
مرسي يحرج نجاد لدى حديثه عن الأزمة السورية.. وصحفٌ غربية ترى الكلمة "صفعةً" لطهران
الرؤية - أحمد عمر
-
يبدو أن مساعي النظام الإيراني في استغلال اجتماع قمة حركة عدم الانحياز لم تحقق كافة الآمال المنعقدة عليها في التخلص من العزلة الدولية التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية؛ جراء طموحها النووي، والذي تقول إنه يهدف لوضع برنامج للاستفادة من الطاقة النووية في الأغراض السلمية، فيما يتخوف الغرب من اقتراب طهران من صنع قنبلة نووية قد تهدد بها الكيان الإسرائيلي المحتل للأراضي الفلسطينية.
ويرى محللون أن هذه المساعي لم تحقق أهدافها كاملة، أو ربما تم إجهاضها مبكرا، لعدد من الأسباب؛ يأتي في مقدمتها: خطاب الرئيس المصري محمد مرسي، والذي بدا وكأنه "قنبلة القمة"، التي انفجرت في وجه منظميها، حيث تسبب الخطاب اللاذع و"القوي" -حسب وصف صحف دولية ومحللين- في وضع طهران -الداعم الأبرز لنظام الرئيس السوري بشار الأسد- في حرج بالغ.. فالرئيس المصري صاحب الخلفية الإسلامية لم يترك كلمة واحدة في خطابه المطول أمام القمة إلا وبعث من خلالها بعدد من الرسائل. وعبر تفنيد عميق للخطاب -الذي أثار جدلًا واسعًا على كافة المستويات الدولية والإقليمية- يتضح أن واضعي الخطاب قصدوا عن عمد كافة التفاصيل التي تطرق لها مرسي، في إشارة قوية إلى أن السياسية المصرية لـ"أم الدنيا" -كما يحلو للكثيرين وصفها- تغيرت على نحو جذري في أعقاب ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهي سياسة تلقي بالضوء على الدور الإقليمي لمصر الذي فقدته لصالح قوى أخرى خلال عقود ماضية.
مرسي -الذي فاز في انتخابات رئاسية ديمقراطية عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين صاحبة المرجعية السنية- بدأ خطابه بمقدمة استهلالية تعكس خلفيته الأيديولوجية، مما دفع المترجم الفارسي إلى "تحريف" ما قاله الرئيس المصري، حينما ذكر ترضيه على أبي بكر وعمر، خليفتي المسلمين. مما دفع رضا معيني مسؤول شؤون إيران في منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى التنديد بقيام وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بحذف فقرات من خطاب الرئيس المصري والتدخل فيه أثناء الترجمة الفارسية.
.. الخطاب الذي ألقاه أعلى مستوى في السياسة الخارجية المصرية وضع بعدًا جديدًا لكيفية إدارة الملفات السياسية والمصيرية في الشرق الأوسط، بل يمكن القول بأن اجتماع قمة عدم الانحياز ربما لم يكن يحظى بذلك الزخم الإعلامي لولا حضور الرئيس المصري لأول مرة منذ العام 1979 في قلب عاصمة بلاد فارس.
ووفقا لحسابات المكسب والخسارة على المستوى الدبلوماسي، فإن مرسي ربما يكون أجهض أي دعم إيراني لنظام الأسد خلال القمة، فضلا عن تقليص رغبة إيران في الخروج من الجحر الدبلوماسي التي قبعت فيه منذ سنوات مع سريان العقوبات الأوروبية والأمريكية عليها، وكان آخرها حظر النفط الإيراني.
ومع دعوة مرسي خلال كلمته للتدخل لوقف إراقة الدماء في سوريا وأن "الواجب الأخلاقي" يحتم على قادة هذه القمة أن يتصدوا لـ"النظام القمعي" السوري، انسحب وفد دمشق في استباق لما قد يحمله الخطاب من هجوم مباشر على القيادة السورية التي تسعى لوأد انتفاضة شعبية تطالب بإسقاط النظام والتحول نحو الديمقراطية.
وصعَّد الرئيس المصري من لهجته؛ حينما شدد على ضرورة رحيل نظام الأسد، وأنه -أي الأسد- فقد شرعيته في حربه التي يخوضها لإخماد الانتفاضة المستمرة ضد حكمه منذ 17 شهرا، والتي قتل خلالها نحو 20 ألف شخص. مما دفع سوريا إلى اتهام مرسي بالتحريض على إراقة مزيد من الدم في سوريا.
وقال مرسي: "نزيف الدم في سوريا في رقابنا جميعا، وعلينا أن ندرك أن هذا الدم لا يمكن أن يتوقف بغير تدخل فاعل منا جميعا". وأضاف: "علينا جميعا أن نعلن دعمنا الكامل غير المنقوص لكفاح طلاب الحرية والعدالة في سوريا، وأن نترجم تعاطفنا هذا إلى رؤية سياسية واضحة تدعم الانتقال السلمي إلى نظام حكم ديمقراطي يعكس رغبات الشعب السوري في الحرية".
الصحف الغربية بدورها أبرزت خطاب مرسي، وتبارى المعلقون في تحليل مضمون الكلمة، واعتبرت صحيفة الجارديان البريطانية أن خطاب الرئيس المصري يؤكد طموحات مصر على المستوى الإقليمي، واصفة الخطاب بـ"الجريء" والذي أعاد للأذهان مكانة مصر ودروها القيادي في منطقة الشرق الأوسط بعد عقود من الأفول المتعمد، فضلا عن الإشارة إلى أن القاهرة ألقت بثقلها التاريخى والسياسى وراء تكتل الدول السنية مثل السعودية وتركيا، في مواجهة إيران الشيعية وسوريا، بحسب قول الصحيفة.
وأوضحت الجارديان -لسان حال تيار يسار الوسط- أن إيران وسوريا أصابهما "الفزع"، حينما وضع مرسى الشعبين السورى والفلسطينى في كفة واحدة وطالب بدعمهما.
أما صحيفة الإندبندنت البريطانية -ذات التوجهات الليبرالية- فقد وصفت خطاب مرسي أمام القمة بـ"الصفعة"، وأنه أعاد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى "المربع الأول".
وأوضحت الصحيفة في مقال للكاتب بيتر بوبهام أن وصول الرئيس مرسي لطهران يمثل "انقلابا" في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري لإيران، منذ الثورة الإيرانية عام 1979. وقال الكاتب -الذي نقلت هيئة الإذاعة البريطانية مقاله بالعربية- إن طهران ترى الزيارة بمثابة "صفعة" لواشنطن، وهو الأمر الذي رسم بسمة على وجه الرئيس الإيراني. غير أن كل ما سبق من استعدادات وطموحات إيرانية على القمة، ذهب أدراج الرياح. وأوردت الصحيفة: "ضاعت ابتسامة أحمدي نجاد، عندما تحدث الرئيس المصري، فرغم دعمه الموقف الإيراني في الحصول على طاقة نووية سلمية، إلا أن الزعيم الإسلامي المعتدل القادم من القاهرة أكد للجميع أنه يمتلك شخصية مستقلة، عندما أوضح بلا لبس أن الحرب الأهلية في سوريا ما هي إلا سلسلة من الثورات الشعبية العربية، التي مرت بها تونس ومصر وليبيا واليمن".
وتابعت الصحيفة على لسان الكاتب: "إذا كانت إيران قد خططت لاستخدام القمة سياسيًّا لمصالحها، إلا أن القصف الذي قام به مرسي فجّر هذه المخططات في وجه الساسة الإيرانيين، حيث بدا أن النظام السوري أصبح أكثر عزلة من أي وقت مضى".
وفي المقابل، شنت الصحف السورية وأغلبها موالٍ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، هجوما حادا على خطاب مرسي، حيث نقلت تصريحات وزير الخارجية وليد المعلم بأن الوفد السوري انسحب من القاعة "احتجاجا على مضمون كلمة مرسي الذي يمثل خروجًا على تقاليد رئاسة القمة، ويعتبر تدخلا بشؤون سوريا الداخلية، ورفضًا لما تضمنته الكلمة من تحريض على استمرار سفك الدم السوري".
ونقلت صحيفة البعث الناطقة بلسان حزب البعث الحاكم فى سوريا عن وائل الحلقى رئيس الوزراء السورى قوله إن بلاده تتعرض لما وصفه بـ"الهجمة الإرهابية"، معتبرا أن الرئيس المصري يجافي الحقيقة، وأن خطابه يعد "تدخلا غير مقبول فى الشأن السوري الداخلى".
