
أكد أنّ قمة "ريو+20 " تؤسس لمفهوم الاقتصاد الأخضر
حوار / سالم الكثيري
-
أكّد د. مهدي أحمد جعفر نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للبيئة، وعضو وفد السلطنة لقمة ريو+ 20، أن قمة الأرض الرابعة، التي انعقدت في البرازيل مؤخرا ركّزت على موضوع الاقتصاد الأخضر ومرتكزاته الأساسيّة التي تأخذ بالاعتبار النمو الاقتصادي المستدام والبديل والذي يقوم على اعتبار رأس المال الطبيعي والموارد الطبيعية والأنظمة البيئية المختلفة، والتعامل مع موضوع تحقيق الرفاه في سياق مبدأ الاستدامة، وتوفير فرص عمل لائقة خضراء وغيرها من المقومات. لمراجعة مسيرة العالم في مجال البيئة والتنمية المستدامة.
وقال في حوار لـ"الرؤية " إنّ السلطنة حرصت على المُضي قُدماً في الأخذ بالاشتراطات البيئية الصارمة التي تضمن التخفيف من الآثار المترتبة على المشروعات التنموية. كما أنّ مبدأ تنويع مصادر الدخل والبحث عن أشكال الطاقة المتجددة والإدارة الشاملة لموضوع الموارد الطبيعية وسبل توظيفها بالشكل الأنسب لتحقيق رفاهية المواطن، كانت كل تلك التوجهات تستلهم وتستهدي بتوجهات سلطان البلاد المعظم النيرّة على امتداد سنوات النهضة.
مؤكدا أن ثمة مساحات رحبة لممارسة قدر أوفر من الحرص والانضباط لجهة الآثار المترتبة على أشكال التنمية غير الرشيدة.
ما قصة قمة الريو +20، وما مبرر انعقادها؟
قمة الريو+20، أو قمة الأرض الرابعة، أنعقدت في البرازيل لمراجعة مسيرة العالم في مجال البيئة والتنمية المستدامة منذ الاجتماع الكوني الأول في العاصمة السويدية ستوكهولم عام 1972 حين تأسس في أعقابها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ثم حين جرى وضع البيئة بمفرداتها الطبيعية في سياق مسعى الأمم لتحقيق الرفاه وتلبية متطلبات واحتياجات الناس، شعوباً وأمماً وجماعات بما عرف حينها "بالتنمية المستدامة" قبيل انعقاد قمة الأرض الثانية في الريو عام 1992. وكان العالم قد تداعى حينئذ لتبني التقرير الذي وضعته لجنة تترأسها السيدة برنتلاند وزيرة خارجية النرويج "مستقبلنا المشترك" والذي تحدث عن الاستدامة في المناشط التنموية وتحدث عن التدهور الخطير في الموارد وزيادة رقعة الرازحين تحت غائلة الجوع، والزيادة المهولة في معدلات التلوث جراء زيادة كميات الانبعاثات والتراجع المخيف في أشكال التنوع البيولوجي وزيادة معدلات الاستنزاف بما يفوق قدرة الكوكب وأنظمته البيئية على التعافي. ولقد كان من نتائج تلك القمة صياغة اتفاقيتين إطاريتين للمناخ، والتنوع البيولوجي، وهما أبرز ما تحقق في الريو 1992على طريق تحقيق التنمية المستدامة، كما اتفق المؤتمرون على تبني أجندة القرن 21 على أنّها خارطة طريق غير ملزمة لترجمة سبل التصدي لهموم وهواجس وتوجهات العالم. وكانت التنمية المستدامة بمرتكزاتها البيئية والاجتماعية والاقتصادية العناوين الأبرز للمؤتمر، وهي في أبسط تعبيراتها، هو أن تأخذ أشكال التنمية الاقتصادية لتحقيق رفاهية الفرد من خلال حسن توظيف واستغلال الموارد لتلبية متطلبات الجيل الراهن دون الحاق الضرر بحقوق الأجيال المقبلة في مقابلة متطلباتها. وبعيد أعوام عشرة اتفق العالم على أن يراجع مسيرته منذ قمة الريو 1992 وهذه المرة في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا عام 2002 حين صاغ القادة وثيقة "أهداف الألفيّة" التي جرى خلالها تحديد أهدافٍ كميةٍ لخفض حدة الجوع، ولتأمين الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، وتأمين خدمات الصرف الصحي، وللصحة العامة، وصحة الأطفال والمسكن اللائق وتحقيق الأمن الغذائي وغيرها كثير.
لكن تصّرَم عقد كامل آخر منذ قمة جوهانسبرغ دونما تقدم يذكر، لا على صعيد أجندة القرن 21 ولا لجهة أهداف الألفية التي التزم العالم بها وقطع وعوداً كثيرةً في العمل على تنفيذها، فقد استمر التدهور البيئي وتضاعفت معدلات انقراض الكائنات الحيّة من 10 إلى 1000 من أمثالها، وزاد فقراء العالم ليبلغ رقماً خرافياً، مليار ومائتي مليون، وزاد عدد اللاجئين البيئيين، واستمر معدل وفيّات الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة، وزاد القهر، وعصفت بالعالم أزمات اقتصادية خانقة، الواحدة تلو الأخرى، واستمر ارتفاع الطلب على الطاقة من خلال الوقود الأحفوري، واستمرت الزيادة المضطردة للانبعاثات من غازات الاحتباس الحراري بتبعاتها الجسيمة على البيئة المحيطة، واستمر نمط التنمية الاقتصادية غير المستدامة مثلما ازدادت الفجوة ما بين الشمال والجنوب وما بين الفقراء والأغنياء.
لأجل ذلك كله، تداعى العالم لتقويم مسيرته منذ القمة الأولى بهدف تشخيص أشكال الخلل وتفعيل ما التزمت به الدول الصناعية، والبحث عن أشكالٍ أخرى مختلفة وفعالة تتجاوز الثغرات القائمة، وهكذا تداعى العالم إلى قمة الأرض الرابعة التي أطلق عليها الريو +20 في البرازيل.
الاقتصاد الوطني
ما هي المحاور التي تناولتها قمة الريو +20؟
1. المحور الأول:
كان على رأس الموضوعات التي خططت القمة لمناقشتها هو موضوع الاقتصاد الأخضر، وهو ما استقر الرأي على تسميته بالأخضر نسبة إلى مرتكزاته الأساسية التي تأخذ بنظر الاعتبار موضوع النمو الاقتصادي المستدام والبديل والذي يقوم على اعتبار رأس المال الطبيعي والموارد الطبيعية والأنظمة البيئية المختلفة، ورأس المال الاجتماعي في صلب عملية التنمية باحتساب تكلفتها والحرص على عدم استنزافها، وتخفيف حدة البصمة الكربونية والتعامل مع موضوع تحقيق الرفاه في سياق مبدأ الاستدامة، وتوفير فرص عمل لائقة خضراء وغيرها من المقومات.
2. وفي المحور الثاني:
كان موضوع التطور المؤسسي اللازم لتحقيق التنمية المستدامة، وبناء وتطوير نظام عالمي فعال للحوكمة البيئية العالمية، بهدف توفير الآليات المناسبة للمُضي قُدماً في تحقيق مستلزمات التنمية المستدامة. ومعلوم أن ثمةَ 25 منظمة وهيئة موجودة داخل مؤسسة الأمم المتحدة، يتوزع فيما بينها القرار البيئي، تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً وإشرافاً ورقابةً، من ضمنها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، الذي يشكو العوز والفاقة وغياب التمويل والصلاحيات للنهوض بدوره كاملاً. وكان العالم قد أنشغل فترة التحضير لـ ريو +20 بمناقشة البدائل المختلفة المقترحة، إمّا في الارتقاء بدور برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى مستوى منظمة شأنها شأن غيرها من منظمات الأمم المتحدة كمنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل، ومنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة التربية والعلم والثقافة، وغيرها، أو أن يجري تدعيم برنامج الأمم المتحدة للبيئة بالموارد القابلة للتوقع وتدعيم صلاحياته وتمكينه من النهوض بمهامه، من خلال توسيع دائرة العضوية في المجلس الحاكم لتضم أعضاء الجمعية العامة.
3. وفي المحور الثالث:
كانت الموضوعات الأبرز تتأرجح ما بين موضوعات الجندر (الجنس) والتنوع البيولوجي في أعالي البحار، وحماية الثروات البحرية، وحماية الغابات المطيرة، وزيادة رقعة الموائل المحمية، وإدارة الأزمات والكوارث البيئية، والتغير المناخي، والإدارة الشاملة للمياه العذبة، والأمن الغذائي، والسيادة على الغذاء، والتعليم المستدام، وحقوق النساء، والصحة العامة وغيرها الكثير.
4. وفي المحور الرابع:
كان التركيز على ضرورة إعادة تأكيد الإلتزام الأممي خصوصاً من مثل الدول الصناعية المتقدمة في تنفيذ ما ترتب عليها وما قطعته على نفسها من تعهدات.
مشاركة فاعلة
* كيف ترى مشاركة جمعية البيئة العُمانية في الوفد الرسمي لسلطنة عُمان؟
لا شك أنّ دعوة جمعية البيئة العُمانية للمشاركة في الوفد الرسمي المشارك في ريو، هو تقليد حميد نتطلع إلى أن يستمر ويتحول إلى ممارسة. ذلك أن مبدأ الشراكة للقطاعات المجتمعية المختلفة، بالإضافة إلى الهيئات والجهات الحكومية المختلفة يعد منهجاً يستشرف دور ممثلي هذه القطاعات ويعبر عن قناعة راسخة في مبدأ الشراكة المهمة في تشكيل الموقف الوطني لكل ما يتصل بالشأن البيئي والتنمية المستدامة. لقد أثبتت حكومة حضرة صاحب الجلالة، سلطان البلاد المعظم، أنّها تتمتع برؤيا حصيفة ثاقبة تستقرئ الراهن وتستشرف المستقبل وتوفر المساحات المناسبة لممثلي منظمات المجتمع المدني لممارسة دورها كاملاً على المستوى الوطني أو في الدوائر الإقليمية والعالمية. لقد أدت جمعية البيئة العُمانية دورها كاملاً سواء في مراحل التحضير لقمة الريو +20 على مستوى إقليم غرب آسيا، وبالتضافر مع جهود الهيئات والمنظمات الدولية ذات التمثيل الإقليمي كبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، أو جامعة الدول العربية في الاجتماعات المشتركة وفي اجتماعات المجلس الحاكم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. كما ساهمت الجمعية بشكل نشط في مناشط منظومة المجموعات ذات المصلحة ومنظمات المجتمع المدني طيلة فترة التحضير لاجتماع الريو +20، والمداولات التي رافقت مرحلة المفاوضات على بنود الاتفاق والاختلاف في الوثيقة الصفرية وكذا اللقاءات والندوات والاجتماعات التي انتظمت على هامش الاحتماعات. لقد شارك عدد يربو عن 40 ألفاً في الاجتماعات الرسمية من الوفود الرسمية القادمة من خارج البرازيل فيما بلغ الحضور المحلي العدد نفسه، ولذلك فإنّ العمل النشط فيما بين هذه الحشود المؤلفة يعد بحد ذاته تحدياً مرهقاً وممتعاً في آن واحد.
المستقبل الذي نريد
ما هي أهم التوصيات؟
التأمت القمة أصلاً لمناقشة وثيقة جرت صياغتها في الاجتماعات التحضيرية التي انعقدت في شتى أنحاء المعمورة على امتداد السنتين المنصرمتين، وكانت الوثيقة "الصفرية" والتي حملت عنوان "المستقبل الذي نريد" قد جرى استخلاصها من بين ما يزيد عن 7000 ورقة من التوصيات في شكل وثيقة من 28 صفحة عرضت للتداول فتطورت إلى 129 صفحة لم يجر الاتفاق على كل عناصرها بانتظار مداولات الريو +20، وحين لم يجر الاتفاق على مناطق الاختلاف، تقدمت البرازيل، باعتبارها الدولة المضيفة، بوثيقة توفيقية بديلة من 52 صفحة ثار جدل بين ممثلي الأطراف الرئيسة في عملية التفاوض قبل أن ينجلي غبار المعمعة على تبني الوثيقة البرازيلية وتأجيل قضايا التطور المؤسسي، والاقتصاد الأخضر لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المقبلة.
وقد ضمت الوثيقة الختامية التي حملت اسم "المستقبل الذي نتمنى" حوالي 189 مبدأ/ توصية، اتفق الحضور على المساحة الأوسع منها فيما عبرت منظمات المجتمع المدني والعديد من الهيئات والقوى من أصحاب المصلحة على أنّها، أي الوثيقة، جاءت غير كافية ومخيّبة للأمال ولم تكن لترقى لمستوى طموحات وتطلعات العالم بعد 42 عاماً من المسيرة الكونية في مجال حماية البيئة والتنمية الاقتصادية. وقد عبر المجتمع المدني عن رفضه للصياغة النهائية مثلما وردت في الوثيقة فيما تحفّظت قطاعات عريضة على صياغتها النهائية، كما عبر قطاع الشباب عن رفضه للمنجز. وعدّوه تفريطاً بحقوقهم في الإستدامة وتجاوزاً للخطوط الحمراء، فيما لم تقتنع المنظمات النسوية في الصياغة المتعلقة بحقوق النساء، كما لم يجر الاتفاق على موضوع سبل المحافظة على التنوع الأحيائي في أعالي البحار، مثلما لم يجر الاستقرار على سبل تعظيم الدور المؤسسي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أو لآليات تحقيق التنمية المستدامة.
* ما هو نصيب دول العالم الثالث من التوصيات؟
لعل الجدل الذي بدأ بحدة في قمة الأرض الثانية عام 1992 حول مبدأ المسؤولية العامة والمتناسبة: فيما يتعلق بحجم الضرر والآثار المترتبة على التلوث جراء الانبعاثات والنفايات وأنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام، والمسؤولية الإخلاقية والموضوعية للدول الصناعية المتقدمة إزاء الدول الأقل تقدماً، لم ينته بعد في أروقة قمة ريو +20. لقد ناضلت الدول النامية في إطار مجموعة الـ 77 + الصين، وهي في واقع الأمر مجموعة فضفاضة تضم أكثر من 120 دولة، لقد ناضلت المجموعة للدفع باتجاه اتخاذ قرارات ومواقف والتزامات تنسجم مع تعهداتها التي قطعتها على نفسها (أي الدول الصناعية) في قمم الأرض السالفة وفي مقدمها، أن إجراء تحولات جوهرية في أنماط الإنتاج وتبني منهجيات مختلفة للحد من الإنبعاثات مما يتطلب إجراء تحولات هيكلية في البنية الاقتصادية، يستدعي توظيف موارد وطاقات لاستكمال وعبور مرحلة التحول نحو الاقتصاد الأخضر وللحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وهي موارد وإمكانيات وتقنيات غير متاحة لديها، مما يستدعي التعويل على حصصها (المفترضة) من التخصيصات التي وضعتها الدول المتقدمة، أو وعدت بتقديمها في مؤتمر المناخ المنعقد بمدينة ديربان بجنوب إفريقيا. لكنها أمنية لم تتحقق، وآمال لم تتجاوز حدود الأماني. لأجل ذلك، كان يتصدر أهداف ريو +20 هو التأكيد على الالتزامات السابقة وهو ما حصل بالفعل، من خلال "التأكيد" على الوعود والعهود والالتزامات التي قطعتها الدول المتقدمة على أنفسها. فهل يعني ذلك، تحولاً في الالتزامات أم أنه لا يعدو كونه شكلاً آخر من أشكال حملات العلاقات العامة! لقد ارتفعت حدة الجدل حين تحدثت منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى مجموعة الـ 77 + الصين، حول آليات تنفيذ أو سبل وضع تلك الالتزامات موضع التنفيذ، وهو ما تُرك البت فيه للاجتماع المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو ما عُدّ شكلاً فاضحاً من أشكال التسويف من لدن البعض.
ومن الملفت للنظر، أنّه حين كانت تجري الإشارة لسياسة البرازيل ودول حوض الأمازون في المحافظة على خصائص الإقليم المناخي، كان ثمة 50 ألف من المتظاهرين يجوبون شوارع الريو احتجاجاً على سياسات دول الحوض، بضمنها البرازيل، على الاستغلال غير الرشيد لموارد الإقليم بضمنها أعمال التنقيب عن المعادن والاحتطاب الجائر، وشق الطرق والجسور، وكان أن تعرض وزير الغابات البرازيلي للاعتراضات وصيحات الاستهجان أثناء حديثه عن مآثر حكومته في مجال صون موارد حوض الأمازن مما استدعى استدعاء الأمن وخروج الوزير.
كما دعت مجموعة تضم حشداً من منظمات المجتمع المدني على امتداد المعمورة إلى تبني معاهدات (شعبية) تتبناها تلك المنظمات وتكتسب مشروعيتها من مؤيديها، ذلك لأنّها فقدت الثقة في مصداقية الدول والحكومات وكذلك، المجموعات الرئيسة ذات المصلحة، وهي حركة تكتسب زخماً متعاظماً على مستوى العالم وتضم جماعات وجمعيات وأفرادا من مختلف الاهتمامات والتخصصات وعابرة للأنظمة السياسية والاقتصادية.
الأخذ بأسباب التنمية المستدامة
* كيف يمكننا الاستفادة من التوصيات في السلطنة خصوصاً في الأخذ بأسباب التنمية المستدامة؟
لقد حذر صاحب الجلالة، في كلمته المتلفزة لقمة الأرض الثانية في الريو 1992، من أن العالم يتجه نحو شكل من أشكال الانتحار الجماعي فيما إذا واصل إدارة ظهره للآثار الوخيمة المترتبة على أشكال التنمية والاستغلال غير الرشيد للموارد، ومثل هذه الرؤية الثاقبة قبيل عشرين عاماً ما تزال صحيحة وشاخصة وراهنة، ربما بشكل أكثر إلحاحاً، وتدعو إلى التدبر. إنّ سلطنة عُمان كانت وستظل تمثل نموذجاً يحتذى به بالأخذ بأشكال التنمية التي تتسم بالإستدامة والحصافة، وحتى في أصعب الظروف، الاقتصادية منها على وجه التحديد، حرصت عُمان على المُضي قُدماً في الأخذ بالاشتراطات البيئية الصارمة التي تضمن التخفيف من الآثار المترتبة على المشروعات التنموية. كما أنّ مبدأ تنويع مصادر الدخل والبحث عن أشكال الطاقة المتجددة والإدارة الشاملة لموضوع الموارد الطبيعية وسبل توظيفها بالشكل الأنسب لتحقيق رفاهية المواطن، كانت كل تلك التوجهات تستلهم وتستهدي بتوجهات سلطان البلاد المعظم النيرّة على امتداد سني النهضة. لكن اللوحة أبعد من أن تكون نموذجية وثمة مساحات رحبة لممارسة قدر أوفر من الحرص والانضباط لجهة الآثار المترتبة على أشكال التنمية غير الرشيدة، فموضوعات كالتلوث في البر والبحر والجو، وسبل إدارة المخلفات بكل أشكالها، وإن نظمتها معايير وصدرت بشأنها تشريعات، ما تزال دون المستوى المطلوب، كما أنّ أشكال الاستثمار غير المجزي خصوصاً في حقول التعدين والتحجير والتصنيع بحاجة إلى تفعيل الضوابط البيئية بصرامة وربما إعادة النظر كلياً في بعضها، إنّ التعامل مع الموارد الطبيعية بعين المستقبل وفي سياق الفهم الراهن لرأس المال الطبيعي، والاجتماعي ووظائف خدمات الأنظمة الطبيعية كعنصر أساسي من عناصر الدورة الاقتصادية واعتماد معايير جديدة لقياس حجم التطور دون التعويل على معدلات الدخل القومي وحدها ودون التعويل على تجارة تصدير الموارد الخام وخلق بيئة إنتاجية تحقق القيمة المضافة وتوفر فرص عمل خضراء لائقة مثلما تحقق النمو المتوازن، من شأن ذلك صون الموارد ومنع استنزافها، إنّ الاحتطاب الجائر وامتداد ظاهرة التصحّر جراء الرعي الجائر وغيره من الأنشطة المسببة لتدهور التربة الرعوية والزراعية، والصيد الجائر للثروة السمكية، خصوصاً التجاري منه باستخدام الجرافات، وسبل إدماج كل مفاهيم التنمية المستدامة في مناهج التربية والتعليم، وتمكين القطاع المدني من النهوض بمهامه كاملة كشريك في صناعة القرار التنموي لضمان استدامته، كل ذلك ما زال يستدعي القيام بعمل جاد عابر للمؤسسات، وجمعي ويتّسم بالشفافية وهذا ما يمكن العمل من أجله بعيد ريو+20.
إنّ إنشاء مجلس وطني على أعلى مستوى للتنمية المستدامة من شأنه أن يحقق معادلة توظيف المرتكزات الثلاثة، الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في كل ما يتصل بالشأن التنموي، وهو مطلب ملح نتمنى أن يجد طريقه للتنفيذ.
قابلية التنفيذ
* هل ترى أنّ ما تم الاتفاق عليه قابل للتنفيذ أم أنّها توصيات حالمة ومثالية؟
ابتداءً، إنّ ما توصلت إليه قمة ريو+ 20 لم يرق إلى مستوى تطلعات العالم شعوباً وربما حكومات أيضاً، بالإضافة إلى تلك القاعدة العريضة من الناشطين في منظمات المجتمع المدني على إمتداد المعمورة. لكن ريو+ 20 ليست نهاية المطاف بل لعلها الشوط الثاني أو الثالث منذ قمة ستوكهولم في مسيرة البشرية لوقف الانحدار الكارثي لبيئة الكوكب وعكسه. ولقد أكد كل من السيد موريس سترونغ، وهو من تصدى لتنظيم وإدارة دفة الأمور في قمتي ستوكهولم والريو 1992 أنّ العالم بحاجة إلى (ثورة) سليمة تأخذ الشعوب فيها بزمام أمرها لضمان وضع برنامج قابل للتنفيذ، مثل هذا الكلام صدر عن السيدة غرونتلاند التي رأست الفريق الأممي في وضع الوثيقة الكونية "مستقبلنا المشترك" التي مهدت لإنعقاد قمة ريو الأولى، كما ذكر البروفيسور أنشوري (الحائز على نوبل) رئيس لجنة الأمم المتحدة لتغير المناخ أمراً قريباً من نفس المفهوم مستشهداً بالمثل الآتي " أنّه لا معنى أن تسأل عن سرعة المركبة فيما إذا كانت تتجه في الطريق الخطأ".
إنّ أنظار العالم تتجه الآن صوب الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة بانتظار ما ستنجلي عنه من وعود والتزامات جرى التأكيد عليها للمرة المليون دونما عائد. وهو الاختبار الحاسم هذه المرة للتحقق من جدية الوعود والنوايا. إذاً، فإنّ سباق ماراثون اختراق الضاحية ما زال قائماً، وما زال هناك قدّرٌ من التفاؤل لدى قطاعات عريضة من المعنيين بأنّ ثمةَ ضوءاً يطل من آخر النفق.