أسطورة الموظف الجاهز - جديد عبدالله المهيري

    • أسطورة الموظف الجاهز - جديد عبدالله المهيري

      قبل أن أكتب عن الكتب أريد أن أتحدث قليلاً عن الوظائف، لأنني أبحث عن وظيفة الآن وأستخدم موقعاً حكومي للتوظيف وتقدمت لثلاث وظائف وكلها لم تأتي بنتيجة ولا حتى كحة اعتذار، الانتظار أسوأ ما في الأمر، لو أنهم صمموا واجهة الموقع لتخبر المتقدم بالوظيفة بأن طلبه رفض لكان ذلك أهون بالنسبة لي من الانتظار، الآن تقدمت لثلاث وظائف أخرى لعل وعسى أن أجد عملاً، أي عمل.

      إحدى الوظائف التي وجدتها ويمكنني بالتأكيد تنفيذها اشترطت أن يكون الجنس "أثنى" لأن الوظيفة كما يبدو تتطلب مواصفات خاصة لا توجد في الرجال! وجدت وظائف أخرى كذلك وكلها تتطلب ألا يكون عمر المتقدم للوظيفة أكثر من 27 عاماً، لماذا؟ وما الذي يمكن لشخص مثلي أن يفعله؟ لا توجد آلة زمن تعيدني للماضي لكنني متأكد أنني أستطيع تنفيذ هذه الوظائف حتى إن كان عمري يزيد عن 27 عاماً، هم لا يطلبون رياضيين بل أناس سيجلسون في المكاتب غالباً فلم تحديد العمر هذا؟

      ثم تأتي مشكلة الشروط والمواصفات، أفهم أن كثيراً من الوظائف تتطلب خبرات فعلية وشهادات دراسية، وهناك وظائف لا تتطلب ذلك بل يتعلم الموظف وظيفته في العمل ويمارسها وتزداد خبرته مع مرور الأيام لكن هذا المنطق لا أجده في مواقع التوظيف، يريدون موظفاً جاهزاً، يريدون شخصاً يضعونه في مكانه ليبدأ العمل بدون تأخير وهذا لا يمكن أن يحدث، كثير من الناس تعلموا وظائفهم بالتدريج في بيئة العمل وما تعلموه في المدارس والجامعات لم يجدوا فيه فائدة إلا القليل منه، سألت كثيراً من الناس عن علاقة ما تعلموه بأعمالهم وكثير منهم أجابوا: لا شيء.

      لم إذاً الإصرار على عدد سنوات خبرة وعلى شهادات محددة إن كان الموظف سيتعلم في وظيفته؟ لا يوجد شيء يسمى موظف جاهز، لا أحد يستطيع أن يعمل مباشرة منذ أول يوم له في الوظيفة، كل بيئة عمل تتطلب أن يعرف الموظف كيف تسير الأمور في المؤسسة وهذا يحتاج لأيام أو أسابيع، ثم الوظيفة نفسها تحتاج لوقت طويل لكي يتقنها الموظف سواء كان بشهادة أم لم يكن.

      لا أدري إن كان هناك أي فائدة من تجربة مواقع التوظيف هذه أو حتى البحث عن عمل بوسائل أخرى، لكنني أريد أن أتأكد أنني لم أترك فرصة دون أن أستغلها، أريد فرصة عمل، أي عمل، ليس وظيفة، لا بأس بالتطوع وقد بحثت عن فرص ولم أجد أي اهتمام، ما الذي يمكن للمرء فعله أكثر من ذلك؟ لست من النوع المزعج الذي يلح ويتصل كل يوم، وجملة "بنتصل بك" أصبحت تعني لي "لا تنتظر شيئاً" أو لعلها لم تعد تعني أي شيء، مجرد رد آلي جاهز.

      شخص ما أخبرني عن فرصة تطوع وزرت موقع المؤسسة التي تقدم هذه الفرصة فتبين أنها مؤسسة تقدم فرص تطوع حول العالم، رحلات لدول مختلفة ولمدة تتراوح ما بين أسابيع أو أشهر أو حتى أكثر من ذلك إن أردت، كم أسعدني ذلك، إلى أن اكتشفت أن علي دفع مبلغ يزيد عن 11 ألف درهم لشهر واحد ومبلغ أكثر بقليل لثلاث أشهر ... أسمعه يغني الآن: طريقك مسدود مسدود يا ولدي!

      يفترض أن أكون ساخطاً غاضباً لكنني الآن أبعد ما يكون عن هذه المشاعر، وصلت لمرحلة "لا يهمني" وحتى الانتظار لم يعد مشكلة كما كان في الماضي، كل ما في الأمر أنني تذكرت بأنني مهما فعلت فلن أجد إلا ما كتب لي، مع ذلك لا يمكن تجاهل مشكلة العمل وأساليب التوظيف، مجتمع لا يوفر فرص عمل لكل من يستطيع العمل سيواجه مشاكل عدة، ومجتمع يوفر آلاف الفرص الوظيفية ومع ذلك يعاني من بطالة بعض أفراده ... فهذه نكتة، وشر البلية ما يضحك.




      المصدر : مدونة عبدالله المهيري