وقفة في منتصف العمر

    • وقفة في منتصف العمر

      مرحبا...

      أردت المشاركة بقصتي المتواضعة..
      أتمنى أن تستمتعوا بها...



      وقفه في منتصف العمر


      لقد توفيت والدتي , فهل حريا بي أن أقف بصمت أم أن واجبي هو الصراخ مع إحساس رهيب بالخلاء...واللامبالاة..رحلت والدتي...أكررها بيني وبين نفسي, لأقنع هذه الأخيرة بضرورة الحزن ولو للحظات احتراما لذكراها...عفوا هل قلت ذكراها ..حتى إنني لا أذكرها أبدا, إذن كيف يجب أن أكون الآن, وما هي هذه الأحاسيس التي تنتابني وتلازمني وتؤلمني...
      أمي, ترى متى آخر مرة رأيت فيها ذلك الكيان الذي أوجدني, منذ خمسة أو ستة شهور ..وهل رأيتها في العيد, إنني لا أذكر أني صافحتها أو قابلتها في أيام العيد, فقد كانت مشغولة مع بيتها الآخر وزوجها الآخر وأولادها الآخرين, أنظر إلى وجوههم الآن, باكية...حزينة, صراخ أبنائها يدوي في أذني....إنها فاجعه بالنسبة إليهم أن ترحل والدتهم.....والدتي!!!
      ولكني لا أشعر بهذا الحجم من الاستياء والخوف والضعف, صراخهم يحيي في داخلي ذكرى رحيل أبي الغالي, لقد رحل وأنا صغيره في الثامنة من العمر وكانت أمي صغيرة السن وجميلة, لقد تزوجا عن حب صادق, وبالرغم من خلافاتهما المستمرة والتي كنت أراها روتين يومي كالإفطار والغداء والعشاء, رغم ذلك كنت أرى محبة أبي لوالدتي....في ذلك البيت الطيني ترعرعت وعشت طفولتي الحقيقية بين أمي وأبي, وشجرة الفرصاد كانت تسرف علينا بفاكهتها اللذيذة, كل تلك الأشياء انتهت برحيل والدي في حادث سير مروع, أمي لم تكن تعلم وحين علمت بموته, بدأت بالصراخ .." ناصر...ناصر...لقد مات ناصر...مات والد ابنتي...."
      صراخ أمي المفجع تمركز في داخلي كالإعصار, أطاح بكل سعادتي..حينها كان من حبي الكبير لامي ولأبى أن أبقى بجوار والدتي التي أرتدت ثوب السواد على جسدها النحيل, وبقيت تبكي زوجها..قلبها وحظها العاثر..وكأنها كانت تشعر أن بفقدانها أبي فقدت ابنتها أيضا, بقيت معها في بيت جدتي العمياء التي تتحسس البيت بعصاها الصلبة ورائحة اللبان في كل أرجاء المكان..والنساء هنا وهناك, مرت تلك الليالي معتمة السواد وتراءت أشباح والدي في المنام..كم كرهت تلك القبور و تلك النساء..
      مرت تلك الشهور الأربعة بسرعة وخرجت أمي من جحرها, رأت شمس النهار وهي تقبَل كل جزء في عالمها الحزين, سألتها في ذلك اليوم..
      - أمي هل تحبين والدي ؟!!!
      لمحت ذلك التغير في صوتها , وتلك الحشرجة المميتة في داخلها وصورتها التي غلب عليها الألم....
      - بالتأكيد أحبه وسأظل على ذكراه....
      عندها احتضنت والدتي وكأنني اكتشفت جزء لم أره من قبل, أحببت والدتي ...وأخرجتها من عزلتها فارتدت الألوان الزاهية وتأنقت, أردتها أن تكون الأجمل والأروع ولكن لم أكن أعرف أن هناك من يراها الأجمل غيري , انه "صالح" الذي كان يرغب بها قبل زواجها بوالدي, لكنه كان يعلم بحب والدتي لأبي , لذلك لم يأتي "صالح" الذي رفض وجودي معهم لأنني أثير في داخله ذكرى والدي, تقدم إلى أمي طالبا يدها, كان صعبا أن توافق والدتي ولكن جدتي أصرت عليها....
      - انه يريدك..وسوف يستر عليك...وظل رجل ولا ظل حيطة....
      - وابنتي.......!!
      - ستكون معي ..ولن تشعري ببعدها أبدا...أعدك..سأهتم بها....
      وبدأت رحلة التنازلات في حياتي, ارتدت أمي فستان الزفاف للمرة الثانية, وهذه المرة ستزف إلى رجل آخر غير الذي أحبت, كنت موقنة بأنها لن تحب أحدا كما أحبت والدي, عاشت أمي في منطقة بعيدة, وتراكمت على كاهلي عثرات تلك السنوات,كانت مكالمات أمي الهاتفية لا تتوقف بالسؤال عني, ولكن بعد أن أنجبت غيري أصبح بعدي أمر مسلم له مغلوب عليه, فقد عوَدت نفسي على غيابها و كنت أراها في الأعياد والمناسبات وفي كل مرة تراني فيها تقول بأني كبرت وأصبحت جميلة, لم تكن توقن مواطن التغير في داخلي فقد كان مكانها فارغا ولا تستطيع حتى هي أن تملأه الآن, ترى هل أحبت زوجها بقدر محبتها لآبي..هل أحبت أبنائها أكثر من محبتي...هل أراودها ليلا في الأحلام...هل تشعر بمرضي أو فرحي وهي بعيدة عني..وهل يمر عيد مولدي كغيره من التواريخ في حياتها..وحفل تخرجي..آه...ذلك الحوار عبر أسلاك الهاتف الباردة...
      - نعم يا حبيبتي ...أنا سعيدة لتخرجك...
      - أمي...أرغب في قدومك لرؤيتي الآن... كل صديقاتي سيأتين بأمهاتهن....
      لحظة صمت أحسست فيها بالخوف..وأدركت بعدها الرد..
      -آسفة حبيبتي..ولكن أريد أن أوصل أخوك إلى المطار...انه في رحله دراسية..سآتي غدا..وأهنئك..مع هدية طبعا...
      للمرة المليون فازوا بها وخسرتها أنا أو هي التي خسرتني, كانت المعادلة صعبه ولا زالت كذلك, لو لم يحضر هو " أحمد" الذي أحب, الذي عوَض عني عذاب السنوات, هذا الرجل الذي أحببت دون أسباب..ربما لأنه يملك الأشياء التي تنقصني, لم أخبرها عنه, فهي لن تهتم أبدا..بالمقابل كنت أخبر صديقتي المقربة " نادية" عن كل شئ, كان أحمد لا يتجرأ بالسؤال عن الماضي لأنة كان يقرأ ملامحي أكثر من أي شخص آخر, تقدم لخطبتي وتمت في حفلة بسيطه, حتى في الأيام الأخيرة فبل زفافي كانت أمي تأتي لفترات قصيرة للاطمئنان إن كان شئ ينقصني أم لا ثم تذهب...كنت بحاجة إليها في تلك الساعات الحرجة في حياتي..كنت أتمنى أن أنام إلى جانبها ليلة واحده...ألا يكفي العمر الذي ذهب هباء...كانت ملامح أمي تبدو متعبه باهتة, أين ذلك البريق الذي كان في عيناها, لقد انطفى, ترى أي حياة عاشت مع زوجها..هل كانت سعيدة....
      لقد حجزت لي و ل "أحمد" تذكرتا سفر لشهر العسل وذهبنا, وعشت حياتي مع من أحب, مرت الأيام بسرعه, وكنت خائفة من فشلي في رحلة العمر هذه, فلم يعلمني أحد شئ عن هذا العالم الجديد, وكيف أعطي وأربي و أعلم, ولكن بعد أن أنجبت طفلتي الصغيرة تدفقت مشاعري بصورة عفوية..أحببتها..ففاقد الشيء يعطيه أحيانا...أمي لم أرها منذ ذلك اليوم الذي أنجبت فيه ابنتي...وأراها الآن...وهي تدفن...
      ماتت أمي المرأة التي أوجدتني, أحبتني بطريقتها الخاصة, لم نلتقي كثيرا في الحياة ولكني جزء منها, فعيناي عيناها, الكل يقول ذلك, أرى أختي الصغيرة تتوجه ناحيتي وفي يدها رسالة...
      - هذه من والدتي كتبتها لك وهي طريحة الفراش....
      اندهشت...إذن كانت مريضة, وكانت تعلم بقرب وفاتها, هل أفتحها الآن...هل أنا بحاجة إلى ذلك,,إلى قرآة حروفها المرتجفة..هل أفتحها لأرى وجه أمي المتعب على سطورها وحبرها...هل أحتاج لذلك, لماذا لم تخبرني بمرضها...لماذا...نظرت إلى الركن المقابل فوجدت زوجي ينتظرني ويحتضن ابنتي الصغيرة, ابتسم لي بشيء من الحزن العميق...سأذهب إليه, انه سعادتي الحقيقية, انه الحياة التي خلقت من أجلها...عذرا أمي ..سامحيني..سأقرا رسالتك حين أشعر بالاشتياق إليها ...حين يغطيني حزن حقيقي يشعرني بفقدانك.. وحتى ذلك الوقت, سأحتفظ برسالتك المغلفة في خزانتي القديمة مع ألبومات طفولتي....وصور والدي.....
    • [frame='5 60']


      رحيل ..

      نتمنى لكِ دوماً التوفيق في كتابة القصص ..

      تحياتي الرائعة .. فانت تستحقينها بحق .
      [/frame]
      لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
      لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
      الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!
    • يسلموووووووووووو على الموضوع

      استغفر الله العظيم وأتوب اليه :) .......................................................... شاركونا http://aflajoman.tawwat.com