حوار مع الشيطان

    • حوار مع الشيطان

      بسم الله الرحمن الرحيم
      والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين




      { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }

      هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها *** ما بال أشيب يستهويه شيطان

      قال عبد الله بن آدم : حاورت الشيطان الرجيم ، في الليل البهيم ، فلما سمعت أذان الفجر أردت الذهاب إلى المسجد ، فقال لي : عليك ليل طويل فارقد .
      قلت : أخاف أن تفوتني الفريضة .
      قال : الأوقات طويلة عريضة .
      قلت أخشى ذهاب صلاة الجماعة .
      قال : لا تشدد على نفسَك في الطاعة .
      فما قمت حتى طلعت الشمس . فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات ، فاليوم كله أوقات . وجلست لآتي بالأذكار ، ففتح لي دفتر الأفكار .
      فقلت : أشغلتني عن الدعاء . قال : دعه إلى المساء .
      وعزمت على المتاب . فقال : تمتع بالشباب .
      قلت : أخشى الموت . قال : عمرك لا يفوت .
      وجئت لأحفظ المثاني ، قال : رَوّح نفسك بالأغاني .
      قلت : هي حرام . قال : لبعض العلماء كلام .
      قلت : أحاديث التحريم عندي في صحيفة . قال : كلها ضعيفة .
      ومرت حسناء فغضضت البصر ، قال : ماذا في النظر ؟
      قلت : فيه خطر . قال : تفكر في الجمال ، فالتفكر حلال .
      وذهبت إلى البيت العتيق ، فوقف لي في الطريق ، فقال : ما سبب هذه السفرة ؟
      قلت : لآخذ عمرة .
      فقال : ركبت الأخطار ، بسبب هذا الاعتمار ، وأبواب الخير كثيرة ، والحسنات غزيرة .
      قلت : لابد من إصلاح الأحوال .
      قال : الجنة لا تدخل بالأعمال . فلما ذهبت لألقي نصيحة ، قال : لا تجر إلى نفسك فضيحة .
      قلت : هذا نفع للعباد . فقال : أخشى عليك من الشهرة وهي رأس الفساد .
      قلت : فما رأيك في بعض الأشخاص ؟ قال : أجيبك عن العام والخاص .
      قلت : أحمد بن حنبل ؟ قال : قتلني بقوله : عليكم بالسنة ، والقرآن المنـزل .
      قلت : فابن تيميـة ؟ قال : ضرباته على رأسي باليومية .
      قلت : فالبخـاري ؟ قال : أحرَق بكتابه داري .
      قلت : فالحجـاج ؟
      قال : ليت في الناس ألف حجاج ، فلنا بسيرته ابتهاج ، ونهجه لنا علاج .
      قلت : ففرعـون ؟ قال : له منا كل نصر وعون .
      قلت : فصلاح الدين ، بطل حطين ؟ قال : دعه فقد مرّغنا بالطين .
      قلت : محمد بن عبد الوهاب ؟
      قال : أشعل في صدري بدعوته الالتهاب ، وأحرقني بكل شهاب .
      قلت : فأبو جهـل ؟ قال : نحن له إخوة وأهل .
      قلت : فأبو لهـب ؟ قال : نحن معه أينما ذهب .
      قلت : فلينين ؟ قال : ربطناه في النار مع استالين .
      قلت : فالمجلات الخليعـة ؟ قال : هي لنا شريعة .
      قلت : فالـدشـوش ؟ قال : نجعل الناس بها كالوحوش .
      قلت : فالمقاهــي ؟ قال : نرحب فيها بكل لاهي .
      قلت : ما هو ذكركم ؟ قال : الأغانـي .
      قلت : وعملكـم ؟ قال : الأمانـي .
      قلت : وما رأيكم في الأسـواق ؟ قال : علمنا بها خفّاق ، وفيها يجتمع الرفاق .
      قلت : فحزب البعث الاشتراكي ؟
      قال : قاسمته أملاكي ، وعلمته أورادي وأنساكي .
      قلت : كيف تضل الناس ؟
      قال : بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات .
      قلت : وكيف تضل الحكام ؟
      قال : بالتعطش للدماء ، وإهانة العلماء ، ورد نصح الحكماء ، وتصديق السفهاء .
      قلت : فكيف تضل النساء ؟
      قال : بالتبرج والسفور ، وترك المأمور ، وارتكاب المحظور .
      قلت : فكيف تضل العلماء ؟
      قال : بحب الظهور ، والعجب والغرور ، وحسد يملأ الصدور .
      قلت : فيكف تضل العامّـة ؟
      قال : بالغيبة والنميمة ، والأحاديث السقيمة ، وما ليس له قيمة .
      قلت : فكيف تضل التجّـار ؟
      قال : بالربا في المعاملات ، ومنع الصدقات ، والإسراف في النفقات .
      قلت : فيكف تضل الشباب ؟
      قال : بالغزل والهيام ، والعشق والغرام ، والاستخفاف بالأحكام ، وفعل الحرام .
      قلت : فما رأيك في إسرائيل ؟
      قال : إياك والغيبة ، فإنها مصيبة ، وإسرائيل دولة حبيبة ، ومن القلب قريبة .
      قلت : فالجاحظ ؟ قال : الرجل بين بين ، أمره لا يستبين ، كما في البيان والتبيين.
      قلت : فأبو نواس ؟ قال : على العين وعلى الرأس ، لنا من شعره اقتباس .
      قلت : فأهل الحداثـة ؟ قال : أخذوا علمهم منا بالوراثة .
      قلت : فالعلمانيــة ؟
      قال : إيماننا علماني ، وهم أهل الدجل والأماني ، ومن سمّاهم فقد سماني .
      قلت : فما تقول في واشنطن ؟
      قال : خطيـبي فيها يرطن ، وجيشي بها يقطن ، وهي لي موطن .
      قلت : فما تقول في صَـدَّام ؟
      فهتف يقول : بالروح والدم نفديك يا صدام ، يسلم أبو عدي على الدوام .
      قلت : فما رأيك في الدعاة ؟
      قال : عذبوني وأتعبوني وبهدلوني وشيبوني يهدمون ما بنيتُ ، ويقرؤون إذا غنيتُ ، ويستعيذون إذا أتيتُ .
      قلت : فما تقول في الصحف ؟
      قال : نضيع بها أوقات الخلف ، ونذهب بها أعمار أهل الترف ، ونأخذ بها الأموال مع الأسف .
      قلت فما تقول في هيئـة الإذاعـة البريطانيـة ؟
      قال : ندخل بها السم في الدسم ، ونقاتل بها بين العرب والعجم ، ونثني بها على المظلوم ومن ظلم .
      قلت : فماذا فعلتَ بالغـراب ؟
      قال : سلطته على أخيه فقتله ودفنه في التراب ، حتى غاب .
      قلت : فما فعلتَ بقـارون ؟
      قال : قلت له : احفظ الكنوز ، يا ابن العجوز ، لتفوز ، فأنت أحد الرموز .
      قلت : فماذا قلتَ لفرعـون ؟
      قال : قلت له : يا عظيم القصر ، قل : أليس لي ملك مصر ، فسوف يأتيك النصر.
      قلت : فماذا قلتَ لشارب الخمر ؟
      قال : قلت له : اشرب بنت الكروم ، فإنها تذهب الهموم ، وتزيل الغموم ، وباب التوبة معلوم .
      قلت : فماذا يقتلك ؟
      قال : آية الكرسي ، منها تضيق نفسي ، ويطول حبسي ، وفي كل بلاء أمسي .
      قلت : فمن أحب الناس إليك ؟
      قال : المغنّون ، والشعراء الغاوون ، وأهل المعاصي والمجون ، وكل خبيث مفتون .
      قلت : فمن أبغض الناس إليك ؟
      قال : أهل المساجد ، وكل راكع وساجد ، وزاهد عابد ، وكل مجاهد .
      قلت : أعوذ بالله منك ، فاختفى وغاب ، كأنما ساخ في التراب ، وهذا جزاء الكذاب .