حقيقة ادراكنا للزمان والمكان

    • حقيقة ادراكنا للزمان والمكان

      الشر عند البشر
      البعض يتعجبون ويتسائلون لماذا كل هذا الكم من الشر بين البشر؟ لماذا يقتل بعض الناس بعضهم بعضا ... يتصارعون من أجل المادة والسلطة والنفوذ والسيادة والسيطرة بل من أجل الطعام والشراب أحيانا والمتعة واللذة! لماذا قتل قابيل هابيل؟ ولماذا غزا التتار والمغول العالم وقتلوا كل هذا الكم من البشر وسلبوا ونهبوا ثم ذهب كل هذا هباء وإين ذهبت دماء وأشلاء قتلاهم ثم إنحسروا فجأة وكأن شيئ لم يكن! أين ذهب ماجمعوه ومافرضوا عليه سلطانهم بل أين ذهبوا هم أصلا الأن؟ لماذا حتى الأن هناك صراعات وحروب ولا يمر يوم إلا ونسمع عن قتلى جدد وسرقات وجرائم وإغتصاب؟ هل هناك ناس خيرون وأخرون أشرار بطبعهم؟ بل أن الشخص نفسه قد يمر بمراحل وفترات في حياته يكون فيها خير أحيانا وشريرا أحيانا أخرى ... والأعجب من ذلك أن الشخص نفسه في نفس الوقت قد يكون خير مع بعض الناس وشريرا مع البعض الأخر!!!


      إن الجندي المحارب يكون من وجهة نظر أعدائه لص قاتل مغتصب مجرم بينما من وجهة نظر قومه يكون بطلا محاربا شجاعا مغوارا!


      لماذا هذا التداخل بين الخير والشر ففي الموقف نفسه يكون الشر يحوي الخير والخير يحوي الشر.....


      الشر ليس عند البشر فقط!
      هل رأيت كيف يقفز الأسد على الغزالة فجأة فيفترسها بلا هوادة أو رحمة؟ أليس ربما لهذه الغزالة أطفالا صغارا ترضعهم وهم ينتظرون عودتها بعد أن تكون قد تغذت جيدا فيجدوا في درعها حليبا يتقوتون منه؟ لماذا أنهى الأسد حياتها فجأة هكذا ولماذا؟ لمجرد أن يلتهم وجبة سرعان ماسيترك أشلائها بعد أن يشبع ثم يعود مرة أخرى فيبحث عن صيد جديد ويشرد أطفالا ربما لبقرة أخرى أو جاموسة برية أو حسبما ما سيوقعه حظه العسر حيوان تقوده قدماه إلى مصيره المحتوم.... الأسماك في المحيط تعيش على الأسماك الأصغر حجما ... الطيور الجارحة في السماء تنقض على فرائسها كالسهم المسموم فترديها مقتولة في لحظة ليلا كانت أو في وضح النهار ...


      أعتدت أن أربي بعض أسماك الزينة في الأحواض الزجاجية وذلك ليس فقط للتمتع بشكلها الجميل وألوانها المبهرة وإنما أيضا لدراسة سلوكها عن قرب بالإضافة لتعلم القوانين الطبيعية كالكيمياء والفيزياء والأحياء... والعجيب إني كنت ألاحظ تصرفات كنت أرى ساعتها أنها غريبة جدا! لقد فوجئت أن الشر موجود في سلوكياتها كما في البشر أيضا و لكن بصورة أشد قسوة وإن إختلفت الدوافع والأهداف فالسرقة موجودة والصراعات من أجل بسط النفوذ والسيطرة على أشدها بل والأعجب إني فوجئت بالذكر في أحد أنواع السمك المعروف بأسم "المقاتل" الذي لا يتحمل وجود ذكر أخر من نفس نوعه في نفس الحوض بل يثور ويقاتل بشراسة ولا يهدأ له بال حتى يمزق جميع الذكور الأخرين أربا ويكون البقاء للذكر الأقوى ويتمتع بمصاحبة باقي إناث القطيع! وجدت الغيرة الشديدة في بعض الأنواع الأخرى مثل "المندرين" فحتى الأنثى لا تتحمل أيضا أن توجد إنثى أخرى في الحوض تشاغل ذكرها فتختلس الحركات وتخطط وتدبر حتى تأتيها الفرصة السانحة وتذبح الأنثى الأخرى بقسوة بالغة لكي تظل هي الوحيدة أمام ذكرها دائما... وجدت الوحشية الشديدة كما وجدت معاني الحب الصادق والإخلاص ففي بعض الأنواع كالديسكس والأنجل تجد الذكر أو الأنثى يظل مخلصا دوما لوليفته فإذا حدث وماتت فأنه يحزن عليها وربما قد يموت لفراقها مهما وضعت أمامه من إناث أخريات ربما أكثر جمالا من وليفته التى إعتاد عليها!


      يخبرنا علماء الطبيعة المتخصصون في دراسة النمل عن أنواع من النمل تؤسس ممالك وإمارات ويحدث بينها حروب ضارية وتخرج الجيوش المحاربة للمملكة التي تريد أن توسع رقعتها وتهاجم المملكة المجاورة وتنهب وتسلب وتقضي تماما على جميع الأفراد فيها ولا تهدأ حتى تقتل الملكة في عشها بينما يقاتل الجنود الأخرين في دفاع وإستبسال منقطع النظير حتى أخر رمق دفاعا عن ملكتهم التي قدد تتمكن من الطيران بعيدا وتنجو بنفسها تاركة المملكة وجنودها وعمالها وشغاليها وصوامعها لتبدأ في تأسيس مملكة جديدة في مكان أخر... في أعماق المحيطات يتفق مجموعة من أسماك القرش على عمل تنظيم عصابي وإتحاد فيما بينهم لمهاجمة أسراب أسماك التونة في رحلاتها فيختبئ قطيع القروش في مكان محدد في موعد محدد كأنهم يعلمون سلفا بأن السرب سيمر من هذا المكان بالذات في هذا الوقت بالذات ثم تبدأ لحظة الإنقضاض فيفاجئون السرب ويضيقون الخناق عليه حتى تضطرب حركتهم ثم يفتح كل قرش فكيه فيدخل فيه حشود السمك المذعور المضطرب ... إن هذه الوجبة الشهية لم تكن ستتوفر لسمكة قرش واحدة بمفردها لولا وجودها وسط قطيع كبير يتعاونون فيما بينهم على الإنقضاض على سرب السمك الصغير المسكين.


      مداخله
      من أسماء الله الحسنى الرحمن الرحيم الحكم العدل الباسط الرزاق العليم ومن أسمائه أيضا الجبار المتكبر المنتقم القهار المهيمن القابض المذل ... المجموعة الأولى من الأسماء واضحة والمجموعة الثانية يتسائل عنها بعض الناس لماذا يصف الله نفسه بهذه الأوصاف التي تبدو متضادة مع الأوصاف الأولى .... تأتي الإجابة من الفقهاء فيقولون بكل بساطه "لكي تستقيم الحياة" ....


      هل الشر ضمن منهج الكون؟
      خلق الله الملائكة وكذلك خلق الشياطين الملائكة يسبحون بحمده أما الشياطين فتوعدهم بحسابه في الأخرة وهناك سؤال ساذج يقول: "إذا كان الله يعلم مسبقا بشرور الشياطين فلماذا خلقهم أصلا ولماذا بلى بني أدم بهم كما إبتلى أدم عليه السلام شخصيا؟ لماذا لا يقضي عليهم ويرتاح البشر من شرورهم ووسوساتهم!" والسؤال الأكثر سذاجه يقول: "لماذا يستخدم الله الملائكة في إهلاك البشر العاصين؟ تماما كما أرسل الملائكة المكلفين بإهلاك قرية قوم لوط عليه السلام لما شاعت فيهم الفاحشة فرفعوا القرية في السماء بمن عليها ثم قلبوها لتهوي على الأرض ويصير عاليها أسفلها عذابا لهم... (لاحظ هنا الجزاء من جنس العمل فكما قلبوا خلق الله قلبت بهم قريتهم نكالا لهم)


      في قصة العبد الصالح التي وردت في سورة الكهف حينما أراد موسى عليه السلام إتباعه ليتعلم منه ولم يستطيع أن يصبر على أشياء تبدو غير منطقية بالنسبة له فالسفينة التي يخرقها الرجل والغلام الذي قتله والجدار الذي أقامه كلها أعمال تبدو لموسى عليه السلام هي الشر بعينه بينما حينما فسرها العبد الصالح لموسى عليه السلام فيما بعد أتضح جليا إنها كانت هي الخير بعينه..... لا يسرد الله عز وجل قصة في القرأن عبثا أو لمجرد ملئ فراغ حاشا لله وإنما لكل قصة أهداف ومعاني وأعتقد أن من ضمن معاني وأهداف هذه القصة هو أن يشرح لنا المولى عز وجل موضوع الخير والشر برمته ويجيب على كل أسئلتنا السابقة ويزيل الغموض الذي قد يعترينا حينما نتعجب من وجود الشر في حياتنا ...


      لماذا الإفتراس عند الحيوانات؟
      يخبرنا علماء الأحياء أن هذا الإفتراس ضروري للتوازن البيئي ... لو تتبعنا السلسلة الغذائية لأحد المخلوقات كالفئران مثلا التي قد تتغذى على الحشرات الأصغر حجما سنجد أنها تنوع مصادر تغذيتها على حسب وفرة ما تجده حولها ... فإذا ذاد عدد الصراصير في مكان ما نتيجة لظروف معينة فأن هذا سيمثل غذاءا وفيرا للفئران التي سيزداد عددها بعد أن تحسنت مصادر تغذيتها وسيقل عدد الصراصير ... وهذا العدد الكبير من الفئران سيتسبب في زيادة عدد القطط التي ستجد لها أيضا مصدر وفيرا في الغذاء ستقل الفئران مرة أخرى وستزيد القطط وهكذا ... إن هذا القانون سيجعل الأعداد لاتزيد ولا يطغى نوع على نوع في توازن بيئي معتدل بحيث أن إي إختلال بيئي ناتج عن طفرة في إذدياد الأعداد ستتم معالجته بصورة تلقائية ثم نصل إلى أعلى الحيوانات في السلسلة مثل الأسد الذي يفترس كل ما أسفله (هل أقتنعت بأهمية وجود الأسد في الحيوانات؟) فتجد أن الأسود نفسها هي من تبيد بعضها وذلك لأنها بحكم عاداتها وسلوكها لا تسمح سوى بوجود ذكر واحد في وسط القطيع الذي يجب أن يكون أقواهم وقادر على تمزيق البقية أربا حتى يفوز وحده بالإناث ثم تتحلل أجسادهم وتتعفن ويتغذى عليهم دود الأرض الذي بدوره يغلق السلسلة فتأكله الطيور والحيوانات الضعيفة مرة أخرى وهكذا تدور الحلقة مرة أخرى ...


      اذا الزمان انساك يوم ودي فلاتظن ينساك قلبي صور رومنسيه