فن الهروب من المدرسة - جديد عبدالله المهيري

    • فن الهروب من المدرسة - جديد عبدالله المهيري

      قرأت خبراً عن وضع مدرسة رغوة على أسوارها لمنع الطلبة من الهروب، الخبر ذكرني بأيام الهروب من المدرسة فقد بدأت فعل ذلك في الابتدائية وأتقنت الهروب في الإعدادية، أذكر أول مرة هربت في الابتدائية، كان المدرسون يحاولون تغطية الأماكن التي يتوقعون أن الطلبة سيستخدمونها للهروب ولذلك لم يهتموا كثيراً بالباب الكبير الذي يقع خلف إدارة المدرسة، كان الطلبة يفكرون بالهروب من الأسوار وكنت أرى الباب خير وسيلة وكنت على حق.

      في الإعدادية تجاوزت مرحلة الهروب ليصبح ما أفعله خروجاً من المدرسة، أحمل كتبي من الفصل ثم أتوجه للباب الرئيسي للمدرسة وهناك ألقي تحية على الحارس الذي يفترض أن يوقفني لكنه ينشغل بالكلام معي لدقائق وبعد ذلك أودعه وأكمل السير ولا يسألني لم خرجت وأين الإذن، الهروب من الأسوار كان في ذلك الوقت موضة قديمة ولا زال ويفترض بالجيل الجديد أن يتعلم ذلك، اهرب من المدرسة باحترام ومن الباب.

      ولكي أكون جاداً هنا علي أن أذكر بأنني أرفض معاملة الطلاب كالأطفال خصوصاً في المرحلة الإعدادية وما بعدها فالطالب في هذا الوقت يفترض أن يكون واعياً كفاية ليتحمل مسؤولية أفعاله، يفترض بالمدرسة ألا تجبر الطالب على أن يحضر ويبقى في أسوار المدرسة طوال اليوم الدراسي، يفترض بالمدرسة أن تخبر الطلاب بأنهم مسؤولون عن أنفسهم ومن أراد الخروج فليخرج من الباب الرئيسي ولن يمنعهم أحد، من أراد الغياب عن درس فله ذلك لكن في النهاية هذه الأفعال لها نتائج ويجب أن يتحملها الطالب.

      محاولة تحويل المدارس إلى قلعة حصينة أو بالأحرى سجن منيع هي مضيعة للوقت والجهد ومحاولة إجبار الطالب على التعلم في حين أنه لا يرغب في ذلك أيضاً مضيعة للوقت والجهد، عندما لا يرغب الطالب في التعلم فهناك أساليب كثيرة لحل هذه المشكلة وليس بالضرورة أن تكون نتيجة هذه الحلول أن يعود الطالب إلى الفصل، بعض الطلاب لديهم ذكاء كبير ويجدون التعليم دون مستواهم وقد يوصفون بالكسل والتخلف والغباء - أتحدث عن خبرة هنا - وتكون نظرة الإدارة لهم سلبية لأنهم لا يتبعون النظام، مثل هؤلاء الطلبة لديهم قدرة على التفوق خارج الفصل في أنشطة مختلفة فلم يجبرون على ما لا يرغبون به؟

      ألوم نظام التعليم هنا لأنه ليس مرناً كفاية ويريد أن يعلم كل الطلاب بنفس الطريقة ويتوقع منهم نفس النتيجة وأي شخص لا يستطيع أو لا يرغب في السير في هذا النظام سيتأخر في حين أننا نعلم جيداً أن الطلاب مختلفون في طباعهم ومستوياتهم وشخصياتهم وحتى قدرتهم على التعلم فلم يعاملهم نظام التعليم على أنهم كلهم متشابهون في القدرات ويتوقع منهم نفس النتائج؟

      عندما لا يرغب طالب في التعلم فربما يمكنه أن يشارك في أنشطة مختلفة في المدرسة، لعله يستطيع أن يتعلم بنفسه بالسرعة التي تناسبه، ربما على المدرسة أن تعطيه شكلاً آخر من التعليم، ثم لم لا يستطيع الطلبة في المرحلة الإعدادية وما بعدها أن يختاروا المواد التي يريدون دراستها كما يفعل طلاب الجامعة؟

      عندما نعامل المراهقين كأطفال غير مسؤولين عن أنفسهم فنحن لا نعطيهم فائدة هنا ونؤخر نضجهم النفسي، يفترض أن نعاملهم على أنهم أناس يستطيعون تحمل المسؤولية ويستطيعون اتخاذ القرارات ويفترض أن نعطيهم حرية اختيار الوسيلة التعليمية المناسبة لهم والوقت المناسب لهم، التوجيه والإرشاد والنصيحة أمور مطلوبة لكن أن نفرض عليهم أموراً ونلغي شخصياتهم ونجبرهم على اتباع نظام محدد فهذا ليس بتعليم بل سجن للعقل والنفس.




      المصدر : مدونة عبدالله المهيري