" كيف الحال " " كيف الصحة " " كيف الاهل " " ما أحوال الطقس " !!
اكره ان تستحيل هذه الكلمات الى سلع استهلاكية مثلجة انتهت مدة صلاحيتها . لكنها ما ان تلتقي بي ولو بعد ساعتين من فراقنا حتى يبادرني بـ " كيف الحال " " كيف حالو الوالد " " كيف الاهل عساهم بخير " " كيف المدرسة " " كيف الصحة " "كيف الجو عندكم " " كيف الحر معكم " !!
هذا الرجل جعلني احلم بأسبوع للصمت لكثرة ما يلقي هذه الاسئلة على مسمعي ، في حين تتكرر اجابتي له والتي اشك انه يسمعها " الحمد لله " " الحمد لله " ويتورم السؤال في داخلي " ماصلتي انا بالطقس وتقلباته ؟ هل انا بارومتر يستشيره اخصائيو الارصاد الجوية ؟! لكنني سرعان ما اجيبه بان الجو معتدل والمناخ جميل وعال ما دام سيفتح علي نيران تساؤلاته كلما التقاني ! ثم اصرخ في داخلي مسترحما ( ارحمني يارجل فقد سئمت الكلام .. ما رأيك لو نتحدث بالاشارات ؟) ويواصل كلامه غير عابئ بصراخي ( مصرك الجديد جميل وحذاؤك رائع ) مع ملاحظة ان مصري ليس جديد واشك في انه جميل الا انني اميل برأسي الى الامام والى الخلف مذعن .. اترجم اشاراتي " بشكرا لا تبالغ " ثم يخيل الي بان لغة الكلام قد فقدت قيمتها الاصلية على كوكبنا امام الارطال الهائلة المتدفقة من شفتيه ومن الاذاعات وقنوات التلفزيون والصحف والمجلات وحاديث المجالس العامة فاودعه الى حيث يتلقفني اخر يحلو له ان يتقمص دور الحكواتي من صحبتي .. فيبدأ في سرد حكاياته المملة المكرورة ( اولادي يذهبون الى المدرسة ، زوجتي تذهب للعمل ، طفلي نبوغه مبكر ، الحلاق خرب لحيتي !!)
واصرخ في داخلي مسترحما مرة اخرى " احمني يا اخي فهذه الاحاديث الطفيفة تعتمل في كل البيوت " واميل برأسي يمنة ويسرة اجتر ابتسامتي ريثما ينضب لديه مخزون الكلام على اعتبار انه ارحم باعصابي من اخرين يعتنقون مبدأ المبالغة في السرد فالمصر اللي بخمسين يصبح في غمضة عين بخمسمائة وايجار الفيللا يتضاعف الى الف واجرة السائق تصبح اجرة مدير عام !
كم ارثي ليومي الذي يتلقف هذا الكم الهائل من الكلمات غير ( المجمركة ) حتى متى يايومي البائس يفتحون عليك النار بهذه البلادة ؟!
وابادر اخر بوقاحة لم اعهداها في نفسي " لماذا تكذب على زوجتك بهذا النحو الفاضح ؟ " وقبلما يفتح فمه اعيد صياغة السؤال بأسلوب مهذب " يالك من مؤلف قدير .. من اين لك كل هذه الشخصيات والاحداث وحبكة القصة وروعة السرد ؟ " يضحك ويجيب بوقاحة :
( ياعزيزي الكلام ليس عليه جمرك ) !!
ثم يقص علي حادثة اخيه الذي يجده اعز ما لديه في الوجود فاشترى له ساعة ذهبية بمناسبة ميلاد ابنته وقد نسي او تناسى با اخاه هاجر الى امريكا قبل عامين وانقطعت اخباره نهائيا !
ولا اصرخ هذه المرة من داخلي وانما اتركه يواصل تاليفه بجدارة بيننما اقطع تذكرة سفر لحواسي الى دنيا اللاوعي فارقب شفتيه تتحركنا بآلية مقززة .. وارقب ارطال الكلام تتدفق في فمه وتمتزج بلعابه واسنانه .. صار لون الكلمات باهتا باهتا جدا .
احلم واحلم بأن اليوم هو اول ايام ( اسبوع الصمت ) الذي تنظمه ( المنظمة العالمية لترشيد الكلام ) وان الهدوء يشل ضجيج الشوارع والمكاتب والبيوت و المدارس والجامعات لا اصوات ولا ابواق ولا حكايات مختلفة ولا برامج سخيفة ولا رنين للهواتف المزعجة . واشارات المرور تحمر وتخضر في فرح لان العالم يتعامل بالاشارات مثلها .
واحلم واحلم بان جدتي افاقت هذا الصباح فبسطت كفيها في دعاء صامت ثم بدل ان قالت لي
" لا تتاخر" ضمتني الى صدرها في حنان وبدل ان قلت لها " شكرا " قبلت راسها في امتنان .. ثم دخلت المدرسة لتلفحني رائحة الهدوء الذي يشبع رئتي المكان .. الهدوء ينساب على على ارض الممرات وفي القاعات والمكتبة والمصافحات حلت محل " صباح الخير " وكانت اقلام الفلوماستر واصابع الطباشير ترقص في يدي .. واما المكتبة فلم اسمع فيها غير حفيف الورق وخشخشة الكتب .. واحلم واحلم الى ان افقت على صوت السيد الحكواتي الذي ما زال يحكي قصة رحلته الى اليونان والتي اسمعها الان للمرة الحادية عشرة بعد الالف دون رحمة ....
اكره ان تستحيل هذه الكلمات الى سلع استهلاكية مثلجة انتهت مدة صلاحيتها . لكنها ما ان تلتقي بي ولو بعد ساعتين من فراقنا حتى يبادرني بـ " كيف الحال " " كيف حالو الوالد " " كيف الاهل عساهم بخير " " كيف المدرسة " " كيف الصحة " "كيف الجو عندكم " " كيف الحر معكم " !!
هذا الرجل جعلني احلم بأسبوع للصمت لكثرة ما يلقي هذه الاسئلة على مسمعي ، في حين تتكرر اجابتي له والتي اشك انه يسمعها " الحمد لله " " الحمد لله " ويتورم السؤال في داخلي " ماصلتي انا بالطقس وتقلباته ؟ هل انا بارومتر يستشيره اخصائيو الارصاد الجوية ؟! لكنني سرعان ما اجيبه بان الجو معتدل والمناخ جميل وعال ما دام سيفتح علي نيران تساؤلاته كلما التقاني ! ثم اصرخ في داخلي مسترحما ( ارحمني يارجل فقد سئمت الكلام .. ما رأيك لو نتحدث بالاشارات ؟) ويواصل كلامه غير عابئ بصراخي ( مصرك الجديد جميل وحذاؤك رائع ) مع ملاحظة ان مصري ليس جديد واشك في انه جميل الا انني اميل برأسي الى الامام والى الخلف مذعن .. اترجم اشاراتي " بشكرا لا تبالغ " ثم يخيل الي بان لغة الكلام قد فقدت قيمتها الاصلية على كوكبنا امام الارطال الهائلة المتدفقة من شفتيه ومن الاذاعات وقنوات التلفزيون والصحف والمجلات وحاديث المجالس العامة فاودعه الى حيث يتلقفني اخر يحلو له ان يتقمص دور الحكواتي من صحبتي .. فيبدأ في سرد حكاياته المملة المكرورة ( اولادي يذهبون الى المدرسة ، زوجتي تذهب للعمل ، طفلي نبوغه مبكر ، الحلاق خرب لحيتي !!)
واصرخ في داخلي مسترحما مرة اخرى " احمني يا اخي فهذه الاحاديث الطفيفة تعتمل في كل البيوت " واميل برأسي يمنة ويسرة اجتر ابتسامتي ريثما ينضب لديه مخزون الكلام على اعتبار انه ارحم باعصابي من اخرين يعتنقون مبدأ المبالغة في السرد فالمصر اللي بخمسين يصبح في غمضة عين بخمسمائة وايجار الفيللا يتضاعف الى الف واجرة السائق تصبح اجرة مدير عام !
كم ارثي ليومي الذي يتلقف هذا الكم الهائل من الكلمات غير ( المجمركة ) حتى متى يايومي البائس يفتحون عليك النار بهذه البلادة ؟!
وابادر اخر بوقاحة لم اعهداها في نفسي " لماذا تكذب على زوجتك بهذا النحو الفاضح ؟ " وقبلما يفتح فمه اعيد صياغة السؤال بأسلوب مهذب " يالك من مؤلف قدير .. من اين لك كل هذه الشخصيات والاحداث وحبكة القصة وروعة السرد ؟ " يضحك ويجيب بوقاحة :
( ياعزيزي الكلام ليس عليه جمرك ) !!
ثم يقص علي حادثة اخيه الذي يجده اعز ما لديه في الوجود فاشترى له ساعة ذهبية بمناسبة ميلاد ابنته وقد نسي او تناسى با اخاه هاجر الى امريكا قبل عامين وانقطعت اخباره نهائيا !
ولا اصرخ هذه المرة من داخلي وانما اتركه يواصل تاليفه بجدارة بيننما اقطع تذكرة سفر لحواسي الى دنيا اللاوعي فارقب شفتيه تتحركنا بآلية مقززة .. وارقب ارطال الكلام تتدفق في فمه وتمتزج بلعابه واسنانه .. صار لون الكلمات باهتا باهتا جدا .
احلم واحلم بأن اليوم هو اول ايام ( اسبوع الصمت ) الذي تنظمه ( المنظمة العالمية لترشيد الكلام ) وان الهدوء يشل ضجيج الشوارع والمكاتب والبيوت و المدارس والجامعات لا اصوات ولا ابواق ولا حكايات مختلفة ولا برامج سخيفة ولا رنين للهواتف المزعجة . واشارات المرور تحمر وتخضر في فرح لان العالم يتعامل بالاشارات مثلها .
واحلم واحلم بان جدتي افاقت هذا الصباح فبسطت كفيها في دعاء صامت ثم بدل ان قالت لي
" لا تتاخر" ضمتني الى صدرها في حنان وبدل ان قلت لها " شكرا " قبلت راسها في امتنان .. ثم دخلت المدرسة لتلفحني رائحة الهدوء الذي يشبع رئتي المكان .. الهدوء ينساب على على ارض الممرات وفي القاعات والمكتبة والمصافحات حلت محل " صباح الخير " وكانت اقلام الفلوماستر واصابع الطباشير ترقص في يدي .. واما المكتبة فلم اسمع فيها غير حفيف الورق وخشخشة الكتب .. واحلم واحلم الى ان افقت على صوت السيد الحكواتي الذي ما زال يحكي قصة رحلته الى اليونان والتي اسمعها الان للمرة الحادية عشرة بعد الالف دون رحمة ....