أصفر وله ثمانية أرجل - جديد عبدالله المهيري

    • أصفر وله ثمانية أرجل - جديد عبدالله المهيري

      لا زلت أنظف تلك الغرفة التي تحوي كل شيء لا نحتاجه، أو على الأقل أشياء كثيرة لا نحتاجها، من بينها الكتب التي وضعتها هناك على أمل أن يكبر صغار العائلة - أبناء وبنات إخواني - فيجدوا مكتبة جاهزة لهم، الآن أجد الفكرة غير مناسبة، الكتب تصبح قديمة وجزء منها يصبح عديم الفائدة لأن معلومات وخبرات جديدة ظهرت وبالتالي كتب جديدة تنشر، وما هو مفيد منها فهو متوفر في المكتبات ويمكن شراءه، ثم تخزين الكتب بهذه الطريقة لم ينتج عنه سوى الغبار والغبار ومزيد من الغبار، لا شك أن هناك وسيلة أخرى للتصرف بهذه الكتب.

      اليوم جلست لأفصل كتبي عن كتب الآخرين وأنظف الكتب من الغبار، حملت مجموعة منها وضعت فوق مكتبة صغيرة وبمكنسة صغيرة بدأت أمسح الغبار عن أغلفتها، لاحظت عنكبوتاً أصفر اللون وكبير الحجم لدرجة تكفي لإخافتي لكنني لسبب ما لم أخف، أخذت نفساً عميقاً - وكانت غلطة - ونفخت بقوة على ذي الأرجل الثمانية ليطير بعيداً نحو الزاوية، بصراحة لا أستطيع قتل الحشرات وخصوصاً العناكب لأنها ببساطة تملك ثمانية أرجل، هذا لوحده سبب كافي لعدم قتلها.

      أخرجت العشرات من الكتب وأكثرها يتحدث عن الإدارة أو التطوير الشخصي، مجال كنت أهتم به كثيراً في الماضي، كتب عن إدارة الاجتماعات وتقديم العروض والمحاضرات وكتابة التقرير وتحفيز الموظفين والتعامل مع الشخصيات الصعبة وإدارة المفاوضات وغير ذلك من المواضيع الكثيرة التي كنت أحب قرائتها.

      تذكرني الكتب بفترة كنت متفائلاً فيها أكثر من اللازم وكانت أحلامي فوق السحاب، أذكر كيف كنت عازماً على إكمال تعليمي في جامعة الإمارات في مجال الإدارة وهو أمر أستغربه من كان يدرس معي، أحدهم قال لي بما معناه أن لدي إمكانيات أفضل من أن أضيعها في تعلم الإدارة، أخبرته أن ما أريده هو تغيير مفهوم الإدارة بأكمله، 12 عاماً بالتمام تفصلني عن تلك الأيام، تغيرت أمور كثيرة وتغيرت أفكار كثيرة.

      كنت أدرس في مدرسة تجارية وهي مدرسة تعلم مواد مختلفة عن قسمي العلمي والأدبي في ذلك الوقت، كنت كسولاً ولا أرغب في تضييع وقتي في تعلم مواد صعبة كثيرة لذلك توجهت نحو التجاري الذي كان وجهة كثيرين مثلي يريدون شهادة ثانوية بأسهل طريقة، بعد التخرج ارتكبت خطأ وأظنه كان أول سلسلة أخطاء كثيرة، مر عام دون تقديم أوراقي إلى جامعة الإمارات ولا عذر لدي سوى كسلي وعدم مبالاتي وهما مرضان لا شفاء منهما، بعد عام أردت التسجيل في الجامعة فأخبرني الموظف هناك أن القطار أو الطائرة أو العالم كله فاتني لأنني أحمل شهادة تجارية والشهادة التجارية تنتهي صلاحيتها بمرور عام، كأنها علبة تونة.

      حاولت التسجيل في كليات التقنية وتجربتي معها كانت سلبية، أجريت امتحان قبول يخبتر مستوى الإنجليزية وبعد الامتحان كنت أزور الكلية كل أسبوع مرة لكي اعرف النتيجة أو أعرف إن كان إسمي ضمن الطلبة الذين سيدرسون هناك، تكررت الزيارات مرات عديدة وفي آخر مرة ذكرت السكرتيرة أنهم سيتصلون إن ظهر اسمي أو أسماء من كانوا معي في المكتب في ذلك الوقت وكانوا مجموعة كبيرة من الشباب، تركت الكلية ولم أعد ولم يتصلوا.

      تجربة أخرى سلبية مع جامعة تجارية لكن الجانب السلبي هنا كان أنا فلم أكمل التعليم فيها بعد 3 أشهر، لكسلي وعدم مبالاتي، من ناحية كنت أشعر بالذنب لأنني أطلب الكثير من المال لهذه الجامعة التجارية التي كانت ولا زالت تطلب الكثير، ومن ناحية أخرى كان وقتي كله مخصص للجامعة والدراسة، منذ أن أستيقظ وحتى العودة إلى الفراش الوقت كله يذهب للدراسة ولسبب ما وجدت أن هذا الوضع غير طبيعي ولا زلت أشعر بالذنب على المال الذي ضاع بلا فائدة.

      كتب التطوير الشخصي في ذلك الوقت لها مفعول إيجابي من ناحية رفع المعنويات وشحذ الهمة ولا أدري إن كان لها فائدة من ناحية التطوير الشخصي، لا ألوم الكتب هنا فهي مهما كانت جيدة فلن تكون مفيدة ما لم يحاول المرء أن يغير نفسه ويطبق بعض النصائح التي يقرأها، ومن الواضح من تجاربي مع الجامعات أنني لم أطبق كثيراً مما قرأته.

      بعد سنوات من جمع هذه الكتب وقرائتها بدأت أتخلص منها وتوقفت عن شراء جديدها، الأفكار تتكرر في الكتب فما قرأته في كتاب سأجده مكرراً بأشكال مختلفة في كتب أخرى، ثم يبدو أن كثيراً من الكتب منعزلة عن الواقع أو تتصور بأن الواقع مثالي لدرجة تكفي فيها لتطبيق نصائحها، كثير من هذه الكتب مترجم وجاء من بيئة مختلفة تماماً عن بيئتنا وبالتالي كثير من الأفكار لا مكان لها عندنا، القوانين والعادات والأعراف تختلف وكذلك سوق العمل وبيئة الأعمال.

      بعد جمع الكتب وتنظيفها ووضعها في صناديق سأبحث عن طريقة للتبرع بها، لدي جهتان قد تقبلان بالكتب، لكن إن لم أجد من يقبلها خلال الأسابيع القليلة القادمة سيكون مصيرها سلة المهملات.




      المصدر : مدونة عبدالله المهيري