
محمد الشحري
شاركنا، بالأمس، آلاف المواطنين في التوجه إلى صناديق الاقتراع، والتصويت لانتخاب أعضاء المجالس البلدية، وهي كما باتت معروفة أول انتخابات للمجالس البلدية في تاريخ عُمان، وإن كنت أرى أن صلاحيات المجالس البلدية لا تزال محصورة في تقديم الاقتراحات ورفع التوصيات، إلا أن وجود مجالس بلدية يُعد فرصة أمام الشعب للمشاركة في الحياة السياسية وإدارة شؤونه دون تدخل من السلطة التنفيذية، وهي مقدمة لانتخاب رؤساء للبلديات الإقليمية. ولقائل أن يقول إن المجالس البلدية كان من المُفترض أن تسبق انتخابات مجلس الشورى. وهنا نقول كما قال توماس جفرسون -الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية: "التأخير أفضل من الخطأ"، ولكن هذا لا يعني أن ننتظر 20 سنة أخرى حتى تُمنح المجالس البلدية صلاحيات الرقابة على أداء الوحدات الحكومية في الولايات والمحافظات، أو ننتظر عقدين من الزمن حتى يتم اختيار رئيس البلدية من قبل الناخبين بناءً على الكفاءة والقدرة على العطاء والعمل.
وحتى لا نُلقي باللوم على السلطات التنفيذية أو الجهات الحكومية في منح المجالس البلدية صلاحيات أوسع وأدوارًا أكبر، فإنا نعوِّل على المجتمع العُماني الجمعي وعلى الوعي الفردي في اختصار الزمن والتسريع من عمل المجالس البلدية، "فالإرادة القوية تقصر المسافات" كما يقول نابليون بونابرت، فإذا كان أداء المجالس البلدية مقنعًا ومتقدمًا على الأداء الحكومي، حينها تدرك الحكومة أن المجتمع بات ناضجًا وباستطاعته إدارة شؤونه بعيدًا عن تدخل المسؤول. أما إذا انتظر أعضاء المجالس البلدية حتى تأذن لهم الحكومة بالعمل، فإن هذه المجالس لن تتقدم خطوة إلى الأمام، ولكي أكون أكثر صراحة أقول إن المرحلة القادمة يجب أن يُمارس فيها أعضاء المجالس البلدية ضغوطات هائلة لكي يمنحوا حقوقًا أكثر وينتزعوا من السلطات التشريعية صلاحيات أوسع من تلك التي نقرأها في اللائحة التنظيمية؛ لأنه في حالة انتظار الحكومة أن تمنح المساحات المناسبة ليتحرك فيها أعضاء المجالس البلدية فإن ذلك يُفسَّر على أن المجتمعات -ومن يمثلها- لا تزال غير ناضجة، وأنها بحاجة إلى رعاية الحكومة.
وفي انتظار الأيام القادمة وما ستشهده الساحة الوطنية من ظهور الأعضاء المنتخبين من قِبل الشعب في المجالس البلدية، وآخرين سيتم اختيارهم من قبل الولاة والمحافظين من ذوي الخبرة والرأي، فإن ذلك يعني توسيع المشاركة الشعبية في المجالس البلدية، وربما يدل على أنها خطوات إيجابية من قبل الحكومة أن يشارك الشعب في الاعتماد على نفسه وإدارة شؤونه المحلية، ولكن كما أسلفنا فإن الأعضاء -سواء المنتخبين من قبل الشعب، أو المختارين من قبل الحكومة- مطالبون بالمشاركة الإيجابية والتفاعل أكثر مع كل القضايا والمستجدات على الساحة الوطنية، والدخول بقوة في بناء المجتمع المدني، ومعرفة احتياجات المواطن وإيجاد الحلول لها، وابتكار آليات جديدة من شأنها أن تخفف من معاناة الأسر العمانية، وتعميم مفهوم التطوع وتفعيل المبادرات الأهلية، وخلق تعاون بين المجتمع المحلي ومؤسسات القطاع الخاص والجمعيات الأهلية لإيجاد أرضية صلبة لبناء المجتمع المدني ومؤسساته، ومن يفكر معي الآن بهذه الصورة فإنه سيرى أن الترشح لعضوية المجالس البلدية ليس ترفًا ولا لمبتغاة الحصول على مكافأة مالية، بل لتقديم أفعال حقيقية مجسدة على أرض الواقع، والمواطن -الناخب سابقا- هو من يحكم على أداء العضو المنتخب والمختار، وإذا رأي المواطن تقاعس العضو أو تضعضعه عن أداء الواجب، فعليه أن يبادر إلى نقده قبل أن تنتقد الحكومة ممثلين الشعب، فكما قلت فإن المرحلة المقبلة هي مرحلة شد وجذب طبيعية وسلمية وصحية أيضا بين الشعب ممثلا بأعضائه واختياراته، وبين الحكومة عبر مسؤوليها، وهذا الشد والجذب مناسبٌ لكي يكون المجتمع حيويًّا، ولكن تتقدم عُمان سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وهذا مطلب أبناء الوطن الذي يعملون ليل نهار لأجل عُمان دولة وشعبًا.
