يا فؤادي لا تسل أين الهوى - جديد جريدة الرؤية

    • يا فؤادي لا تسل أين الهوى - جديد جريدة الرؤية


      مدرين المكتومية-

      كان مساءً غير عادي، بخلاف الذي عايشته طوال تلك السنوات الثلاثة التي قضيتها بمسقط، لم يكن كما اعتقدته دائما مساء عاديا أخرج فيه لأمشط أرصفة الطرقات وأرى العالم من حولي، كانت ملامح ذلك المساء تعلن عن حدوث شيء غريب شيء لم يكن في الحسبان، فقد كان ذلك الليل غير الذي عهدته دائمًا، كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساء حين كنت أجوب الشارع باتجاه شقتي الصغيرة التي لطالما احتوتني في كل حالاتي، نعم كانت الساعة تشير إلى الثامنة وسبع وأربعين دقيقة حين مرّ بجانبي طيف أحدهم، لكنّه لم يكن مجرد طيف بل كان إنسانًا بكل صفاته البشرية، على الرغم من أنني تصادفت بالكثير من البشر في عالمي إلا أنّ ذلك الشخص لم يكن عاديًا بل كان مختلفًا، وكأنّ الرب سخره لي من خلف التخوم البعيدة ليعيد لحياتي رونقها الذابل، هذا ما قدّمه لي "عامر" ذاك الشاب المخلص الذي كشف لي المساء تقاسيم وجهه التي لم ألمحها طوال حياتي، وهكذا نسج لي الوقت حكاية لم تكن في الحسبان ولم تمر على عقلي الصغير أبدًا، إلا أنّه كان واقعا أشبه بالحلم الذي لا يتحقق إلا في " أليس، عالم العجائب" ذلك المسلسل الكرتوني الذي لامس عالمي وأنا في الرابعة عشرة من عمري.
      بعد ذلك المساء الطويل استيقظت صباحًا وأنا أفكر في ليلة الأمس؛ كل دقيقة منها كانت تعيدني للوراء خطوات وخطوات، كأنّ الليل أبى أن يتلاشى مع إشراقة شمس الصباح الجديد، ليتني لم أره فقد استيقظت وكأنّي في عالم آخر، علامات الذهول تكاد تغير خارطة وجوه زملائي الذين اعتادوا على تلك الابتسامة التي لا تفارق شفتاي، ولكنهم تفاجأوا بصمت لم يعهدوه مني قبلا، هل بالفعل بعد تلك الليلة أصبحت مختلفة؟ أم أنّ علامات الأرق والسهر والتفكير كانت ملامحها واضحة في وجهي؟ لماذا كل ذلك يحدث؟ هل أنا الوحيدة التي عاشت تلك المرحلة وخاضت مثل هذه التجربة أم أنني من الوهلة الأولى لم استطع الصمود؟ وهل هي المرة الأولى التي أر فيها بشرًا؟ تساؤلات عالقة في مخيلتي الصغيرة ترفض أن تسيل إجاباتها مع الحبر على الورق. بالفعل لم يكن شخصًا عاديًا، هذا ما كشفه لي الزمن بعد مرور الأيام لأجد أنّ الحلم جميل والواقع أجمل، ولكن التفكير ألا يتحقق الحلم في الواقع هو المؤلم، تناقضات كثيرة مرت على مخيلتي ولم يكن بمقدوري تحليلها، حتى شعرت أنني لا أقوى على الاستمرار لأنّ التفكير في "عامر" التهم تفكيري بآخرين حولي، وهم الأحق بعقلي من أي شخص على وجه الأرض والبشرية أجمع.
      ما سبق هو قصة صديقتي ليلى التي حادثتني عبر الهاتف لساعات طويلة لم أسمع خلالها إلا تمتمات وبكاءها المتواصل، وكأن ما بداخلها بركان ثائر يخرج من جوف عينيها البريئتين، وهي تتحدث إليّ معلنة رحيلها عن رجل ظنت أنّه فارس أحلامها المنتظر إلا أنّ القدر بقسوة قبضته عاندها، وجعله مجرد شخص يمر عليها مرور الكرام وهو يقول لها: " أنت أجمل وأصدق امرأة عرفها تاريخ حياتي... لكن ستظلين في البعد أجمل" وها هي الآن كلما مررنا من ذلك الشارع وفي مساء تنيره النجوم تتذكر طيف ذلك الرجل الذي يدعى عامر لتعيد لنا سرد الحكاية من جديد.

      madreen@alroya.info