الرؤية- خالد البحيري
-
المعدات الزراعيّة والمعلومات التكنولوجية والبذور المعالجة وراثيًا.. أهمّ الواردات من تل أبيب
• استفادت من اتفاقيات "الكويز" التي وقعتها مع كل من مصر والأردن
• منتجاتها لا تحمل علامات تدل على أنّها صنعت في إسرائيل
• الضغوط الأمريكية جعلت من إسرائيل بعدًا ثالثًا في العلاقات الأمريكية العربية
• تحتل الأردن قمّة جدول الدول العربية في التعاون والتبادل التجاري مع دولة الاحتلال
برغم الرفض الشعبي يأتي التطبيع الاقتصادي بين العرب والكيان الصهيوني مزدهرًا للغاية وكأنّ "السياسة لا تفسد للاقتصاد ود"، وبلغة الأرقام فإنّ حجم التبادل التجاري بين العرب وإسرائيل يتراوح بين 8% و9% من إجمالي التجارة العربية مع البلدان الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فإنّ إسرائيل –بحسب زعمها- لا تبغي التكتل مع دول المنطقة في تجمع اقتصادي إقليمي، لارتباطها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتفاقات للتجارة الحرة، بما يوفر لإسرائيل امتيازات عديدة، غير أنّها تريد في ذات الوقت تحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة من تعزيز حجم تجارتها سواء السرية أو المعلنة مع الدول العربية، من خلال اتباع ما يطلق عليه نظام "المحور والأضلاع"، بمعنى أنّ تقيم إسرائيل علاقات ثنائية مع كل دولة عربية على حدة، بما يؤهلها في مرحلة لاحقة لأن تضطلع بدور المركز والمحور الرئيسي في التعاملات التجارية والاقتصادية الإقليمية.
وتأخذ الصادرات الإسرائيلية للدول العربية ثلاثة أشكال، أولها المعدات الزراعية، مثل معدات الري ولقاحات التطعيم الحيوانية، وثانيها المعلومات التكنولوجية ومكوناتها، وثالثها البذور الزراعية المعالجة وراثيًا.
وقد استفادت إسرائيل من اتفاقيات "الكويز" التي وقعتها مع كل من مصر والأردن، والتي طرحتها الولايات المتحدة كمقدمة لدخول إسرائيل في مختلف الاتفاقات الاقتصادية التي تبرمها الولايات المتحدة مع الدول العربية. فبرغم أنّ هذه الاتفاقيات قد أسهمت في اضطراد الصادرات المصرية والأردنية إلى الأسواق الأمريكية، إلا أنّها في الوقت ذاته جعلت المنتجات الإسرائيلية موجودة بشكل دائم ومعلن في أسواق الدولتين.
ولأن إسرائيل تعلم جيدًا مدى الحاجز النفسي والكراهية التي يكنّها لها العرب والمسلمون فإنّها تتفنن في تمرير منتجاتها للأسواق العربية بأي ثمن وتحت أي مسمي، فهناك مجموعة من الأساليب التي تجيد إسرائيل استخدامها للالتفاف على عوائق انسياب التجارة بينها وبين جيرانها من الدول العربية، ومن أهمّها: تهريب هذه السلع إلى الأسواق العربية بطرق غير شرعية، وعدم حمل منتجاتها علامات تدل على أنّها صنعت في إسرائيل من خلال إزالة أي كلمات عبرية من على منتجاتها الموجهة إلى الدول العربية. وإن كانت بعض الأسواق العربية القريبة من إسرائيل تعرض المنتجات الإسرائيلية في عبوات تظهر عليها اللغة العبرية واضحة.
كما يتم الاستعانة بـ "الطرف الثالث"، حيث يقوم تجار إسرائيليون وعرب من مصر ولبنان وسوريا والأردن بتسويق منتجات إسرائيل تحت أسماء دولة غير عربية في أسواق هذه الدول، وإدخال السلع إلى دول الخليج العربي عن طريق قبرص، وفي الغالب تكون تحركات هؤلاء التجار إلى إسرائيل ومنها عبر دول أخرى. إضافة إلى فتح مكاتب اتصال تركز على العمليات التجارية في الدول العربية التي تسمح لها بذلك.
وكذلك القيام بعمليات استثمارية إسرائيلية أو مشتركة مع دول عربية مثل دول الخليج و مصر والأردن، لإيجاد موطئ قدم لهم في هذه الدول، ولتصدير مستلزمات الإنتاج لهذه الاستثمارات من إسرائيل ولجعلها معبرًا للسلع الإسرائيلية إلى أسواق هذه الدول.
عامل ضغط
وقد تنامت التجارة بين العرب وإسرائيل بضغط شديد من الولايات المتحدة الأمريكية التي أطلقت في العام 2003 المبادرة الأمريكية لتحرير التجارة مع الشرق الأوسط وهي وإن كانت ذات غلاف اقتصادي إلا أنّ الأبعاد السياسية ذات رائحة نفاذة تفوح من ثنايا الاتفاقية حيث إن مضمون وشروط وآليات تنفيذ المبادرة الأمريكية تعكس بقوة حقيقة أنّ هذه المبادرة تتجاوز بكثير كونها مجرد مبادرة لإقامة منطقة تجارة حرة بين طرفين وفقًا لشروط ومعايير اقتصادية بحتة حيث إنّ الجانب السياسي في هذه المبادرة لا يمكن تجاهله ومن ثمّ فإنّ هذه المبادرة تقوم على خلط الاقتصاد بالسياسة لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية لا يقل كل منها أهميّة عن الآخر.
ولعلّ أبرز الجوانب الخفيّة هو دمج إسرائيل تجاريًا في محيطها الإقليمي وإخراجها من العزلة الاقتصادية حيث اشترطت الولايات المتحدة لفتح أسواقها أمام المنتجات العربية أن تفتح الدول العربية أسواقها على الدفتين للمنتجات الإسرائيلية.
فقد جعلت المبادرة الأمريكية من إسرائيل بعدًا ثالثا في العلاقات الأمريكية العربية حيث إنّ المبادرة تجعل تحرير التجارة العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر البوابة الإسرائيلية وهو أمر واضح في الاتفاقية الأمريكية الأردنية لتحرير التجارة حيث تشترط الولايات المتحدة أن تقوم الدول العربية بإنشاء ما يعرف بالمناطق الصناعية المؤهلة مع إسرائيل كشرط لتصدير المنتجات العربية المنتجة في هذه المناطق إلى الأسواق الأمريكية.
صفقات أردنية
تحتل الأردن قمة جدول الدول العربية في التعاون والتبادل التجاري مع إسرائيل وبحسب بيانات رسمية عربيا وإقليميا فقد تخطى حجم التعامل التجاري (الصادرات والواردات) حاجز 150 مليون دولار أمريكي، وبحسب تقرير نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، فإنّ الأردن بصدد التوقيع على "كويز " جديدة – ثورات الربيع العربي سبب التأخير- وهي عبارة عن اتفاقية ضخمة للتعاون التجاري مع إسرائيل وبمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت الصحيفة العبرية إنّ الولايات المتحدة الأمريكية عبرت عن رغبتها في عقد اتفاق ثلاثي بين إسرائيل وأمريكا والأردن، يضمن حرية التعاون التجاري، وذلك في أعقاب انهيار نظام الرئيس المصري السابق حسنى مبارك، واندلاع الثورات العربية وزوال الأنظمة الديكتاتورية الموالية لإسرائيل والولايات المتحدة.
وكشفت مصادر إسرائيلية أنّ الاتفاق يهدف إلى تخفيض أسعار المنتجات بقيمة 10% من سعرها الأصلي، عبر إحضار العناصر الأولية من الولايات المتحدة، وتصنيعها في إسرائيل والأردن، مع إعفائها من جميع الجمارك خلال مراحل رحلتها من أمريكا حتى الأردن وإسرائيل.
وتأتي هذه الخطوة لتعزيز العلاقات التجارية بين إسرائيل والأردن، و تعمل على زيادة الدخل التجاري للجانبين بآلاف الدولارات.
وتشهد هذه الاتفاقية معارضة واسعة من القوى والأحزاب الأردنيّة التي ترفض التطبيع مع إسرائيل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية كانت قد وقعت عام 1998 اتفاقية تعاون تجاري مع الأردن، تشتمل على إنشاء أكثر من 11 منطقة صناعية مشتركة، جزء منها في الأردن والجزء الآخر في منطقة بيسان شمالي فلسطين المحتلة.
ومنحت اتفاقيات الـ-QIZ (المناطق الصناعية المؤهلة) منتجات النسيج الإسرائيلية والأردنية المشتركة إعفاءات جمركية عند تصديرها إلى الولايات المتحدة, وبذلك أدّت إلى زيادة حجم الصادرات المحلية.
ويحتل الأردن مكان الصدارة وتمنح له الأفضلية في مركز "ماشاف" للتعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية.
وبحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي ففي مطلع عام 2012 وتحديدًا خلال شهري يناير وفبراير فقد تمّ تسجيل ارتفاع كبير في حجم التبادل التجاري بين "إسرائيل" والأردن، حيث زادت الصادرات بمستوى 30 % وبقيمة 68.5 مليون دولار، والواردات ارتفعت إلى 59% وبقيمة 78 مليون دولار.
ويذكر أنّ حجم التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل بلغ عام 2009 نحو 231 مليون دولار أمريكي متراجعًا عن قيمته المتحققة في عام 2008 الذي بلغ نحو 342 مليون دولار.
ويندرج التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل، في إطار اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي التي تمّ توقيعها عام 1995، وأنهت المقاطعة الاقتصادية بين الدولتين، على أثر توقيع اتفاقية السلام في وادي عربة عام 1994.
وبموجب اتفاقية السلام بين الجانبين ترتبط عمان مع تل أبيب أيضًا باتفاق تجارة «الكويز» إلى جانب الولايات المتحدة والذي كان قد وقع عام 1996.
الغاز المصري
وتأتي مصر في المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول المطبعة مع إسرائيل اقتصاديًا رغم المعارضات الشعبية واسعة النطاق فقد شكلت المعطيات حول حجم التبادل التجاري بين مصر و"إسرائيل" لعام 2012، والصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، مفاجأة كبيرة على الرغم من الثورة والمظاهرات الاجتماعية والسياسية بمصر.
فقد سجلت المعطيات ارتفاعا في حجم الصادرات الإسرائيلية إلى مصر في شهري يناير وأبريل من عام 2012 وقدر بـ 121 مليون دولار، مقابل 33 مليون دولار في نفس المدة من العام الذي سبقه 2011.
وحسب المعطيات فقد تركّز ارتفاع التصدير وبشكل حاد بالأساس على تصدير الكيمياويات، وبالمقابل سجل هبوطا في إجمالي الواردات من مصر إلى "إسرائيل" بمستوى 4 %، وبلغ الهبوط فقط في الأشهر الأولى من عام 2012 حوالي 78%.
وتركز الهبوط في الواردات على خلفية إلغاء تصدير الغاز الطبيعي من مصر إلى "إسرائيل"، والذي قدر بـ 25 مليون دولار فقط، مقابل 110 مليون دولار في العام الذي سبقه.
وكانت مصر من أوائل الدول التي طبعت اقتصاديًا مع إسرائيل فقد وقعت مع معاهدة كامب ديفيد يوم 26 مارس 1979 بواشنطن برعاية أمريكية، وبناءً على المعاهدة عقد الجانبان العديد من اللجان المشتركة في المجالات المختلفة منها اللجنة الاقتصادية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين لتدعيم السلام بينهم ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وعملت اللجنة الاقتصادية المشتركة على تدعيم العلاقات الاقتصادية من خلال عدة اتفاقات أبرزها: الاتفاقات الاقتصادية المركزية بين الدولتين: اتفاقية الكويز (المناطق الصناعية المؤهلة): بموجب الاتفاقية، الموقعة سنة 2004، يسمح للشركات المصرية التي تستخدم مدخلات إسرائيلية بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة مع إعفاء الجمارك. وعلى إثرها بلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل ومصر سنة 2008 حوالي 271 مليون دولار مقارنة بـ 59 مليون دولار فقط في السنة التي سبقت توقيع الاتفاقية عام 2004، أي زيادة بمقدار 4.5 أضعاف.
اتفاقية الغاز: تمّ في إطار هذه الاتفاقية التوقيع على صفقة ضخمة، سنة 2005، بين شركة غاز شرق المتوسط المصرية EMG وشركة الكهرباء الإسرائيلية. وتنظم هذه الاتفاقية شراء الغاز المصري من قبل شركة الكهرباء الإسرائيلية بقيمة 2.5 مليار دولار لمدة 25 سنة.
وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أنّ المعهد الإسرائيلي للتصدير والتعاون الدولي صرح بأنّ الواردات من مصر إلى إسرائيل بلغت في عام 2008 حوالي 132 مليون دولار، زيادة 40
-
المعدات الزراعيّة والمعلومات التكنولوجية والبذور المعالجة وراثيًا.. أهمّ الواردات من تل أبيب
• استفادت من اتفاقيات "الكويز" التي وقعتها مع كل من مصر والأردن
• منتجاتها لا تحمل علامات تدل على أنّها صنعت في إسرائيل
• الضغوط الأمريكية جعلت من إسرائيل بعدًا ثالثًا في العلاقات الأمريكية العربية
• تحتل الأردن قمّة جدول الدول العربية في التعاون والتبادل التجاري مع دولة الاحتلال
برغم الرفض الشعبي يأتي التطبيع الاقتصادي بين العرب والكيان الصهيوني مزدهرًا للغاية وكأنّ "السياسة لا تفسد للاقتصاد ود"، وبلغة الأرقام فإنّ حجم التبادل التجاري بين العرب وإسرائيل يتراوح بين 8% و9% من إجمالي التجارة العربية مع البلدان الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فإنّ إسرائيل –بحسب زعمها- لا تبغي التكتل مع دول المنطقة في تجمع اقتصادي إقليمي، لارتباطها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتفاقات للتجارة الحرة، بما يوفر لإسرائيل امتيازات عديدة، غير أنّها تريد في ذات الوقت تحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة من تعزيز حجم تجارتها سواء السرية أو المعلنة مع الدول العربية، من خلال اتباع ما يطلق عليه نظام "المحور والأضلاع"، بمعنى أنّ تقيم إسرائيل علاقات ثنائية مع كل دولة عربية على حدة، بما يؤهلها في مرحلة لاحقة لأن تضطلع بدور المركز والمحور الرئيسي في التعاملات التجارية والاقتصادية الإقليمية.
وتأخذ الصادرات الإسرائيلية للدول العربية ثلاثة أشكال، أولها المعدات الزراعية، مثل معدات الري ولقاحات التطعيم الحيوانية، وثانيها المعلومات التكنولوجية ومكوناتها، وثالثها البذور الزراعية المعالجة وراثيًا.
وقد استفادت إسرائيل من اتفاقيات "الكويز" التي وقعتها مع كل من مصر والأردن، والتي طرحتها الولايات المتحدة كمقدمة لدخول إسرائيل في مختلف الاتفاقات الاقتصادية التي تبرمها الولايات المتحدة مع الدول العربية. فبرغم أنّ هذه الاتفاقيات قد أسهمت في اضطراد الصادرات المصرية والأردنية إلى الأسواق الأمريكية، إلا أنّها في الوقت ذاته جعلت المنتجات الإسرائيلية موجودة بشكل دائم ومعلن في أسواق الدولتين.
ولأن إسرائيل تعلم جيدًا مدى الحاجز النفسي والكراهية التي يكنّها لها العرب والمسلمون فإنّها تتفنن في تمرير منتجاتها للأسواق العربية بأي ثمن وتحت أي مسمي، فهناك مجموعة من الأساليب التي تجيد إسرائيل استخدامها للالتفاف على عوائق انسياب التجارة بينها وبين جيرانها من الدول العربية، ومن أهمّها: تهريب هذه السلع إلى الأسواق العربية بطرق غير شرعية، وعدم حمل منتجاتها علامات تدل على أنّها صنعت في إسرائيل من خلال إزالة أي كلمات عبرية من على منتجاتها الموجهة إلى الدول العربية. وإن كانت بعض الأسواق العربية القريبة من إسرائيل تعرض المنتجات الإسرائيلية في عبوات تظهر عليها اللغة العبرية واضحة.
كما يتم الاستعانة بـ "الطرف الثالث"، حيث يقوم تجار إسرائيليون وعرب من مصر ولبنان وسوريا والأردن بتسويق منتجات إسرائيل تحت أسماء دولة غير عربية في أسواق هذه الدول، وإدخال السلع إلى دول الخليج العربي عن طريق قبرص، وفي الغالب تكون تحركات هؤلاء التجار إلى إسرائيل ومنها عبر دول أخرى. إضافة إلى فتح مكاتب اتصال تركز على العمليات التجارية في الدول العربية التي تسمح لها بذلك.
وكذلك القيام بعمليات استثمارية إسرائيلية أو مشتركة مع دول عربية مثل دول الخليج و مصر والأردن، لإيجاد موطئ قدم لهم في هذه الدول، ولتصدير مستلزمات الإنتاج لهذه الاستثمارات من إسرائيل ولجعلها معبرًا للسلع الإسرائيلية إلى أسواق هذه الدول.
عامل ضغط
وقد تنامت التجارة بين العرب وإسرائيل بضغط شديد من الولايات المتحدة الأمريكية التي أطلقت في العام 2003 المبادرة الأمريكية لتحرير التجارة مع الشرق الأوسط وهي وإن كانت ذات غلاف اقتصادي إلا أنّ الأبعاد السياسية ذات رائحة نفاذة تفوح من ثنايا الاتفاقية حيث إن مضمون وشروط وآليات تنفيذ المبادرة الأمريكية تعكس بقوة حقيقة أنّ هذه المبادرة تتجاوز بكثير كونها مجرد مبادرة لإقامة منطقة تجارة حرة بين طرفين وفقًا لشروط ومعايير اقتصادية بحتة حيث إنّ الجانب السياسي في هذه المبادرة لا يمكن تجاهله ومن ثمّ فإنّ هذه المبادرة تقوم على خلط الاقتصاد بالسياسة لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية لا يقل كل منها أهميّة عن الآخر.
ولعلّ أبرز الجوانب الخفيّة هو دمج إسرائيل تجاريًا في محيطها الإقليمي وإخراجها من العزلة الاقتصادية حيث اشترطت الولايات المتحدة لفتح أسواقها أمام المنتجات العربية أن تفتح الدول العربية أسواقها على الدفتين للمنتجات الإسرائيلية.
فقد جعلت المبادرة الأمريكية من إسرائيل بعدًا ثالثا في العلاقات الأمريكية العربية حيث إنّ المبادرة تجعل تحرير التجارة العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر البوابة الإسرائيلية وهو أمر واضح في الاتفاقية الأمريكية الأردنية لتحرير التجارة حيث تشترط الولايات المتحدة أن تقوم الدول العربية بإنشاء ما يعرف بالمناطق الصناعية المؤهلة مع إسرائيل كشرط لتصدير المنتجات العربية المنتجة في هذه المناطق إلى الأسواق الأمريكية.
صفقات أردنية
تحتل الأردن قمة جدول الدول العربية في التعاون والتبادل التجاري مع إسرائيل وبحسب بيانات رسمية عربيا وإقليميا فقد تخطى حجم التعامل التجاري (الصادرات والواردات) حاجز 150 مليون دولار أمريكي، وبحسب تقرير نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، فإنّ الأردن بصدد التوقيع على "كويز " جديدة – ثورات الربيع العربي سبب التأخير- وهي عبارة عن اتفاقية ضخمة للتعاون التجاري مع إسرائيل وبمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت الصحيفة العبرية إنّ الولايات المتحدة الأمريكية عبرت عن رغبتها في عقد اتفاق ثلاثي بين إسرائيل وأمريكا والأردن، يضمن حرية التعاون التجاري، وذلك في أعقاب انهيار نظام الرئيس المصري السابق حسنى مبارك، واندلاع الثورات العربية وزوال الأنظمة الديكتاتورية الموالية لإسرائيل والولايات المتحدة.
وكشفت مصادر إسرائيلية أنّ الاتفاق يهدف إلى تخفيض أسعار المنتجات بقيمة 10% من سعرها الأصلي، عبر إحضار العناصر الأولية من الولايات المتحدة، وتصنيعها في إسرائيل والأردن، مع إعفائها من جميع الجمارك خلال مراحل رحلتها من أمريكا حتى الأردن وإسرائيل.
وتأتي هذه الخطوة لتعزيز العلاقات التجارية بين إسرائيل والأردن، و تعمل على زيادة الدخل التجاري للجانبين بآلاف الدولارات.
وتشهد هذه الاتفاقية معارضة واسعة من القوى والأحزاب الأردنيّة التي ترفض التطبيع مع إسرائيل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية كانت قد وقعت عام 1998 اتفاقية تعاون تجاري مع الأردن، تشتمل على إنشاء أكثر من 11 منطقة صناعية مشتركة، جزء منها في الأردن والجزء الآخر في منطقة بيسان شمالي فلسطين المحتلة.
ومنحت اتفاقيات الـ-QIZ (المناطق الصناعية المؤهلة) منتجات النسيج الإسرائيلية والأردنية المشتركة إعفاءات جمركية عند تصديرها إلى الولايات المتحدة, وبذلك أدّت إلى زيادة حجم الصادرات المحلية.
ويحتل الأردن مكان الصدارة وتمنح له الأفضلية في مركز "ماشاف" للتعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية.
وبحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي ففي مطلع عام 2012 وتحديدًا خلال شهري يناير وفبراير فقد تمّ تسجيل ارتفاع كبير في حجم التبادل التجاري بين "إسرائيل" والأردن، حيث زادت الصادرات بمستوى 30 % وبقيمة 68.5 مليون دولار، والواردات ارتفعت إلى 59% وبقيمة 78 مليون دولار.
ويذكر أنّ حجم التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل بلغ عام 2009 نحو 231 مليون دولار أمريكي متراجعًا عن قيمته المتحققة في عام 2008 الذي بلغ نحو 342 مليون دولار.
ويندرج التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل، في إطار اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي التي تمّ توقيعها عام 1995، وأنهت المقاطعة الاقتصادية بين الدولتين، على أثر توقيع اتفاقية السلام في وادي عربة عام 1994.
وبموجب اتفاقية السلام بين الجانبين ترتبط عمان مع تل أبيب أيضًا باتفاق تجارة «الكويز» إلى جانب الولايات المتحدة والذي كان قد وقع عام 1996.
الغاز المصري
وتأتي مصر في المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول المطبعة مع إسرائيل اقتصاديًا رغم المعارضات الشعبية واسعة النطاق فقد شكلت المعطيات حول حجم التبادل التجاري بين مصر و"إسرائيل" لعام 2012، والصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، مفاجأة كبيرة على الرغم من الثورة والمظاهرات الاجتماعية والسياسية بمصر.
فقد سجلت المعطيات ارتفاعا في حجم الصادرات الإسرائيلية إلى مصر في شهري يناير وأبريل من عام 2012 وقدر بـ 121 مليون دولار، مقابل 33 مليون دولار في نفس المدة من العام الذي سبقه 2011.
وحسب المعطيات فقد تركّز ارتفاع التصدير وبشكل حاد بالأساس على تصدير الكيمياويات، وبالمقابل سجل هبوطا في إجمالي الواردات من مصر إلى "إسرائيل" بمستوى 4 %، وبلغ الهبوط فقط في الأشهر الأولى من عام 2012 حوالي 78%.
وتركز الهبوط في الواردات على خلفية إلغاء تصدير الغاز الطبيعي من مصر إلى "إسرائيل"، والذي قدر بـ 25 مليون دولار فقط، مقابل 110 مليون دولار في العام الذي سبقه.
وكانت مصر من أوائل الدول التي طبعت اقتصاديًا مع إسرائيل فقد وقعت مع معاهدة كامب ديفيد يوم 26 مارس 1979 بواشنطن برعاية أمريكية، وبناءً على المعاهدة عقد الجانبان العديد من اللجان المشتركة في المجالات المختلفة منها اللجنة الاقتصادية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين لتدعيم السلام بينهم ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وعملت اللجنة الاقتصادية المشتركة على تدعيم العلاقات الاقتصادية من خلال عدة اتفاقات أبرزها: الاتفاقات الاقتصادية المركزية بين الدولتين: اتفاقية الكويز (المناطق الصناعية المؤهلة): بموجب الاتفاقية، الموقعة سنة 2004، يسمح للشركات المصرية التي تستخدم مدخلات إسرائيلية بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة مع إعفاء الجمارك. وعلى إثرها بلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل ومصر سنة 2008 حوالي 271 مليون دولار مقارنة بـ 59 مليون دولار فقط في السنة التي سبقت توقيع الاتفاقية عام 2004، أي زيادة بمقدار 4.5 أضعاف.
اتفاقية الغاز: تمّ في إطار هذه الاتفاقية التوقيع على صفقة ضخمة، سنة 2005، بين شركة غاز شرق المتوسط المصرية EMG وشركة الكهرباء الإسرائيلية. وتنظم هذه الاتفاقية شراء الغاز المصري من قبل شركة الكهرباء الإسرائيلية بقيمة 2.5 مليار دولار لمدة 25 سنة.
وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أنّ المعهد الإسرائيلي للتصدير والتعاون الدولي صرح بأنّ الواردات من مصر إلى إسرائيل بلغت في عام 2008 حوالي 132 مليون دولار، زيادة 40