبل آمن هذا الذي تضعين حياتك كلها وحياة من تحبين فيه، هناك تزايد مخيف في حالات الطلاق في مجتمعاتنا الاسلامية في الفترة الأخيرة، بحيث لم يعد الزواج هو الضمان الآمن لمستقبل الفتاة، غياب الوازع الديني لدى شباب اليوم، والمغريات المحيطة به من كل حدب وصوب صارت مخيفة، أضف الى ذلك الصورة التي تسوقها وسائل الاعلام للحب، وانتشار المسلسلات التي تبرمج عقول الشباب على مفاهيم مغلوطة عن الحب، جعلته مطلبا يسعى له الشاب والفتاة، مما انتشرت معه ظاهرة تعدد العلاقات بعد أن اصبحت إقامة العلاقات غير الشرعية سهلة ومتاحة ويسوق لها على انها مظهر من مظاهر التمدن والحضارة للأسف الشديد، فغابت قيم الحب الأبدي، والحب العذري الذي يتعاهد فيه الطرفان للبقاء معا والتضحية بحياتهما من أجل بعضهما بعضا.
المصدر : مدونة ابداعات قلم