يوميات امرأة عاملة - جديد جريدة الرؤية

    • يوميات امرأة عاملة - جديد جريدة الرؤية




      الرؤية - فايزة سويلم الكلبانية-
      faiza@alroya.info-
      -
      يبدأ مشوار الحياة اليومية للأم والموظفة الفاضلة "زوينة" منذ الصباح الباكر، حيث تصحى قبل الجميع لتؤدي صلاة الصبح.. صوت المنبه يملأ الغرفة، تقوم من سريرها متثاقلة تتمنى لو تستطيع أن تنام بضع دقائق إضافية... تخرج من الحمام لتدخل إلى المطبخ.. تعد طعام الإفطار وبضعة سندوتشات ومن ثم تضع الملابس المتسخة في الغسالة الأوتوماتيكية.. ثم تهرع لإيقاظ زوجها الذي يدخل إلى الحمام بينما توقظ طفليها (يوسف صف أول ابتدائي، وتهاني سنة ونصف). فتعمل على تحضير الطفلين حيث تساعد يوسف على غسل وجهه وارتداء ملابسه، وتحضير حقيبته المدرسية.. في حين تغير ملابس طفلتها تهاني وتحضر حقيبتها (غيارات،حليب،...)، ويأتي الوقت لترتيب الغرف والأسرة ومن ثم ارتداء ملابسها استعدادا للذهاب إلى مقر عملها.. بعدها يحين موعد الإفطار فتجلس إلى المائدة مع أسرتها، تعطي زجاجة الحليب لتهاني وتتناول طعامها بسرعة.. ثم تصل حافلة مدرسة يوسف فتصله إلى الحافلة.. فتعود مسرعة كعادتها لتنظف الصحون والمائدة.. فتخرج من منزلها مع زوجها حاملة طفلتها تهاني وتذهب لتوصلها إلى بيت أهلها ومن ثم تنطلق نحو عملها..
      ما إن تصل إلى عملها .. والتي من الطبيعي بأن ساعات دوامها تتخللها مكالمة هاتفية في الواحدة والنصف ظهراً إلى بيت أهلها لتتأكد من أن باص المدرسة قد أوصل يوسف إلى بيت أهلها..رحلة العودة نحو بيتها تتخللها محطات عدة..من ضمنها العودة لمنزل أهلها لاستعادة طفلتها..تصل إلى البيت..يحين موعد استحمام الطفلين..وتجهيز المائدة لتناول الغداء ونشر الغسيل..ثم يصل زوجها من العمل ويتناولان الغداء..بعد ذلك تعمل على تنظيف المائدة والصحون..فيأتي وقت قيلولة زوجها وطفلتها تهاني في حين تلتفت لتدريس يوسف (الذي بدأ دراسته في بيت أهلها بمساعدتهم)..ثم يأتي وقت استيقاظ زوجها وتهاني ..حان موعد عشاء يوسف ووقت نومه في حين تتجه إلى المطبخ لتحضير الطبق المرافق لغداء اليوم التالي (صحن أرز وصحن سلطة)..وبعض الوقت الخاص بها.. ثم تتابع مسلسل السهرة بينما تكوي بعض الملابس..وتحضير العشاء، تناول العشاء ومن ثم تنظيف المائدة والصحون..يأتي وقت النوم.
      على الهامش..الإجازات السنوية التي تأخذها من عملها تكون لحالات الضرورة القصوى (مرضها، مرض أحد الأطفال، حالة وفاة...)، والأعياد فرصة للتسوق ولممارسة جزء من حياتها الاجتماعية التي ضاعت في زحمة أعمالها اليومية.
      ويأتي السبب وراء عملها..عندما كانت عازبة..حصلت على شهادة جامعية.. تريد إثبات ذاتها... ملأ وقتها بأمر مفيد.. الحصول على دخل مادي معقول.. وبعد الزواج.. هي معتادة على العمل لا تريد أن تجلس في البيت... تريد الحصول على الاستقلالية المادية..بعد الإنجاب.. ازدادت مصاريف حياتها المشتركة مع زوجها وأصبح عملها ضرورة لتأمين حياة كريمة لأسرتها..
      هذه هي يوميات المرأة العاملة.. ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن حياة الأم "زوينة" تشبه إلى حد كبير حياة العديد من النساء العاملات.. حيث تبذل جهوداً جبّارة للتوفيق ما بين عائلتها وعملها... وهي واقعة لا محالة ما بين مطرقة الواجبات الأسرية وسندان تحقيق طموحاتها... وثمّة من يقول لها: "ما الذي يجبرك على التعب والإرهاق.. كوني ربة منزل واهتمي بعائلتك". لكنهم لا يعلمون أنها إنّما تحقق هذه الطموحات من أجل أفراد أسرتها بالدرجة الأولى، ويكفيها أن يكون أولادها فخورين بها. ومن يمكن أن يصادفها أمور عدة قد تكون مزعجة أحياناً، لكنها لا تلبث أن تنقلب معها إلى نوبات من الطموح. ذلك لأنّه وكما يقول البعض: " ما في شي مستاهل".
      عمل المرأة لم يعد ضرورة لإثبات تحررها بل بات ضرورة مادية... نفس الضرورة التي تدفع بشبابنا للهجرة... نفس الضرورة التي تجعل رجلاً في الستين يجر عربة لبيع الذرة المسلوقة في ليالي الشتاء الباردة...أو يقود سيارة تاكسي لكسب قوت يومه وعياله..عمل المرأة بات ضرورة مادية لتتمكن من العيش ولتساعد أسرتها على تحمل الأعباء المادية التي تحيط بهم من كل جانب... والحمد لله أنها قادرة على العمل وإلا لكانت حال أسرتها أتعس مما هي عليها...فلم تخرج المرأة للعمل لمجرد أنها حرة تريد الخروج للعمل فأحياناً تكون مجبرة (من قبل ظروف الحياة) على هذا العمل لتساعد في إعالة أسرتها..

      همسة لكل إمرأة عاملة..


      سطوري أهديها إلى كل من يعتقد بأن مساواة المرأة بالرجل هي مشكلة دين ودولة...
      وإلى كل من يظن بأن خروج المرأة إلى العمل ومساواتها مع الرجل أمر سهل..وممتع (خصوصاً إن كانت متزوجة).. في مجتمع ينظر إلى الرجل على أنه كل شيء.. إلا لأننا تربينا ونربي أولادنا على هذه الطريقة...شعارنا ( الكفاح من أجل حياة أفضل).