إن ما يحدث هو الربيع بعينه: خضرة تذكرك بالجنة. عصافير لا تدفعك إلى التفكير بالحرية لأنك حر. لا ترى في اللون الأحمر سوى بصمة شفاه حبيبتك الحلوة. ها أنت تجلس هانئا تحت هذي الظلال. تعزف نايك لأنك أمنت غدر الذئب على شياهك. لا تأبه باختلال التوازن البيئي لأن الخير وحده من يستحق العيش.
أشياء كثيرة من حولك تدفعك إلى الإيجابية. وتقول في نفسك: لن أغادر هذا الربيع إلا إلى جنة الله. حيث لا منافقين ولا سكارى ولا فقراء. قد تبدو فلسفتك أنانية بعض الشيء وأنت ترى انتصار الخير على كل شيء. لكنك محق في ذلك. إذ يغصب الشر كل شيء حيثما يحل. أما الخير فيعطي ولا يبخس. أنت لا تفكر في شيء تماما. فقد زالت همومك التي كان الشر يثقلك بها. وبت خفيفا كظل فراشة. وهذه الألحان التي يعزفها نايك بشرى بهذا الخير العميم
ستعود إلى بيتك في المغرب. لست بحاجة إلى مفتاح لدخول بيتك. ولماذا تغلقه أصلا؟ وهذا الربيع قد سلب كل اللصوص حقوقهم فأمنك على نفسك وأهلك ومتاعك. لا يهم إن كنت تأخرت كثيرا أيها الربيع. فقد لزم الإنسان كي يخطئ ويصحح أخطاءه عددا لايحصى من السنوات. كان مخلوقا جديدا في الجنة لايعرف الربيع. كان أحمق إذ فكر في الخلود. لأنه لم يفهم الربيع جيدا. وظن أن التين يستر عورته. أو ليس التين جزء من الربيع الذي عاشه المخلوق الجديد في الجنة؟
لم يفهمه وظن أن الخلود يكمن في مكان آخر غير ربيع الجنة. وهكذا بدأ الشقاء. وتتابعت سلسلة الأخطاء البشرية لدرجة أنه اخترع ربا غير الذي خلقه. جرب الصيد وجمع النبات. وحاول أن يكون فنانا. واخترع شتى أنواع الأسلحة ليبرر مخاوفه ممن سلبوه ربيعه. لكنه لم يجد في الأرض ربيعا كربيع جنته. نسي الربيع تماما خلال تلك السنوات وانشغل بحياته الفانية. كيف يعيش ويأكل ويربي وينجب ويربي أولاده ويحميهم من اللصوص والقتلة الذين يغذيهم الشر.
ثم جاء من يخبره أنه سيعود يوما إلى الجنة حيث الربيع الدائم. لم يصدق في أول الأمر وأنكر هؤلاء المخبرين واتهمهم بالكذب والجنون. فكيف يعود إلى هناك بعد كل ما ارتكبه من أخطاء؟ أيكون الربيع قد حن أخيرا إليه؟ هل مات الشيطان الذي كان يمنعه من حق العودة؟ هكذا نمت الرغبة فيه. وراح يطارد أعوان الشيطان يقتلهم يسجنهم يعذبهم. المهم أن يعود إلى ربيعه مهما كان الثمن الذي سيدفعه. لكن تناسل الشيطان السريع أفقده صوابه.
دعاه الأمر إلى أن يتأمل نفسه. فانسحب إلى الحياة ومضى يصنع ربيعه بنفسه. وجد أن الأمر أسهل من مطاردة الشيطان. وهكذا بدأ يعرف الخير ويصادقه. كان الخير شيئا ضئيلا فقيرا معدما لكن قلبه وعقله يحملان بذور ربيع جديد. بدأ الإنسان يستكنه هذا الخير محاولا الحصول على بذور الربيع التي لديه. بدأ في التفكير بصنع الربيع الجديد بمعاونة الخير. كان بعضهم ما يزال يطارد نسل الشيطان أملا في الرجوع إلى الربيع. لكن الخير دفعه إلى تجاهلهم. شيئا فشيئا حل الربيع في الأرض. هناك من يقول إنه كان بفضل بذور الخير. وهناك من يرى إن قتال نسل الشيطان هو من أوجد ربيع الأرض. هرب الشر أخيرا. أمنت الشرور أخيرا. ها قد وصلت إلى كمالك الذي توصف به في المأثورات. أنت سيدك ولا عباد لك. فما حاجتك إلى ربيع الجنة؟ امكث هنا حيث ربيع الأرض.
ما تلك السكين التي تحملها؟ هل ستقتلني؟ ها أنت تتخلى عن ربيعك الذي استغرقك كل هذه السنوات.افعلها إن شئت وابدأ أخطاءك الجديدة فأنا هو الشيطان!
المصدر : مدونة وليد النبهاني