ستراحة في رحاب الأدب العربي
نبدأ هذه الاستراحة أولاً بحديث قدسي يقول الله تعالى في الحديث القدسي ( يا ابن آدم جعلت لك قراراً في بطن أمك , وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم ,وجعلت وجهك إلى ظهر
أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام , وجعلت لك متكأ عن يمينك ومتكأً عن شمالك, فأما المتكأ الذي عن يمينك فالكبد , وأما المتكأ الذي عن شمالك فالطحال ,وعلمتك القيام والقعود في بطن
أمك , فهل يقدر على ذلك غيري ؟ فلما أن تمت مدتك , أوحيت إلى الملك الموكل بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه , لا لك سن تقطع , ولا يد تبطش ولا قدم تسعى
فأنبت لك عرقين رقيقين في صدر أمك , يجريان لبناً خالصاً حاراً في الشتاء بارداً في الصيف , وألقيت محبتك في قلب أبويك فلا يشبعان حتى تشبع ولا يرقدان حتى ترقد فلما قوي
ظهرك واشتد أزرك , بارزتني بالمعاصي في خلواتك ولم تستح مني ومع هذا إن دعوتني أجبتك , وإن سألتني أعطيتك وإن تبت إليّ قبلتك ).
والله إنها رحمة الله العلي القدير وكل جملة في هذا الحديث القدسي تحتاج إلى وقفة تأمل وتفكر وعظة فليتنا نتدبر هذه الكلمات ونعتبر لنرى عظيم نعمة الله تعالى علينا.
** والاستراحة الثانية عن فضل بر الوالدين فتعالوا لنقطف من بحر العلوم ما ينفع للتذكرة والعظة ( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين: إن أمي
عجوز كبيرة وأنا مطيّتها أحملها على ظهري وانحي عليها بيدي وألي منها مثل ما كانت تلي مني, أتراني قد أديت شكرها ؟ قال : لا قال : لم يا أمير المؤمنين ؟ قال: إنك تفعل ذلك بها
وتدعو الله أن يميتها وكانت تفعل بك ذلك وتدعو الله أن يطيل عمرك )
ويقول يحيي بن عبد الله : كنت جالساً مع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ورجل يطوف بأمه من أهل اليمن يحملها بين كتفيه حتى إذا قضى طوافه بالبيت وضعها بالأرض
فدعاه عبد الله بن عمر فقال ما هذه المرأة منك ؟ قال : والدتي. قال وددت لو أني أدركت أمي فطفتُ بها كما طفت بأمك وليس لي من هذه الدنيا إلا هذان النعلان. وعن سعيد بن أبي
بردة عن أبيه قال : كان ابن عمر يطوف بالبيت فرأى رجلاً يطوف حاملاً أمه وهو يقول: إني لها بعيرها المذلل , إن ذعرت ركابها لم أذعر, أحملها ما حملتني اكثر .
ثم قال يا ابن عمر: أتراني قد جزيتها ؟ قال : ولا بزفرة واحدة من زفراتها ..
وهذه عظة في عقوق الوالدين: نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رجل ملوي اليدين فسأله. ما بال يدك ملوية ؟ فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن أبي كان مشركاً وكان كثير
المال فسألته شيئاً من ماله فامتنع فلويت يده وانتزعت من ماله ما أردت, فدعا عليّ في أبيات من الشعر قال فيها :
تهضمني مالي كذا ولوي يدي لوى الله يده الذي هي غالبة
فأصبحت يا أمير المؤمنين ملوي اليد فقال عمر: الله أكبر: هذا دعاء آبائكم في الجاهلية فكيف في الإسلام ؟ والتعقيب هنا هو القول أو الوصية بالوالدين ولنرجع لكتاب الله تعالى ففيه
ما يكفينا لنعمل به في طاعة آبائنا والإحسان إليهما.
***الاستراحة الثالثة عن الذكاء : نقطف هذه التذكرة من كتب الأدب العربي وهي مليئة زاخرة بالكثير والكثير فعن ذكاء المرأة : يحكي أن لصاً دخل بيت امرأة عجوز ليلاً فلما أحست
به قالت رافعة صوتها يا نفسي لو تزوجت زوجاً فألد ثلاثة بنين , فسميت أحدهم عمر والآخر بكراً , والآخر صقراً. يا نفسي ما أصنع بهم وأخشي أن يموتوا فأناديهم فأقول :واعمراه
,وابكراه, واصقراه , ورفعت صوتها عالياً وكان لهم جيران يسمون بهذه الأسماء فجاءوها مسرعين فقالت دونكم هذا اللص فأمسكوا به , وأشبعوه ضرباً ...
وهذه الوقفة نقفها مع هذه الفتاة التي تفضل رجلاً سخياً على شاب بخيل: فلقد خطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة , وكان الفتى ذا هيبة حسنة وكان جميلاً فأرسلت إليهما
المرأة فقالت : إنكما خطبتماني ولست أجيب أحدا منكما دون أن أراه وأسمع كلامه فاحضرا إن شئتما فحضرا فأجلستهما بحيث تراهما وتسمع كلامهما فلما رآه المغيرة ونظر إلى
جماله وهيئته وشبابه ,يئس منها وعلم أنها لن تؤثره عليه فأقبل على الفتى فقال له : لقد أوتيت جمالاً وحسناً وبياناً , فهل عندك سوى ذلك ؟ قال : نعم , فعدد محاسنه ثم سكت .فقال له
المغيرة : كيف حسابك ؟ قال : ما يسقط علي منه شيء وإني لأستدرك منه أدق من الخردلة , فقال له المغيرة : لكنني أضع العشرة آلاف درهم في زاوية البيت , فينفقها أهلي على ما
يريدون فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها . فقالت المرأة والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الذي يحصي عليّ مثل صغير الخردلة فتزوجت به.
وهذا موقف عن الفطنة والذكاء. بعث القاضي أبو بكر الباقلاني ومعه رسالة إلى ملك الروم فلما ورد المدينة عرف الملك أن هذا الرجل له خبرة ومكانة وعلم الملك أن هذا الرجل لا
يُقبّل الأرض بين يدي الملك ففكر في فكرة ليجعل أبا بكر الباقلاني يدخل عليه راكعاً منحنياً فوضع سريره وراء باب لطيف لا يمكن لأحد أن يدخل منه إلا راكعاً وفعل ذلك وأمر بإدخال
القاضي من هذا الباب , فلما رأى القاضي أبا بكر الباقلاني فطن للقصة فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بظهره حتى صار بين يديه ثم
رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك فعجب من فطنته ووقعت له الهيبة في نفسه ..
وأقبل رجلُ على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عمر ما اسمك ؟ فقال: شهاب بن حرقة. قال ممن ؟ قال من أهل حرة النار قال : وأين تسكن ؟ قال : بذات لظى .
قال له عمر : أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كما قال .
أخي الكريم هذه قطوف أدبية ذكرناها من باب الرجوع إلى ماضينا الأدبي الجميل ولعله يكون فيها من الترويح ما يرفع عنا شيئا من الركود الأدبي .
ندعو الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علما..... اللهم آمين
إبراهيم السيد العربي
نبدأ هذه الاستراحة أولاً بحديث قدسي يقول الله تعالى في الحديث القدسي ( يا ابن آدم جعلت لك قراراً في بطن أمك , وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم ,وجعلت وجهك إلى ظهر
أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام , وجعلت لك متكأ عن يمينك ومتكأً عن شمالك, فأما المتكأ الذي عن يمينك فالكبد , وأما المتكأ الذي عن شمالك فالطحال ,وعلمتك القيام والقعود في بطن
أمك , فهل يقدر على ذلك غيري ؟ فلما أن تمت مدتك , أوحيت إلى الملك الموكل بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه , لا لك سن تقطع , ولا يد تبطش ولا قدم تسعى
فأنبت لك عرقين رقيقين في صدر أمك , يجريان لبناً خالصاً حاراً في الشتاء بارداً في الصيف , وألقيت محبتك في قلب أبويك فلا يشبعان حتى تشبع ولا يرقدان حتى ترقد فلما قوي
ظهرك واشتد أزرك , بارزتني بالمعاصي في خلواتك ولم تستح مني ومع هذا إن دعوتني أجبتك , وإن سألتني أعطيتك وإن تبت إليّ قبلتك ).
والله إنها رحمة الله العلي القدير وكل جملة في هذا الحديث القدسي تحتاج إلى وقفة تأمل وتفكر وعظة فليتنا نتدبر هذه الكلمات ونعتبر لنرى عظيم نعمة الله تعالى علينا.
** والاستراحة الثانية عن فضل بر الوالدين فتعالوا لنقطف من بحر العلوم ما ينفع للتذكرة والعظة ( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين: إن أمي
عجوز كبيرة وأنا مطيّتها أحملها على ظهري وانحي عليها بيدي وألي منها مثل ما كانت تلي مني, أتراني قد أديت شكرها ؟ قال : لا قال : لم يا أمير المؤمنين ؟ قال: إنك تفعل ذلك بها
وتدعو الله أن يميتها وكانت تفعل بك ذلك وتدعو الله أن يطيل عمرك )
ويقول يحيي بن عبد الله : كنت جالساً مع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ورجل يطوف بأمه من أهل اليمن يحملها بين كتفيه حتى إذا قضى طوافه بالبيت وضعها بالأرض
فدعاه عبد الله بن عمر فقال ما هذه المرأة منك ؟ قال : والدتي. قال وددت لو أني أدركت أمي فطفتُ بها كما طفت بأمك وليس لي من هذه الدنيا إلا هذان النعلان. وعن سعيد بن أبي
بردة عن أبيه قال : كان ابن عمر يطوف بالبيت فرأى رجلاً يطوف حاملاً أمه وهو يقول: إني لها بعيرها المذلل , إن ذعرت ركابها لم أذعر, أحملها ما حملتني اكثر .
ثم قال يا ابن عمر: أتراني قد جزيتها ؟ قال : ولا بزفرة واحدة من زفراتها ..
وهذه عظة في عقوق الوالدين: نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رجل ملوي اليدين فسأله. ما بال يدك ملوية ؟ فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن أبي كان مشركاً وكان كثير
المال فسألته شيئاً من ماله فامتنع فلويت يده وانتزعت من ماله ما أردت, فدعا عليّ في أبيات من الشعر قال فيها :
تهضمني مالي كذا ولوي يدي لوى الله يده الذي هي غالبة
فأصبحت يا أمير المؤمنين ملوي اليد فقال عمر: الله أكبر: هذا دعاء آبائكم في الجاهلية فكيف في الإسلام ؟ والتعقيب هنا هو القول أو الوصية بالوالدين ولنرجع لكتاب الله تعالى ففيه
ما يكفينا لنعمل به في طاعة آبائنا والإحسان إليهما.
***الاستراحة الثالثة عن الذكاء : نقطف هذه التذكرة من كتب الأدب العربي وهي مليئة زاخرة بالكثير والكثير فعن ذكاء المرأة : يحكي أن لصاً دخل بيت امرأة عجوز ليلاً فلما أحست
به قالت رافعة صوتها يا نفسي لو تزوجت زوجاً فألد ثلاثة بنين , فسميت أحدهم عمر والآخر بكراً , والآخر صقراً. يا نفسي ما أصنع بهم وأخشي أن يموتوا فأناديهم فأقول :واعمراه
,وابكراه, واصقراه , ورفعت صوتها عالياً وكان لهم جيران يسمون بهذه الأسماء فجاءوها مسرعين فقالت دونكم هذا اللص فأمسكوا به , وأشبعوه ضرباً ...
وهذه الوقفة نقفها مع هذه الفتاة التي تفضل رجلاً سخياً على شاب بخيل: فلقد خطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة , وكان الفتى ذا هيبة حسنة وكان جميلاً فأرسلت إليهما
المرأة فقالت : إنكما خطبتماني ولست أجيب أحدا منكما دون أن أراه وأسمع كلامه فاحضرا إن شئتما فحضرا فأجلستهما بحيث تراهما وتسمع كلامهما فلما رآه المغيرة ونظر إلى
جماله وهيئته وشبابه ,يئس منها وعلم أنها لن تؤثره عليه فأقبل على الفتى فقال له : لقد أوتيت جمالاً وحسناً وبياناً , فهل عندك سوى ذلك ؟ قال : نعم , فعدد محاسنه ثم سكت .فقال له
المغيرة : كيف حسابك ؟ قال : ما يسقط علي منه شيء وإني لأستدرك منه أدق من الخردلة , فقال له المغيرة : لكنني أضع العشرة آلاف درهم في زاوية البيت , فينفقها أهلي على ما
يريدون فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها . فقالت المرأة والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الذي يحصي عليّ مثل صغير الخردلة فتزوجت به.
وهذا موقف عن الفطنة والذكاء. بعث القاضي أبو بكر الباقلاني ومعه رسالة إلى ملك الروم فلما ورد المدينة عرف الملك أن هذا الرجل له خبرة ومكانة وعلم الملك أن هذا الرجل لا
يُقبّل الأرض بين يدي الملك ففكر في فكرة ليجعل أبا بكر الباقلاني يدخل عليه راكعاً منحنياً فوضع سريره وراء باب لطيف لا يمكن لأحد أن يدخل منه إلا راكعاً وفعل ذلك وأمر بإدخال
القاضي من هذا الباب , فلما رأى القاضي أبا بكر الباقلاني فطن للقصة فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بظهره حتى صار بين يديه ثم
رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك فعجب من فطنته ووقعت له الهيبة في نفسه ..
وأقبل رجلُ على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عمر ما اسمك ؟ فقال: شهاب بن حرقة. قال ممن ؟ قال من أهل حرة النار قال : وأين تسكن ؟ قال : بذات لظى .
قال له عمر : أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كما قال .
أخي الكريم هذه قطوف أدبية ذكرناها من باب الرجوع إلى ماضينا الأدبي الجميل ولعله يكون فيها من الترويح ما يرفع عنا شيئا من الركود الأدبي .
ندعو الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علما..... اللهم آمين
إبراهيم السيد العربي