
مدرين المكتومية
-
في ظل العديد من المتغيرات التي نشهدها في ربوع بلادنا وخاصة المزيد من الحريات الإعلامية يكتسب موضوع "الصحافة الاستقصائية" الكثير من الأهمية، فقد تجاوزنا مفهوم الإعلامي التنموي، وأصبح الصحفيون يطرحون الكثير من المواضيع التي تعكس نبض المجتمع والشارع. ومن هنا فإن المسؤوليات الجديدة على الإعلام العماني في هذه المرحلة تتطلب إدخال أساليب جديدة غير مطروحة في صحافتنا ومنها "الاستقصائية" كونها تلامس الكثير من القضايا التي يمكن القول أن - وصفها - بالمسكوت عنه وخاصة ما يعرف بقضايا الفساد وأوجه القصور والتقصير بمختلف أشكاله. فالصحافة الاستقصائية ستعلب دورا أساسيا في تصحيح الكثير من مسارات الرقابة على الأداء الحكومي في مختلف جوانبه، ومن هنا فإننا بحاجة ماسة إلى المزيد من التحقيقات الجريئة التي تعمل على البحث والتقصي من منطلق الحرص على المال العام والمصلحة العامة.
وتلعب الصحافة الاستقصائية الدور الكبير في مختلف دول العالم في الكشف عن الفساد ولعل أهم تلك القضايا التي كشفها هذا الفن الذي يعد أبو الفنون الصحفية هي قضية "Watergate" التي ذكرتها صحيفة واشنطن وذلك بواسطة الصحفيين "كارل برنستين" و "بوب وود ورد" . حيث تلخصت نتيجة القضية إلى استقالة الرئيس نيكسون وعزل بعض مساعديه. وفقد الحزب الجمهوري خمسة مقاعد في الكونجرس و49 مقعداً بمجلس النواب لصالح الديمقراطيين. بالإضافة إلى تغييرات تطال عملية تمويل الحملات الإنتخابية لتصبح خاضعة للرقابة الفيدرالية. وتشويه كبير يطال صورة العمل القانوني والمحاماة نظراً لتورط الكثير من المحامين في القضية. هذا إلى جانب أن الفضيحة تركت انطباعاً سيئاً لدى العامة عن حقيقة العمل السياسي. وغيرها من الأعمال الاستقصائية المعروفة مثل "Thalidomide" وهي عبارة عن أقراص قامت بصناعتها الشركة الألمانية "غْرُوِنِنْتَالْ" لصناعة الأدوية والتي تسببت في ولادة 10 آلاف طفل بعاهات مختلفة. وغيرها من تحقيقات كشفت الكثير من الفساد.
ومع تداعيات الوضع الراهن بات من الضروري استخدام مثل هذا الفن من الفنون الذي يجب أن يدرك الصحفي العماني أهميته لا للفضيحة ونشر الشقاق بين المجتمع ولكن لتقصي الحقيقة والبحث عن أي دليل وخيط يقودك لنتيجة معينة حول قضية ما، هذا ما يجعل الصحفي دائما يفكر ويبحث بشكل لا شعوري بمجرد إحساسه أن هناك شيئا مفقودا في ما يعمل عليه، وبذلك يقوم الصحفي ببناء مجموعة من الفرضيات التي قد لا تكون مبنية على واقع، وإنما على احتمالات لا يعرف مدى واقعية صحتها إلا بعد التقصي عنها، هذا الفن من الفنون يجب أن يفرد له قسم خاص بكوادره القادرين على التعامل مع هذه الواقع وتحمل نتائج فرضياتهم أي قد تكون فرضية لا صحة لها، لذلك هناك مواصفات يجب أن يتحلى بها الصحفي المتقصي، كالتحمل وعدم التذمر والتزام الصمت والعمل بهدوء دون الإفصاح عما يدور في ذهنه أو ما يشغل عالمه.
مؤسساتنا الصحفية بحاجة لمثل هذا الصحفي فلو تعاملنا مع الأحداث بشكل واقعي لوجدنا أن هناك العديد من القضايا التي نمر بها فالمجتمع العماني بحاجة إلى مثل هذا الفن ليفتح للصحفي مجال الخوض في شيء جديد، وأنا على ثقة تامة بأننا أصبحنا بحاجة لمثل هذه الفنون الصحفية لنكون بالفعل قادرين على محاربة أي فساد والإفصاح عن الحقيقة المخفية خلف ستائر الكذب والغش والخداع، ولكي يكون هناك سهولة واضحة في تناول المعلومات وتداوله بصورة واقعية وهذا ما سيجعلنا محافظين على استتباب الأمن والأمان في السلطنة، ولكي لا يكون هناك أي خوف من قبل الصحفي في التحري عن المعلومة وفي الخوض في مختلف المسأل بغية البحث عن الحقيقة للبحث عن الحلول، فالطالما كان هدف الصحفي المستقصي نبيل كلما ساهم في بناء وطن أمن ومستقر، فالصحافة اليوم عليها أن تكون السلطة الرابعة بمعنى الكلمة.
madreen@alroya.info
 
									 
											 :
:  :
:  :
: