المثقفون يكشفون لـ"الرؤية" أجمل مطالعاتهم (2-2)-

المعمري: الكتاب سيرة روائية جريئة للكاتب تجنّب فيها السرد التاريخي للحقبة التي عاشها-
بشرى: الكتاب رؤية فاحصة في أسباب تقدم الهند ونهضتها الحديثة-
البادي: الكتاب يعيد بناء مفاهيمنا للفن والأدب والحياة-
العريمي: الكتاب يبيّن شجاعة الكاتبة وجراءتها في تناول ظاهرة اجتماعية غير سويّة.-
الحارثية: الكتاب بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية-
الرؤية- أحمد الجهوري-
اختلفت الآراء بين الكتاب والادباء حول اختيارهم لأفضل كتاب لعام 2012 من بين الكتب التي تصدرعن دوائر النشر والتوزيع، وتباينت آراؤهم فمنهم من وجد نفسه بين الكتب الأدبية والدينية والاجتماعية والفلسفة، وغيرها من الاختصاصات ومنهم من تردد في اختيار كتاب معين مما قراءه لهذا العام و شارك باختيار أكثر من كتاب نال على أعجابه واستحسانه.
ثورة التجديد
ويعتبر الدكتور سعيد سليم الكيتاني، كتاب (ثورة التجديد) للدكتور عائض القرني من الكتب التي قرأها خلال هذا العام 2012م وحازت على أعجابه، وهو من إصدارات هذا العام عن مكتبة العبيكان للنشر والتوزيع وقال عنه: هو عبارة عن عدد كبير من مقالات صحفية نشرها المؤلف خلال العشرين سنة الماضية كما يذكر في مقدمة الكتاب، حيث لا يتضمن الكتاب فصولاً وأبواباً ومحاور ومجالات، بل عمد المؤلف إلى نشر المقالات منثورة في ثنايا الكتاب باختلاف موضوعاتها ومجالاتها، فمنها الاجتماعية ومنها الدينية ومنها السياسية ومنها التعليمية ومنها الفكرية ومنها الفقهية ومنها الاقتصادية وغيرها، وكما تعوّد الدكتور عائض القرني في كتاباته كسر الملل وتحفيز الذهن، وجذب القارئ إلى المحتوى المتخم بالفوائد الاجتماعية والفكرية والعلمية والدينية بأسلوب لغوي رصين وشائق وبسيط وواقعي .
وأضاف الكيتاني: عنوان الكتاب يهدف أساساً إلى تجديد الفكر وتطوير واقع المسلمين اليوم على كافة الأصعدة، وهو بذلك حق له أن يُعنون بهذا العنوان فالموضوعات التي تتناولها مقالات الكتاب عبارة عن مسائل وقضايا تمس واقع حياة الناس في المجتمعات الإسلامية، ويستعرضها المؤلف بأسلوب ناقد إيجابي جريء، وأحياناً بأسلوب ساخر يعكس جهل الناس بدينهم وتأويلهم لنصوص الدين بصورة خاطئة، الأمر الذي ينعكس سلباً على الممارسات الدينية والاجتماعية على كافة المستويات، وأشار إلى أن المؤلف بذلك يطور نظريته الخاصة لتفسير التحديات الكبرى التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم، ويرسم معالم الطريق نحو الصحوة والنهضة الإسلامية الشاملة بموضوعية ومنهجية وصفية تحليلية تنم عن فهم عميق لديناميكيات المجتمع المسلم، ورؤية تحليلية ناقدة لأوضاع العالم الغربي، الذي يسعى للهيمنة على المجتمعات والثقافات الأخرى ومحتويات الكتاب تستعرض من خلال تصنيف مقالات الكتاب عددا من المجالات العامة، وفي طليعتها مجال العقيدة، فالمؤلف تناول هذا المجال عددا من المقالات، تتضمن على سبيل المثال الرد على الإلحاد والملحدين الذين ينفون وجود الله عز وجل، ويعتبر أن الكاتب تناول الموضوع بأسلوب منطقي عصري بعيداً عن الطرح الكلاسيكي المعتاد، حيث استند في تناوله للموضوع إلى وقائع وأحداث وقعت في هذا العصر الذي نعيشه ومن ذلك مثلاً يسرد المؤلف مقالا بعنوان (أكبر كذبة في التاريخ) قصة وردت في مذكرات الرئيس جورج بوش الأب (سيرة إلى الأمام) مفادها أنّ المذكور "زار موسكو لحضور جنازة رئيس الاتحاد السوفيتي الأسبق برجنيف قال فوجدت الجنازة مظلمة لا نور عليها لأنّهم لا يؤمنون بالله، ولأن بوش نصراني وهم ملاحدة"، كما تتضمن مقالات هذا الباب قضايا أخرى حول العقيدة الصحيحة والممارسات الاجتماعية اليوم التي تعكس فساد العقيدة لدى بعض المسلمين.
وأشار الدكتور إلى أنّ الكتاب يشمل مقالات تنتمي لمجال التطوير الاجتماعي المبني على العقيدة الصحيحة، وأن الكاتب ينطلق في هذا المجال من قناعته الراسخة بأنّه "ليس هناك حدث وقع في التاريخ غيّر في عالم المعتقد والسياسة والعلم والفكر والأدب والاقتصاد كحدث إرسال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم للعالم"، ويرى أنّ "كل الأحداث التاريخية التي كان لها تغيير وتحرير كانت في جانب من الجوانب وفي حقل من الحقول ثم إنّ غالبها أرضية بلا وحي من الله، وهي محدودة التأثير بالزمان والمكان والبشر إلاّ رسالته صلى الله عليه وسلم فإنّها لكل زمان ومكان ولعامة البشر ولكل جانب من جوانب الحياة ولهذا أنصف من جعله صلى الله عليه وسلم الأول بين مصلحي ومحرري العالم، كالكاتب الأمريكي مايكل هارث في كتابه (العظماء المئة) وغيره من الكتاب"، ويدعو المؤلف من خلال مقالات هذا المجال "الساسة العرب والعلماء والمفكرين والكتاب والنوابغ إلى العودة الجادة الصادقة لفهم الإسلام فهما صحيحا، ودراسة الكتاب والسنة دراسة صادقة جادة"، وأن من المجالات المهمة التي يتناولها الكتاب مجال نشر ثقافة التسامح والتعايش مع الآخرين سواء كانوا يشاركوننا المعتقد أو يخالفوننا فيه فنحن وإيّاهم- حسب تعبير الكاتب- "نعيش على كوكب واحد وبيننا مصالح مشتركة ومنافع متداخلة ويربطنا بهم حق الإنسان على الإنسان وواجب البشر تجاه البشر، فيحسن بنا أن نريهم الوجه الجميل للإسلام البريء من العنف والفظاظة والغلظة والاحتقار والكبت والقهر؛ لأن الله أمرنا بالحكمة في الدعوة واللين في الخطاب والرفق في المعاملة"، حيث يقدم المؤلف عبر مقالات هذا المجال منهجية إسلامية واضحة للتعامل مع الآخر والتحاور معه بغض النظر عن معتقده، وهو يستخلص تلك المنهجية من سيرة السلف والمتقدمين من المسلمين؛ الذين استطاعوا بالكلمة الطيبة أن ينشروا الإسلام ويصلون به إلى مشارق الأرض ومغاربها، ويدعو المؤلف دعاة اليوم إلى الاستفادة من التاريخ والابتعاد عن الأساليب المنفرة التي تسيء إلى الإسلام أكثر من كونها تخدم الإسلام وتقدمه للناس كمنهج للحياة في كل زمان ومكان.
ويضيف الكيتاني أنّ الكتاب تناول مجالاً آخر تعالج مقالاته أسباب تأخر العرب رغم امتلاكهم كل أسباب التقدم والتطور الحضاري والرقي المادي، وأن أبرز أسباب التخلف هي: الجهل والاستبداد والاختلاف؛ لأنّ الجهل جعلهم يعرضون عن المعرفة وطلب العلم ويتخلون عن القراءة والاطلاع والبحث رغم وضوح النصوص الشرعية الداعية إلى ذلك، والاستبداد جعلهم ينفردون بالرأي ويعطلون عمل المؤسسات وينصرفون عن الاستماع إلى آراء الحكماء والعقلاء، والاختلاف جعلهم أعداء لأنفسهم ومصالحهم إلى حد نشوب الصراعات بينهم والتناحر والاعتداء بعضهم على بعض كما حصل في مناطق التوترات السياسية بين العرب، ويذهب المؤلف إلى أن العرب لن ينهضوا من كبوتهم إلاّ بالإيمان والعلم والعدل والوحدة وأن من مظاهر تخلف العرب عدم اهتمامهم بلغتهم العربية، وهو يعالج هذا الموضوع ضمن عدد من المقالات التي تحذر من خطورة "مد التغريب الزاحف والعامية الجارفة"، وتشير إلى حرص العديد من الشباب على استخدام الألفاظ والتعبيرات الأجنبية في أحاديثهم اليومية ليظهروا للناس أنهم مثقفون ثقافة أجنبية وهم بذلك يساهمون في ضعضعة مكانة اللغة العربية في مجتمعاتهم علموا أو لم يعلموا، كما يشير المؤلف ضمن مقالات هذا المجال إلى خطورة العمالة الوافدة على اللغة العربية بسبب انتشار الأجانب في دول الخليج العربية، وعلى وجه الخصوص يشير المؤلف إلى عاملات المنازل وتأثيرهن السلبي على نشأة الأطفال بسبب استخدامهن للغاتهن على حساب اللغة العربية، ولمواجة هذا الخطر على اللغة العربية يدعو المؤلف كل عربي غيور أن يهب لنصرة اللغة العربية، ويقترح بعض الأساليب الحديثة التي تساعد على القيام بهذه المسؤولية القومية في شتى ميادين العمل وعلى كافة المستويات.
وأشار الكيتاني: من الناحيه الاجتماعية خصص مؤلف الكتاب عدداً من المقالات تتناول قضايا الأسرة والمرأة والطفل وغيرها، وهي تتضمن الإشارة إلى المشكلات الأسرية الشائعة في المجتمعات الخليجية وفي طليعتها الأساليب الخاطئة لتربية الأطفال والإساءات التي يتعرضون لها من قبل بعض الآباء الذين نزع الله الرحمة من قلوبهم، والإساءة للزوجات ومعاملتهن معاملة سيئة تخالف تعاليم الدين الإسلامي، ويقدم المؤلف أمثلة عديدة لحوادث حقيقية وقعت لبعض الأطفال والنساء، ويرى أنّ السلطات المعنية في كل مجتمع يجب أن تكون أكثر شدة وحزماً مع مثل هذه القضايا، كما يقدم للقارئ عدداً من النماذج المشرقة للتعامل الأسري المتناغم مع تعاليم ديننا الحنيف لتكون قدوة يقتدي بها كل مسؤول عن أسرة في مجتمعاتنا المعاصرة من أجل تحقيق الاستقرار الأسري الذي يدعو إليه الإسلام.
وتطرق الكيتاني إلى أن الكاتب من خلال سطور كتابه في مجال التنمية البشرية أوردعدداً من المقالات، التي تتحدث عن التفاؤل والتغيير والابتعاد عن الهموم والحسد، وفن الحياة والنجاح والفشل، وغيرها من الموضوعات المماثلة، وهي كلها موضوعات يعالجها المؤلف بأسلوب يجمع بين الآثار وبين نماذج واقعية مستقاة من الحياة المعاصرة، فحول موضوع النجاح على سبيل المثال يرى المؤلف أنّ الناجح لا ينتظر الظروف لأنّه بهمته وعزيمته ييسر الله له الظروف الملائمة؛ بينما الفاشل هو من يتحجج بالظروف ويتراجع أمام العقبات ولا يبذل الجهد الكافي للتغلب على الصعوبات والمضي قدما في مشاريعه ومبادراته، وبالتالي فإنّ كلاً منهما ينال نصيبه حسب نيته وسلوكه في الحياة، ويضرب المؤلف لذلك مثلاً طريفاً حيث يروي أنّه "التقى الحصان والحمار فقال الحمار للفرس: لو خففت من الجري، فقد أتعبت نفسك، قال الحصان: أنا لما أسرعت في الجري ركبني الملوك وأنت لما أبطأت في السير حملوا عليك الروث والحطب"!!
وأشار تناول الكتاب عدداً من المقالات التي تناولت مجمل القضايا السياسية في المجال السياسي التي ركزت عليها وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة والتي تمس العرب والمسلمين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومنها على سبيل المثال قضية (الإرهاب) ومن أبرز الموضوعات المرتبطة بهذه القضية موضوع تعريف الإرهابي حيث يتساءل المؤلف: من هو الإرهابي؟ ويجيب عن هذا التساؤل من خلال استعراض عدد من الأمثلة للإرهاب الغربي مثل إنتاج الأفلام المسيئة للإسلام التي تتضمن تزييفاً للحقائق، واحتلال العراق وتدميره وقتل أبنائه ومحاولة إبادة الشعب الفلسطيني واجتياح أفغانستان وتجويع أهلها وغير ذلك من الجرائم التي لا حصر لها في شتى أنحاء العالم، ويقارن المؤلف كل ذلك بتعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى السلام وتحرم تعذيب الحيوان وتنذر من يقتل مؤمناً متعمداً بدخول النار خالداً مخلداً فيها.
واختتم الدكتور سعيد بأنّ موضوعات الكتاب بشكل عام تعكس هموم المسلم المعاصر، وتقترح الإستراتيجيات المناسبة للتعامل مع العديد من القضايا والمسائل الحيوية التي تهم المسلم اليوم، وهي كلها مستعرضة بأسلوب لغوي ظريف لا يمل القارئ من قراءتها، ومعالجة بطريقة عصرية تضع القارئ في سياق حاضره وواقعه، وهي إلى جانب ذلك قصيرة في مبناها قصراً ليس مخلاً، بل مناسباً لنبض الحياة المعاصرة السريع، حيث لا يحتاج المرء أكثر من خمس دقائق لقراءة أي موضوع من موضوعات الكتاب.
معضلة اللغة العربية بين الجابري وطرابيشي
وقال الشاعر والكاتب والمسرحي العراقي عبدالرزاق الربيعي: إنّ كتاب" معضلة اللغة العربية بين الجابري وطرابيشي" من أفضل الكتب التي قرأها في عام 2012 فهو ّ""دراسة نقدية تحليلية لمشكلات العربية في الفكر العربي الحديث " للدكتور وليد محمود خالص الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وبه يناقش الدكتور وليد محمود خالص هموم العربية التي أثارها الجابري ّوعقّب عليه فيها طرابيشي مستعينا "بطرابيشي, وبتماس مباشر مع العربية زاد على أربعين سنة قاصدًا تعديل الميزان الذي اضطرب بيد الجابري, فكان لابد من هذا التعديل لكي تستقيم الأمور إلى حدّ ما " كما يشير المؤلف.
وأضاف الربيعي قد لاحظ خالص أنّ هناك بعض القضايا التي لم يتسنّ لطرابيشي الوقوف عندها , لإنشغاله بمشروع الجابريّ برمّته لذا أثار إشكاليات جديدة متتبعا الجابري "منذ أفكاره الأولى التي أسس بها لما يريد الوصول إليه من تبخيس للعربية وردود طرابيشي عليه .. فأعاد قراءة مشروعي (الجابري) و(طرابيشي) ولكن بوعي جديد ونظرة مغايرة عن تلك التي قرأ بهما في المرات السابقة " كما يؤكد قاصدا الفحص والتفكيك والكشف في كتاب من بابين حمل الأول عنوان "في جذور الشجرة, وساقها, وفروعها" وضم ستة فصول هي: الجابري, طرابيشي العربية لماذا؟, الجذور, ساق الشجرة - معطيات الجابري, الفرع الأول- المعاجم العربية, الفرع الثاني - القطيعة مع القرآن والحديث النبوي , الفرع الثالث - العربية بين البداوة والحضارة, وحمل الباب الثاني عنوان: في ثمار الشجرة وتألف من ستة فصول هي: طبيعة العربية الحسية, لا تاريخية العربية وامتناعها عن التطور, ذهنية العربية وموسيقيتها, حملية – لا حملية العربية, الإزدواجية اللغوية, الكتابة العربية.
وفي الخاتمة يذكر السمات التي حفل بها مشروع الجابري في تعامله مع العربية, وتاريخها مرجعا أسبابها إلى التأثر المفرط بمقولات (المركزية الغربية) فظل محبوسًا في نطاق تلك المقولات فحجب ذلك التأثر عن الجابري التطور المذهل الذي أحرزته العلوم الإنسانية عمومًا.
الصندوق الرمادي
وقرأ الكاتب محمد الرحبي عددا كبيرا من الكتب خلال عام 2012، واعتبرها كتبا مميزة؛ لأنها كذلك بالنسبة له، وشكلت إضافات حقيقية إلى تجربته القرائية، ويعتبر على المستوى المحلي مجموعة عبد العزيز الفارسي "الصندوق الرمادي" مميزة وجميلة، من خلال استخدام القاص أسلوب سرد يعتمد على السهل الممتنع، ويكتب الحكاية ببساطة، ولكنّها البساطة الصعبة، ويعتبر الالتقاطة الساحرة هي المتعة الأكثر جمالا في تعامله مع حكايات مجتمعه الصغير وتناقضاته، مستخدما أسلوبًا ساخرًا يجعل من القصة ثورة شعبية تنثال على شفاه البسطاء، فقراء أو أغنياء، يجمعهم تحت مظلة المكان احتياجهم للقص، والتسلية.
ويعتبر الرحبي الرواية "واحة الغروب" لبهاء طاهر الأجمل من بين أجمل الروايات التي قرأها من ضمن الكتب العربية لعام 2012، والتي فازت بجائزة البوكر العربية، وتعرف من خلالها على مكان في مصر لم يكتشفه في زياراته الكثيرة للمحروسة إلا من خلال "واحة الغروب" التي تتحدث عن واحة سيوة، والعادات والتقاليد والآثار والارتحال عليها عبر القوافل، مع أسلوب وتنوع سردي أخاذ، مع لغة صافية لا ترهق قارئها، بل تدفعه إلى احتضان الرواية وملاحقة أحداثها رغم جريان الوقت بين يديه، هي حكاية التقاليد في مواجهة الغرباء، والوطنية في صراعها مع الاستعمار، والناس.. الذين يضعون الحدود لذواتهم يحصنونها مخافة شيء ما، بدءًا من بطل الرواية محمود، وزوجته كاثرين، ثمّ أجواد الواحة.
اعترافات رجل لا يستحي
ويقول الكاتب والإعلامي سليمان المعمري: بادئ ذي بدء أنا لستُ من محبذي استخدام "أفعل التفضيل" عند الحديث عن القراءة ، فالكتاب الجيد هو الكتاب الذي تشعر بعد فراغك من قراءته أن شيئا فيك تغير، وأنك لم تعد أنت أنت بعد قراءته. وهذا قد يحدث مع أكثر من كتاب في السنة الواحدة، وتأثير كتاب أدبي عليك قد يكون معادلاً لتأثير كتاب فكري أو فلسفي أو ديني دون أن تكون قادراً على تحديد أي هذه الكتب تحبه أكثر أو أثّر فيك أكثر كما إنني تأثرتُ بأكثر من كتاب في عام 2012.. وربما كان لالتزامي بإعداد وتقديم البرنامج الإذاعي "كتاب أعجبني" دور في ذلك.. فضيوفي في هذا البرنامج لفتوا انتباهي لكتُب أعترف أنني ما كنتُ لأقرأ بعضها لولاهم .
ويضيف صحيح أنني اضطررتُ أحيانا لقراءة كتب لا أحبها أو البحث عنها، ولكنني في المقابل قرأتُ كتبا وأحببتُها لأنّ ضيفاً اقترحها عليّ، وما كنتُ أعرف عنها شيئا قبل أن يقترحها هذا الضيف، ككتاب "اعترافات رجل لا يستحي" للأديب العراقي المقيم في سويسرا سليم مطر على سبيل المثال لا الحصر الذي استعرتُه من قارئه القاص حمود الراشدي، ثم اشتريتُه من معرض الشارقة بعد ذلك لتكون لدي نسختي الخاصة بي، فهذا الكتاب هو سيرة روائية جريئة للكاتب تجنب فيها السرد التاريخي للحقبة التي عاشها، وهي النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتجنب كذلك السرد السياسي أو الاجتماعي، بل ركز أساساً على حياته هو ومعايشاته الشخصية الحميمة، مع وصف دقيق لأعماقه الداخلية بكل فطرتها وتقلباتها بصورة صريحة وجرأة نادرة، وهكذا توالى سرده عن موضوعات بعينها كالوطن والأب والأم والسينما والدين والهجرة والمرض والمحبة، رابطاً هذه الموضوعات - كما يقول ناشره - بتسلسل زمني خفي أشبه بموسيقى تصاحب فيلمًا بمجرد أن تفرغ من قراءة هذا الكتاب يراودك شعور بأنّ المحبة والتسامح هما أسمى ما في هذا الكون، وأنّه "أينما تتواجد المحبة تتواجد الحياة" كما يقول غاندي الذي يصدر به سليم مطر كتابه.
ويقول المعمري: كتابٌ آخر اختاره في برنامجي أحد ضيوفي، ولكنني في الحقيقة كنتُ أقتنيه قبل ذلك، ما دام محمد حسنين هيكل هو أهم كاتب صحفي عربي على قيد الحياة.. إنه كتاب "مبارك وزمانه: من المنصة إلى الميدان" الصادر عن دار الشروق المصرية مطلع هذا العام حيث هذا الكتاب كان رفيقي في السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع كتابين آخرين.. وأنا الآن لا أتذكر مدينة "لاس فيجاس" إلا ويقفز في ذهني هذا الكتاب الذي كان ينقلني في سفر آخر آنذاك إلى عوالم شخصية سياسية عربية كان لها تأثير على مصر والعالم العربي في الثلاثين سنة الأخيرة ألا وهو الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك.
وعن شرح المعمري للكتاب قال: يقول حسنين هيكل إن علاقته بمبارك كانت محدودة وفاترة، وفي كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة، وربما كان أطول ما فيها – طولاً وعرضاً - لقاء واحد بينهما تواصل لست ساعات كاملة، ما بين الثامنة صباحا إلى الثانية بعد الظهر يوم السبت 5 ديسمبر 1981، أي بعد شهرين من تولي مبارك الحكم خلفاً للرئيس الراحل أنور السادات، وأنه عندما يقرأ المرء تفاصيل ما دار في هذه الساعات الست يندهش من قدرة هيكل على رصد هذه التفاصيل وكأنها تحدث أمامه اليوم. لقد استعد هيكل لهذا الكتاب جيداً، فقد عاد إلى ملفاته وأوراقه وملاحظاته الكثيرة التي كان يحتفظ بها منذ سنوات طويلة واستطاع توظيفها بشكل ذكي في هذا الكتاب. ومن هذه الأوراق قصاصة لمقال منشور في جريدة الواشنطن بوست في 7 أكتوبر 1981.. يبدأ هذا المقال المنشور في اليوم التالي لاغتيال السادات بـ " أنّ الأخبار من القاهرة بعد اغتيال الرئيس السادات تشير إلى أن الرجل الذي سيخلفه هو نائبه حسني مبارك".. ثم تجيء جملة تستوقف هيكل تقول بالنص: "انه حتى هؤلاء الذين يقال إنّهم يعرفون مبارك هم في الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا ". يعلق هيكل على هذه الجملة بالقول إنه " الآن بعد ثلاثين سنة وقفتُ أمام هذه الجملة، وشيء ما في مكنونها يوحي بأنّها "مفتاح" المقال كله، لأننا بالفعل أمام رجل رأيناه كل يوم وكل ساعة، وسمعناه صباح مساء، واستعرضنا الملايين من صوره على امتداد ثلاثين سنة، لكننا لم نكن نعرفه، ولا نزال". ولعل هذا الكتاب لهيكل هو بداية التعرف بمبارك، نظراً للتفاصيل الكثيرة في حياة هذا الرئيس المصري التي جمعها هيكل من كثيرين بعضهم رؤساء دول ( فرانسوا ميتران)، وبعضهم مساعدون لمبارك ( المستشار أسامة الباز، حسين سالم، أشرف مروان) هذه التفاصيل التي كانت تصل لهيكل بصفته صحفيا ومحللا سياسيا كبيرا له الكثير من العلاقات المتشعبة. ورغم أنّ هذا الكتاب سياسي تاريخي إلا أنك تقرأه كأنه رواية أدبية مشوقة نظراً لبراعة أسلوب هيكل في عرض ما لديه من معلومات بلغة أدبية رفيعة.
من جهة أخرى قال سليمان: وإذا كان "مبارك وزمانه" رفيقي في أمريكا، فإن "تشظيات أشكال ومضامين" عبد الله حبيب كان رفيقي في الصين. كنتُ قد اقتنيتُ هذا الكتاب لدى صدوره عام 2009، ولأنّه من نوعية الكتب التي يمكن أن تقرأها من أي صفحة، فلا أذكر أنني قرأتُه كاملاً من الغلاف إلى الغلاف إلا في رحلتي إلى الصين خلال شهر سبتمبر الماضي.. يضم الكتاب 343 شذرة من يوميات مختلفة كُتِب معظمها في عقد التسعينيات، وهي فترة خصبة في حياة عبدالله حبيب الكاتب والإنسان، إذ أنّها الفترة التي عاش فيها في أمريكا دارساً للفلسفة في جامعة سان دييجو، ثم باحثاً في الدراسات النقدية السينمائية في كاليفورنيا، علاوة على أنّها فترة النضج الكتابي لديه. نستطيع القول بثقة إنّ هذا الكتاب يلخص عبدالله حبيب كاتباً وإنسانا، إذ تجد فيه عبدالله حبيب "العاشق، المتمرد، الخجول، الجريء، الثائر، الحنون، الشفيف، الغريب، الأليف، المغترب، المرهف، المتيَّم والميتم، والمعذب بالأسئلة الأزلية الموجعة والخسارات الأبدية الأليمة " وأنا هنا أقتبس حرفياً من شهادة جميلة كتبها ناصر صالح عن عبدالله حبيب.. إنه - أي عبدالله - لا يعيش الحياة بل يحملها على كتفه كما كتب في إحدى يوميات الكتاب، والكتابة لديه لا تنفصل عن الحياة إلى الدرجة التي تبعثه على التساؤل : "أيهما يقلد الآخر - يسببه بالأحرى؟ -: الكتابة أم الحياة؟ أيّهما يتنبأ بالآخر ويسوقه إلى المصرع؟". عند عبد الله حبيب " لا تغني الكتابة عن الحياة ولكنها تغني عن الموت". ولذلك فهو لا يتعامل معها باستخفاف أو استسهال، لأنّ " الكتابة هي التثقل وليس التخفف، فتثقلوا ما استطعتم حتى تصير الأرض خفيفة بعض الشيء". وما يلفت النظر هنا أنّه لا يؤرخ اليومية أو يذكر مكانها إلا إذا رأى أنّ ذكر التاريخ والمكان يمثل ضرورة بنيويةً للنص.
الهند نهضة عملاق آسيوي
وتعتبر القاصة بشرى خلفان كتاب الهند نهضة عملاق آسيوي للمؤرخ الألماني ديمتر روذرموند من إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون هو رؤية فاحصة في أسباب تقدم الهند ونهضتها الحديثة وتحولها من دولة ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني إلى واحدة من أهم دول العالم وأقواها اقتصاديا خاصة فيما يعرف باقتصاد المعرفة في هذا القرن.
وأشارت بشرى إلى أنّ من الفصول الملفتة للانتباه في الكتاب هو الفصل الأول والمعني بتتبع تاريخ بناء الدولة الديمقراطية في الهند، ونجاح هذه التجربة في ظل تحدي التعدد الإثني والطبقي للمجتمع الهندي، وما لهذا النجاح من انعكاسات على نهضة الهند ومن مقولات الكاتب الملفتة " تستند ثقة رجال الأعمال الهنود إلى نظام حكم ديمقراطي مستقر، إنه ليس استقرار دولة جامدة، لكنه ينبثق من التأقلم المستمر مع أوضاع جديدة".
وأضافت: قد يكون هذا الكتاب أهم كتاب قرأته في عام 2012 لأنّه استطاع تقديم إجابات معقولة عن كثير من الأسئلة التي كانت تجول في خاطري حول نجاح التجربة الديموقراطية في الهند وأسبابها وتحدياتها وأنعكاس أثرها على النهضة الهندية.
رواية الخلود
ويقول الكاتب هلال البادي: هناك كتب تظل في الذاكرة لأنّها قدمت جديدًا للذات والروح، وفي عام 2012 قرأت الكثير من هذه الكتب أغلبها روايات إبداعية جميلة كأصحابها ومن أبرز هذه الأعمال رواية الخلود لميلان كونديرا حيث إنّ الكاتب لا يكتب الرواية كما نعرفها إنما يعيد بناء مفاهيمنا للفن والأدب والحياة
وأضاف هناك أعمال أخرى كـ "وراء الفردوس" لمنصورة عز الدين أو "شارع أبليس" لامين زاوي وآخر الكتب الجميلة التي قرأتها كان كتاب أنيس النقاش أسرار خلف الأستار وهو كتاب مهم لمن يبحث عن تاريخ قريب ما زال يؤسس لأحداث اليوم.
الآخرون
وقال الأديب والكاتب محمد عيد العريمي: هناك رواية قوية وهناك رواية جميلة. قوة الرواية تكمن في موضوعها، وجمال الرواية يكمن في لغتها، وليس بالضرورة أنّ كل رواية قوية جميلة، ورواية "الآخرون" لكاتبة وأديبة سعودية فضلت الوقوف خلف اسم من قبل مستعار "صبا الحرز" جمعت بين الميزتين القوة والجمال، وإن كانت قوة القوة الموضوع هنا تكمن في شجاعة الكاتبة وجراءتها في تناول ظاهرة اجتماعية غير سوية.
وأضاف العريمي يذكر أنّ "صبا الحرز" ليست الكاتبة الأولى التي تجرأت وكشفت بكل صراحة، ما يحدث خلف الأبواب المغلقة من سلوك مستهجن للغاية في مجتمع محافظ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمرأة؛ فقد سبقتها أديبات أخريات، إلا أنهن لجأن إلى الترميز والغموض في تناول الموضوع نفسه!
وقال العريمي: أجمل رواية قرأتها هذا العام "الآخرون" ويتعذر عليّ الحديث عنها بإسهاب فقلم الرقيب الاجتماعي داخلنا، مهما حاولنا الهروب عنه، يلاحقنا والنفاق الاجتماعي الذي نمارسه أصبح عادة يصعب التخلص منها؛ فما نقوله خلف الأبواب المغلقة، ونتشدق به في جلساتنا الخاصة تخوننا الشجاعة في الإعلان عنه جهاراً كي لا نخدش حياء المجتمع ونثير حفيظة من لا يرون في طيف الألوان غير الأسود والأبيض، وبيدهم حق تصنيف البشر إلى "طاهر وعاه...".
ويضيف: لعل لغة الرواية الشيّقة والسلسة والفضول "المعرفي" للاقتراب أكثر من عالم "نساء الظل" المكبل بالقمع والكبت والإرهاب، جعلت من قراءتي لهذه الرواية متعة لغة وتجربة، الأمر الذي يجعلنا نتعاطف مع بطلة القصة، رغم رفضنا الشديد لطريقتها في الانتقام من جسدها المعتل بأكثر من مرض عضوي، والصراع النفسي الذي تعاني منه بين الرغبة الفسيولوجية الملحة والواعز الاجتماعي والديني!
وأشار العريمي: يبقى أنّ استعادة بطلة القصة لذاتها السوية عبر علاقة عاطفية كاملة مع شاب يشي اسمه "عمر" إلى انتمائه لـ"الآخرين" يلقي بظلال من الشك على علاقة المؤلفة بالمجتمع، والمكان الذي وقعت فيه أحداث الرواية.. لاسيما وأنّ المؤلفة ظلت طوال زمن السرد تربط بين اهتمامات بنات محيط بطلة القصة الاجتماعي من زميلات دراسة.
خارج السرب
وتقول الكاتبة جوخة الحارثي: ليس الحديث عن أكثر الكتب تميزًا من التي قرأتها في 2012 سهلا، فهناك العديد من الكتب التي تركت في أثرا، ولكن إن كان لا بد من الاختيار سيكون اختياري كتاب الأستاذ الدكتور فهمي جدعان الموسوم بـ "خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية"، وقد صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، في بيروت، عام 2010. يتألف الكتاب من مقدمة وستة فصول هي: في النسوية الإسلاميّة، مرافعة امرأة غاضبة، قفص العذارى، تلفزيون شاذ واجتهاد امرأة مسلمة، العروس الغريبة والأنا الطاردة، معركة التنوير، ويقع الكتاب في 280 صفحة.
وتضيف الحارثية يميز الكاتب تمييزًا مهمّا بين "الإصلاحية الإسلامية" التي ارتفعت أصواتها في القرن العشرين مطالبة بفهم مسوغ للنصوص الإسلامية "المشكِلة" على ضمير الإنسان الحديث بشأن المرأة، و"النسوية" التي تحاول تجاوز النصوص أو تعليقها أو تعديل الفهم. وتبعا لهذا التمييز الأولي يخلص الكاتب إلى التمييز الثاني الأكثر أهميّة بين "النسوية التأويلية"، و"النسوية الرافضة"، ذاهبا إلى أنّ الثانية ترفض الدين جملة وتفصيلا، في حين تدعو الأولى إلى الرجوع إلى القرآن نفسه وإعادة قراءته قراءة غير حرفية وغير ظاهرية، ليتبيّن خطأ القراءة التقليدية "الذكورية" للقرآن، وعدم مشروعية استبعاد النساء من المجالات الدينية والعامة، وقد عززت النسوية التأويلية مناهجها في الاجتهاد باستخدام الآليات اللسانية والتاريخ والتحليل الأدبي وعلم الاجتماع، وخلصت إلى أنّ أشكال عدم المساواة بين الرجل والمرأة الشاخصة في الشريعة الإسلامية ليست مظاهر للإرادة الإلهية، وإنّما هي تركيبات إنسانية، وعناصر تمييز استخلصها الفقهاء "الذكور" لمنفعتهم. فالنسوية الإسلامية التأويلية هي منهج في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والنصوص الدينية وتأويلها وتأسيس حقوق النساء بطريقة لا تُخرج أصحابها من حدود الدين. وقد ضرب الكاتب أمثلة لهذا الفكر التأويلي بأطروحات أمينة ودود، وأسماء برلاس، ورفعت حسن، بل إنّ رجالا ينضوون تحت لواء النسوية التأويلية أبرزهم طارق رمضان المعني بقضية اندماج المسلمين في البيئات والثقافات الغربية التي اختاروا أن يعيشوا فيها، وأن يحافظوا على عقيدتهم في الوقت نفسه، غير أنّ كتاب "خارج السرب" لم يفصل الحديث عن طارق رمضان أو أي "ذكور" غيره، فهو متجه أساسًا لنقد النسوية عبر أطروحات النساء المنظرات لها، ومن الجدير بالذكر أنّ الفصل الأول من الكتاب المخصص للنسوية التأويلية يبدو غير مشمول نوعًا ما بعنوان الكتاب الإقصائي: خارج السرب، فالكاتب "متعاطف" مع أطروحات النسويات التأويليات، ولذا فمسألة بقائهن "داخل" السرب، أو خروجهن ّعنه غير محسومة.
وأشارت الحارثية إذا كان المؤلف قد خصص الفصل الأول "الطويل" من كتابه للنسوية الإسلامية التأويلية، فقد خصص الفصول المتبقية لما أسماه بـ "النسوية الإسلامية الرافضة"، مبينا بوضوح أنّ الهدف من النظر فيها هو الفهم والتقييم النقدي وليس الترويج لدعواها، ويوضح المؤلف بدقة وحسم أنّ الاختلاف معطى انساني وأمر واقعي، من الحكمة ألا تتم مقاربته بفتاوي القتل والتكفير – كما حدث لسلمان رشدي وتسليمة نسرين ونصر حامد أبو زيد- وإنما بالمناقشة والتداول العقلي المعرفي.
وتؤكد لقد نجم تيار "النسوية الإسلامية الرافضة" من اصطدام "النسويات الرافضات" بالحرية في الغرب بعد الخضوع لجملة من الممارسات القمعية في الدول المسلمة. ويناقش المؤلف في فصول كتابه اللاحقة أطروحات كل من تسليمة نسرين، وأيان حرسي، ونجلاء كيليك، ويختتم فهمي جدعان كتابه بتخصيص الفصل الأخير الذي عنونه بـ "معركة التنوير" لمناقشة ومحاجة منطلقات ونتائج النسويات الأربع الرافضات اللواتي بسط أطروحاتهنّ في الفصول السابقة. ويمكن القول إن نقده لهذه الأطروحات يرتكز على ثلاثة محاور: المكان الذي انطلقت منه وهو فضاءات الغرب، وغياب البعد التأويلي لقراءة النص، والجذور النفسية الشخصية. وفي رأيي أنّ كتاب "خارج السرب" لفهمي جدعان جدير بالقراءة والمناقشة، ويمكننا النظر إليه من حيث هو كتاب في تشخيص حاضر الإسلام والمسلمين، وفي تفحص مستقبلهم ومصيرهم، ولا شك أن اعتماده على مبدأ: "الحرية الفكرية ليس لها من راد سوى الحرية الفكرية النقدية"، جعلت الكتاب ثريًا في المعلومات والتحليلات وسادًا لثغرة كبيرة في هذا النوع من الدراسات.

المعمري: الكتاب سيرة روائية جريئة للكاتب تجنّب فيها السرد التاريخي للحقبة التي عاشها-
بشرى: الكتاب رؤية فاحصة في أسباب تقدم الهند ونهضتها الحديثة-
البادي: الكتاب يعيد بناء مفاهيمنا للفن والأدب والحياة-
العريمي: الكتاب يبيّن شجاعة الكاتبة وجراءتها في تناول ظاهرة اجتماعية غير سويّة.-
الحارثية: الكتاب بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية-
الرؤية- أحمد الجهوري-
اختلفت الآراء بين الكتاب والادباء حول اختيارهم لأفضل كتاب لعام 2012 من بين الكتب التي تصدرعن دوائر النشر والتوزيع، وتباينت آراؤهم فمنهم من وجد نفسه بين الكتب الأدبية والدينية والاجتماعية والفلسفة، وغيرها من الاختصاصات ومنهم من تردد في اختيار كتاب معين مما قراءه لهذا العام و شارك باختيار أكثر من كتاب نال على أعجابه واستحسانه.
ثورة التجديد
ويعتبر الدكتور سعيد سليم الكيتاني، كتاب (ثورة التجديد) للدكتور عائض القرني من الكتب التي قرأها خلال هذا العام 2012م وحازت على أعجابه، وهو من إصدارات هذا العام عن مكتبة العبيكان للنشر والتوزيع وقال عنه: هو عبارة عن عدد كبير من مقالات صحفية نشرها المؤلف خلال العشرين سنة الماضية كما يذكر في مقدمة الكتاب، حيث لا يتضمن الكتاب فصولاً وأبواباً ومحاور ومجالات، بل عمد المؤلف إلى نشر المقالات منثورة في ثنايا الكتاب باختلاف موضوعاتها ومجالاتها، فمنها الاجتماعية ومنها الدينية ومنها السياسية ومنها التعليمية ومنها الفكرية ومنها الفقهية ومنها الاقتصادية وغيرها، وكما تعوّد الدكتور عائض القرني في كتاباته كسر الملل وتحفيز الذهن، وجذب القارئ إلى المحتوى المتخم بالفوائد الاجتماعية والفكرية والعلمية والدينية بأسلوب لغوي رصين وشائق وبسيط وواقعي .
وأضاف الكيتاني: عنوان الكتاب يهدف أساساً إلى تجديد الفكر وتطوير واقع المسلمين اليوم على كافة الأصعدة، وهو بذلك حق له أن يُعنون بهذا العنوان فالموضوعات التي تتناولها مقالات الكتاب عبارة عن مسائل وقضايا تمس واقع حياة الناس في المجتمعات الإسلامية، ويستعرضها المؤلف بأسلوب ناقد إيجابي جريء، وأحياناً بأسلوب ساخر يعكس جهل الناس بدينهم وتأويلهم لنصوص الدين بصورة خاطئة، الأمر الذي ينعكس سلباً على الممارسات الدينية والاجتماعية على كافة المستويات، وأشار إلى أن المؤلف بذلك يطور نظريته الخاصة لتفسير التحديات الكبرى التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم، ويرسم معالم الطريق نحو الصحوة والنهضة الإسلامية الشاملة بموضوعية ومنهجية وصفية تحليلية تنم عن فهم عميق لديناميكيات المجتمع المسلم، ورؤية تحليلية ناقدة لأوضاع العالم الغربي، الذي يسعى للهيمنة على المجتمعات والثقافات الأخرى ومحتويات الكتاب تستعرض من خلال تصنيف مقالات الكتاب عددا من المجالات العامة، وفي طليعتها مجال العقيدة، فالمؤلف تناول هذا المجال عددا من المقالات، تتضمن على سبيل المثال الرد على الإلحاد والملحدين الذين ينفون وجود الله عز وجل، ويعتبر أن الكاتب تناول الموضوع بأسلوب منطقي عصري بعيداً عن الطرح الكلاسيكي المعتاد، حيث استند في تناوله للموضوع إلى وقائع وأحداث وقعت في هذا العصر الذي نعيشه ومن ذلك مثلاً يسرد المؤلف مقالا بعنوان (أكبر كذبة في التاريخ) قصة وردت في مذكرات الرئيس جورج بوش الأب (سيرة إلى الأمام) مفادها أنّ المذكور "زار موسكو لحضور جنازة رئيس الاتحاد السوفيتي الأسبق برجنيف قال فوجدت الجنازة مظلمة لا نور عليها لأنّهم لا يؤمنون بالله، ولأن بوش نصراني وهم ملاحدة"، كما تتضمن مقالات هذا الباب قضايا أخرى حول العقيدة الصحيحة والممارسات الاجتماعية اليوم التي تعكس فساد العقيدة لدى بعض المسلمين.
وأشار الدكتور إلى أنّ الكتاب يشمل مقالات تنتمي لمجال التطوير الاجتماعي المبني على العقيدة الصحيحة، وأن الكاتب ينطلق في هذا المجال من قناعته الراسخة بأنّه "ليس هناك حدث وقع في التاريخ غيّر في عالم المعتقد والسياسة والعلم والفكر والأدب والاقتصاد كحدث إرسال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم للعالم"، ويرى أنّ "كل الأحداث التاريخية التي كان لها تغيير وتحرير كانت في جانب من الجوانب وفي حقل من الحقول ثم إنّ غالبها أرضية بلا وحي من الله، وهي محدودة التأثير بالزمان والمكان والبشر إلاّ رسالته صلى الله عليه وسلم فإنّها لكل زمان ومكان ولعامة البشر ولكل جانب من جوانب الحياة ولهذا أنصف من جعله صلى الله عليه وسلم الأول بين مصلحي ومحرري العالم، كالكاتب الأمريكي مايكل هارث في كتابه (العظماء المئة) وغيره من الكتاب"، ويدعو المؤلف من خلال مقالات هذا المجال "الساسة العرب والعلماء والمفكرين والكتاب والنوابغ إلى العودة الجادة الصادقة لفهم الإسلام فهما صحيحا، ودراسة الكتاب والسنة دراسة صادقة جادة"، وأن من المجالات المهمة التي يتناولها الكتاب مجال نشر ثقافة التسامح والتعايش مع الآخرين سواء كانوا يشاركوننا المعتقد أو يخالفوننا فيه فنحن وإيّاهم- حسب تعبير الكاتب- "نعيش على كوكب واحد وبيننا مصالح مشتركة ومنافع متداخلة ويربطنا بهم حق الإنسان على الإنسان وواجب البشر تجاه البشر، فيحسن بنا أن نريهم الوجه الجميل للإسلام البريء من العنف والفظاظة والغلظة والاحتقار والكبت والقهر؛ لأن الله أمرنا بالحكمة في الدعوة واللين في الخطاب والرفق في المعاملة"، حيث يقدم المؤلف عبر مقالات هذا المجال منهجية إسلامية واضحة للتعامل مع الآخر والتحاور معه بغض النظر عن معتقده، وهو يستخلص تلك المنهجية من سيرة السلف والمتقدمين من المسلمين؛ الذين استطاعوا بالكلمة الطيبة أن ينشروا الإسلام ويصلون به إلى مشارق الأرض ومغاربها، ويدعو المؤلف دعاة اليوم إلى الاستفادة من التاريخ والابتعاد عن الأساليب المنفرة التي تسيء إلى الإسلام أكثر من كونها تخدم الإسلام وتقدمه للناس كمنهج للحياة في كل زمان ومكان.
ويضيف الكيتاني أنّ الكتاب تناول مجالاً آخر تعالج مقالاته أسباب تأخر العرب رغم امتلاكهم كل أسباب التقدم والتطور الحضاري والرقي المادي، وأن أبرز أسباب التخلف هي: الجهل والاستبداد والاختلاف؛ لأنّ الجهل جعلهم يعرضون عن المعرفة وطلب العلم ويتخلون عن القراءة والاطلاع والبحث رغم وضوح النصوص الشرعية الداعية إلى ذلك، والاستبداد جعلهم ينفردون بالرأي ويعطلون عمل المؤسسات وينصرفون عن الاستماع إلى آراء الحكماء والعقلاء، والاختلاف جعلهم أعداء لأنفسهم ومصالحهم إلى حد نشوب الصراعات بينهم والتناحر والاعتداء بعضهم على بعض كما حصل في مناطق التوترات السياسية بين العرب، ويذهب المؤلف إلى أن العرب لن ينهضوا من كبوتهم إلاّ بالإيمان والعلم والعدل والوحدة وأن من مظاهر تخلف العرب عدم اهتمامهم بلغتهم العربية، وهو يعالج هذا الموضوع ضمن عدد من المقالات التي تحذر من خطورة "مد التغريب الزاحف والعامية الجارفة"، وتشير إلى حرص العديد من الشباب على استخدام الألفاظ والتعبيرات الأجنبية في أحاديثهم اليومية ليظهروا للناس أنهم مثقفون ثقافة أجنبية وهم بذلك يساهمون في ضعضعة مكانة اللغة العربية في مجتمعاتهم علموا أو لم يعلموا، كما يشير المؤلف ضمن مقالات هذا المجال إلى خطورة العمالة الوافدة على اللغة العربية بسبب انتشار الأجانب في دول الخليج العربية، وعلى وجه الخصوص يشير المؤلف إلى عاملات المنازل وتأثيرهن السلبي على نشأة الأطفال بسبب استخدامهن للغاتهن على حساب اللغة العربية، ولمواجة هذا الخطر على اللغة العربية يدعو المؤلف كل عربي غيور أن يهب لنصرة اللغة العربية، ويقترح بعض الأساليب الحديثة التي تساعد على القيام بهذه المسؤولية القومية في شتى ميادين العمل وعلى كافة المستويات.
وأشار الكيتاني: من الناحيه الاجتماعية خصص مؤلف الكتاب عدداً من المقالات تتناول قضايا الأسرة والمرأة والطفل وغيرها، وهي تتضمن الإشارة إلى المشكلات الأسرية الشائعة في المجتمعات الخليجية وفي طليعتها الأساليب الخاطئة لتربية الأطفال والإساءات التي يتعرضون لها من قبل بعض الآباء الذين نزع الله الرحمة من قلوبهم، والإساءة للزوجات ومعاملتهن معاملة سيئة تخالف تعاليم الدين الإسلامي، ويقدم المؤلف أمثلة عديدة لحوادث حقيقية وقعت لبعض الأطفال والنساء، ويرى أنّ السلطات المعنية في كل مجتمع يجب أن تكون أكثر شدة وحزماً مع مثل هذه القضايا، كما يقدم للقارئ عدداً من النماذج المشرقة للتعامل الأسري المتناغم مع تعاليم ديننا الحنيف لتكون قدوة يقتدي بها كل مسؤول عن أسرة في مجتمعاتنا المعاصرة من أجل تحقيق الاستقرار الأسري الذي يدعو إليه الإسلام.
وتطرق الكيتاني إلى أن الكاتب من خلال سطور كتابه في مجال التنمية البشرية أوردعدداً من المقالات، التي تتحدث عن التفاؤل والتغيير والابتعاد عن الهموم والحسد، وفن الحياة والنجاح والفشل، وغيرها من الموضوعات المماثلة، وهي كلها موضوعات يعالجها المؤلف بأسلوب يجمع بين الآثار وبين نماذج واقعية مستقاة من الحياة المعاصرة، فحول موضوع النجاح على سبيل المثال يرى المؤلف أنّ الناجح لا ينتظر الظروف لأنّه بهمته وعزيمته ييسر الله له الظروف الملائمة؛ بينما الفاشل هو من يتحجج بالظروف ويتراجع أمام العقبات ولا يبذل الجهد الكافي للتغلب على الصعوبات والمضي قدما في مشاريعه ومبادراته، وبالتالي فإنّ كلاً منهما ينال نصيبه حسب نيته وسلوكه في الحياة، ويضرب المؤلف لذلك مثلاً طريفاً حيث يروي أنّه "التقى الحصان والحمار فقال الحمار للفرس: لو خففت من الجري، فقد أتعبت نفسك، قال الحصان: أنا لما أسرعت في الجري ركبني الملوك وأنت لما أبطأت في السير حملوا عليك الروث والحطب"!!
وأشار تناول الكتاب عدداً من المقالات التي تناولت مجمل القضايا السياسية في المجال السياسي التي ركزت عليها وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة والتي تمس العرب والمسلمين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومنها على سبيل المثال قضية (الإرهاب) ومن أبرز الموضوعات المرتبطة بهذه القضية موضوع تعريف الإرهابي حيث يتساءل المؤلف: من هو الإرهابي؟ ويجيب عن هذا التساؤل من خلال استعراض عدد من الأمثلة للإرهاب الغربي مثل إنتاج الأفلام المسيئة للإسلام التي تتضمن تزييفاً للحقائق، واحتلال العراق وتدميره وقتل أبنائه ومحاولة إبادة الشعب الفلسطيني واجتياح أفغانستان وتجويع أهلها وغير ذلك من الجرائم التي لا حصر لها في شتى أنحاء العالم، ويقارن المؤلف كل ذلك بتعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى السلام وتحرم تعذيب الحيوان وتنذر من يقتل مؤمناً متعمداً بدخول النار خالداً مخلداً فيها.
واختتم الدكتور سعيد بأنّ موضوعات الكتاب بشكل عام تعكس هموم المسلم المعاصر، وتقترح الإستراتيجيات المناسبة للتعامل مع العديد من القضايا والمسائل الحيوية التي تهم المسلم اليوم، وهي كلها مستعرضة بأسلوب لغوي ظريف لا يمل القارئ من قراءتها، ومعالجة بطريقة عصرية تضع القارئ في سياق حاضره وواقعه، وهي إلى جانب ذلك قصيرة في مبناها قصراً ليس مخلاً، بل مناسباً لنبض الحياة المعاصرة السريع، حيث لا يحتاج المرء أكثر من خمس دقائق لقراءة أي موضوع من موضوعات الكتاب.
معضلة اللغة العربية بين الجابري وطرابيشي
وقال الشاعر والكاتب والمسرحي العراقي عبدالرزاق الربيعي: إنّ كتاب" معضلة اللغة العربية بين الجابري وطرابيشي" من أفضل الكتب التي قرأها في عام 2012 فهو ّ""دراسة نقدية تحليلية لمشكلات العربية في الفكر العربي الحديث " للدكتور وليد محمود خالص الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وبه يناقش الدكتور وليد محمود خالص هموم العربية التي أثارها الجابري ّوعقّب عليه فيها طرابيشي مستعينا "بطرابيشي, وبتماس مباشر مع العربية زاد على أربعين سنة قاصدًا تعديل الميزان الذي اضطرب بيد الجابري, فكان لابد من هذا التعديل لكي تستقيم الأمور إلى حدّ ما " كما يشير المؤلف.
وأضاف الربيعي قد لاحظ خالص أنّ هناك بعض القضايا التي لم يتسنّ لطرابيشي الوقوف عندها , لإنشغاله بمشروع الجابريّ برمّته لذا أثار إشكاليات جديدة متتبعا الجابري "منذ أفكاره الأولى التي أسس بها لما يريد الوصول إليه من تبخيس للعربية وردود طرابيشي عليه .. فأعاد قراءة مشروعي (الجابري) و(طرابيشي) ولكن بوعي جديد ونظرة مغايرة عن تلك التي قرأ بهما في المرات السابقة " كما يؤكد قاصدا الفحص والتفكيك والكشف في كتاب من بابين حمل الأول عنوان "في جذور الشجرة, وساقها, وفروعها" وضم ستة فصول هي: الجابري, طرابيشي العربية لماذا؟, الجذور, ساق الشجرة - معطيات الجابري, الفرع الأول- المعاجم العربية, الفرع الثاني - القطيعة مع القرآن والحديث النبوي , الفرع الثالث - العربية بين البداوة والحضارة, وحمل الباب الثاني عنوان: في ثمار الشجرة وتألف من ستة فصول هي: طبيعة العربية الحسية, لا تاريخية العربية وامتناعها عن التطور, ذهنية العربية وموسيقيتها, حملية – لا حملية العربية, الإزدواجية اللغوية, الكتابة العربية.
وفي الخاتمة يذكر السمات التي حفل بها مشروع الجابري في تعامله مع العربية, وتاريخها مرجعا أسبابها إلى التأثر المفرط بمقولات (المركزية الغربية) فظل محبوسًا في نطاق تلك المقولات فحجب ذلك التأثر عن الجابري التطور المذهل الذي أحرزته العلوم الإنسانية عمومًا.
الصندوق الرمادي
وقرأ الكاتب محمد الرحبي عددا كبيرا من الكتب خلال عام 2012، واعتبرها كتبا مميزة؛ لأنها كذلك بالنسبة له، وشكلت إضافات حقيقية إلى تجربته القرائية، ويعتبر على المستوى المحلي مجموعة عبد العزيز الفارسي "الصندوق الرمادي" مميزة وجميلة، من خلال استخدام القاص أسلوب سرد يعتمد على السهل الممتنع، ويكتب الحكاية ببساطة، ولكنّها البساطة الصعبة، ويعتبر الالتقاطة الساحرة هي المتعة الأكثر جمالا في تعامله مع حكايات مجتمعه الصغير وتناقضاته، مستخدما أسلوبًا ساخرًا يجعل من القصة ثورة شعبية تنثال على شفاه البسطاء، فقراء أو أغنياء، يجمعهم تحت مظلة المكان احتياجهم للقص، والتسلية.
ويعتبر الرحبي الرواية "واحة الغروب" لبهاء طاهر الأجمل من بين أجمل الروايات التي قرأها من ضمن الكتب العربية لعام 2012، والتي فازت بجائزة البوكر العربية، وتعرف من خلالها على مكان في مصر لم يكتشفه في زياراته الكثيرة للمحروسة إلا من خلال "واحة الغروب" التي تتحدث عن واحة سيوة، والعادات والتقاليد والآثار والارتحال عليها عبر القوافل، مع أسلوب وتنوع سردي أخاذ، مع لغة صافية لا ترهق قارئها، بل تدفعه إلى احتضان الرواية وملاحقة أحداثها رغم جريان الوقت بين يديه، هي حكاية التقاليد في مواجهة الغرباء، والوطنية في صراعها مع الاستعمار، والناس.. الذين يضعون الحدود لذواتهم يحصنونها مخافة شيء ما، بدءًا من بطل الرواية محمود، وزوجته كاثرين، ثمّ أجواد الواحة.
اعترافات رجل لا يستحي
ويقول الكاتب والإعلامي سليمان المعمري: بادئ ذي بدء أنا لستُ من محبذي استخدام "أفعل التفضيل" عند الحديث عن القراءة ، فالكتاب الجيد هو الكتاب الذي تشعر بعد فراغك من قراءته أن شيئا فيك تغير، وأنك لم تعد أنت أنت بعد قراءته. وهذا قد يحدث مع أكثر من كتاب في السنة الواحدة، وتأثير كتاب أدبي عليك قد يكون معادلاً لتأثير كتاب فكري أو فلسفي أو ديني دون أن تكون قادراً على تحديد أي هذه الكتب تحبه أكثر أو أثّر فيك أكثر كما إنني تأثرتُ بأكثر من كتاب في عام 2012.. وربما كان لالتزامي بإعداد وتقديم البرنامج الإذاعي "كتاب أعجبني" دور في ذلك.. فضيوفي في هذا البرنامج لفتوا انتباهي لكتُب أعترف أنني ما كنتُ لأقرأ بعضها لولاهم .
ويضيف صحيح أنني اضطررتُ أحيانا لقراءة كتب لا أحبها أو البحث عنها، ولكنني في المقابل قرأتُ كتبا وأحببتُها لأنّ ضيفاً اقترحها عليّ، وما كنتُ أعرف عنها شيئا قبل أن يقترحها هذا الضيف، ككتاب "اعترافات رجل لا يستحي" للأديب العراقي المقيم في سويسرا سليم مطر على سبيل المثال لا الحصر الذي استعرتُه من قارئه القاص حمود الراشدي، ثم اشتريتُه من معرض الشارقة بعد ذلك لتكون لدي نسختي الخاصة بي، فهذا الكتاب هو سيرة روائية جريئة للكاتب تجنب فيها السرد التاريخي للحقبة التي عاشها، وهي النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتجنب كذلك السرد السياسي أو الاجتماعي، بل ركز أساساً على حياته هو ومعايشاته الشخصية الحميمة، مع وصف دقيق لأعماقه الداخلية بكل فطرتها وتقلباتها بصورة صريحة وجرأة نادرة، وهكذا توالى سرده عن موضوعات بعينها كالوطن والأب والأم والسينما والدين والهجرة والمرض والمحبة، رابطاً هذه الموضوعات - كما يقول ناشره - بتسلسل زمني خفي أشبه بموسيقى تصاحب فيلمًا بمجرد أن تفرغ من قراءة هذا الكتاب يراودك شعور بأنّ المحبة والتسامح هما أسمى ما في هذا الكون، وأنّه "أينما تتواجد المحبة تتواجد الحياة" كما يقول غاندي الذي يصدر به سليم مطر كتابه.
ويقول المعمري: كتابٌ آخر اختاره في برنامجي أحد ضيوفي، ولكنني في الحقيقة كنتُ أقتنيه قبل ذلك، ما دام محمد حسنين هيكل هو أهم كاتب صحفي عربي على قيد الحياة.. إنه كتاب "مبارك وزمانه: من المنصة إلى الميدان" الصادر عن دار الشروق المصرية مطلع هذا العام حيث هذا الكتاب كان رفيقي في السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع كتابين آخرين.. وأنا الآن لا أتذكر مدينة "لاس فيجاس" إلا ويقفز في ذهني هذا الكتاب الذي كان ينقلني في سفر آخر آنذاك إلى عوالم شخصية سياسية عربية كان لها تأثير على مصر والعالم العربي في الثلاثين سنة الأخيرة ألا وهو الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك.
وعن شرح المعمري للكتاب قال: يقول حسنين هيكل إن علاقته بمبارك كانت محدودة وفاترة، وفي كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة، وربما كان أطول ما فيها – طولاً وعرضاً - لقاء واحد بينهما تواصل لست ساعات كاملة، ما بين الثامنة صباحا إلى الثانية بعد الظهر يوم السبت 5 ديسمبر 1981، أي بعد شهرين من تولي مبارك الحكم خلفاً للرئيس الراحل أنور السادات، وأنه عندما يقرأ المرء تفاصيل ما دار في هذه الساعات الست يندهش من قدرة هيكل على رصد هذه التفاصيل وكأنها تحدث أمامه اليوم. لقد استعد هيكل لهذا الكتاب جيداً، فقد عاد إلى ملفاته وأوراقه وملاحظاته الكثيرة التي كان يحتفظ بها منذ سنوات طويلة واستطاع توظيفها بشكل ذكي في هذا الكتاب. ومن هذه الأوراق قصاصة لمقال منشور في جريدة الواشنطن بوست في 7 أكتوبر 1981.. يبدأ هذا المقال المنشور في اليوم التالي لاغتيال السادات بـ " أنّ الأخبار من القاهرة بعد اغتيال الرئيس السادات تشير إلى أن الرجل الذي سيخلفه هو نائبه حسني مبارك".. ثم تجيء جملة تستوقف هيكل تقول بالنص: "انه حتى هؤلاء الذين يقال إنّهم يعرفون مبارك هم في الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا ". يعلق هيكل على هذه الجملة بالقول إنه " الآن بعد ثلاثين سنة وقفتُ أمام هذه الجملة، وشيء ما في مكنونها يوحي بأنّها "مفتاح" المقال كله، لأننا بالفعل أمام رجل رأيناه كل يوم وكل ساعة، وسمعناه صباح مساء، واستعرضنا الملايين من صوره على امتداد ثلاثين سنة، لكننا لم نكن نعرفه، ولا نزال". ولعل هذا الكتاب لهيكل هو بداية التعرف بمبارك، نظراً للتفاصيل الكثيرة في حياة هذا الرئيس المصري التي جمعها هيكل من كثيرين بعضهم رؤساء دول ( فرانسوا ميتران)، وبعضهم مساعدون لمبارك ( المستشار أسامة الباز، حسين سالم، أشرف مروان) هذه التفاصيل التي كانت تصل لهيكل بصفته صحفيا ومحللا سياسيا كبيرا له الكثير من العلاقات المتشعبة. ورغم أنّ هذا الكتاب سياسي تاريخي إلا أنك تقرأه كأنه رواية أدبية مشوقة نظراً لبراعة أسلوب هيكل في عرض ما لديه من معلومات بلغة أدبية رفيعة.
من جهة أخرى قال سليمان: وإذا كان "مبارك وزمانه" رفيقي في أمريكا، فإن "تشظيات أشكال ومضامين" عبد الله حبيب كان رفيقي في الصين. كنتُ قد اقتنيتُ هذا الكتاب لدى صدوره عام 2009، ولأنّه من نوعية الكتب التي يمكن أن تقرأها من أي صفحة، فلا أذكر أنني قرأتُه كاملاً من الغلاف إلى الغلاف إلا في رحلتي إلى الصين خلال شهر سبتمبر الماضي.. يضم الكتاب 343 شذرة من يوميات مختلفة كُتِب معظمها في عقد التسعينيات، وهي فترة خصبة في حياة عبدالله حبيب الكاتب والإنسان، إذ أنّها الفترة التي عاش فيها في أمريكا دارساً للفلسفة في جامعة سان دييجو، ثم باحثاً في الدراسات النقدية السينمائية في كاليفورنيا، علاوة على أنّها فترة النضج الكتابي لديه. نستطيع القول بثقة إنّ هذا الكتاب يلخص عبدالله حبيب كاتباً وإنسانا، إذ تجد فيه عبدالله حبيب "العاشق، المتمرد، الخجول، الجريء، الثائر، الحنون، الشفيف، الغريب، الأليف، المغترب، المرهف، المتيَّم والميتم، والمعذب بالأسئلة الأزلية الموجعة والخسارات الأبدية الأليمة " وأنا هنا أقتبس حرفياً من شهادة جميلة كتبها ناصر صالح عن عبدالله حبيب.. إنه - أي عبدالله - لا يعيش الحياة بل يحملها على كتفه كما كتب في إحدى يوميات الكتاب، والكتابة لديه لا تنفصل عن الحياة إلى الدرجة التي تبعثه على التساؤل : "أيهما يقلد الآخر - يسببه بالأحرى؟ -: الكتابة أم الحياة؟ أيّهما يتنبأ بالآخر ويسوقه إلى المصرع؟". عند عبد الله حبيب " لا تغني الكتابة عن الحياة ولكنها تغني عن الموت". ولذلك فهو لا يتعامل معها باستخفاف أو استسهال، لأنّ " الكتابة هي التثقل وليس التخفف، فتثقلوا ما استطعتم حتى تصير الأرض خفيفة بعض الشيء". وما يلفت النظر هنا أنّه لا يؤرخ اليومية أو يذكر مكانها إلا إذا رأى أنّ ذكر التاريخ والمكان يمثل ضرورة بنيويةً للنص.
الهند نهضة عملاق آسيوي
وتعتبر القاصة بشرى خلفان كتاب الهند نهضة عملاق آسيوي للمؤرخ الألماني ديمتر روذرموند من إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون هو رؤية فاحصة في أسباب تقدم الهند ونهضتها الحديثة وتحولها من دولة ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني إلى واحدة من أهم دول العالم وأقواها اقتصاديا خاصة فيما يعرف باقتصاد المعرفة في هذا القرن.
وأشارت بشرى إلى أنّ من الفصول الملفتة للانتباه في الكتاب هو الفصل الأول والمعني بتتبع تاريخ بناء الدولة الديمقراطية في الهند، ونجاح هذه التجربة في ظل تحدي التعدد الإثني والطبقي للمجتمع الهندي، وما لهذا النجاح من انعكاسات على نهضة الهند ومن مقولات الكاتب الملفتة " تستند ثقة رجال الأعمال الهنود إلى نظام حكم ديمقراطي مستقر، إنه ليس استقرار دولة جامدة، لكنه ينبثق من التأقلم المستمر مع أوضاع جديدة".
وأضافت: قد يكون هذا الكتاب أهم كتاب قرأته في عام 2012 لأنّه استطاع تقديم إجابات معقولة عن كثير من الأسئلة التي كانت تجول في خاطري حول نجاح التجربة الديموقراطية في الهند وأسبابها وتحدياتها وأنعكاس أثرها على النهضة الهندية.
رواية الخلود
ويقول الكاتب هلال البادي: هناك كتب تظل في الذاكرة لأنّها قدمت جديدًا للذات والروح، وفي عام 2012 قرأت الكثير من هذه الكتب أغلبها روايات إبداعية جميلة كأصحابها ومن أبرز هذه الأعمال رواية الخلود لميلان كونديرا حيث إنّ الكاتب لا يكتب الرواية كما نعرفها إنما يعيد بناء مفاهيمنا للفن والأدب والحياة
وأضاف هناك أعمال أخرى كـ "وراء الفردوس" لمنصورة عز الدين أو "شارع أبليس" لامين زاوي وآخر الكتب الجميلة التي قرأتها كان كتاب أنيس النقاش أسرار خلف الأستار وهو كتاب مهم لمن يبحث عن تاريخ قريب ما زال يؤسس لأحداث اليوم.
الآخرون
وقال الأديب والكاتب محمد عيد العريمي: هناك رواية قوية وهناك رواية جميلة. قوة الرواية تكمن في موضوعها، وجمال الرواية يكمن في لغتها، وليس بالضرورة أنّ كل رواية قوية جميلة، ورواية "الآخرون" لكاتبة وأديبة سعودية فضلت الوقوف خلف اسم من قبل مستعار "صبا الحرز" جمعت بين الميزتين القوة والجمال، وإن كانت قوة القوة الموضوع هنا تكمن في شجاعة الكاتبة وجراءتها في تناول ظاهرة اجتماعية غير سوية.
وأضاف العريمي يذكر أنّ "صبا الحرز" ليست الكاتبة الأولى التي تجرأت وكشفت بكل صراحة، ما يحدث خلف الأبواب المغلقة من سلوك مستهجن للغاية في مجتمع محافظ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمرأة؛ فقد سبقتها أديبات أخريات، إلا أنهن لجأن إلى الترميز والغموض في تناول الموضوع نفسه!
وقال العريمي: أجمل رواية قرأتها هذا العام "الآخرون" ويتعذر عليّ الحديث عنها بإسهاب فقلم الرقيب الاجتماعي داخلنا، مهما حاولنا الهروب عنه، يلاحقنا والنفاق الاجتماعي الذي نمارسه أصبح عادة يصعب التخلص منها؛ فما نقوله خلف الأبواب المغلقة، ونتشدق به في جلساتنا الخاصة تخوننا الشجاعة في الإعلان عنه جهاراً كي لا نخدش حياء المجتمع ونثير حفيظة من لا يرون في طيف الألوان غير الأسود والأبيض، وبيدهم حق تصنيف البشر إلى "طاهر وعاه...".
ويضيف: لعل لغة الرواية الشيّقة والسلسة والفضول "المعرفي" للاقتراب أكثر من عالم "نساء الظل" المكبل بالقمع والكبت والإرهاب، جعلت من قراءتي لهذه الرواية متعة لغة وتجربة، الأمر الذي يجعلنا نتعاطف مع بطلة القصة، رغم رفضنا الشديد لطريقتها في الانتقام من جسدها المعتل بأكثر من مرض عضوي، والصراع النفسي الذي تعاني منه بين الرغبة الفسيولوجية الملحة والواعز الاجتماعي والديني!
وأشار العريمي: يبقى أنّ استعادة بطلة القصة لذاتها السوية عبر علاقة عاطفية كاملة مع شاب يشي اسمه "عمر" إلى انتمائه لـ"الآخرين" يلقي بظلال من الشك على علاقة المؤلفة بالمجتمع، والمكان الذي وقعت فيه أحداث الرواية.. لاسيما وأنّ المؤلفة ظلت طوال زمن السرد تربط بين اهتمامات بنات محيط بطلة القصة الاجتماعي من زميلات دراسة.
خارج السرب
وتقول الكاتبة جوخة الحارثي: ليس الحديث عن أكثر الكتب تميزًا من التي قرأتها في 2012 سهلا، فهناك العديد من الكتب التي تركت في أثرا، ولكن إن كان لا بد من الاختيار سيكون اختياري كتاب الأستاذ الدكتور فهمي جدعان الموسوم بـ "خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية"، وقد صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، في بيروت، عام 2010. يتألف الكتاب من مقدمة وستة فصول هي: في النسوية الإسلاميّة، مرافعة امرأة غاضبة، قفص العذارى، تلفزيون شاذ واجتهاد امرأة مسلمة، العروس الغريبة والأنا الطاردة، معركة التنوير، ويقع الكتاب في 280 صفحة.
وتضيف الحارثية يميز الكاتب تمييزًا مهمّا بين "الإصلاحية الإسلامية" التي ارتفعت أصواتها في القرن العشرين مطالبة بفهم مسوغ للنصوص الإسلامية "المشكِلة" على ضمير الإنسان الحديث بشأن المرأة، و"النسوية" التي تحاول تجاوز النصوص أو تعليقها أو تعديل الفهم. وتبعا لهذا التمييز الأولي يخلص الكاتب إلى التمييز الثاني الأكثر أهميّة بين "النسوية التأويلية"، و"النسوية الرافضة"، ذاهبا إلى أنّ الثانية ترفض الدين جملة وتفصيلا، في حين تدعو الأولى إلى الرجوع إلى القرآن نفسه وإعادة قراءته قراءة غير حرفية وغير ظاهرية، ليتبيّن خطأ القراءة التقليدية "الذكورية" للقرآن، وعدم مشروعية استبعاد النساء من المجالات الدينية والعامة، وقد عززت النسوية التأويلية مناهجها في الاجتهاد باستخدام الآليات اللسانية والتاريخ والتحليل الأدبي وعلم الاجتماع، وخلصت إلى أنّ أشكال عدم المساواة بين الرجل والمرأة الشاخصة في الشريعة الإسلامية ليست مظاهر للإرادة الإلهية، وإنّما هي تركيبات إنسانية، وعناصر تمييز استخلصها الفقهاء "الذكور" لمنفعتهم. فالنسوية الإسلامية التأويلية هي منهج في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والنصوص الدينية وتأويلها وتأسيس حقوق النساء بطريقة لا تُخرج أصحابها من حدود الدين. وقد ضرب الكاتب أمثلة لهذا الفكر التأويلي بأطروحات أمينة ودود، وأسماء برلاس، ورفعت حسن، بل إنّ رجالا ينضوون تحت لواء النسوية التأويلية أبرزهم طارق رمضان المعني بقضية اندماج المسلمين في البيئات والثقافات الغربية التي اختاروا أن يعيشوا فيها، وأن يحافظوا على عقيدتهم في الوقت نفسه، غير أنّ كتاب "خارج السرب" لم يفصل الحديث عن طارق رمضان أو أي "ذكور" غيره، فهو متجه أساسًا لنقد النسوية عبر أطروحات النساء المنظرات لها، ومن الجدير بالذكر أنّ الفصل الأول من الكتاب المخصص للنسوية التأويلية يبدو غير مشمول نوعًا ما بعنوان الكتاب الإقصائي: خارج السرب، فالكاتب "متعاطف" مع أطروحات النسويات التأويليات، ولذا فمسألة بقائهن "داخل" السرب، أو خروجهن ّعنه غير محسومة.
وأشارت الحارثية إذا كان المؤلف قد خصص الفصل الأول "الطويل" من كتابه للنسوية الإسلامية التأويلية، فقد خصص الفصول المتبقية لما أسماه بـ "النسوية الإسلامية الرافضة"، مبينا بوضوح أنّ الهدف من النظر فيها هو الفهم والتقييم النقدي وليس الترويج لدعواها، ويوضح المؤلف بدقة وحسم أنّ الاختلاف معطى انساني وأمر واقعي، من الحكمة ألا تتم مقاربته بفتاوي القتل والتكفير – كما حدث لسلمان رشدي وتسليمة نسرين ونصر حامد أبو زيد- وإنما بالمناقشة والتداول العقلي المعرفي.
وتؤكد لقد نجم تيار "النسوية الإسلامية الرافضة" من اصطدام "النسويات الرافضات" بالحرية في الغرب بعد الخضوع لجملة من الممارسات القمعية في الدول المسلمة. ويناقش المؤلف في فصول كتابه اللاحقة أطروحات كل من تسليمة نسرين، وأيان حرسي، ونجلاء كيليك، ويختتم فهمي جدعان كتابه بتخصيص الفصل الأخير الذي عنونه بـ "معركة التنوير" لمناقشة ومحاجة منطلقات ونتائج النسويات الأربع الرافضات اللواتي بسط أطروحاتهنّ في الفصول السابقة. ويمكن القول إن نقده لهذه الأطروحات يرتكز على ثلاثة محاور: المكان الذي انطلقت منه وهو فضاءات الغرب، وغياب البعد التأويلي لقراءة النص، والجذور النفسية الشخصية. وفي رأيي أنّ كتاب "خارج السرب" لفهمي جدعان جدير بالقراءة والمناقشة، ويمكننا النظر إليه من حيث هو كتاب في تشخيص حاضر الإسلام والمسلمين، وفي تفحص مستقبلهم ومصيرهم، ولا شك أن اعتماده على مبدأ: "الحرية الفكرية ليس لها من راد سوى الحرية الفكرية النقدية"، جعلت الكتاب ثريًا في المعلومات والتحليلات وسادًا لثغرة كبيرة في هذا النوع من الدراسات.
