بدايات فواز طرابلسي - جديد جريدة الرؤية

    • بدايات فواز طرابلسي - جديد جريدة الرؤية









      محمد الشحري
      -
      حين اتصلت بالدكتور فواز طرابلسي، لم أتوقع أن يرد عليّ، وخشيت أن يأتي الرد كما أتى في بعض المرات؛ فقد جربت أن أتصل به من خارج لبنان ولا يرد عليّ سوى صوت تعذر الاتصال، لكن هذه المرة جاء الرد سريعا وبعد التحية وبدايات التعارف، حان موعد تحديد اللقاء في مقهى (البريستول) الذي اكتشفنا فيما بعد أنّه مقهى للمثقفين في بيروت، حيث رأينا وجوها ثقافية وإعلامية ألفناها في الفضائيات وفي الصحف وأعمدة المجلات.
      نزلنا إلى بيروت من (برمانا) بعد انتهاء الحصة التدريبية الخاصة بإعداد المدربين في مجال حقوق الإنسان، والتي نظمها مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان (hritc) الذي يديره الناشط الحقوقي والأديب اليمني عز الدين الأصبحي، كانت شمس بيروت تسحب نهارها من الشوارع والطرقات وواجهات البيوت لتغمس نفسها في لجة المغيب، لتفسح مجالا للمساء يرتشف من بيروت ما يريد له أن يكون.
      استقبلنا في مقهى (البريستول) الدكتور فواز، وكانت معي الزميلة الصحفية بجريدة عُمان شمسة الريامي، وسألته هل مازلت تقدم نفسك بأنك ثائر من ظفار؟، فضحك قائلا قل لي أنت أولا كيف هي ظفار؟ فأخبرته أنّك لن تجدها مثلما رأيتها في سبعينيات القرن الماضي؟ فقال بحسرة هل تعرف أنّ الدولة الوحيدة في الخليج التي أتمنى زيارتها هي عُمان، ولكني سمعت أنني ممنوع من دخولها؟، فقلت له إنّ وطننا يرحب بالجميع حتى وإن كانوا قد اختلفوا معه في الماضي، ولا أظن أنّ المنع ضروريًا بعد مرور جيل من الزمن.
      حدثنا الرجل عن بدايات تعرّفه على ثورة ظفار، عن طريق صديقه القيادي البحريني عبدالرحمن النعيمي (1944- 2011) أو (سعيد سيف كما كان اسمه الحركي) خلال تزاملهما في الجامعة الأمريكية ببيروت، وكيف ذهب إلى اليمن (الجنوبي سابقًا) برفقة الكاتب البريطاني ( فريد هاليداي، 1946 – 2010) ، بتكليف من هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) للتأكد من مشاركة القوات البريطانية في العمليات العسكرية في ظفار، كما حدثنا عن دخوله إلى جبال ظفار من المنطقة الغربية من ضلكوت، ويصف لنا الحياة في الجبال في ذلك الوقت حيث ينام الناس بعد العشاء بقليل، ويسهر البعض منهم حول مواقد النار، لم ندخل مع الرجل في نقاش الأوضاع السياسية حينئذ، ولا تقييمه لتلك المرحلة، فحسب نظري أنّ الأحداث لا يحكم عليها بعد انقضائها بل أثناء حدوثها وفق سيرها لا صيرورتها، فمحاكمة الحدث لا تكون عادلة إذا استثنيت الظروف المحيطة والمهيمنة آنذاك.
      لم يغب عن بال الطرابلسي السؤال عن عُمان، فحسب رأي الرجل، وأناس آخرين التقيت بهم في أكثر من مكان، أنّهم لا يعرفون الكثير عن عُمان وأنّ وسائل الإعلام لا تهتم كثيرًا بأخبار السلطنة، فقلت للرجل إننا أفضل من المحيطين بنا، إلا أنّ الرضا لا يعني التوقف عن المطالبة بالحقوق ولا التسليم بالأمر الواقع، فالحراك السلمي والسعي لكسب الحقوق يُعبّر عن الوعي الذي وصل إليه المجتمع، فمن يطالب بحق مشروع لا يعني أنّه معادٍ للوطن، ولا يجب على السلطة أي كانت، أن تصنف الفرد وفق أجندتها ولا حسب رغبتها، فالدولة هي العنوان الأول الذي يجب على الجميع أن يضعوه سقفًا للحراك والمطالب، والاختلاف بين الحكومة وبين المواطن أمر مقبول، فالأخير هو من أوجد الحكومة وشكّلها، بينما الحكومة هي المنظم والمسيّر للعلاقة بين المواطنين وبين الأجهزة الإدارية، فإذا أحسنت نقول لها أحسنت وإن أخفقت فمن حقنا أن نقول أنّها أخفقت ونحاول العمل معها على تجاوز الإخفاقات.
      ربت الرجل على كتفي قائلا "خبور" وبعفوية الجباليين قلت "خبور خر"، وضحكت لتذكر الدكتور فواز طرابلسي هذه الكلمة من اللغة الشحرية، التي تستفهم عن الأخبار، ولم تمحها من ذاكرته أربعين سنة من الانشغال والدراسة والبحث والعمل السياسي والحرب الأهلية اللبنانية، ثمّ سألته عن مجلته الفصلية التي أصدرها مؤخرًا بعنوان (بدايات)، فقال إنّ المجلة ثقافية فكرية، تحاول البحث عن الجديد في الثقافة العربية وتبتعد عن المجالات المستهلكة، ونرحب بمن يرغب النشر خاصة المواضيع المتعلقة بثورات الربيع العربي والثقافة الشعبية بكل أشكالها والسينما والموسيقى التقليدية، واستدرك كلامه بأنّه لا ينشر الشعر ولا الرواية نظرًا لانتشارها الواسع في المجلات الثقافية، وأهدى للزميلة شمسة العدد الثاني من المجلة، قائلا هذه أول امرأة عمانية أقابلها منذ خروجي من ظفار، وتواعدنا على أمل أن يزورنا في عُمان البلد الذي أحبه ويحبه، وداعيًا في الوقت نفسه الكتاب العمانيين بالنشر في (بدايات).