احسن 24 قصة..

    • احسن 24 قصة..

      [ATTACH=CONFIG]113495[/ATTACH]
      السلام عليكم اعضاء الساحة
      خطرت ع بالي فكرة لـ طرح هذا الموضوع
      لذا سأختار 24 قصة من اجمل القصص و سأضعها هنا

      اتمنى التفاعــــــــــــل

      العمل جهد شخصي من تصميم و تجميع
      \ احــــبگ ربـــے
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113496[/ATTACH]


      شاءت إرادة الله تعالى ان يخلق آدم .. فكيف خلقه و مما خلقه ؟؟

      سنحاول أن نعرف القصة من خلال آيات القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة

      عن أبي هريرة مرفوعاً: "وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " عن ابى موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".

      عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها،
      فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني
      فرجع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها.
      فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل.
      فبعث الله ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.
      فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً. واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض
      ثم قال للملائكة:
      {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
      فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعاً إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}
      وكان إبليس يقول: لأمر ما خُـلقت، ودخل من فِـيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سُـلطت عليه لأهلكنه.
      } فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.
      فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال الله تعالى للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس،فقالت الملائكة قل: الحمد لله
      فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}
      {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}
      وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك :
      عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك".
      عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله".
      وعن أبي هريرة رفعه قال: "لما خلق الله آدم عطس، فقال الحمد لله، فقال له ربه رحمك ربك يا آدم".
      وقال عمر بن عبد العزيز: لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته.
      عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً ثم تركه، حتى إذا كان حمأ مسنون خلقه الله وصوره ثم تركه، حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خُـلقت لأمر عظيم.
      ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله رحمة به، فقال الله يرحمك ربك
      ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟
      فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
      فقال: يا آدم هذا تحيتك وتحية ذريتك.
      قال يا رب: وما ذريتي؟
      قال: اختر "احدى" يدي يا آدم،
      قال: أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره،
      قال يا رب من هذا؟
      قال ابنك داود
      قال: يا رب فكم جعلت له من العمر؟
      قال جعلت له ستين
      قال: يا رب فأتم له من عمري حتى يكون له من العمر مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك.
      فلما نفذ عمر آدم بعث الله ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟
      قال له الملك: أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته".
      وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي".
      وعن الحسن قال: خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فألقوا على وجه الأرض؛ منهم الأعمى والأصم والمبتلى.
      فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟
      قال: يا آدم إني أردت أن أُشكر.
      وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، ثم قال اذهب فسلم على أولئك "النفر" من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله. فزادوه ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
      وعن ابن عباس، قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم. أن الله لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، قال: أي رب من هذا؟
      قال: هذا ابنك داود،
      قال أي رب كم عمره،
      قال: ستون عاماً،
      قال: أي رب زد في عمره.
      قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً. فكتب الله عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه، قال: أنه قد بقي من عمري أربعون عاماً.
      فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود
      قال: ما فعلت، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة.

      {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا }
      ُسئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون".
      فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار".
      وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين وأهل الشمال، وقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي.

      فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية؛ فجاء فى الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال:
      {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.

      وعن أبي بن كعب، في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية والتي بعدها.
      قال: فجمعهم له يومئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صورهم، ثم استنطقهم فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهد عليهم أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الآية.
      قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن لا تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئاً، وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتابي.
      قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقروا له يومئذ بالطاعة.
      ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك،
      فقال: يا رب لو سويت بين عبادك؟
      فقال: إني أحببت أن أشكر.
      ورأى فيهم الأنبياء عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}
      وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول نعم. فيقول قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي".

      ولما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي، وامتنع إبليس من السجود له حسداً وعداوة له، فطرده الله وأبعده، وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها، وأهبطه إلى الأرض طريداً ملعوناً شيطاناً رجيماً.

      عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".
      ثم لما اسكن آدم الجنة التي أسكنها ، أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام، يأكلان منها رغداً حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها، سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الأرض. وقد اختلف العلماء في مواضع هبوطه منها.
      واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة
      عن ابن عباس: أن الله قال: يا آدم إن لي حرماً بحيال عرشي، فانطلق فابن لي فيه بيتاً، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي، وأرسل الله له ملكاً فعرفه مكانه وعلمه المناسك، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك.
      وعنه: أن أول طعام أكله آدم في الأرض، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة، فقال: ما هذا؟
      قال:هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها
      فقال: وما أصنع بهذا؟
      قال: ابذره في الأرض، فبذره. وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف، فنبتت فحصده، ثم درسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه، فأكله بعد جهد عظيم. وتعب ونكد، وذلك قوله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}.
      وكان أول كسوتهما من شعر الضأن: جزاه ثم غزلاه، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعاً وخماراً.
      وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه، والآخر بالأخرى وهلم جرا، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.

      ذكر قصة ابنى آدم قابيل و هابيل


      قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {
      ونذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك.
      أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى "البطن" الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قرباناً، وذهب آدم ليحج إلى مكة، واستحفظ السماوات على بنيه فأبين، والأرضين والجبال فأبين، فتقبل قابيل بحفظ ذلك.

      فلما ذهب قربا قربانهما؛ فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي،
      فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
      وروي عن ابن عباس: وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده!
      وذكر أبو جعفر : أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل، فقال قابيل لآدم: إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي. وتوعد أخاه فيما بينه وبينه.
      فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي، فبعث آدم قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذا هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني.
      فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
      فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله.
      وقيل: إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته.
      وقيل: بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع فمات. والله أعلم.
      وقوله له لما توعده بالقتل: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} دل على خلق حسن، وخوف من الله تعالى وخشية منه، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.
      ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".

      وقوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه، أن تبوء بإثمي وإثمك، أي تتحمل إثم مقاتلتي مع ما لك من الأثام المتقدمة قبل ذلك
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقتل نفساً ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل".

      {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ}.

      ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة، وقال آخرون حمله مائة سنة، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين أخوين، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه، فلما رآه يصنع ذلك {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} ؟ ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.

      وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً

      وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت ساقه إلى فخذه، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه.

      و قد رزق الله آدم بعد وفاة ابنه هابيل بإبن سماه آدم و حواء " شيث "

      ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.
      قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف، على شيث خمسين صحيفة".

      ذكر وفاة آدم و وصيته لابنه شيث


      ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.
      قال: ويقال أن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث، وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا. والله أعلم.
      ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط، وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام.

      عن أبي بن كعب، قال:
      إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟
      قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة،
      فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل.

      فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره،ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.
      واختلفوا في موضع دفنه: فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط عليه في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة
      وقد ماتت بعد حواء بسنة واحدة.
      واختلف في مقدار عمره عليه السلام: وقد ذكرنا في الحديث عن ابن عباس وأبي هريرة مرفوعاً: أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة.

      وقال عطاء الخراساني: لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبع أيام. رواه ابن عساكر.
      فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي ذر مرفوعاً أنزل عليه خمسون صحيفة.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113497[/ATTACH]

      قال الله تبارك وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنم بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} (سورة المائدة).

      تتلخص قصة هابيل وقابيل أن حواء عليها السلام ولدت أربعين بطنًا وكانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى، وكان سيدنا ءادم عليه السلام يُزوج ذكر كل بطن بأنثى من بطن ءاخر، ويقال إن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل التي كانت أجمل من أخت هابيل لكن قابيل أراد أن يستأثر بها، فأمره ءادم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قربانًا وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى وذهب ءادم إلى مكة ليحجّ، وقرّب كل واحد منهما قربانه بعد ذهاب أبيهم ءادم عليه السلام، فقرَّب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب غنم، وأما قابيل فقرب حزمة من زرع رديء وكان صاحب زرع، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب قابيل غضبًا شديدًا وقال لأخيه هابيل لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال له: إنما يتقبل الله من المتقين.

      وذات ليلة أبطأ هابيل في المرعى فبعث سيدنا ءادم عليه السلام (وكان قد رجع من الحج) أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذ هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني، فقال له هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين، فغضب عندئذ قابيل، ثم أتاه وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه، وقيل خنقه خنقًا شديدًا. وأما قول هابيل لقابيل: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ (29)} (سورة المائدة) فمعناه أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك واقوى فتتحملُ إثم قتلي مع ما لك من الآثام المتقدمة قبل ذلك.

      وقيل: لما قتل قابيل هابيل ندم على ذلك فضمه إليه حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يرمي به فتأكله، وكره أن يأتي به ءادم فيحزنه، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان فاقتتلا أمام قابيل فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها، ثم ألقاه ودفنه وجعل يحثي عليه التراب حتى واراه، فقال عندها قابيل: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي} (سورة المائدة/31) ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فواراه ودفنه تحت التراب.

      وليعلم أن ابن ءادم قابيل الذي قتل أخاه هابيل كان مسلمًا مؤمنًا ولم يكن كافرًا، وإنما ارتكب معصية كبيرة بقتله أخاه هابيل ظلمًا وعدوانًا.

      فائدة: روى الجماعة سوى أبي داود وأحمدُ في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن ءادم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل" أي ظلمًا. فعلم من ذلك ان قابيل ما تاب من قتله لهابيل.

      وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم، ذُكر بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها، والله أعلم بصحة ذلك.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~

    • [ATTACH=CONFIG]113498[/ATTACH]


      حال الناس قبل بعثة نوح:

      قبل أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح، عاشوا زمنا ثم ماتوا، كانت أسماء الرجال الخمسة هي: (ودَّ، سُواع، يغوث، يعوق، نسرا). بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم، ومضى الوقت.. ومات الذين نحتوا التماثيل.. وجاء أبنائهم.. ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء.. ثم نسجت قصصا وحكايات حول التماثيل تعزو لها قوة خاصة.. واستغل إبليس الفرصة، وأوهم الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر.. وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل.

      إرسال نوح عليه السلام:

      كان نوح كان على الفطرة مؤمنا بالله تعالى قبل بعثته إلى الناس. وكل الأنبياء مؤمنون بالله تعالى قبل بعثتهم. وكان كثير الشكر لله عزّ وجلّ. فاختاره الله لحمل الرسالة. فخرج نوح على قومه وبدأ دعوته:

      يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

      بهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية.. وحقيقة البعث. هناك إله خالق وهو وحده الذي يستحق العبادة.. وهناك موت ثم بعث ثم يوم للقيامة. يوم عظيم، فيه عذاب يوم عظيم.شرح "نوح" لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غير إله واحد هو الخالق. أفهمهم أن الشيطان قد خدعهم زمنا طويلا، وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع، حدثهم نوح عن تكريم الله للإنسان. كيف خلقه، ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل، وليست عبادة الأصنام غير ظلم خانق للعقل.

      تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته. لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء، وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة.. أما الأغنياء والأقوياء والكبراء، تأملوا الدعوة بعين الشك… ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه.. فقد بدءوا حربهم ضد نوح.

      في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم:

      فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا

      قال هؤلاء الملأ لنوح: أنت بشر يا نوح.

      رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك، وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلى الأرض رسولا من البشر، لأن الأرض يسكنها البشر، ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة لأرسل الله رسولا من الملائكة.. استمرت الحرب بين الكافرين ونوح.

      في البداية، تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح لا تلبث أن تنطفئ وحدها، فلما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة بدءوا الهجوم على نوح من هذه الناحية. هاجموه في أتباعه، وقالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل.

      هكذا اندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه. ولجأ الذين كفروا إلى المساومة. قالوا لنوح: اسمع يا نوح. إذا أردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة مع هؤلاء.

      واستمع نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون، ورغم ذلك كان طيبا في رده. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين، لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنما هم ضيوف الله.. وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء، إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.

      كان نوح يناقش كل حجج الكافرين بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه. وهو منطق الفكر الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة.

      قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة. ولم يروا هم ما آتاه الله، وهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان برسالته وهم كارهون. إن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض على أحد من البشر. أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته، لا يطلب منهم مالا فيثقل عليهم، إن أجره على الله، هو الذي يعطيه ثوابه. أفهمهم أنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله، وأن له حدوده كنبي. وحدوده لا تعطيه حق طرد المؤمنين لسببين: أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله؟ ثم أنه لو طردهم لخاصموه عند الله، ويجازي من طردهم، فمن الذي ينصر نوحا من الله لو طردهم؟ وهكذا انتهى نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم.

      وعاد نوح يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق، وأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله عز وجل، فهو لا يدعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله، وهي إنعامه على من يشاء من عباده، وهو لا يعلم الغيب، لأن الغيب علم اختص الله تعالى وحده به. أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا. بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة.. قال لهم نوح: إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل.. إن هؤلاء المؤمنين الذي تحتقرونهم لن تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم، الله أعلم بما في أنفسهم. هو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به.. أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا.

      وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح.. حكى الله موقفهم منه في سورة (هود):

      قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) (هود)

      أضاف نوح إغواءهم إلى الله تعالى. تسليما بأن الله هو الفاعل في كل حال. غير أنهم استحقوا الضلال بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم.. وتستمر المعركة، وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينه إذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال، بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله:

      قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60) (الأعراف)

      ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:

      قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62) (الأعراف)

      ويستمر نوح في دعوة قومه إلى الله. ساعة بعد ساعة. ويوما بعد يوم. وعاما بعد عام. ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه. كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، يضرب لهم الأمثال. ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات، وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق. واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.

      وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكافرين. وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل، وظل يدعو قومه ويجادلهم، وظل قومه على الكبرياء والكفر والتبجح. وحزن نوح على قومه. لكنه لم يبلغ درجة اليأس. ظل محتفظا بالأمل طوال 950 سنة. ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة، وربما يكون هذا العمر الطويل لنوح معجزة خاصة له.

      وجاء يوم أوحى الله إليه، أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك:

      وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) (نوح)

      برر نوح دعوته بقوله:

      إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (26) (نوح)

      الطوفان:

      ثم أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان. أخبر الله تعالى عبده نوحا أنه سيصنع سفينة (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) أي بعلم الله وتعليمه، وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة الملائكة. أصدر الله تعالى أمره إلى نوح: (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) يغرق الله الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم للنبي، وينهى الله نبيه أن يخاطبه أو يتوسط لهم.

      وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة. انتظر سنوات، ثم قطع ما زرعه، وبدأ نجارته. كانت سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة، وقد اختلف المفسرون في حجمها، وهيئتها، وعدد طبقاتها، ومدة عملها، والمكان الذي عملت فيه، ومقدار طولها، وعرضها، على أقوال متعارضة لم يصح منها شيء.
      بدأ نوح يبني السفينة، ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنع السفينة، والجفاف سائد، وليست هناك أنهار قريبة أو بحار. كيف ستجري هذه السفينة إذن يا نوح؟ هل ستجري على الأرض؟ أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح، وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح. وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد أن كنت نبيا!
      انتهى صنع السفينة، وجلس نوح ينتظر أمر الله. أوحى الله إلى نوح أنه إذا فار التنور هذا علامة على بدء الطوفان. قيل في تفسير التنور أنه بركان في المنطقة، وقيل أن الفرن الكائن في بيت نوح، إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة.

      وجاء اليوم الرهيب، فار التنور. وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به، وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض. حمل نوح إلى السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين، بقرا وثورا، فيلا وفيلة، عصفورا وعصفور، نمرا ونمرة، إلى آخر المخلوقات. كان نوح قد صنع أقفاصا للوحوش وهو يصنع السفينة. وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين، لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض، وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها، فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من الحيوان والطير. وبدأ صعود السفينة. صعدت الحيوانات والوحوش والطيور، وصعد من آمن بنوح، وكان عدد المؤمنين قليلا.

      لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد، وكان أحد أبنائه يخفي كفره ويبدي الإيمان أمام نوح، فلم يصعد هو الآخر. وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هي الأخرى، فلم تصعد. وصعد المؤمنون. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا.

      ارتفعت المياه من فتحات الأرض. انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميات لم تر مثلها الأرض. فالتقت أمطار السماء بمياه الأرض، وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة. فقدت البحار هدوئها، وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة، وتكتسح الأرض. وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.

      ارتفعت المياه أعلى من الناس. تجاوزت قمم الأشجار، وقمم الجبال، وغطت سطح الأرض كله. وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه. كان ابنه يقف بمعزل منه. ويحكي لنا المولى عز وجل الحوار القصير الذي دار بين نوح عليه السلام وابنه قبل أن يحول بينهما الموج فجأة.

      نادى نوح ابنه قائلا: يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ
      ورد الابن عليه: قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء
      عاد نوح يخاطبه: قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ

      وانتهى الحوار بين نوح وابنه:

      وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ

      وهنا تعبير القرآن الكريم (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أنهى الموج حوارهما فجأة. نظر نوح فلم يجد ابنه. لم يجد غير جبال الموج التي ترتفع وترفع معها السفينة، وتفقدها رؤية كل شيء غير المياه. وشاءت رحمة الله أن يغرق الابن بعيدا عن عين الأب، رحمة منه بالأب، واعتقد نوح أن ابنه المؤمن تصور أن الجبل سيعصمه من الماء، فغرق.

      واستمر الطوفان. استمر يحمل سفينة نوح. بعد ساعات من بدايته، كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا. لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي من سفينة نوح، وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض. وأنواع الحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية. ومن الصعب اليوم تصور هول الطوفان أو عظمته. كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق. كانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال. ويعتقد بعض العلماء الجيولوجيا اليوم إن انفصال القارات وتشكل الأرض في صورتها الحالية، قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار، ثارت فيه المياه ثورة غير مفهومة. حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض، وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيه ما نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية.

      استمر طوفان نوح زمنا لا نعرف مقداره. ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار، وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء، وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي، وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق. طهر الطوفان الأرض وغسلها. قال تعالى في سورة (هود):

      وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) (هود)

      (وَغِيضَ الْمَاء) بمعنى نقص الماء وانصرف عائدا إلى فتحات الأرض. (وَقُضِيَ الأَمْرُ) بمعنى أنه أحكم وفرغ منه، يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما. ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة قبل الطوفان، فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير. (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) بمعنى رست عليه، وقيل كان ذلك يوم عاشوراء. فصامه نوح، وأمر من معه بصيامه. (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي هلاكا لهم. طهر الطوفان الأرض منهم وغسلها. ذهب الهول بذهاب الطوفان. وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح.. تذكر ابنه الذي غرق.

      لم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن ابنه كافر. كان يتصور أنه مؤمن عنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل. وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم.. فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان. تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة. قال تعالى في سورة (هود):

      وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) (هود)

      أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين. وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين. قال الله سبحانه وتعالى، مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة الأولى:

      يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) (هود)

      ونقلاً عن شيوخ من العلماء- : كان ابنه عنده -أي نوح- مؤمنا في ظنه، ولم يك نوح يقول لربه: (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) إلا وذلك عنده كذلك، إذ محال أن يسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم. وكان ابنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان. فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب. أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت. وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين، يريد أن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا، ثم يهلك مع الكافرين.

      وثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه. أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم أن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس. ابن النبي هو ابنه في العقيدة. هو من يتبع الله والنبي، وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه. هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن. وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب. لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض.

      واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه الله وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته. وهبط نوح من سفينته. أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض، نزل المؤمنون بعد ذلك. ولا يحكي لنا القرآن الكريم قصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان وكان هذا اول طوفان في تاريخ البشريه.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~

    • [ATTACH=CONFIG]113499[/ATTACH]
      يوسف عليه السلام
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".

      وقد ذكره الله في عداد مجموعة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ الَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ الَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر: 34].



      حياة يوسف عليه السلام في فقرات:

      (أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:

      -1 هو يوسف بن يعقوب من زوجته راحيل، ولد في "فدان آرام" بالعراق حينما كان أبوه عند خاله (لابان)، ولما عاد أبوه إلى الشام - مهجر الأسرة الإِبراهيمية - كان معه حدثاً صغيراً. قالوا: وكان عمر يعقوب لما ولد له يوسف (91) سنة، وإن مولد يوسف كان لمضي (251) سنة من مولد إبراهيم.

      -2 توفيت أمه وهو صغير، فكفلته عمته وتعلقت نفسها به، فلما اشتد قليلاً أراد أبوه أن يأخذه منها، فضنَّت به وألبسته منطقة لإِبراهيم كانت عندها وجعلتها تحت ثيابه، ثم أظهرت أنها سُرقت منها، وبحثت عنها حتى أخرجتها من تحت ثياب يوسف، وطلبت بقاءه عندها يخدمها مدةً جزاءً له بما صنع، وبهذه الحيلة استبْقَتْه عندها، وكف أبوه عن مطالبتها به.

      -3 كان يوسف أثيراً عند أبيه من بين إخوته، وقد رأى يوسف -وهو غلام صغير- رؤيا قصها على أبيه، فقال له أبوه: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]، وذلك خشية عليه من حسدهم. وخلاصة الرؤيا: أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعرف يعقوب أنها تتضمن مجداً ليوسف يجعل إخوته وأبويه يخضعون لسلطانه.

      -4 حسده إخوته على ولوع أبيهم به وإيثاره عليهم، فدبروا له مكيدة إلقائه في الجب، فمرت قافلة فأرسلت واردها إلى البئر فأدلى دلوه، فتعلق يوسف به، فأخذوه عبداً رقيقاً وانتهى أمره إلى مصر فاشتراه رئيس الشرطة فيها، واحتل عنده مكاناً حسناً اكتسبه بحسن خلقه وصدقه، وأمانته وعبقريته. قالوا: ودخول يوسف إلى مصر يمكن تحديده قريباً من سنة (1600) ق.م في عهد الملك أبابي.

      -5 عشقته زوجة سيده وشغفت به، فراودته عن نفسه فاستعصم، فدبرت له مكيدة سجنه إذا لم يُلَبّ رغبتها منه، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33].

      -6 أعطاه الله علم تعبير الرؤى، وكشف بعض المغيبات، فاستخدم ذلك في دعوة السجناء معه إلى توحيد الله، وإلى دينه الحق.

      -7 كان معه في السجن فتيان: رئيسُ سُقاةِ الملك، ورئيس الخبازين، فرأى كل منهما في منامه رؤيا وعرضها على يوسف.

      أما رئيس سقاة الملك: فقد رأى أنه يعصر خمراً، فقال يوسف: ستخرج من السجن وتعود إلى عملك فتسقي الملك خمراً.

      وأما رئيس الخبازين: فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه طبقاً من الخبز، والطير تأكل من ذلك الخبر، فأخبره يوسف: أنه سيصلب وتأكل الطير من رأسه.

      وأوصى يوسف رئيس السقاة أن يذكره عند الملك.

      وقد تحقق ما عبر به يوسف لكل من الرجلين، إلا أن ساقي الملك نسي وصية يوسف.

      -8 لبث يوسف في السجن بضع سنين، حتى رأى الملك رؤيا البقرات السمان والبقرات العجاف، والسنابل الخضر والأخر اليابسات، فعرض رؤياه على السحرة والكهنة فلم يجد عندهم جواباً، عند ذلك تذكر ساقي الملك ما أوصاه به يوسف في السجن فأخبر الملك بأمره، فأرسله إلى يوسف يستفتيه في الرؤيا، فكان جواب يوسف بأن البلاد سيأتيها سبع سنوات مخصبات ثم يأتي بعدها سبع سنوات قحط وجدب. ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وتعم فيه البركة.

      -9 أُعجب الملك بما عبر به يوسف، فدعاه للخروج من السجن، ولكن يوسف أراد أن يعاد التحقيق في تهمته قبل خروجه، حتى إذا خرج خرج براءة تامة، فأعاد الملك التحقيق، فاعترفت بأنها هي التي راودته عن نفسه. عند ذلك خرج يوسف من السجن، وقربه الملك واستخلصه لنفسه، وجعله على خزائن الأرض، ويشبه هذا المنصب منصب (وزارة التموين والتجارة)، وسماه الملك اسماً يألفونه في مصر بحسب لغتهم (صفنات فعنيح)، وجعله بمثابة الملك مسلّطاً على كلّ مصر، باستثناء الكرسيّ الأول الذي هو للملك.[/COLR]SIZE
      -10 نظم يوسف أمر البلاد، وأدار دفة المنصب الذي وُكل إليه إدارة رائعة، وادَّخر في سنوات الخصب الحب في سنابله، لمواجهة الشدة في سنوات القحط، وجاءت سنوات القحط التي عمت مصر وبلاد الشام، فقام بتوزيع القوت ضمن تنظيم حكيم عادل.

      -11 علمت أسرته في أرض الكنعانين بأمر في مصر، فوفد إخوته إلاّ شقيقه بنيامين إلى مصر طالبين الميرة، لأن أباه -سيدنا يعقوب- صار حريصاً عليه بعد أن فقد ولده يوسف، فلما رآهم يوسف عليه السلام عرفهم، وأخذ يحقق معهم عن أسرتهم وعن أبيهم، واستجرَّ منهم الحديث فأخبروه عن بنيامين، فأعطاهم ميرتهم ورد لهم فضتهم في أوعيتهم، وكلفهم أن يأتوا بأخيهم بنيامين في المرة الأخرى، وإلا فليس لهم عنده ميرة، فوعدوه بذلك.

      -12 ذكروا لأبيهم ما جرى لهم في مصر، والشرط الذي شرطه عليهم العزيز، وبعد إلحاح شديد ومواثيق أعطوها من الله على أنفسهم، أذن لهم يعقوب عليه السلام بأن يأخذوا معهم أخاهم بنيامين.

      -13 ولما وفدوا على يوسف عليه السلام دبَّر لهم أمراً يستبقي فيه أخاه بنيامين عنده، فكلف غلمانه أن يدسوا الإِناء الفضيّ الذي يشرب به في رحل أخيه بنيامين. ولما حملوا ميرتهم عائدين إلى بلادهم أرسل الجنود للبحث عن سقاية الملك، فوجدوها في رحل بنيامين فأخذوه، وكان أمراً شديد الوقع على قلوبهم، وعادوا إلى يوسف يرجونه ويتوسلون إليه أن يخلي سبيل أخيهم، وعرضوا عليه أن يأخذ واحدا منهم مكانه، إلا أنه رفض. فرجعوا إلى أبيهم إلا كبيرهم رأوبين، وأخبروه الخبر فظن بهم سوءاً، وحزن حزناً أفقده بصره. ثم أمرهم بالعودة إلى مصر والتحسس عن يوسف وأخيه، فعادوا إلى مصر وألحّوا بالرجاء أن يمنَّ العزيز عليهم بالإِفراج عن أخيهم، وخلال محادثتهم معه بدرت منها بادرة أسرها يوسف في نفسه، إذ قالوا: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}، يشيرون إلى الحادثة التي اصطنعتها عمته حينما كان صغيراً لتستبقيه عندها.

      -14 وبأسلوب بارع عرّفهم يوسف بنفسه، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ؟!} قال: {أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ الَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 90] قالوا: {تَالَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ الَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 91] والتمسوا منه العفو والصفح عما كان منهم، فقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. وطلب منهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين، وبذلك انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وأقاموا فيها وتوالدوا حتى زمن خروجهم مع موسى عليه السلام.

      -15 قالوا: ولما اجتمع يوسف بأبيه - بعد الفراق - كان عمر يعقوب (130) سنة، فيكون عمر يوسف يومئذ (39) سنة، ثم توفي يعقوب بعدها ب (17)سنة. وعاش يوسف عليه السلام من السنين (110)، ومات في مصر وهو في الحكم ودفن فيها، ثم نقل رفاته إلى الشام أيام موسى عليهما السلام، ودفن بنابلس على الأرجح.

      قالوا: وكانت وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربع وستين سنة، وبعد مولد إبراهيم ب (361) سنة. ولكن مثل هذه المدة لا تكفي مطلقاً لأن يتكاثر فيها بنوا إسرائيل إلى المقدار الذي ذكر مؤرخوهم أنهم قد وصلوا إليه أيّام موسى عليه السلام.
      (ب) وقد فصَّل القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام في سورة كاملة مسماة باسمه،

      وقد أبرزت من حياته مثالاً فريداً من روائع القصص الإِنسانية الهادية المرشدة، مرت في حياة رسول مصلح.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113500[/ATTACH]
      هو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وقد آتاه الله الملك والنبوة، وهو من سِبط يهوذا بن يعقوب، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، وقال: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55].


      نسب داود عليه السلام:

      أثبت أهل التوراة وأهل الإِنجيل نسبه على الوجه التالي:

      هو داود بن يسى "إيشا" بن عَوْبيد بن بوعز "أفصان" بن سلمون بن نحشون بن عِمّيناداب بن إرَام، بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب "إسرائيل" عليه السلام.



      حياة داود عليه السلام في فقرات:

      )أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة داود عليه السلام ما يلي:

      أولاً- مقدمة عن حال بني إسرائيل منذ وفاة موسى عليه السلام حتى قيام ملك داود عليه السلام:

      -1 بعد انقضاء المدّة التي أقامها بنو إسرائيل في التيه -وهي (40) سنة- وبعد وفاة هارون وموسى، تولى أمر بني إسرائيل نبي من أنبيائهم اسمه (يوشع بن نون عليه السلام)، فدخل بهم بلاد فلسطين، وقسم لهم الأرضين. وكان لهم تابوت "صندوق" يسمونه تابوت الميثاق أو "تابوت العهد"، فيه ألواح موسى وعصاه ونحو ذلك، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].



      -2 لما توفي يوشع بن نون، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ولذلك سمي الحكم في هذه المدّة: حكم القضاة.

      وفي هذه المدة دبّ إلى بني إسرائيل التهاون الديني، فكثرت فيهم المعاصي، وفشا فيهم الفسق، إلى أن ضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلَّط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة لغزوات الأمم القريبة منهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من مواقعهم مع عدوهم، وكثيراً ما كان خصومهم يخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم.

      -3 وفي أواخر هذه المدّة سَلب الفلسطينيون منهم "تابوت العهد"، في حربٍ دارت بين الطرفين، وكان ممّن يدبر أمرهم في أواخر مدّة حكم القضاة نبي من أنبياء بني إسرائيل من سِبط لاوي اسمه: (صمويل = شَمْويل)، يتصل نسبه بهارون عليه السلام.

      فطلب بنو إسرائيل من (صمويل) أن يجعل عليهم ملكاً يجتمعون عليه، ويقاتلون في سبيل الله بقيادته، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].



      فسأل شمويل ربه في ذلك، فأوحى الله إليه أن الله قد جعل عليهم ملكاً منهم اسمه (طالوت= شاؤول) من سبط بَنْيامين، وكانت قبيلة بنيامين في ذلك العهد قد أوشكت على الفناء في حرب أهلية وفتن داخلية قامت بين بني إسرائيل، فاستنكروا أن يكون طالوت ملكاً عليهم.

      قال الله عزّ وجلّ: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247].



      فسألوا عن دليل رباني يدلهم على أن الله ملَّكه عليهم، فقال لهم صمويل:

      {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].



      وأعطاهم صمويل موعداً لمجيء التابوت تحمله الملائكة، فخرجوا لاستقباله فلما وجدوا التابوت قد جيء به حسب الموعد أذعنوا لملك طالوت، فكان أول ملك من ملوك بني إسرائيل.

      -4 جمع طالوت صفوف بني إسرائيل، وهيأهم لمحاربة عدوهم، وخرج بهم، ثم اصطفى منهم خلاصة للقتال، يقارب عددها عدد المسلمين في غزوة بدر. قالوا: وكان عددهم نحواً من (319) مقاتل، وذلك بطريقة قصها القرآن علينا في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].



      وهؤلاء القلة هم الذين اصطفاهم طالوت للقتال بعد رحلة برية شاقة سار بهم فيها، وقد اشتد فيها ظمأ القوم، وبهذه القلة التي جاوزت النهر واجه طالوت الأعداء.

      -5 لقي طالوت خصومه الوثنيين الفلسطينيين، وكان رئيسهم جالوت (جليات عند العبرانيين) قوياً شجاعاً فرهبه بنو إسرائيل.

      وهنا دخل في صفوف بني إسرائيل المقاتلين فتى صغير من سِبط يهوذا كان يرعى الغنم لأبيه "اسمه داود"، ولم يكن في الحسبان أن يدخل مثله في المقاتلين، ولكن أباه أرسله إلى إخوته الثلاثة الذين هم مع جيش طالوت ليأتيه بأخبارهم.

      قالوا: فرأى داود جالوت وهو يطلب المبارزة معتداً بقوته وباسه، والمقاتلون من بني إسرائيل قد رهبوه وخافوا من لقائه.

      فسأل داود -وهو الفتى الصغير- عما يصير لقاتل هذا الرجل الجبار شديد البأس، فأُجيب بأن الملك "طالوت" يغنيه ويزوِّجه ابنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل.

      فذهب داود إلى الملك طالوت وطلب منه الإِذن بمبارزة جالوت، فضنَّ به طالوت وحذره.

      فقال له داود: إني قتلت أسداً أخذ شاة من غنم أبي، وكان معه دبّ فقتلته أيضاً، فألبسه طالوت لامَة الحرب وعدة القتال، فلم يستطع داود أن يسير بها لعدم خبرته السابقة بذلك، فخلعها وتقدم بعصاه ومقلاعه وخمسة أحجار صلبة انتخبها من الوادي.

      وأقبل داود على جالوت وجرت بينهما مكالمةٌ عن بعد، وأظهر جالوت احتقار الفتى وازدراءه، والعفة عن مبارزته لصغر سنِّه، لكن داود أخذ مقلاعه -وكان ماهراً به- وزوَّده بحجرٍ من أحجاره، ورمى به فثبت الحجر في جبهة جالوت الجبار فطرحه أرضاً، ثم أقبل إليه وأخذ سيفه وفصل به رأسه، وتمت الهزيمة لجنود جالوت بإذن الله!

      قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].



      ووفَّى طالوت لداود بالوعد، فزوجه ابنته (ميكال) وأغناه.

      -6 ومنذ ذلك التاريخ لمع اسم (داود) في جماهير بني إسرائيل، ثم توالت الانتصارات لبني إسرائيل على يد داود، وخاف طالوت على ملكه منه فلاحقه ولاحق أنصاره وعَزَمَ على التخلص منه بالقتل، إلاَّ أن الله سلَّم داود منه، ولم يكن من داود لطالوت إلاَّ الوفاء والطاعة وحسن العهد، وقد تهيأت له الفرصة عدة مرات أن يقتله فلم يفعل ولو شاء لانتزع منه الملك.

      -7 ولما لم يجد داود سبيلاً لإِصلاح نفس طالوت عليه، اعتزل عنه بعد عدة محاولات وفاء قام بها نحوه، فلم يخفف ذلك من حسده وقلقه وآلامه.

      ومن ثَمّ بدأت الهزائم تلاحق طالوت في حروبه مع أعداء بني إسرائيل، حتى قُتل هو وثلاثة من بنيه، وهُزم رجاله. قالوا: وقد ندم طالوت على ما كان منه وتاب.

      وكان نبيهم صمويل قد تغير على طالوت وهجره لما بدر منه نحو داود، وقد أُخبر داود أن المُلكَ صائر إليه بعد موت طالوت.

      ثانياً- داود في الملك:

      -8 علم داود بمقتل طالوت، فصعد إلى حبرون (مدينة الخليل)، فجاء رؤساء سبط يهوذا وبايعوه بالملك.

      أما بقية أسباط بني إسرائيل فقد دانوا بالطاعة لولد من أولاد طالوت اسمه: (إيشبوشت).

      ثم قامت حروب بين جنود داود وجنود إيشبوشت، انتهت بمقتل ابن طالوت بعد سنتين أو ثلاث، واستتب لداود الملك العام على بني إسرائيل، وكان عمره (30) سنة.

      -9 اتسعت مملكة بني إسرائيل على يد داود عليه السلام، وآتاه الله مع الملك النبوة، وجعله رسولاً إلى بني إسرائيل يحكم بالتوراة، كما أنزل عليه (الزبور) - أحد الكتب السماوية الأربعة الكبار - وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب.

      -10 قالوا: وقد دام ملكه (40) سنة ثم توفي عليه السلام، ودفن في "بيت لحم" بعد أن أوصى بالملك لابنه سليمان، فيكون عمره على هذا حين قبض عليه السلام (70) سنة. والله أعلم.

      )ب) وقد تعرض القرآن الكريم في عدة سور لحياة داود عليه السلام، بشكل تناول أهم النقاط البارزة في حياته، مما يتصل ببدء ظهور اسمه في بني إسرائيل، وملكه ونبوته، وبعض صفاته ونعم الله عليه، وأبرز ما جاء فيه النقاط التالية:

      -1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل عليه الزبور، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، وعلمه مما يشاء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحق.

      -2 إثبات أنه قتل جالوت في المعركة التي قامت بين بني إسرائيل وعدوهم بقيادة طالوت.

      -3 إثبات أن الله أنعم عليه بنعم كثيرة منها:

      )أ) أن الله آتاه الملك وشدّه له، وجعله خليفة في الأرض، وأعطاه قوةً في حكمه.

      (ب) أن الله سخر الجبال والطير يسبحن معه في العشي والإِبكار.

      "فقد آتاه الله صوتاً حسناً، وقدرة على الإِنشاد البديع، فهو يصدح بصوته بتسبيح الله وتحميده، ويتغنى فيه بكلام الله في الزبور في العشي والإِبكار، فترجّع الجبال معه التسبيح والتحميد، وتجتمع عليه الطير فترجع معه تسبيحاً وترنماً وغناءً.

      )جـ) أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى ولده سليمان من بعده مثل ذلك.

      )د) أن الله ألان له الحديد، "فهو يتصرف بَطيّه وتقطيعه ونسجه، كما يتصرف أحدنا بالأشياء اللينة بطبعها.

      )هـ) أن الله علَّمه صناعة دروع الحرب المنسوجة من زرد الحديد.

      قالوا: وكانت هذه الصناعة غير معروفة قبل داود عليه السلام.

      -4 عرض قصة استفتاء فقهي وُجِّه إليه، فأفتى فيه بوجه، وكان ابنه سليمان فتىً صغيراً حاضراً مجلس الاستفتاء فأفتى بوجه آخر، وكان ما أفتى به سليمان أضمن للحق وأقرب للصواب.

      وذلك ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78-79].



      نفشت: أي رعت ليلاً بلا راعٍ.

      قال المفسرون: إن زرعاً دخلت فيه ليلاً غنم لغير أهله، فأكلته وأفسدته، فجاء المتحاكمون إلى داود - وعنده سليمان -، فحكم داود بالغنم لصاحب الحرث عوضاً عن حرثه الذي أتلفته الغَنم ليلاً. فقال سليمان - وهو ابن إحدى عشرة سنة -: غير هذا أرفق، فأمر بدفع الغنم إلى أهل الحرث لينتفعوا بألبانها وأولادها وأشعارها، وبدفع الحرث إلى أهل الغنم ليقوموا بإصلاحه حتى يعود إلى ما كان، ثم يترادّان.

      -5 عرض قصة الخصمين اللذين تسوّرا على داود، ودخلا عليه المحراب في وقت عبادته الخاصة التي يخلو بها ولا يسمح لأحد أن يدخل عليه فيها، ففزع داود منهما، لأنهما لم يستأذنا بالدخول عليه، ولم يدخلا محرابه من بابه، فقالا له:

      {لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ} [ص: 22] أي: لا تَجُرْ في الحكم - {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}.

      فأصغى لهما داود، فقال أحد الخصمين:

      {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} - أي: ملكنيها- {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] أي: غلبني في المخاصمة بنفوذٍ أو بقوة.

      وسكت الآخر سكوت إقرار.

      فقال داود: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24].

      وانصرف المتسوران دون أن يعلِّقا بشيء على ما أفتى به داود.

      فرجع داود إلى نفسه، فعرف أن الله أرسل إليه هؤلاء القوم بهذا الاستفتاء ابتلاء، وذلك لينبهه على أمر ما كان يليق به أن يصدر منه بحسب مقامه، فوبخ نفسه: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} تائباً من ذنبه، خائفاً من ربه.



      وتطبيقاً لمبدأ عصمة الرسل عليهم السلام، فإن ما فُتِنَ به داود ونبِّه عليه عن طريق الخصمين المستفتيين ينبغي أن لا يكون معصية ثابتة، وإنما هو من المباحات العامة التي لا تليق بمقام الرسل المصطفين عليهم السلام.

      هذا إذا كانت الحادثة بعد النبوة، أما إذا كانت قبل النبوة فينبغي أن لا تكون من الكبائر، إذ الكبائر لا تليق بآحاد المؤمنين، فضلاً عن الذين يهيؤون للرسالة. والله أعلم.

      وذكر فريق من المفسرين أنّ فتنة داود عليه السلام كانت لأنه حكم بمجرّد سماع الدعوى، دون أن يسأل البيِّنة، أو يسمع كلام المدَّعى عليه، ولذلك قال الله له بعد ذلك كما جاء: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113499[/ATTACH]
      يوسف عليه السلام
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".

      وقد ذكره الله في عداد مجموعة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ الَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ الَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر: 34].



      حياة يوسف عليه السلام في فقرات:

      (أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:

      -1 هو يوسف بن يعقوب من زوجته راحيل، ولد في "فدان آرام" بالعراق حينما كان أبوه عند خاله (لابان)، ولما عاد أبوه إلى الشام - مهجر الأسرة الإِبراهيمية - كان معه حدثاً صغيراً. قالوا: وكان عمر يعقوب لما ولد له يوسف (91) سنة، وإن مولد يوسف كان لمضي (251) سنة من مولد إبراهيم.

      -2 توفيت أمه وهو صغير، فكفلته عمته وتعلقت نفسها به، فلما اشتد قليلاً أراد أبوه أن يأخذه منها، فضنَّت به وألبسته منطقة لإِبراهيم كانت عندها وجعلتها تحت ثيابه، ثم أظهرت أنها سُرقت منها، وبحثت عنها حتى أخرجتها من تحت ثياب يوسف، وطلبت بقاءه عندها يخدمها مدةً جزاءً له بما صنع، وبهذه الحيلة استبْقَتْه عندها، وكف أبوه عن مطالبتها به.

      -3 كان يوسف أثيراً عند أبيه من بين إخوته، وقد رأى يوسف -وهو غلام صغير- رؤيا قصها على أبيه، فقال له أبوه: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]، وذلك خشية عليه من حسدهم. وخلاصة الرؤيا: أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعرف يعقوب أنها تتضمن مجداً ليوسف يجعل إخوته وأبويه يخضعون لسلطانه.

      -4 حسده إخوته على ولوع أبيهم به وإيثاره عليهم، فدبروا له مكيدة إلقائه في الجب، فمرت قافلة فأرسلت واردها إلى البئر فأدلى دلوه، فتعلق يوسف به، فأخذوه عبداً رقيقاً وانتهى أمره إلى مصر فاشتراه رئيس الشرطة فيها، واحتل عنده مكاناً حسناً اكتسبه بحسن خلقه وصدقه، وأمانته وعبقريته. قالوا: ودخول يوسف إلى مصر يمكن تحديده قريباً من سنة (1600) ق.م في عهد الملك أبابي.

      -5 عشقته زوجة سيده وشغفت به، فراودته عن نفسه فاستعصم، فدبرت له مكيدة سجنه إذا لم يُلَبّ رغبتها منه، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33].

      -6 أعطاه الله علم تعبير الرؤى، وكشف بعض المغيبات، فاستخدم ذلك في دعوة السجناء معه إلى توحيد الله، وإلى دينه الحق.

      -7 كان معه في السجن فتيان: رئيسُ سُقاةِ الملك، ورئيس الخبازين، فرأى كل منهما في منامه رؤيا وعرضها على يوسف.

      أما رئيس سقاة الملك: فقد رأى أنه يعصر خمراً، فقال يوسف: ستخرج من السجن وتعود إلى عملك فتسقي الملك خمراً.

      وأما رئيس الخبازين: فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه طبقاً من الخبز، والطير تأكل من ذلك الخبر، فأخبره يوسف: أنه سيصلب وتأكل الطير من رأسه.

      وأوصى يوسف رئيس السقاة أن يذكره عند الملك.

      وقد تحقق ما عبر به يوسف لكل من الرجلين، إلا أن ساقي الملك نسي وصية يوسف.

      -8 لبث يوسف في السجن بضع سنين، حتى رأى الملك رؤيا البقرات السمان والبقرات العجاف، والسنابل الخضر والأخر اليابسات، فعرض رؤياه على السحرة والكهنة فلم يجد عندهم جواباً، عند ذلك تذكر ساقي الملك ما أوصاه به يوسف في السجن فأخبر الملك بأمره، فأرسله إلى يوسف يستفتيه في الرؤيا، فكان جواب يوسف بأن البلاد سيأتيها سبع سنوات مخصبات ثم يأتي بعدها سبع سنوات قحط وجدب. ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وتعم فيه البركة.

      -9 أُعجب الملك بما عبر به يوسف، فدعاه للخروج من السجن، ولكن يوسف أراد أن يعاد التحقيق في تهمته قبل خروجه، حتى إذا خرج خرج براءة تامة، فأعاد الملك التحقيق، فاعترفت بأنها هي التي راودته عن نفسه. عند ذلك خرج يوسف من السجن، وقربه الملك واستخلصه لنفسه، وجعله على خزائن الأرض، ويشبه هذا المنصب منصب (وزارة التموين والتجارة)، وسماه الملك اسماً يألفونه في مصر بحسب لغتهم (صفنات فعنيح)، وجعله بمثابة الملك مسلّطاً على كلّ مصر، باستثناء الكرسيّ الأول الذي هو للملك.[/COLR]SIZE
      -10 نظم يوسف أمر البلاد، وأدار دفة المنصب الذي وُكل إليه إدارة رائعة، وادَّخر في سنوات الخصب الحب في سنابله، لمواجهة الشدة في سنوات القحط، وجاءت سنوات القحط التي عمت مصر وبلاد الشام، فقام بتوزيع القوت ضمن تنظيم حكيم عادل.

      -11 علمت أسرته في أرض الكنعانين بأمر في مصر، فوفد إخوته إلاّ شقيقه بنيامين إلى مصر طالبين الميرة، لأن أباه -سيدنا يعقوب- صار حريصاً عليه بعد أن فقد ولده يوسف، فلما رآهم يوسف عليه السلام عرفهم، وأخذ يحقق معهم عن أسرتهم وعن أبيهم، واستجرَّ منهم الحديث فأخبروه عن بنيامين، فأعطاهم ميرتهم ورد لهم فضتهم في أوعيتهم، وكلفهم أن يأتوا بأخيهم بنيامين في المرة الأخرى، وإلا فليس لهم عنده ميرة، فوعدوه بذلك.

      -12 ذكروا لأبيهم ما جرى لهم في مصر، والشرط الذي شرطه عليهم العزيز، وبعد إلحاح شديد ومواثيق أعطوها من الله على أنفسهم، أذن لهم يعقوب عليه السلام بأن يأخذوا معهم أخاهم بنيامين.

      -13 ولما وفدوا على يوسف عليه السلام دبَّر لهم أمراً يستبقي فيه أخاه بنيامين عنده، فكلف غلمانه أن يدسوا الإِناء الفضيّ الذي يشرب به في رحل أخيه بنيامين. ولما حملوا ميرتهم عائدين إلى بلادهم أرسل الجنود للبحث عن سقاية الملك، فوجدوها في رحل بنيامين فأخذوه، وكان أمراً شديد الوقع على قلوبهم، وعادوا إلى يوسف يرجونه ويتوسلون إليه أن يخلي سبيل أخيهم، وعرضوا عليه أن يأخذ واحدا منهم مكانه، إلا أنه رفض. فرجعوا إلى أبيهم إلا كبيرهم رأوبين، وأخبروه الخبر فظن بهم سوءاً، وحزن حزناً أفقده بصره. ثم أمرهم بالعودة إلى مصر والتحسس عن يوسف وأخيه، فعادوا إلى مصر وألحّوا بالرجاء أن يمنَّ العزيز عليهم بالإِفراج عن أخيهم، وخلال محادثتهم معه بدرت منها بادرة أسرها يوسف في نفسه، إذ قالوا: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}، يشيرون إلى الحادثة التي اصطنعتها عمته حينما كان صغيراً لتستبقيه عندها.

      -14 وبأسلوب بارع عرّفهم يوسف بنفسه، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ؟!} قال: {أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ الَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 90] قالوا: {تَالَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ الَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 91] والتمسوا منه العفو والصفح عما كان منهم، فقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. وطلب منهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين، وبذلك انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وأقاموا فيها وتوالدوا حتى زمن خروجهم مع موسى عليه السلام.

      -15 قالوا: ولما اجتمع يوسف بأبيه - بعد الفراق - كان عمر يعقوب (130) سنة، فيكون عمر يوسف يومئذ (39) سنة، ثم توفي يعقوب بعدها ب (17)سنة. وعاش يوسف عليه السلام من السنين (110)، ومات في مصر وهو في الحكم ودفن فيها، ثم نقل رفاته إلى الشام أيام موسى عليهما السلام، ودفن بنابلس على الأرجح.

      قالوا: وكانت وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربع وستين سنة، وبعد مولد إبراهيم ب (361) سنة. ولكن مثل هذه المدة لا تكفي مطلقاً لأن يتكاثر فيها بنوا إسرائيل إلى المقدار الذي ذكر مؤرخوهم أنهم قد وصلوا إليه أيّام موسى عليه السلام.
      (ب) وقد فصَّل القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام في سورة كاملة مسماة باسمه،

      وقد أبرزت من حياته مثالاً فريداً من روائع القصص الإِنسانية الهادية المرشدة، مرت في حياة رسول مصلح.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113501[/ATTACH]

      جاء رجل إلى سيدنا لقمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، وبصحبته أخ له مريض ، عجز أطباء زمانه عن شفائه ، يريد من لقمان عليه السلام أن يشفيه ،

      كان المريض ضعيفا سقيما لا يقدر على الحراك ، نظر سليمان الحكيم إلى المريض وقال لأخيه : لا أجد له عندي دواءً ، عاد الاثنان أدراجهما ، وفي الطريق اشتد العطش على المريض وطلب من أخيه الماء ، ذهب الأخ يبحث لأخيه عن الماء ، و في أثناء ذلك أخذت المريض سِنة من النوم فنام ، وبينما هو يغط في نوم عميق ، أقبلت راعية ترعى أغنامها ، فوجدته نائما والذباب يحط عليه من كل مكان ، نظرت الراعية من حوله فلم تجد عنده ماءً ولا طعاما ، وأرادت أن تحلب له لبنا ليشربه عندما يستيقظ من نومه ، بحثت في كل مكان عن وعاء للحليب فلم تجد غير رأس جمجمة إنسان رمة بالية ، أخذتها ونظفتها وحلبت بها من أغنامها ، ووضعتها عند رأسه ، حتى إذا ما استيقظ من نومه وجد اللبن بجانبه ليشربه ، ثم ذهبت طريقها.

      وفي أثناء نومه ، أتى ثعبان إلى وعاء اللبن ووضع به السم .
      صحا المريض من نومه ونظر من حوله ومن خلفه ؛ فرأى خلفه شجرة طماطم وعليها ثمرة واحدة ، مدَّ المريض يده وقطف ثمرة الطماطم ثم أكلها ، ونظر بجانبه فوجد وعاءً به لبن ، شربه فحمد الله وأثنى عليه .
      عاد أخوه من رحلة البحث عن الماء ، فوجد أخاه المريض في عافية و بصحة جيدة ، قدّم له الماء ولكنه رفضه فقد شرب قبل قليل من اللبن ما يرويه .
      عاد كلاهما إلى لقمان عاتبين ، كيف لا يتمكن لقمان الحكيم من علاجه ؟ .
      قال لهما لقمان عليه السلام :
      أما ثمرة الطماطم فهي باكورة الثمر .
      وأما اللبن فمن باكورة الغنم .
      وأما الجمجمة فهي جمجمة ابن لامرأة هو باكورة ابنائها .
      وأما السم فمن باكورة ثعبان .

      ==
      من قصص التراث الشعبي الفلسطيني

      قصة / الطيّب له الطيّبات

      مرض ملك مرضا شديدا ، وعجز جميع الأطباء عن علاجه ، وازدادت صحته سوءا على سوء .
      علم بمرضه جميع سكان المملكة ، وانتشر أمره بين الناس ، فلا علاج له ، وهو لا محالة سيموت بمرضه هذا .
      وعلى أطراف مدينة الملك ، كان فقير يعمل بستانيا عند أحد الأثرياء ، وأثناء عمله وقعت عينه على حبة تفاح فوق شجرة ، خالية من ثمار التفاح ، باستثناء تلك الحبة .
      قال في نفسه : هذه الحبة سوف تكون بإذن الله علاجا للملك من مرضه ، قطفها ثم ذهب بها إلى الملك ، وعندما وصل القصر منعه الحرس من الدخول ، فهو رجل فقير معدم ذو ثياب رثَّة بالية ، ولا يستحق مقابلة الملك .
      أصرّ الرجل على الدخول ، وشرح لرجال حراسة القصر ، أنه يملك له علاجا شافيا .
      قال له الحرس : أيها الصعلوك : إن كان علاجك هذا لا يشف الملك من مرضه فسوف نقطع رأسك ، فقد أحضرنا له كل أطباء الدنيا وعجزوا عن علاجه !!! .
      وافق الفقير على ذلك ودخل إلى الملك قائلا له : يا ملك الزمان : إنك سوف تشفى من مرضك بإذن الله ؛ إن أكلت هذه التفاحة ، متوكلا على الله ، واثقا بأن الله سوف يشفيك عن طريقها .
      وافق الملك فأكل التفاحة ونفسه مطمئنة واثقة ، وبدأت صحته تتحسّن تدريجيا حتى شفي تماما من جميع أمراضه ؛ فطلب الملك من حاشيته أن يُحضروا له الفقير .
      وقف الفقير بين يدي الملك وقال لحاشيته : أعطوه كل شيء يتمناه من مال ومن ملك حتى لو طلب منكم قصري هذا أو طلب وزارة من وزاراتي .
      أخذته حاشية الملك الفقير؛ لتعطيه ما يطلب ويتمنى ، وعرضوا عليه قصرا فاخرا ، ولكن الفقير رفض ، ثم عرضوا عليه بساتينا وأموالا ، ولكنه رفض أيضا ، ثم قال الفقير لحاشية الملك : هل بقي من مُلك الملك شيئا لم أره بعد ؟
      قالوا نعم : بقي قصر للملك في وسط البحر .
      قال أريد أن أدخله وأُعاينه .
      دخل الجميع القصر ؛ فوقعت عينه على زجاجة عطر، من العطر الملكي الثمين ، قال : أريد هذه الزجاجة ولا شيء غيرها .
      تعجّب الجميع من صنعه ، كيف يترك القصور والبساتين والأموال والخيرات ويرضى بتلك الزجاجة ، التي لا تساوي شيئا ، أمام ذلك العز والمال والمُلك والثراء .
      علم الملك بطلب الفقير ووافق عليه ، ثم أمر بحاشيته أن تراقب الفقير .
      ذهب الفقير ومن معه من رجالات الملك إلى الشجرة التي كانت تحضن في أعلاها ثمرة التفاح التي عالج بها الملك ، وفتح زجاجة العطر ثم سكبها عند جذع الشجرة وعلى أغصانها وأوراقها .
      علم الملك بما فعل الرجل وطلب بأن يمثل بين يديه ، سأل الملك الفقير : لماذا فعلت ذلك ؟
      قال الفقير للملك : يا جلالة الملك المعظم :إنما جزاء الطيب أن نقدم له طيب مثله . ويسلم لي القارئ يا رب
      ==
      من قصص التراث الشعبي الفلسطيني

      قصة / الصغير صغير وإن كبر

      طلب شاب من أبيه شيخ القبيلة أن يعلمه الرجولة ، فقال له : اذهب يا ولدي بين القبائل وخالط الرجال ؛ لتتعلم عندها وعلى أيديها الرجولة ، ذهب الشاب إلى القبائل واختلط بالرجال ، والتحق بقبيلة تشتهر بقطع الطرق على المارة والقوافل التجارية ، وقوافل الحج لبيت الله الحرام ، كما وجدها تشتهر بكل أنواع الفساد ، من قتل وتخريب وبطش إفساد ، تعلم الشاب أفعالهم ، وأصبح شريكا لهم في جرائمهم ، وفي عنفوان أعمال الشاب ، وجبروته وإفساده في الأرض ، قابله رجل من تلك القبيلة سيئة الذكر ؛ فقال له : ألست أنت ابن الشيخ فلان ؟
      قال بلى .
      قال له : إن أباك شيخ عشيرة مشهود له بالكرامة والشرف والإباء ، فكيف جئت إلى هنا ؟ ومن الذي سمح لك بذلك ؟ .
      قال الشاب : أرسلني أبي لكي أتعلم الرجولة .
      قال له : عُد إلى أبيك وأخبره بأن الصغير صغير وإن كبر، والكبير كبير وإن صغر .
      عاد الشاب إلى مضارب عشيرته ، وأخبر والده الخبر .
      جمع شيخ القبيلة عشيرته وقال لهم : إن ابني هذا يريد أن يتعلم الرجولة ، وقد سافر إلى القبائل ، وعاش بين الناس واختلط بالرجال ، وإني أريد أن أسأله سؤالا واحدا ، فإن أجابني عليه خلعت عباءتي إليه ، وسلّمت له أمور العشيرة بأسرها .
      اجتمعت العشيرة وسأل الشيخ ابنه : ما هي الرجولة يا ولدي ؟ .
      قال الشاب : الرجولة أن تكن قويا يهابك الناس والجيران ، وأن تجمع المال والغلمان ، وأن تعيش في الظلام بغير أمان ، وأن تصطاد الحيتان والغزلان .
      هزَّ شيخ القبيلة رأسه ، وطلب من ابنه الأصغر أن يجيب على السؤال ذاته : ما هي الرجولة يا ولدي ؟ .
      أجاب ابنه الأصغر قائلا : الرجولة يا أبي هي : الصبر في الرخا والبلا، وتقوى الله في العلا والخلا، وحسن الخلق مع الله والملا .

      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113502[/ATTACH]
      [U]تستمد قصة الملكة بلقيس أهميتها من ذكر قصتها في الكتاب الحكيم مع النبي سليمان – عليه السلام - في سورة النمل، مما أكسبها شهرة لم تكن للكثير من الملوك من قبلها أو من بعدها، وضمنت بأن يبقى ذكرها خالداً عبر العصور، وعلى مر الدهور؛ وذلك لأن القرآن باقٍ وخالدٌ إلى آخر الزمان كما قال الحق – جل وعلا -: " إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون".

      وقد قُسّمت هذه القصة إلى ثلاثة اقسام:

      الأول- نسب بلقيس و حكمها: ويتناول هذا القسم نبذة عن حياة الملكة بلقيس وعن حكمها لمملكة سبأ. والمعلومات في هذا الجزء من البحث وردت في المصادر ملخصة ومتشابهة إلى حدٍ ما.

      والثاني- قصة بلقيس في القرآن: ويتناول هذا القسم قصة الملكة بلقيس مع النبي سليمان – عليه السلام - في سورة النمل.

      والثالث- قراءةٌ في شخصية الملكة بلقيس: وهذا القسم ينظر عن كثب في شخصية الملكة بلقيس بعيداً عن التلفيق و التنميق، أو الافتراء والتزويق.

      وفي النهاية فإن هذا البحث لا يعد سوى قطرةٍ في بحرٍ غير مسبور الأغوار، ورحلة ا لمسافر متعب من كثرة الأسفار، وزهرة في بستان مليء بالأزهار .هذا والله أعلم بالسرائر.

      نسبهــــا:

      تنسب الملكة بلقيس إلى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر [1]، و هناك اختلاف كبير بين المراجع التاريخية في تحديد اسم ونسب هذه الملكة الحِمْيَرية اليمانية، كما أنه لا يوجد تأريخ لسنة ولادتها ووفاتها.



      حُكمهــــــــــا:

      كانت بلقيس سليلة حسبٍ و نسب، فأبوها كان ملكاً، و قد ورثت الملك بولاية منه؛ لأنه على ما يبدو لم يرزق بأبناء بنين. لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء و الاستياء، فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة[2]، أليس منهم رجلٌ رشيد؟ و كان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ، ومنهم الملك "عمرو بن أبرهة" الملقب بذي الأذعار. فحشر ذو الأذعار جنده و توجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها و على ملكتها بلقيس، إلا أن بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها، واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار. و عادت بلقيس بعد أن عم الفساد أرجاء مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار، فدخلت عليه ذات يوم في قصره و ظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه، استلت سكيناً و ذبحته بها[3]. إلا أن رواياتٍ أخرى تشير إلى أن بلقيس أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها بغية الانتقام منه، وعندما دخلت عليه فعلت فعلتها التي في الرواية الأولى[4]. وهذه الحادثة هي دليلٌ جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده.

      وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيمّا ازدهار، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء و الحضارة والعمران والمدنية. كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة. ومما أذاع صيتها و حببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله[5]. وبلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها.



      قصة بلقيس في القرآن

      ورد ذكر الملكة بلقيس في القرآن الكريم، فهي صاحبة الصرح المُمَرد من قوارير وذات القصة المشهورة مع النبي سليمان بن داود - عليه السلام - في سورة النمل.

      وقد كان قوم بلقيس يعبدون الأجرام السماوية والشمس على وجه الخصوص، و كانوا يتقربون إليها بالقرابين، و يسجدون لها من دون الله، و هذا ما لفت انتباه الهدهد الذي كان قد بعثه سليمان - عليه السلام- ليبحث عن موردٍ للماء. و بعد الوعيد الذي كان قد توعده سليمان إياه لتأخره عليه بأن يعذبه إن لم يأت بعذرٍ مقبول عاد الهدهد و عذره معه “أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين”[6]، فقد وجد الهدهد أن أهل سبأ على الرغم مما آتاهم الله من النعم إلا أنهم” يسجدون للشمس من دون الله “[7].

      فما كان من سليمان –عليه السلام- المعروف بكمال عقله وسعة حكمته إلا أن يتحرّى صدق كلام الهدهد، فقال: " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين"[8]، وأرسل إلى بلقيس ملكة سبأ بكتابٍ يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله ورسوله والإنابة والإذعان، وأن يأتوه مسلمين خاضعين لحكمه وسلطانه، ونصه"إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم* ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين" [9].

      كانت بلقيس حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والذهب مما يسلب الألباب ويذهب بالمنطق والأسباب[10]. ولما عُرف عن بلقيس من رجاحة وركازة العقل فإنها جمعت وزراءها وعلية قومها، و شاورتهم في أمر هذا الكتاب. في ذلك الوقت كانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الأخرى تخشاها، و تحسب لها ألف حساب. فكان رأي وزرائها “ نحن أولوا قوةٍ و أولوا بأس شديدٍ “[11] في إشارةٍ منهم إلى اللجوء للحرب والقوة. إلا أن بلقيس صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مخالفاً لرأيهم، فهي تعلم بخبرتها وتجاربها في الحياة أن “ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون”[12]. وبصرت بما لم يبصروا ورأت أن ترسل إلى سليمان بهديةٍ مع علية قومها وقلائهم، عله يلين أو يغير رأيه، منتظرةٌ بما يرجع المرسلون. ولكن سليمان –عليه السلام- رد عليهم برد قوي منكر صنيعهم ومتوعد إياهم بالوعيد الشديد قائلاً: “أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون”[13].

      عندها أيقنت بلقيس بقوة سليمان وعظمة سلطانه، وأنه لا ريب نبي من عند الله –عز وجل-، فجمعت حرسها وجنودها واتجهت إلى الشام حيث سليمان –عليه السلام-.

      وكان عرش بلقيس وهي في طريقها إلى سليمان –عليه السلام- مستقراً عنده، فقد أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها، فأتاه به رجلٌ عنده علم الكتاب قبل أن يرتد إليه طرفه. ومن ثم غّير لها معالم عرشها، ليعلم أهي بالذكاء و الفطنة بما يليق بمقامها و ملكها[14].

      ومشت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتداً على عرشها، إلا أنها حسبته لجةً فكشفت عن ساقيها وكانت مخطئة بذلك عندها عرفت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم لغير الله –تعالى- وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.

      وتقول المراجع التاريخية أن سليمان –عليه السلام- تزوج من بلقيس، وأنه كان يزورها في سبأ بين الحين والآخر. وأقامت معه سبع سنين وأشهراً، و توفيت فدفنها في تدمر[15].وتعلل المراجع سبب وفاة بلقيس أنها بسبب وفاة ابنها رَحْـبَم بن سليمان[16].

      وقد ظهر تابوت بلقيس في عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك و عليه كتابات تشير إلى أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من حكم سليمان. وفتح التابوت فإذا هي غضّة لم يتغير جسمها، فرفع الأمر إلى الخليفة فأمر بترك التابوت مكانه وبنى عليه الصخر[17].



      قراءةٌ في شخصية الملكة بلقيس

      • ذكر بلقيس في القرآن الكريم

      إن بلقيس لم تكن امرأة عادية، أو ملكة حكمت في زمن من الأزمان و مر ذكرها مرور الكرام شأن كثير من الملوك و الأمراء. و دليل ذلك ورود ذكرها في القرآن. فقد خلد القرآن الكريم بلقيس، و تعرض لها دون أن يمسّها بسوء ، و يكفيها شرفاً أن ورد ذكرها في كتابٍ منزلٍ من لدن حكيم عليم، وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، ولم و لن يعتريه أي تحريف أو تبديل على مر الزمان، لأن رب العزة –جل و علا- تكفل بحفظه وصونه “إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"[18]. فذِكر بلقيس في آخر الكتب السماوية و أعظمها و أخلدها هو تقدير للمرأة في كل زمان و مكان، هذه المرأة التي استضعفتها الشعوب والأجناس البشرية وحرمتها من حقوقها، وأنصفها الإسلام و كرمها أعظم تكريم. و هذا في مجمله وتفصيله يصب في منبع واحد، ألا وهو أن الملكة بلقيس كان لها شأنٌ عظيم جعل قصتها مع النبي سليمان –عليه السلام- تذكر في القرآن الكريم .



      • رجاحة عقل بلقيس، و بليغ حكمتها، و حسن مشاورتها

      إن الملكة بلقيس ما كان لها هذا الشأن العظيم لولا اتصافها برجاحة العقل و سعة الحكمة و غزارة الفهم. فحسن التفكير و حزم التدبير أسعفاها في كثيرٍ من المواقف الصعيبة والمحن الشديدة التي تعرضت لها هي ومملكتها؛ و منها قصتها مع الملك ذي الأذعار الذي كان يضمر الشر لها و لمملكتها، ولكن دهاءها وحنكتها خلصاها من براثن ذي الأذعار و خلص قومها من فساده و طغيانه و جبروته.

      كما أنها عرفت بحسن المشاورة إلى جانب البراعة في المناورة، فهي لم تكن كبقية الملوك متسلطة في أحكامها، متزمتة لآرائها، لا تقبل النقاش أو المجادلة، بل كانت كما أجرى الله على لسانها “ قالت أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون}[19]، و ذلك على الرغم من أنه كان بمقدورها أن تكتفي برأيها و هي الملكة العظيمة صاحبة الملك المهيب . فهي ببصيرتها النيّرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد، فهّمها كان فيما يحقق مصلحة الجماعة.



      • ذكاء بلقيس وفطنتها

      كانت بلقيس فطينة رزينة، و كانت فطنتها نابعة من أساس كونها امرأة، فالمرأة خلقها الله –عز وجل- وجعلها تتمتع بحاسة تمكنها من التبصر في نتائج الأمور وعواقبها. والشاهد على ذلك أنه كان لبلقيس –كعادة الملوك- عدد كبير من الجواري اللاتي يقمن على خدمتها، فإذا بلغن استدعتهن فرادى، فتحدث كل واحدة عن الرجال فإن رأت أن لونها قد تغير فطنت إلى أن جاريتها راغبة في الزواج، فتُزوجها بلقيس رجلاً من أشراف قومها وتكرم مثواها. أما إذا لم تضطرب جاريتها ولم تتغير تعابير وجهها، فطنت بلقيس إلى أنها عازفة عن الرجال، وراغبة في البقاء عندها ولم تكن بلقيس لتقصر معها. ومن أمارات فطنتها أيضا أنه لما ألقي عليها كتاب سليمان علمت من ألفاظه أنه ليس ملكاً كسائر الملوك، وأنه لا بد وأن يكون رسول كريم وله شأنٌ عظيم؛ لذلك خالفت وزراءها الرأي عندما أشاروا عليها باللجوء إلى القوة، وارتأت بأن ترسل إلى سليمان بهدية، و كان المراد من وراء هذه الهدية ليس فقط لتغري وتلهي سليمان – عليه السلام - بها، وإنما لتعرف أتغير الهدية رأيه و تخدعه؟ و لتتفقد أحواله و تعرف عن سلطانه و ملكه و جنوده. ومن علامة ذكائها أيضا أن سليمان – عليه السلام - عندما قال لها متسائلاً “ أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو"[20]، ولم تؤكد أنه هو لعلمها أنها خلفت عرشها وراءها في سبأ ولم تعلم أن لأحد هذه القدرة العجيبة على جلبه من مملكتها إلى الشام. كما أنها لم تنفِ أن يكون هو؛ لأنه يشبه عرشها لولا التغيير والتنكير الذي كان فيه[21].



      إسلام الملكة بلقيس مع سليمان

      كثيرةٌ هي القصص المذكورة في القرآن عن أقوامٍ لم يؤمنوا برسل الله و ظلوا على كفرهم على الرغم مما جاءهم من العلم . إلا أن بلقيس وقومها آمنوا برسول الله سليمان –عليه السلام- ولم يتمادوا في الكفر بعدما علموا أن رسالته هي الحق وأن ما كانوا يعبدون من دون الله كان باطلاً. واعترفت بلقيس بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها لغير الله “ قالِت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين

      [/U]
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113503[/ATTACH]

      [TABLE='width: 100%']
      [TR]
      [TD='align: center']يروى أن ابراهيم عليه السلام ولد ببابل و تزوج سارة و كانت عاقراً لا تلد ثم ارتحل هو و وزجته سارة و ابن أخيه لوط قاصدين أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فأقاموا بحران وكانوا يعبدون الكواكب السبعة.
      والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين، يستقبلون القطب الشمالي، ويعبدون الكواكب ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل بكوكب منها، ويعملون لها أعياداً وقرابين.
      وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام، وكل من كان على وجه الأرض كانوا كفاراً، سوى إبراهيم الخليل، وامرأته، وابن أخيه لوط عليهم السلام، وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور، وأبطل به ذاك الضلال، فإن الله سبحانه وتعالى أتاه رشده في صغره، وابتعثه رسولاً، واتخذه خليلاً في كبره قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أي كان أهلاً لذلك.

      وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له، كما قال تعالى:
      {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً }.
      فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة، و بيـَّن له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها، ولا تبصر مكانه، فكيف تغني عنه شيئاً، أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر؟
      ثم قال منبهاً على ما أعطاه الله من الهدى، والعلم النافع، وإن كان أصغر سناً من أبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} أي: مستقيماً، واضحاً، سهلاً، حنيفاً، يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك، فلما عرض هذا الرشد عليه، وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه، بل تهدده وتوعده.
      {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ}
      {وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} أي: واقطعني وأطل هجراني.
      فعندها قال له إبراهيم: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذىً، بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيراً بأنى سأستغفر لك ربى الذى هداني لعبادته والإخلاص له.
      ولهذا قال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً}
      وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.

      ثم قال تعالى:
      {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
      وهذه مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل لأنها مخلوقة مربوبة، مصنوعة مدبرة، مسخرة، تطلع تارة، وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله إلا هو، ولا رب سواه فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب.، ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياءً وسناءً وبهاءً، فبين أنها مسخرة، مسيرة مقدرة مربوبة.
      والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كان يعبدونهاوأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}
      وقال في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }

      يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام، أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان، وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها، فقال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي: معتكفون عندها وخاضعون لها.
      {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ}
      ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد.
      وقال لهم: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} سلموا له أنها لا تسمع داعياً، ولا تنفع ولا تضر شيئاً، وإنما الحامل لهم على عبادتها الاقتداء بأسلافهم، ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال.

      {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}
      بل إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ربكم ورب كل شيء، فاطر السماوات والأرض، الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنا على ذلكم من الشاهدين.

      ابراهيم عليه السلام يلقى فى النار


      وقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها، بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم.
      قيل: إنه قال هذا خفية في نفسه، وقال ابن مسعود: سمعه بعضهم. وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد، فدعاه أبوه ليحضره فقال: إني سقيم.

      كما قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}
      فلما خرجوا إلى عيدهم واستقر هو في بلدهم، راغ إلى آلهتهم، أي: ذهب إليها مسرعاً مستخفياً، فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها.
      فقال لها على سبيل التهكم والازدراء: {أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} أي: حطاماً، كسرها كلها.
      {إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} قيل: إنه وضع القدوم في يد الكبير، إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار. فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
      وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون، وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء، لكنهم قالوا من جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم وخبالهم: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} أي: يذكرها بالعيب والتنقص لها والإزدارء بها، فهو المقيم عليها والكاسر لها.
      {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أي: في الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه.
      وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عبّاد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه
      فلما اجتمعوا وجاؤوا به كما ذكروا، {قَالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا..} قيل معناه: هو الحامل لي على تكسيرها، وإنما عرض لهم في القول:{فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}
      وإنما أراد بقوله هذا، أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات.
      {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} أي: فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا: إنكم أنتم الظالمون، أي: في تركها لا حافظ لها، ولا حارس عندها.
      وقال قتادة: أدركت القوم حيرة سوء، أي: فأطرقوا ثم قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} أي: لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق، فكيف تأمرنا بسؤالها؟ فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}

      {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}
      عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا، ولم تبقَ لهم حجة ولا شبهة إلى استعمال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، فكادهم الرب جل جلاله وأعلى كلمته، ودينه وبرهانه كما قال تعالى:
      {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}.
      وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن، فمكثوا مدة يجمعون له، حتى أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحريق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأطلقوا فيه النار، فاضطربت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط.
      ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هزن، وكان أول من صنع المجانيق فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد ولك الملك، لا شريك لك، فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً، ثم ألقوه منه إلى النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
      ابن عباس أنه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار. وقالها محمد حين قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}
      عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم:
      ((لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك)).
      وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال: ألك حاجة؟
      فقال: أما إليك فلا.
      ويروى عن ابن عباس، أنه قال: جعل ملك المطر يقول: متى أومر فأرسل المطر؟ فكان أمر الله أسرع. {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}
      قال ابن عباس وأبو العالية: لولا أن الله قال: {وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} لأذى إبراهيم بردها.
      وقال كعب الأحبار: لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار، ولم يحرق منه سوى وثاقه.
      وقال الضحاك: يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه، لم يصبه منها شيء غيره.
      وقال السدي: كان معه أيضاً ملك الظل، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الجوبة حوله النار، وهو في روضة خضراء، والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم، فعن أبي هريرة أنه قال: أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال: نعم الرب ربك يا إبراهيم.

      وعن المنهال بن عمرو أنه قال: أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوماً، وأنه قال: ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها، ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها، صلوات الله وسلامه عليه.

      مناظرة إبراهيم الخليل مع النمرود


      هذه هى مناظرة إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع العظيم الجليل في العظمة ورداء الكبرياء فادعى الربوبية، وهوَ أحدُ العبيد الضعفاء

      قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
      يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة جهله، وقلة عقله، وألجمه الحجة، وأوضح له طريق المحجة.
      قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار، وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان طغى وبغى، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا.
      ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال على إنكار وجود الله تعالى، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية.
      فلما قال الخليل: (ربي الذي يحي ويميت قال: أنا أحي وأميت).
      يعني أنه إذا آتى بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.

      قَال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ} أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها. وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء. فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب فإنّ الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، فإن كنت كما تزعم فافعل هذا، فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم وكل أحد، أنك لا تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها.
      فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به بل انقطع وسكت. ولهذا قال: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

      قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه الثالثة فأبى عليه.
      وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي.
      فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.‏

      هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام، ودخوله مصر


      قال الله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ}.

      لما هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها، ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط ، وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه، كرامة له من الله، حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه، وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل، ودعوة الخلق إليه.
      والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام، وهي التي قال الله عز وجل: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}.

      قصّة سارة مع الملك.


      عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة، إذ نزل منزلاً فأتى الجبار فقيل له: إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس. فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي، فلما رجع إليها قال إنَّ هذا سألني عنك؟ فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وأنك أختي فلا تكذبيني عنده.
      فانطلق بها، فلما ذهب يتناولها أخذ فقال: "ادعى الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها.
      فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات
      فدعا أدنى حشمه فقال: إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر.
      فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال: مَهْيَمْ،
      فقالت: كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر".

      وقال الإمام أحمد: فى رواية أخرى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قوله حين دعي إلى آلهتهم فقال {إِنِّي سَقِيمٌ}وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وقوله لسارة "إنها أختي".
      دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس
      قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟
      قال: أختي
      قال: فأرسل بها
      فأرسل بها إليه، وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنكِ أختي إنْ ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك.
      فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت تتوضَّأ وتصلَّي، وتقول اللهم إن كنت تعلم إني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلاّ على زوجي فلا تسلط عليَّ الكافر،
      قال: فغطَّ حتى رَكَضَ برجله.
      عن أبي هريرة "إنها قالت: اللهم أن يمت يقال هي قتلته، قال: فأرسل.
      قال: ثم قام إليها،
      قال: فقامت تتوضأ وتصلّي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر.
      قال فغطَّ حتى ركضَ برجله،
      عن أبي هريرة: إنها قالت اللهم أن يمت يقل هي قتلته، قال: فأرسل.
      قال: فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إليّ إلا شيطاناً أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر.
      قال: فرجعت فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخْدَمَ وليدة

      وقوله في الحديث "هي أختي"، أي في دين الله،
      وقوله لها: إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك
      وقوله لها لما رجعت إليه: مَهْيَمْ؟ معناه ما الخبر؟ فقالت: إن الله رد كيد الكافرين. وفي رواية الفاجر. وهو الملك، وأخدم جارية.
      وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عز وجل ويسأله أن يدفع عن أهله، وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء، وهكذا فعلت هي أيضاً، فلما أراد عدو الله، أن ينالَ منها أمراً قامت إلى وضوئها وصلاتها، ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم، ولهذا قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام.

      ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن، وهي الأرض المقدسة التي كان فيها، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل، وصحبتهم هاجر المصرية.
      ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور، المعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم، وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً.

      مولد إسماعيل عليه السلام مِنْ هاجر


      قال أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة، وان الله بشَّره بذلك، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد المقدس عشرون سنة، قالت سارة لإبراهيم عليه السلام، إن الرب قد حرمني الولد، فادخل على أمتي هذه، لعل الله يرزقني منها ولداً.
      فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام، فحين دخل بها حملت منه، قالوا: فلما حملت ارتفعت نفسها، وتعاظمت على سيدتها، فغارت منها سارة
      قالوا: وولدت هاجر اسماعيل ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة.

      غير أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل واشتدت غيرة سارة منها، طلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها فسارَ بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم.

      مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى أرض مكّة


      عن ابن عباس قال: "أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفى أثرها على سارة".
      ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء.

      ثم قفّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً؛ وجعل لا يلتفت إليها،
      فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت.

      فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
      وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى،أو يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً ..
      فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلذلك سعى الناس بينهما".
      فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها.

      ثم تسمعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضُه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.

      قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم". أو قال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً مَعِيْناً".
      فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.

      وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء،لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جرييّن فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا.

      قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حقَّ لكم في الماء عندنا. قالوا: نعم.

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم.
      وشبَّ الغلام وتعلّم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك، زوّجوه امرأة منهم.
      وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه؟
      فقالت: خرج يبتغي لنا.
      ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟
      فقالت: نحن بشرٍّ نحن في ضيق وشدّةٍ وشكت إليه.
      قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه.
      فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟
      فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة.
      قال: فهل أوصاك بشيء؟
      قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك.
      قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج منهم أخرى، ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثم أتاهم بعد فلم يجده،
      فدخل على امرأته فسألها عنه؟
      فقالت: خرج يبتغي لنا،
      قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم،
      فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل،
      فقال: ما طعامكم؟
      قالت: اللحم
      قال: فما شرابكم؟
      قالت: الماء.
      قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه" قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
      قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه.
      فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير.
      قال: فأوصاك بشيء؟
      قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك.
      قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك.
      ثم ما لبث عنهم ما شاء الله. ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نَبْلاً له تحت دوحةٍ قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا، كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد. ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر،
      قال: فاصنع ما أمرك به ربك،
      قال: وتعينني؟
      قال: وأعينك.
      قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.
      قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
      قال: فجعلا يبنيان، حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.


      قصة الذبيح


      قال الله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي، رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يا أبتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِين، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.

      يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشّره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد له على رأس ستٍ وثمانين سنة من عمر الخليل. وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل، لأنه أول ولده وبكره.

      وقوله {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وصار يسعى في مصالحه كأبيه. قال مجاهد: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل.
      فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده.و "رؤيا الأنبياء وحيٌ".
      وهذا اختبار من الله عز وجل لخليلهِ في أن يذبح هذا الابن العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك وتركها هناك، ثقة بالله وتوكلاً عليه، فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
      ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه، وهو بكره ووحيده، الذي ليس له غيره، أجاب ربَّه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته.
      ثم عرض ذلكَ على ولده ليكونَ أطيب لقلبهِ وأهون عليه، من أن يأخذه قَسْراً ويذبحه قهراً {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.

      فبادر الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ}. وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد.
      قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قيل: أسلما، أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك و قيل: أراد أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهده في حال ذبحه، أو أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقاً بالأرض.
      (وأسلما) أي سمى إبراهيم وكبر، وتشّهد الولد للموت. فعندما أمَرَّ السّكين على حلْقِهِ لم تقطع شيئاً والله أعلم.
      فعند ذلك نودي من الله عز وجل: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}. أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك. ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}. أي الاختبار الظاهر البين.

      وقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم}. أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يَسَّرَهُ الله تعالى له من العوض عنه.
      والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن. قال الثوري عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً
      قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا.
      وكذا روى عن ابن عباس : أن رأس الكبش لم يزل معلقاً عند ميزاب الكعبة قد يبس.

      ذكر مولد إسحاق عليه السلام


      قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
      وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة، لما مروا بهما مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط، ليدمروا عليهم، لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
      قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
      يذكر تعالى: أن الملائكة قالوا، وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل، لما وردوا على الخليل، حسبهم أولاً أضيافاً، فعاملهم معاملة الضيوف، وشَوَى لهم عجلاً سميناً، من خيار بقره، فلما قرّبه إليهم وعرض عليهم، لم يَرَ لهم همّةً إلى الأكل بالكلية، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام (فنكرهم) إبراهيم وأوجس منهم خيفة{وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} أي لندمر عليهم.

      فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله عليهم، وكانت قائمة على رؤوس الأضياف، كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم، فلما ضحكت استبشاراً بذلك قال الله تعالى:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} أي بشرتها الملائكة بذلك {فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} أي في صرخة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي كما يفعل النساء عند التعجب.

      وقالت: {يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضاً، وهذا بعلي أي زوجي شيخاً؟ تعجبت من وجود ولد، والحالة هذه، ولهذا قالت:{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
      وكذلك تعجَّب إبراهيم عليه السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها وفرحاً بها: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ}
      أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما {بِغُلامٍ عَلِيمٍ}. وهو إسحاق أخو إسماعيل غلام عليم، مناسب لمقامه وصبره، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر. وقال في الآية الأخرى {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.

      فقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق، ثم من بعده بولده يعقوب.
      وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين. في حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصلِّ فكلها مسجد".

      ذكر بناية البيت العتيق


      قال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
      وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِين، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}.
      يذكرُ تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء إبراهيم عليه السلام أنه بنى البيت العتيق، الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس، يعبدون الله فيه وبوّأه الله مكانه، أي أرشده إليه ودلّه عليه.
      وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عز وجل. وقد قدمنا في صفة خلق السماوات، أن الكعبة بحيال البيت المعمور، بحيث أنه لو سقط لسقط عليها، وكذلك معابد السماوات السبع، كما قال بعض السلف: إن في كل سماء بيتاً يعبد الله فيه أهل كل سماء، وهو فيها ككعبة لأهل الأرض.
      فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام، أن يبني له بيتاً يكون لأهل الأرض، كتلك المعابد لملائكة السماوات، وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له، المعين لذلك منذ خلق السماوات والأرض، كما ثبت في الصحيحين: "أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة".
      ولم يجئ في خبر صحيح، عن معصوم، أن البيت كان مبنيّاً قبل الخليل عليه السلام
      وقد قال الله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة. وقيل محل الكعبة {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء ممن بعده، وإمام الحنفاء من ولده، الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته، ولهذا قال: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} أي الحِجْر الذي كان يقف عليه قائماً لما ارتفع البناء عن قامته، فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لمّا تعالى البناء، وعظم الفناء
      وقد كان هذا الحَجَرُ ملصقاً بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخّره عن البيت قليلاً، لئلا يشغل المصلّين عنده الطائفين بالبيت، واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا، فإنّه قد وافقه ربه في أشياء، منها قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. وقد كانت آثار قدميّ الخليل باقية في الصخرة إلى أول الإسلام حيث أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت، على قدر قدمه حافية
      قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
      والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في وادٍ غير ذي زرع، ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات، مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرماً محرماً، وآمنا محتما.
      فاستجاب الله وله الحمد له مسألته، ولبّى دعوته وآتاه طلبته قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا}.
      وسأل الله أن يبعث فيهم رسولاً منهم، أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة، لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة الأولى والآخرة.
      وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولاً، وأي رسول ختم به أنبياءه ورسله،
      فمن ذلك ما قاله السدّي: لما أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت، ثم لم يدريا أين مكانه؟ حتى بعث الله ريحاً يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس، وذلك حين يقول تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}.
      فلما بلغا القواعد وبنيا الركن، قال إبراهيم لإسماعيل: يا بني اطلب لي الحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتة بيضاء، مثل النعامة، وكان آدم هبط به من الجنة فاسّود من خطايا الناس، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن. فقال: يا أبتي من جاءك بهذا؟ قال جاء به مَنْ هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الله: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
      [/TD]
      [/TR]
      [/TABLE]
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113504[/ATTACH]
      الحمدّ لله ربّ العالمين، الذي أرشدنا إلى طاعته وزجرنا عن معصيته، يا ربّ لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنبا إلا غفرته ولا دَينا إلا قضيته ولا مريضا إلا شفيته ولا غائبا موحدا إلا رددته سالما برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إشرح صدورنا واطرد الشيطان من بيننا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمدا عبده ورسوله، الله صلّ وسلم وبارك على محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين.



      أما بعد، فإني أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله العلي العظيم، إتقوا الله حقّ تقاته، إتقوا الله بأداء الفرائض وإجتناب الحرام واسمعوا معي فإننا اليوم على موعد مع الحديث عن أنبياء الله إبراهيم وإسماعيل و هذه الخطبة عنوانها " الله خالق الأسباب و المسببات"، يعني أن النار لا تخلق الإحراق وإنما خالق الإحراق فيها إذا أحرقت هو الله لذا فالنّار لم تحرق إبراهيم ولو كانت تخلق الإحراق لمات إبراهيم حرقا لكن النّار سبب وخالق الإحراق فيها إذا أحرقت هو الله خالق كل شىء ربنا قال: {أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.

      ربنا خلق العالم بأسره العلوي والسفلي والعرش والكرسي والسموات والأرض وما فيهما وما بينهما جميع الخلائق مقهورون بقدرته لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، قل الله خالق كل شىء خلق الخير والشر فالعالم له ءاله واحد وخالق واحد هو الله خلق الخير وخلق الشر لكن لا يحب الشر ولا يأمر به، فربنا قال إن الله لا يأمر بالفحشاء إذا بما أنّ الله هو خالق كل شىء خلق الخير والشر لذا قلنا إنّ الأسباب العادية كالنّار والسكين والماء والدواء والطعام والخبز هذه الأسباب العادية لا تخلق ما يحدث عنها إنما الخالق هو الله، ومن هذا المنطلق بيّنا لكم أنّ النار لا تخلق الإحراق لذا لم تحرق إبراهيم وإنما خالق الإحراق فيها إذا أحرقت هو الله ومن هنا نقول أيضا أن السكين لا تخلق القطع، السكين سبب وخالق القطع فيها إذا قطعت هو الله، وهنا نبدأ بسرد ما حصل بين الأب وولده.

      رأى سيدنا إبراهيم عليه السلام مناما أمر بذبح ولده ورؤيا الأنبياء وحي، رؤيا الأنبياء حق فعرف إبراهيم من الرؤيا أنه مأمور بذبح ولده فلذة كبده وكان إسماعيل قد بلغ السعي، قيل أنه كان ابن ثلاث عشرة عاما، صار بسن يعين أباه، هو إسماعيل الذبيح، وهنا أراد الأب، ومن هو الأب؟ هو الخليل إبراهيم عليه أفضل الصلاة وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، نبي رسول، خليل الرحمن إبراهيم يقول لولده يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى سمع الولد من أبيه، سمع الولد من أبيه أي موقف هذا! أب يبلغ ولده الأول أب يبلغ بكره أنني مأمور بذبحك، يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك أي أمرت بذبحك، فانظر ماذا ترى وهنا لا يستشيره بأمر الله لا، إنما أراد أن يسمع ما عند الولد لذلك قال فانظر ماذا ترى، ماذا كان جواب الولد؟ قال يا أبت افعل ما تؤمر إذبحني نفّذ الأمر الإلهي يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، لأن كل شىء بمشيئة الله، ستجدني إن شاء الله من الصابرين على البلاء، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فأخذ على ما ذُكر في كتب التفسير أخذ الخليل إبراهيم رباطا وسكينا فإذا وصل بين الجبال قال له الولد يا أبي أشدد رباطي حتى لا أضطرب أي موقف يريد الأب ذبح ولده يريد تنفيذ الأمر الإلهي: يقول الولد لأبيه يا أبي إشدد الرباط علي حتى لا اضطرب واكفف ثوبك عني حتى لا يتطلخ من دمي عليه فتراه أمي عليه فتحزن وليكن وضع السكين لمرة واحدة حتى يكون أهون للموت علي فإذا ذبحتني فأت أمي وأقرأ عليها السلام مني، فبكي إبراهيم وقبّله وقال نعم الولد، نعم العون أنت على أمر الله، طرح إسماعيل على جبينه فوضع إبراهيم السكين وحكها فلم تقطع السكين ثم سمع صوتا يقول له أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي نفذت ما أمرت به فنظر فإذا بجبريل ينزل بكبش من الجنّة كان رعى في الجنّة قبل ذلك أربعين عاما وافتدى به ومن هنا كانت الأضاحي إحياء لسنة النبي، هذه قصة إبراهيم وإسماعيل بإيجاز، ما نريد أن تحفظوه منها أن السكين لا تخلق القطع، لو كانت السكين تخلق القطع لقطعت رقبة إسماعيل لكنّ السكين سبب و ما يحدث عنها بخلق الله سبحانه وتعالى، هذا ما نريد أن تحفظوه وأن تعلموه غيركم.

      أقول قولى هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم.



      الحمدّ لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى ءاله وصحبه الطيبين وأتباعهم وأتباع الأتباع ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم صلّ على محمد صلاة تحلّ بها عقدتنا وتفرج بها كربتنا وتقضي بها حوائجنا وسلم يا ربنا تسليما كثيرا، عباد الله أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله إتقوا الله ولا تنسوا الموت ولا تنسوا الحساب ولا تنسوا العقاب والعذاب وتذكروا أنّ عليا رضي الله عنه قال: "إرتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، اليوم العمل ولا حساب وغدا الجزاء ولا عمل واعلموا أنّ ربنا سبحانه وتعالى يقول: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}، واعلموا أنّ الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على النبي المصطفى الكريم فقال ربنا وهو أصدق القائلين:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • انا الرجيبي كتب:

      ههههههههه خفوووووووووووووووو مانرووووووووووووووووم


      ابى اعرف شو يضحك ف الموضوع ؟؟ ~!@q
      الرجاء عدم الحواااطة فــ موضوعي:slap:
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~

    • [ATTACH=CONFIG]113505[/ATTACH]

      هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم عليهم السلام .
      أول أمره رؤيا رآها فرعون، فقد رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل ، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والسحرة، وسألهم عن رؤياه، فقالوا له : هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه ، ثم إن فرعون أمر بقتل كل غلام يولد لبني إسرائيل . فجعل هناك قوابل ورجال يدورون علىنساء بني إسرائيل ويعلمون ميقات وضع الحوامل ، فإن كان ذكراً قتل ، وإن كانت أنثى تركت .
      وكان بنوا إسرائيل مسخرين لخدمة فرعون والأقباط، ومع استمرار قوم فرعون في قتل الذكور، خشي الأقباط إن هم قتلوا كل مولود ذكر، أن لا يجدوا من يخدمهم ، ويتولوا هم القيام بالأعمال التي كان يقوم بها بنو إسرائيل . ولذلك شكوا إلى فرعون ذلك الأمر، فأمر فرعون بقتل الذكور سنة، وأن يترك قتلهم سنة . فولد هارون بن عمران في عام المسامحة ، وفي عام القتل حملت أم موسى بموسى، فخافت عليه، ولكن الله إذا قدر أمراً كان ، فلم يظهر على أم موسى مخايل الحمل، ولما وضعت أُلهمت بأن تضع ابنها في تابوت، وتربطه بحبل، وكانت دارها متاخمة للنيل ، فكانت ترضعه، وإذا قضى رضاعه أرسلت التابوت وطرف الحبل عندها، خشية أن يباغتوها رجال فرعون . ثم إنها ظلت على ذلك فترة من الزمن ، فأوحى إليها ربها أن ترسل الحبل : { وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه ، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } ( ) . ولك أن تتأمل كيف تُلقي أم بولدها في النهر تتقاذفه المياه من كل جانب، ولكن هي مشيئة الله وإرادته، وأخبر الله أم موسى أن لا تخاف عليه من الضيعة أو الموت ، وأن لا تحزن عليه، فإنه راجعٌ إليك، وفوق ذلك بشارة وأعظم بشارة ، أنه سيكون من الأنبياء المرسلين الذين لهم شأن .
      فاستجابت أم موسى لأمر ربها ، وأرسلت وليدها في التابوت تجرفه المياه حتى وقف على قصر فرعون ، والتقطه الجواري وذهبوا به إلى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، فلما رأته ألقى الله في قلبها محبته، وكان لا يأتيها الولد، وقالت لفرعون : { قرت عين لي ولك لاتقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون } . فقال فرعون : أما لك فنعم، أما لي فلا حاجة لي به . ولما استقر مقام موسى في بيت فرعون ، لم تصبر أم موسى على فراق ابنها ، وأرسلت أخته تقص خبره ولتعلم مكانه ، وكادت أن تبدي أم موسى بأمرها، ولكن الله ثبتها، { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين } .
      ولكن الله لا يخلف وعده بقوله { إنا رادوه إليك } ، فحرمت المراضع على موسى، فلم يقبل أن يرتضع من أحد ، ولم يقبل ثدياً ، وخافت امرأة فرعون عليه الهلاك، وأرسلته إلى السوق لعلهم يجدون له مرضعاً، فجاءتهم أخت موسى وقالت لهم : { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } . فذهبوا معها إلى منزلها، فأخذته أم موسى ووضعته في حجرها وألقمته ثديها فأخذ يرتضع منها، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً ، فأخبروا آسية بذلك ففرحت، وأرسلت في طلب أم موسى، وعرضت عليها أن تكون عندها ترضع موسى، فاعتذرت بأن لها بيتاً وأولاد وزوج، وقالت لها: أرسليه معي ، فوافقت آسيه على ذلك ، ورتبت لها رواتب ونفقات وهبات، فعادت أم موسى بابنها ، وبرزق مستمر يأتيها من امرأة فرعون .
      و شب موسى ، وبلغ مبلغ الرجال، وكان الله قد آتاه قوة في الجسم ، ثم إنه دخل المدينة في وقت غفلة فوجد رجلين يقتتلان أحدهما قبطي ، والآخر من بني إسرائيل، فطلب الإسرائيلي من موسى النصرة والنجدة، فبادر موسى لنصرته ، فضرب القبطي ضربة قتلته، وعلم موسى أن هذا العمل من فعل الشيطان فتاب إلى ربه واستغفره من هذا الذنب، فتاب الله عليه ، ثم إنه من الغد دخل المدينة فوجد ذلك الرجل الإسرائيلي يقتتل مع قبطي آخر ، وناداه واستغاث به، فقال له موسى، إنك لغوي مبين، فأراد موسى أن يبطش بالقبطي ، فخاف الإسرائيلي وظن أن موسى سيبطش به فقال : { ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } . فلما سمع القبطي بذلك الأمر ذهب مسرعاً يخبر الناس بمن قتل القبطي الآخر ، فخرج الناس مسرعين يريدون موسى، وجاء رجل قد سبقهم ، ينذر موسى بما أضمروا له، وأشار عليه بالخروج من المدينة لينجو بنفسه ، {فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين(21)ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} .
      خرج موسى من أرض مصر خائفاً من بطش فرعون وقومه، لا يعرف أن يذهب؛ لكن تعلق قلبه بمولاه : {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني إلى سواء السبيل } . فهداه الله إلى أرض مدين، فبلغ ماء مدين، ووجد الرعاء يسقون، ولاحظ وجود امرأتين تردان غنمهما أن يردا مع غنم القوم . قال المفسرون : وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجيء هاتان المرأتان فتوردان غنمهما في فضل أغنام الناس .
      فلما ذهب الرعاء قال لهم موسى ما شأنكما ؟ فأخبراه أنهما لا تقدران على ورود الماء حتى يذهب الرعاء، وأبوهما شيخ كبير وهم نسوة ضعفاء . ولما عرف حالهما ، رفع موسى الحجر عن البئر ، وكان لا يرفعه إلا عشرة من الرجال، : { فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وقال ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير } .
      ثم مالبث أن جاءته إحدى المرأتين وقالت : { إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } فذهب موسى وكلم أبوهما شعيب ، وهو ليس شعيب النبي ، وطمأنه بأنه في أرض ليست لفرعون عليها سلطة ، وتكلمت إحدى المرأتين ، وقالت : {ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} . أما القوة فظاهر ، وذلك أن موسى عليه السلام رفع الحجر من فم البئر، حيث كان لا يستطيع رفعه إلا عشرة من الرجال، وأما الأمانة: فإن المرأة لما جاءته ليأخذ أجره من أبيها، قال لها لا تمشي أمامي ، وامشي خلفي ، وأمرها بأن ترمي الحجر يميناً وشمالاً لتدله على الطريق .
      وعرض عليه شعيب أن يستأجره لرعي الغنم ثمانية أعوام وإن زاد عشرة فهو فضل من موسى، على أن يزوجه إحدى ابنتيه . فوافق موسى عليه السلام، وأتم له عشرة أعوام .
      ولما قضى الأجل سار موسى بأهله قاصداً أرض مصر، وكان له موعد تشريف ، حيث امتن الله عليه وأكرمه بالرسالة، وكلمه ربه : {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ءانس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني ءانست نارا لعلي ءاتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون(29)فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين(30)وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ياموسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين(31) اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون(33)وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون(34)قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون(35) } ( ) .
      فكلمه ربه، وأرسله إلى بني إسرائيل، وأعطاه آيات وبراهين، من رآها علم أنها ليست في مقدور البشر . فكانت عصا موسى تنقلب حية عظيمة ، وحلّ عقدة من لسانه حتى يفقهوا عن موسى قوله وقد كان في لسانه لثغة ، ثم أجاب الله سؤال موسى أن يرسل إلى هارون ويجعله وزيراً معيناً لمواجهة فرعون وقومه، فأجاب الله موسى إلى ما سأل، وهذا دليل على وجاهة موسى عند ربه : { وكان عند الله وجيهاً } .
      ثم أمر الله موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون ، ويدعونه إلى التوحيد، قال تعالى : {اذهبا إلى فرعون إنه طغى(43)فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى(44)قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى(45)قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى(46)فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى} ( ) . وأظهر موسى عليه السلام لفرعون الآيات الكونية الدالة على وحدانية الله وأنه المستحق للعبادة دون ما سواه، فلم يستجب بل كابر وعاند، ثم أظهر موسى له الآيات الباهرة، فأظهر يده بيضاء شديدة البياض، وألقى العصى فكانت حية تسعى ترهب كل من رآها . ومع ذلك كله ، لم يستجب فرعون وقومه واتهموه بالسحر، وطلبوا موعداً ليقابلوا سحرهما بسحر مثله ، فأجاباهما إلى طلبهم وواعداهما يوم الزينة وهو يوم عيد لهم حيث يجتمع الناس كلهم ، ولما جمع فرعون السحرة قال لهم : {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى(63)فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى(64) قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى(65)قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى(66)فأوجس في نفسه خيفة موسى(67)قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى(68)وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى(69)فألقي السحرة سجدا قالوا ءامنا برب هارون وموسى(70)قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى(71)قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا(72)إنا ءامنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى(73)} قال ابن عباس وغيره : أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء
      ولما خاب ما كان فرعون يؤمله من قهر السحرة لموسى، حيث آمن السحرة كلهم لما رأوا آية ليست من جنس السحر، عندئذ، توعدهم فرعون بالقتل والصلب، فقتلهم وأفناهم . وحرض رجال فرعون ، ملكهم فرعون على موسى ومن معه ، { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك . قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون . قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا . قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } . واستمرت أذية فرعون وقومه ، لموسى وقومه، فانتصر الله لموسى فابتلى فرعون وقومه بأنواع من العذاب ، فابتلاهم بالسنين وهي الأعوام التي ليس فيها زرع ولا ينتفع بضرع، ثم ابتلاهم بالطوفان وهو كثرة الأمطار المتلفة للزروع، ثم ابتلاهم بالجراد الذي ذهب بزروعهم ، ثم ابتلاهم الله بالقمل الذي نغص عليهم حياتهم فدخلت عليهم بيوتهم وفي فرشهم . ثم ابتلاهم الله بالدم، فكانوا كلما اغترفوا ماء تحول دماً عبيطاً فلم يهنئوا بماء عذب . ثم ابتلاهم الله بالضفادع، فملأت عليهم بيوتهم ، فلا يكشفوا إناء إلا وبه من الضفادع، فتنكد عيشهم بذلك .
      وكانوا كلما ابتلوا ببلوى سألوا موسى أن يدعو ربه ليرفع عنهم العذاب، وإن فعل ليؤمنوا له ويرسلوا معه بني إسرائيل . وكان موسى يدعو ربه في كل مرة يسألونه ذلك، وكان الله يستجيب دعاء نبيه ورسوله .
      ولما تمادى فرعون وقومه في الضلال والغي، وكفرهم بالله، ومخالفة لرسوله . أوحى الله إلى موسى أن يكون هو وبنو اسرائيل على أهبة الرحيل، وأن يجعلوا في بيوتهم علامة تميزهم عن بيوت الأقباط، ليعرفوا بعضهم عند الرحيل ، وأمرهم الله بإقامة الصلاة { وأوحينا إلى موسى أن تبوءآ لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين } . ولما رأى موسى أن قوم فرعون يزدادون عتواً وعناداً دعا عليهم وأمن هارون على دعائه فقال :{ ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على اموالهم واشدد قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم . قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } .
      فأمر الله موسى وقومه بالخروج ، واحتالوا على فرعون بأنهم يريدون أن يخرجوا لعيد لهم، فأذن لهم فرعون وهو كارهٌ لذلك ، واستعاروا حلياً من الأقباط، وهذا والله أعلم حتى يأمنوا أن خروجهم كان للعيد . فسار موسى ببني اسرائيل واستمروا ذاهبين صوب بلاد الشام، ولما علم فرعون بمسيرهم ، حنق عليهم حنقاً شديداً ، وجمع جيشه من كل مملكته، وخرج على رأسهم في جيش عظيم جداً طالباً موسى وقومه ، يريد الفتك بهم وإفنائهم . واستمروا في سيرهم طالبين موسى وقومه حتى أدركوهم عند شروق الشمس، ولما رأى بنوا اسرائيل فرعون وقومه مقبلين نحوهم قالوا : { إنا لمدركون } وقال موسى من فوره مقالة الواثق بربه، { كلا إن معي ربي سيهدين } . وأوحى الله لموسى أن يضرب بعصاه البحر ، فانفلق البحر اثنا عشر طريقاً ، وكان بنوا اسرائيل اثنا عشر سبطاً ، فسار كل سبط في طريق، ورفع الله الماء كالجبل يابساً ، ولما وصل فرعون إلى البحر ، ساءه ما رأى ، وأخذته الحمية، ودفع بفرسه داخل البحر يريد أن يدرك موسى، ولما تكامل موسى وقومه خارجين من البحر، وتكامل فرعون وقومه في البحر، أمر الله البحر فأطبق الماء على فرعون وقومه وأغرقهم جميعاً ، ولما رأى فرعون الموت قال { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } قال الله : { الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين . فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية } . فأخرج الله جثة فرعون لكي يراه الناس ويتيقنوا هلاكه . فلله الحمد والمنة .
      وقال تعالى : {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين(136)وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون(137)وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا ياموسى اجعل لنا إلها كما لهم ءالهةقال إنكم قوم تجهلون(138)إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون(139)قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين(140)وإذ أنجيناكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } ( ) . وبعد رأى بنو اسرائيل هذه الآية العظيمة بهلاك فرعون وقومه، مروا على قوم عاكفين على أصنام يعبدونها، فسألهم بعضهم عن ذلك، فقالوا: إنها تجلب النفع والضر والرزق والنصر، فعندئذ سأل بعض بني اسرائيل نبيهم موسى أن يجعل لهم آلهة مثل أولئك، فعنفهم موسى على ذلك . وتوجه موسى ببني اسرائيل قاصداً بيت المقدس، وكان فيها قوماً من الجبارين ، وكان الله قد وعدهم دخول بيت المقدس، فأمر بني اسرائيل دخولها، وقتال أهلها، فنكل أكثرهم وتبجحوا في الجواب . فقال لهم موسى : {ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين(21)قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون(22)قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين(23)} والعجب أن بني اسرائيل قد عاينوا هلاك فرعون وقومه وهم أشد بأساً وأكثر جمعاً، والذي أهلك فرعون وقومه، قادرٌ على أن يهلك من هو دونه ، ولكن تلك عادة أولئك القوم قتلة الأنبياء . { قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون(24)} وبئس القول الذي صدر منهم . فعندئذ قال موسى عليه السلام {قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين(25)} قال ابن عباس : أي اقض بيني وبينهم . فقال تعالى : { فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين(26)}( ). فضرب على بني اسرائيل التيه في الصحراء أربعين سنة عقوبة لهم ، فكانوا يسيرون ليلاً ونهاراً إلى غير مقصد أربعين سنة .
      وكان شرابهم ماءً زلالاً طيب حيث يضرب موسى عليه السلام الحجر بعصاه فينبع منها ماء طيب، {وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين(60)}. وكان طعامهم المن والسلوى ،وهو طعام ينزل عليهم من السماء فيصنعون منه الخبز، وهو في غاية البياض والحلاوة، فيأخذون منه على قدر حاجتهم، ومن أخذ زيادة فإنه يفسد، وإذا كان آخر النهار غشيهم طير السلوى فيقتنصون منه بلا كلفة، وفي الصيف يظللهم غمام يقيهم حر الشمس رحمة من الله بعباده {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} ( ) . ولكنهم وكعادتهم ، لم يعجبهم ذلك وطلبوا من موسى الطعام الخارج من الأرض فقالوا : {وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها} فقال لهم موسى: { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.
      ثم إن موسى عليه السلام أراد لقاء ربه ، فأمره الله بصيام ثلاثين يوماً ، ثم أمره الله أن يصوم عشرة أيام أخرى، فصامها. قال تعالى : {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين(142)ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما ءاتيتك وكن من الشاكرين} . ولما نال موسى عليه السلام شرف كلام الرب، طمع في رؤية ربه ، وسأله الرؤية، فبين له ربه أنه لا يقدر في هذه الدنيا على رؤيته، وأراه تجليه للجبل، وكيف كان بعد ذلك، فلم يحتمل موسى هذا التجلي ولم يقو على رؤيته فصُعق . ثم تاب موسى إلى ربه من مسألته تلك، وأكرم الله موسى بأن كتب له التوراة : {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين}. وفي الفترة التي كان موسى بجانب الطور يناجي ربه، أحدث بني اسرائيل حدثاً خالفوا به أمر ربهم ، فماكان من رجل يقال له السامري إلا أن زين لهم أن يجمعوا حليهم فصاغ منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة من تراب كان قد أخذها من أثر فرس جبريل لما رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه، فأحدث ذلك العجل صوت كخوار العجل الحقيقي، ففتنوا به ، فذكرهم هارون ، وحذرهم، ولكنهم لم يلقوا له بالاً ، وقالوا هذا إلهنا حتى يرجع إلينا موسى .
      ثم أعلم الله رسوله بما أحدث بني اسرائيل بعده ، قال تعالى : { وما أعجلك عن قومك ياموسى(83)قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى(84)قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري(85)فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي(86) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري(87) فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي(88)أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا(89)ولقد قال لهم هارون من قبل ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري(90)قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى(91)قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا(92)ألا تتبعن أفعصيت أمري(93) قال ياابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي(94)قال فما خطبك ياسامري(95)قال بصرت بما لم يبصروا به} أي : رأيت جبرائيل وهو راكب على فرس{ فقبضت قبضة من أثر الرسول} أي من أثر فرس جبريل { فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي(96)قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} فدعا عليه موسى بأن لا يمس أحداً معاقبة له على مسه مالم يكن له مسه ، وذلك في الدنيا { وإن لك موعدا لن تخلفه } وهذا في الآخرة . {وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا(97)}. فحرقه موسى عليه السلام ثم نسفه في اليم . ثم إن الله لم يقبل توبة عابدي العجل إلا بقتل أنفسهم ، قال الله تعالى : {وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم }. قال ابن كثير: فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم ، فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفاً .
      ثم إن موسى عليه السلام خرج بسبعين رجلاً من خيار بني اسرائيل ومعهم هارون ، ليعتذروا عن بني اسرائيل في عبادتهم للعجل ، فخرج بهم إلى طور سيناء فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل ، ثم لما انكشف الغمام ، طلبوا رؤية الله ! { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون} فجعل موسى عليه السلام يناشد ربه ويرغب إليه ليرفع عنهم:{ ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون} .
      ثم ما زال موسى عليه السلام يعلم بني اسرائيل التوراة ، ويعلمهم الحكمة ، فتوفي هارون في التيه ، ثم خلفه بعد ذلك موسى عليه السلام . ولوفاة موسى عليه السلام قصة ، ذكرها البخاري وغيره . فعن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر )
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~


    • [ATTACH=CONFIG]113506[/ATTACH]

      آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم، ومريم، وعيسى عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا.

      كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).

      كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:

      وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) (آل عمران)

      بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:

      يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) (آل عمران)

      ولادة عيسى عليه السلام:
      كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:

      وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً (21) (مريم)

      جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.

      فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)

      اطمئنت مريم للغريب، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت مريم العذراء من ذلك.. فلم يمسها بشر من قبل.. ولم تتزوج، ولم يخطبها أحد، كيف تنجب بغير زواج!! فقالت لرسول ربّها: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)

      قال الروح الأمين: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)

      استقبل عقل مريم كلمات الروح الأمين.. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله ..؟ وكل شيء ينفذ إذا أمر الله.. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسها بشر..؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم. وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى.. ويخلق ابنها من غير أب.. يخلق من أنثى بغير ذكر.. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى.. العادة أن يكون له أب وأم.. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع.. عاد جبريل عليه السلام يتحدث: (إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)

      زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم –الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فورا.

      ومرت الأيام.. كان حملها يختلف عن حمل النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع.. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة..

      خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..

      جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد..

      فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) (مريم)

      إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبها بالحزن..

      ولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد:

      فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) (مريم)

      نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي..

      لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟

      مواجهة القوم:
      كان الوقت عصرا حين عادت مريم.. وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون. لم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ..

      تسائل أحد الفضولين: أليست هذه مريم العذراء..؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها..؟

      قال أحدهم: هو طفلها.. ترى أي قصة ستخرج بها علينا..؟

      وجاء كهنة اليهود يسألونها.. ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لا تردين؟ هو ابنك قطعا.. كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟

      يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) (مريم)

      الكلمة ترمي مريم بالبغاء.. هكذا مباشرة دون استماع أو تحقيق أو تثبت.. ترميها بالبغاء وتعيرها بأنها من بيت طيب وليست أمها بغيا.. فكيف صارت هي كذلك؟ راحت الاتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس.. تومض عيناها بالكبرياء والأمومة.. ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة.. فلما زادت الأسئلة، وضاق الحال، وانحصر المجال، وامتنع المقال، اشتد توكلها على ذي الجلال وأشارت إليه..

      أشارت بيدها لعيسى.. واندهش الناس.. فهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء.. تساءل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل ولد منذ أيام.. هل يتكلم طفل في لفافته..؟!

      قالوا لمريم: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).

      قال عيسى:

      قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) (مريم)

      لم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة.. كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة.. هذا طفل يتكلم في مهده.. طفل جاء بغير أب.. طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا.. هذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار.. سيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل.. لن يستطيع أن يبيع الغفران للناس، أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض، أو باعتباره الوحيد العارف في الشريعة.. شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل.. إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده.. وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية.. فالفرق بين تعاليم موسى وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء وحل الطرقات.. وتكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد.. واتهموا مريم العذراء بهتان عظيم.. اتهموها بالبغاء.. رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في المهد.

      وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر، بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس. إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113507[/ATTACH]
      قصة عيسى بن مريم
      ، عليه من الله أفضل الصلاة والسلام

      [B]قال الله تعالى في سورة " آل عمران " ، التي أنزل صدرها ، وهو ثلاث وثمانون آية منها ، في الرد على [B]النصارى ،
      عليهم لعائن الله ، الذين زعموا أن لله ولدا ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وكان قد قدم وفد [B]نجران منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يذكرون ما هم عليه من الباطل ، من التثليث في الأقانيم[B] ، ويدعون - بزعمهم - أن الله ثالث ثلاثة ; وهم الذات المقدسة ، [B]وعيسى ، ومريم ، على اختلاف فرقهم ، فأنزل الله ، عز وجل ، صدر هذه السورة بين فيها ، أن [B]عيسى عبد من عباد الله ، خلقه وصوره في الرحم ، كما [B]صور غيره من المخلوقات ، وأنه خلقه من غير أب ، كما خلق [B]آدم من غير أب ولا أم وقال له : كن . فكان ، وبين تعالى [B]أصل ميلاد أمه مريم ، وكيف كان من أمرها ، وكيف حملت بولدها عيسى ،وكذلك بسط ذلك في سورة " مريم " كما سنتكلم على ذلك كله بعون الله وحسن توفيقه وهدايته ، فقال تعالى[B] وهو أصدق القائلين : [B]إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب [ [B]آل عمران : 33 - 37 ] .

      [ ص: 417 ]
      [B]يذكر تعالى أنه اصطفى [B]آدم ،
      عليه السلام ، والخلص من ذريته المتبعين شرعه الملازمين طاعته ، ثم خصص فقال : [B]وآل إبراهيم ،فدخل فيهم بنو [B]إسماعيل ، وبنو [B]إسحاق . [B]ثم ذكر فضل هذا البيت الطاهر الطيب ، وهم [B]آل عمران ، والمراد [B]بعمران هذا والد [B]مريم عليهما السلام ، قال[B]محمد بن إسحاق : [B]وهو [B]عمران بن باشم بن أمون بن منشا بن حزقيا بن أحزيق بن موثم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أحزيهو بن يارم بن يهفاشاط بن أيش بن أبان بن رحبعام بن سليمان بن داود .

      [ ص: 418 ]
      [B]وقال [B]أبو القاسم ابن عساكر
      : [B]مريم بنت عمران بن ماتان بن اليعازر بن اليود بن أجبن بن صادوق بن عيازور بن الياقيم بن أيبود بن زربائيل بن شالتان بن يوحنيا بن برستيا بن آمون بن ميشا بن حزقيل بن أجاز بن يوثام بن عزريا بن بورام بن بوسافاط بن أسا بن أبيا بن رخيعم بن سليمان بن داود ، عليه السلام . وفيه مخالفة لما ذكره [B]محمد بن إسحاق ، ولا خلاف أنها من سلالة [B]داود ، عليه السلام ، وكان أبوها [B]عمرانصاحب صلاة [B]بني إسرائيل في زمانه ، وكانت أمها ، وهي [B]حنة بنت فاقود بن قبيل ، من العابدات ، وكان [B]زكريا نبي ذلك الزمان زوج أخت [B]مريم أشياعفي قول الجمهور ، وقيل : زوج خالتها [B]أشياع . [B]فالله أعلم .

      [B]وقد ذكر [B]محمد بن إسحاق
      وغيره ، أن [B]أم مريم كانت لا تحبل ، فرأت يوما طائرا يزق فرخا له ، [ ص: 419 ] [B]فاشتهت الولد ، فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها محررا ; أي حبيسا في خدمة [B]بيت المقدس . [B]قالوا : فحاضت من فورها ، فلما طهرت واقعها بعلها ، فحملت [B]بمريم ، عليها السلام [B]فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وقرئ بضم التاء [B]وليس الذكر كالأنثى أي : في خدمة [B]بيت المقدس ، وكانوا في ذلك الزمان ينذرون [B]لبيت المقدس خداما من أولادهم . وقولها : [B]وإني سميتها مريم استدل به على [B]تسمية المولود يوم يولد ، وكما ثبت في " الصحيحين " [B]عنأنس في ذهابه بأخيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحنك أخاه وسماه عبد الله . وجاء في حديث [B]الحسن عن [B]سمرة مرفوعا : [B]كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ، ويسمى ويحلق رأسه رواه [B]أحمد ، وأهل السنن ، وصححه [B]الترمذي ، وجاء في بعض ألفاظه : و " يدمى " بدل : و " يسمى " . وصححه بعضهم . والله أعلم . وقولها : [B]وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم قد استجيب لها في هذا ، كما تقبل منها نذرها ; فقال[B]الإمام أحمد : [B]حدثنا [B]عبد الرزاق ، حدثنا [B]معمر ، عن [B]الزهري ، عن [B]ابن المسيب ، عن [B]أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [B]ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم يقول [B]أبو هريرة : [B]واقرءوا إن شئتم : [B]وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم أخرجاه من حديث [B]عبد [ ص: 420 ] الرزاق . [B]ورواه [B]ابن جرير عن [B]أحمد بن الفرج ، عن [B]بقية ، عن [B]الزبيدي ، عن [B]الزهري ، عن [B]أبي سلمة ، عن [B]أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

      [B]وقال [B]أحمد
      أيضا : حدثنا [B]إسماعيل بن عمر ، حدثنا [B]ابن أبي ذئب ، عن [B]عجلان مولى المشمعل ، عن [B]أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[B]كل مولود من بني آدم يمسه الشيطان بأصبعه ، إلا مريم بنت عمران ، وابنها عيسى . [B]تفرد به من هذا الوجه . ورواه [B]مسلم ، عن [B]أبي الطاهر ، عن[B]ابن وهب ، عن [B]عمر بن الحارث ، عن [B]أبي يونس ، عن [B]أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

      [B]وقال [B]أحمد
      : [B]حدثنا [B]هيثم ، حدثنا [B]حفص بن ميسرة ، عن [B]العلاء ، عن أبيه ، عن [B]أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [B]كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان بحضنيه ، إلا ما كان من مريم وابنها ، ألم تر إلى الصبي حين يسقط كيف يصرخ ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : [B]ذلك حين يلكزه الشيطان بحضنيه وهذا على شرط [B]مسلم ، ولم يخرجه من هذا الوجه .

      [B]ورواه [B]قيس
      ، عن [B]الأعمش ، عن [B]أبي صالح ، عن [B]أبي هريرة ، قال : قال [ ص: 421 ] [B]رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين ; إلا عيسى بن مريم ، ومريم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم وكذا رواه [B]محمد بن إسحاق عن [B]يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن [B]أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بأصل الحديث .

      [B]وقال [B]الإمام أحمد
      : [B]حدثنا [B]عبد الملك ، حدثنا [B]المغيرة ، هو ابن عبد الله الحزامي ، عن [B]أبي الزناد ، عن [B]الأعرج ، عن [B]أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [B]كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد ، إلا عيسى بن مريم ذهب يطعن ، فطعن في الحجاب وهذا على شرط " الصحيحين " ، ولم يخرجاه من هذا الوجه . وقوله : [B]فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها ، لفتها في خروقها ثم خرجت بها إلى المسجد ، فسلمتها إلى ا[B]لعباد الذين هم مقيمون به ، وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم ، فتنازعوا فيها . والظاهر أنها إنما سلمت[B]ها إليهم بعد رضاعها وكفالة مثلها في صغرها ، ثم لما دفعتها إليهم تنازعوا في أيهم يكفلها ، وكان [B]زكريا نبيهم في ذلك الزمان ، وقد أراد أن يستبد بها دونهم ; من أجل أن زوجته أختها أو خالتها ، على القولين[B] ، فشاحوه في ذلك ، وطلبوا أن يقترع معهم ، [ ص: 422 ] [B]فساعدته المقادير ، فخرجت قرعته غالبة لهم ، وذلك أن الخالة بمنزلة الأم .

      [B]قال الله تعالى " [B]وكفلها زكريا
      أي : بسبب غلبه لهم في القرعة ، كما قال تعالى : [B]ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون [ [B]آل عمران : 44 ] . قالوا : وذلك أن كلا منهم ألقى قلمه معروفا به ، ثم حملوها ووضعوها في موضع ، وأمروا غلاما ل[B]م يبلغ الحنث ، فأخرج واحدا منها ، وظهر قلم [B]زكريا ، عليه السلام ، فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية ، وأن يكون ذلك بأن يلقوا أقلامهم في النهر ، فأيهم جرى قل[B]مه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ، ففعلوا ، فكان قلم [B]زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء ، وسارت أقلامهم مع الماء ، ثم طلبوا منه أن يقترعوا ثالثة ، فأيهم جر[B]ى قلمه مع الماء ، وتكون بقية الأقلام قد انعكس سيرها صعدا ; فهو الغالب ، ففعلوا ، فكان[B]زكريا هو الغالب لهم ، فكفلها إذ كان أحق بها شرعا وقدرا ; لوجوه عديدة . قال الله تعالى : [B]كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب قال المفسرون : اتخذ لها [B]زكريا مكانا شريفا من المسجد ، لا يدخله سواها ، فكانت تعبد الله فيه ، وتقوم بما يجب عليها من سدانة البيت إذا[B] جاءت نوبتها ، وتقوم بالعبادة ليلها ونهارها ، حتى صارت يضرب بها المثل بعبادتها في [ ص: 423 ] [B]بني إسرائيل ، واشتهرت بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة ، والصفات الشريفة ، حتى إنه كان نبي الله [B]زكريا كلما دخل عليها موضع عبادتها ، يجد عندها رزقا غريبا في غير أوانه ، فكان يجد عندها فاكهة الصيف في الش[B]تاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، فيسألها : [B]أنى لك هذا فتقول : [B]هو من عند الله أي : رزق رزقنيه الله [B]إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فعند ذلك وهنالك طمع [B]زكريا في وجود ولد من صلبه ، وإن كان قد أسن وكبر . [B]قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء قال بعضهم : قال : يا من يرزق [B]مريم الثمر في غير أوانه ، هب لي ولدا ، وإن كان في غير أوانه . فكان من خبره وقضيته ، ما قدمنا ذكره في قصته[B] .

      [B]قال الله تعالى : [B]وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يامريم اقنتي لربك واسج
      دي واركعي مع الراكعين ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فلما أحس [ [B]آل عمران : 42 - 51 ] .

      [B]يذكر تعالى أن الملائكة بشرت [B]مريم
      باصطفاء الله لها ، من بين سائر نساء عالمي زمانها ، بأن اختارها لإيجاد ولد منها ، من غير أب ، وبشرت بأ[B]ن يكون نبيا شريفا [B]ويكلم الناس في المهد أي : في صغره ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وكذلك في حال كهولته ، فدل على أنه يبلغ الكهول[B]ة ، ويدعو إلى الله فيها ، وأمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع ; لتكون أهلا لهذه الكرامة ، ول[B]تقوم بشكر هذه النعمة . فيقال : إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها ، رضي الله عنها ورحمها ، ور[B]حم أمها وأباها . فقول الملائكة : [B]يا مريم إن الله اصطفاك أي اختارك واجتباك . ( وطهرك ) أي : من الأخلاق الرذيلة ، وأعطاك الصفات الجميلة .

      [B]واصطفاك على نساء العالمين
      ، يحتمل أن يكون المراد عالمي زمانها ، كقوله [B]لموسى : [B]إني اصطفيتك على الناس وكقوله عن [B]بني إسرائيل : [B]ولقد اخترناهم على علم على العالمين [ [B]الدخان : 32 ] . ومعلوم أن [B]إبراهيم ، عليه السلام ، أفضل من [B]موسى ، وأن [B]محمدا صلى الله عليه وسلم ، أفضل[ ص: 425 ] [B]منهما ، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها ، وأكثر عددا ، وأفضل علما ، وأزكى عملا ، من [B]بني إسرائيل وغيرهم . ويحتمل أن يكون قوله : [B]واصطفاك على نساء العالمين محفوظ العموم ; فتكون [B]أفضل نساء الدنيا ممن كان قبلها ، ووجد بعدها ; لأنها إن كانت نبية ، على قول من يقول بنبوتها ونبوة [B]سارة أم إسحاق ، ونبوة [B]أم موسى ، محتجا بكلام الملائكة والوحي إلى [B]أم موسى ، كما يزعم ذلك [B]ابن حزم وغيره ، فلا يمتنع على هذا أن تكون [B]مريم أفضل من [B]سارة وأم موسى ; لعموم قوله : [B]واصطفاك على نساء العالمين إذ لم يعارضه غيره . والله أعلم . وأما على قول الجمهور ، كما قد حكاه [B]أبو الحسن الأشعري وغيره عن أهل السنة والجماعة ، من أن النبوة مختصة بالرجال ، وليس في النساء نبية ، فيكون أعلى مق[B]امات [B]مريم ، كما قال الله تعالى : [B]ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة [ [B]المائدة : 75 ] . فعلى هذا لا يمتنع أن تكون أفضل الصديقات المشهورات ممن كان قبلها ، وممن يكون بعدها . وال[B]له أعلم . وقد جاء ذكرها مقرونا مع [B]آسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، رضي الله عنهن وأرضاهن .

      [B]وقد روى [B]الإمام أحمد ،
      والبخاري ، [B]ومسلم ، [B]والترمذي ، [B]والنسائي ، [ ص: 426 ] [B]من طرق عديدة ، عن [B]هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن [B]عبد الله بن جعفر ، عن [B]علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد .

      [B]وقال [B]الإمام أحمد
      : [B]حدثنا [B]عبد الرزاق ، أنبأنا [B]معمر ، عن [B]قتادة ، عن [B]أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]حسبك من نساء العالمين بأربع ; مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ورواه [B]الترمذي ، عن [B]أبي بكر بن زنجويه ، عن [B]عبد الرزاق به ، وصححه .

      [B]ورواه [B]ابن مردويه
      من طريق [B]عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، وابن عساكر ، من طريق [B]تميم بن زياد ، كلاهما عن [B]أبي جعفر الرازي ، عن [B]ثابت ، عن[B]أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد رسول الله .

      [B]وقال [B]الإمام أحمد
      : [B]حدثنا [B]عبد الرزاق ، حدثنا [B]معمر ، عن [B]الزهري ، عن [B]ابن المسيب ، قال : كان [B]أبو هريرة يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[B]خير نساء [ ص: 427 ] ركبن الإبل ، صالح نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه لزوج في ذات يده قال [B]أبو هريرة ولم تركب [B]مريم بعيرا قط . وقد رواه [B]مسلم في " صحيحه " ، عن [B]محمد بن رافع وعبد بن حميد ، كلاهما عن [B]عبد الرزاق به .

      [B]وقال [B]أحمد
      : [B]حدثنا [B]زيد بن الحباب ، حدثني [B]موسى بن علي ، سمعت أبي يقول : سمعت [B]أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرأفه بزوج على قلة ذات يده قال [B]أبو هريرة وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن[B]ابنة عمران لم تركب الإبل . تفرد به ، وهو على شرط " الصحيح " . ولهذا الحديث طرق أخر عن [B]أبي هريرة .

      [B]وقال [B]أبو يعلى الموصلي
      : [B]حدثنا [B]زهير ، حدثنا [B]يونس بن محمد ، حدثنا [B]داود بن أبي الفرات ، عن [B]علباء بن أحمر ، عن [B]عكرمة ، عن [B]ابن عباس ، قال : [ ص: 428 ] [B]خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربع خطوط فقال : [B]أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ورواه[B]النسائي من طرق عن [B]داود بن أبي الفرات .

      [B]وقد رواه [B]ابن عساكر
      من طريق [B]أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا [B]يحيى بن حاتم العسكري ، نبأنا [B]بشر بن مهران بن حمدان ،حدثنا [B]محمد بن دينار ، عن [B]داود بن أبي هند ، عن [B]الشعبي ، عن [B]جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]حسبك منهن أربع ، سيدات نساء العالمين : فاطمة بنت محمد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران .

      [B]وقال [B]أبو القاسم البغوي
      حدثنا [B]وهب بن بقية ، حدثنا [B]خالد بن عبد الله الواسطي ، عن [B]محمد بن عمرو ، عن [B]أبي سلمة ، عن عائشة أنها قالت لفاطمة :أرأيت حين أكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت ، ثم ضحكت ؟ [ ص: 429 ] قالت : أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ، ثم أكببت عليه ، فأخبرني أني أسرع أهله لحوقا به ، وأني سيدة نساء أهل الجنة ، إلا مريم بنت عمران ، فضحكت . [B]وأصل هذا الحديث في " الصحيح " . وهذا إسناد على شرط [B]مسلم ، وفيه أنهما أفضل الأربع المذكورات .

      [B]وهكذا الحديث الذي رواه [B]الإمام أحمد ،
      حدثنا [B]عثمان بن محمد ، حدثنا [B]جرير ، عن [B]يزيد ، هو ابن أبي زياد عن [B]عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن [B]أبي سعيدقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، إلا ما كان من مريم بنت عمران إسناد حسن ، وصححه [B]الترمذي ، ولم يخرجوه ، وقد روي نحوه من حديث [B]علي بن أبي طالب ، ولكن في إسناده ضعف .

      [B]والمقصود أن هذا يدل على أن [B]مريم
      وفاطمة أفضل هذه الأربع ، ثم يحتمل الاستثناء أن تكون [B]مريم أفضل من [B]فاطمة ، ويحتمل أن يكونا على [ ص:430 ] [B]السواء في الفضيلة ; لكن ورد حديث ، إن صح عين الاحتمال الأول ، فقال [B]الحافظ أبو القاسم ابن عساكر : [B]أخبرنا [B]أبو الحسن بن الفراء ،[B]وأبو غالب وأبو عبد الله ، ابنا [B]البنا ، قالوا : أنبأنا [B]أبو جعفر بن المسلمة ، أنبأنا [B]أبو طاهر المخلص ، حدثنا [B]أحمد بن سليمان ، حدثنا [B]الزبير ، هو ابن بكار ، حدثنا [B]محمد بن الحسن ، عن [B]عبد العزيز بن محمد ، عن [B]موسى بن عقبة عن [B]كريب ، عن [B]ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ، ثم فاطمة ، ثم خديجة ، ثم آسية امرأة فرعون فإن كان هذا اللفظ محفوظا ب " ثم " التي للترتيب ، فهو مبين لأحد الاحتمالين اللذين دل عليهما الاستث[B]ناء ، ويقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت بواو العطف ، التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه . والله أع[B]لم .

      [B]وقد روى هذا الحديث [B]أبو حاتم الرازي ،
      عن [B]داود الجعفري ، [B]عن عبد العزيز بن محمد ، وهو الدراوردي ، عن [B]إبراهيم بن عقبة عن [B]كريب ، عن [B]ابن عباس مرفوعا ، فذكره بواو العطف لا ب " ثم " الترتيبية ، فخالفه إسنادا ومتنا . فالله أعلم .

      [B]فأما الحديث الذي رواه [B]ابن مردويه
      ، من حديث [B]شعبة ، عن [B]معاوية بن قرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]كمل من الرجال كثير ، ولم [ ص: 431 ] يكمل من النساء إلا ثلاث ; مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفضل عائشة على النساء ،كفضل الثريد على سائر الطعام .

      [B]وهكذا الحديث الذي رواه الجماعة ، إلا [B]أبا داود ،
      من طرق ، عن [B]شعبة ، عن [B]عمرو بن مرة ، عن [B]مرة الهمداني ، عن [B]أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وإن فضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام فإنه حديث صحيح كما ترى ، اتفق الشيخان على إخراجه ، ولفظه يقتضي حصر الكمال في النساء في [B]مريموآسية ، ولعل المراد بذلك في زمانهما ، فإن كلا منهما كفلت نبيا في حال صغره ، [B]فآسية كفلت [B]موسى الكليم ، [B]ومريم كفلت ولدها عبد الله ورسوله ، فلا ينفي كمال غيرهما في هذه الأمة ، [B]كخديجة وفاطمة ; فخديجة خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل البعثة خمسة عشر سنة ، وبعدها أزيد من عشر سنين ، وكانت له[B] وزير صدق بنفسها ومالها ، رضي الله عنها وأرضاها ، وأما [B]فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها خصت بمزيد فضيلة على أخواتها ; لأنها أصيبت برسول الله صلى الله عليه وس[B]لم ، وبقية أخواتها متن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما [B]عائشة ; فإنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، ولم يتزوج بكرا غيرها ، ولا يعرف في سائ[B]ر النساء في هذه الأمة ، بل ولا في غيرها ، أعلم منها ولا أفهم ، وقد غار الله لها حين قال لها أهل الإفك م[B]ا قالوا ، فأنزل براءتها من فوق سبع سماوات ، وقد [ ص: 432 ] [B]عمرت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قريبا من خمسين سنة ، تبلغ عنه القرآن والسنة ، وتفتي الم[B]سلمين وتصلح بين المختلفين ، وهي أشرف أمهات المؤمنين ، حتى [B]خديجة بنت خويلد أم البنات والبنين ، في قول طائفة من العلماء السابقين واللاحقين ، والأحسن الوقف فيهما ، رضي الله عنه[B]ما ، وما ذاك إلا لأن قوله صلى الله عليه وسلم : [B]وفضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام يحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى المذكورات وغيرهن ، ويحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى ما عدا المذكور[B]ات . والله أعلم .

      [B]والمقصود هاهنا ذكر ما يتعلق [B]بمريم بنت عمران ،
      عليها السلام ، فإن الله طهرها واصطفاها على نساء عالمي زمانها ، ويجوز أن يكون تفضيلها على النساء مطل[B]قا ، كما قدمنا . وقد ورد في حديث أنها تكون من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، هي [B]وآسية بنت مزاحم . [B]وقد ذكرنا في " التفسير " عن بعض السلف ، أنه قال ذلك ، واستأنس بقوله : [B]ثيبات وأبكارا [ [B]التحريم : 5 ] . قال : فالثيب [B]آسية ، ومن الأبكار [B]مريم بنت عمران .[B]وقد ذكرناه في آخر سورة " التحريم " . فالله أعلم .

      [B]قال [B]الطبراني
      : [B]حدثنا [B]عبد الله بن ناجية حدثنا [B]محمد بن سعد العوفي ، حدثنا أبي ، حدثنا عمي [B]الحسين ، حدثنا [B]يونس بن نفيع ، عن [B]سعد بن [ ص: 433 ] جنادة هو العوفي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون ، وأخت موسى .

      [B]وقال [B]الحافظ أبو يعلى
      : [B]حدثنا [B]إبراهيم بن عرعرة ، حدثنا [B]عبد النور بن عبد الله ، حدثنا [B]يونس بن شعيب ، عن [B]أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [B]أشعرت أن الله زوجني مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وكلثم أخت موسى رواه [B]ابن جعفر العقيلي من حديث [B]عبد النور به ، وزاد : فقلت : هنيئا لك يا رسول الله . ثم قال [B]العقيلي : [B]وليس بمحفوظ .

      [B]وقال [B]الزبير بن بكار
      : [B]حدثني [B]محمد بن الحسن ، عن [B]يعلى بن المغيرة ، عن [B]ابن أبي داود ، قال : [B]دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجةوهي في مرضها الذي توفيت فيه ، فقال لها : بالكره مني ما أرى منك يا خديجة ، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا ، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون ؟ قالت : وقد فعل الله بك ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم قالت : [ ص: 434 ]بالرفاء والبنين . [B]وروى [B]ابن عساكر ، من حديث [B]محمد بن زكريا الغلابي ، حدثنا [B]العباس بن بكار ، حدثنا [B]أبو بكر الهذلي ، عن [B]عكرمة ، عن [B]ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت ، فقال : يا خديجة ، إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام . قالت : يا رسول الله ، وهل تزوجت قبلي ؟ قال : لا ، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وكلثم أخت موسى .

      [B]وروى [B]ابن عساكر ،
      من طريق [B]سويد بن سعيد ، حدثنا [B]محمد بن صالح بن عمر ، عن [B]الضحاك ومجاهد ، عن [B]ابن عمر قال : [B]نزل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أرسل به ، وجلس يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت خديجة ، فقال جبريل : من هذه يا محمد ؟ قال : هذه صديقة أمتي قال جبريل : معي إليها رسالة من الرب ، عز وجل ، يقرئها السلام ، ويبشرها ببيت في الجنة من قصب ، بعيد من اللهب ، لا نصب فيه ولا صخب . قالت : الله السلام ، ومنه السلام ، والسلام عليكما ، ورحمة الله وبركاته على رسول الله ، ما ذلك البيت الذي من قصب ؟ قال : لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران ، وبيت آسية بنت مزاحم ، وهما من أزواجي يوم القيامة وأصل السلام على [B]خديجة من الله وبشارتها ببيت في الجنة ، من قصب لا صخب فيه ولا نصب ، في [ ص: 435 ] [B]" [B]الصحيح " . ولكن هذا السياق بهذه الزيادات غريب جدا . وكل من هذه الأحاديث في أسانيدها نظر .

      [B]وروى [B]ابن عساكر ،
      من حديث [B]أبي زرعة الدمشقي ، حدثنا [B]عبد الله بن صالح ، حدثني [B]معاوية ، عن [B]صفوان بن عمرو ، عن [B]خالد بن معدان ، عن [B]كعب الأحبار ، أن [B]معاوية سأله عن الصخرة ; يعني صخرة [B]بيت المقدس ، فقال : الصخرة على نخلة ، والنخلة على نهر من أنهار الجنة ، وتحت النخلة[B]مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، ينظمان سموط أهل الجنة ، حتى تقوم الساعة . ثم رواه من طريق [B]إسماعيل بن عياش ، عن [B]ثعلبة بن مسلم ،عن [B]مسعود عن [B]عبد الرحمن ، عن [B]خالد بن معدان ، عن [B]عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله . وهذا منكر من هذا الوجه ، بل هو موضوع .

      [B]ثم قد رواه [B]أبو زرعة
      ، عن [B]عبد الله بن صالح ، عن [B]معاوية ، عن [B]مسعود بن عبد الرحمن ، عن ابن عائذ ، أن [B]معاوية سأل [B]كعبا عن صخرة [B]بيت المقدس ، فذكره . قال [B]الحافظ ابن عساكر : [B]وكونه من كلام [B]كعب الأحبار ، [ ص: 436 ] [B]أشبه . قلت : وكلام [B]كعب الأحبار هذا ، إنما تلقاه من الإسرائيليات ، التي منها ما هو مكذوب مفتعل ، وضعه بعض زنادقتهم أو جهالهم ، وه[B]ذا منه . والله أعلم .
      [/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B]
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113508[/ATTACH]
      ماهي قصة اصحاب الفيل .. ومن هم اهل الفيل ولماذا أراد اهل الفيل هدم الكعبه ..؟


      كما يعلم الجميع ان الكعبه هي بيت الله العزيز والشريف والذي زاد من تعظيم المسلمين بأن هذه الكعبه المشرفه شرف العز والمكانه لدي الكثير من الناس عامه من المسلمين وخاصه لأصحاب اهل مكه .. ؟


      ولما كانت هذه لكعبه هي ساس البيوت في الارض .. لقول الله عز وجل .. ( ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا )

      اذا هذا اول بيت وضع في الارض وهو بيت الله الشريف الكعبه المشرفه ..

      والكعبه هي التي يحج اليها الناس من جميع الارض .. وهي التي في الحديث الصحيح ان جميع الأنبياء قد زاروا هذه الكعبه الشريفه .. ؟

      ونأتي الى بعض المحاور والنقاط قبل دخولنا الى القصه وهي قصة اصحاب الفيل ..؟

      كما نعلم جميعا ان اول من كسى الكعبه المشرفه في التاريخ هو ملك اليمن او كما في الاصح تبع اليمن وهو ( تبان اسعد ابن ابي الكر )

      وكان هذا الشخص على النصرانيه وقد حقد على اليهود ولما سافر الى المدينه لكي يقاتل اليهود وصل اولا الى مكه ونام بجوار الكعبه وحلم في المنام انه يكسوا الكعبه فستيقظ وكسا الكعبه الشريفه بصوف

      ونام في الليله الأخرى وتحلم بانه يكسوها بأفضل من ذالك فطلب من اليمن حرير خالص وغالي وكسا الكعبه الشريفه وكانت العرب تضع كسوة فوق كسوة الى زمن عبدالمطلب جد النبي الكريم صلى الله علية وسلم .. فرأوا العرب ان الكعبه ستنهدم بسبب ثقل الكسوة عليها فنزعها عبدالمطلب وامر ان تضع كسوة في كل عام ..

      نأتي الى صلب الموضوع كما تعلمون ان تبان اسعد صارت له هدنه مع اليهود ولم يقالتهم ورجع الى اليمن في قصة طويله ..

      مات تبان اسعد وخلف من بعده ذو نواس ابن تبان اسعد وكان ضالما جبارا على اليهوديه .

      وكما نعلم انه هو الذي قام بحرق الناس في الاخدود في قصة اصحاب الأخدود وهي قصة طويله خلاصتها ان الناس آمنوا بدين الغلام الذي كان على النصرانيه فعجز ذو نواس على قتله وقال له الغلام لن تقتلني الا بعد ان تسمي بلله وتأخذ قوسي ونبلي وتقتلني .. ففعلا فعل ذالك وقتل الغلام ودخل 20,000 الف من اهل اليمن في النصرانيه فأمر بقتلهم جميعا في النار بحرقهم في الاخدود الا رجل فر من بينهم ..

      فهذا الرجل وصل الى الرومان بقيادة قيصر وقيصر كان على النصرانيه ومتعصب بعد .. فوصل اليه الرجل لكي يثأر الى اهله وقومه .. فأخبره الرجل فغضب قيصر وقال كيف يقتل ذو نواس من هم على ديني ولكن قال قيصر اليمن بعيده من هنا لتحريك جيش للقتال .. ولكن انا اقلك انا سأرسل معك رساله الى النجاشي ملك الحبشه فهو على النصرانيه وحتما سيساعدك .. وفعلا اخذ الرجل الرساله وذهب بها الى النجاشي ..

      وصل الرجل الى الحبشه الحبشه قريبه من اليمن .. فغضب النجاشي وقال كيف يتجرء على قتل من كان على ديني فجهز جيشا كبير معد وقوي جدا .. وكان من بين القاده في الجيش رجلان

      الاول وهو قائد الجيش هو ارياض ومن بين القاده في الجيش رجل اسمه أبرهه الحبشي .

      قاد الجيش ارياض ووصل الى اليمن وحصل القتال وانتصر جيش النجاشي في المعركه .. واصبح ارياض هو حاكم اليمن والي النجاشي في اليمن ..؟ واصبحت اليمن تابعه للنجاشي .

      مرت السنين واصبح ارياض يضلم الناس ضلما شديدا حتى صار يضلم اهل الحبشه الي معاه .

      فقام جماعة من الجيش الحبشي بقياده ابرهه وقالوا لا بد من ازاحة الحكم عن ارياض فجمعوا هؤلاء جماعة كبيرة من الذين يعارضون ارياض وحصلت المعركه بين الجيشان جيش اهل الحبشه نفسه .

      فبينما تواجه الجيشان للقتال أستأذن أبرهه من ارياض في كلام فوافق وقال له لما نهلك جيش الحبشه اذا احنا تقاتلنا وفنا الجيش من سيحكم اليمن .. فقال ما رأي قال انا وانت نتقاتل فقال نعم

      فتقاتلا الرجلان فضرب ارياض ابرهه على خشمه فقطع نصف انفه ولذالك كان يسمى ابرهه الأشرم

      ولكن ابرهه قتل أرياض .. واصبح هو الحاكم .

      فسمع بذالك النجاشي فغضب فقال كيف يتقاتل الأحباش مع بعضهم البعض وكيف يتجرأ ان يقتل أبرهه ارياض والي على اليمن .. والله لن أرجع حتى ادوس بقدمي اليمن وأجز شعر ابرهه أذلال له


      فسمع بذالك ابرهه فقام وحلق شعر نفسه واخذ تراب وارسله مع رسول الى الحبشه وقال يا نجاشي هذا تراب اليمن دوس عليه وهذا شعري جزيناه لك وما فعلت اذا فعلت الا لما ضلمنا ارياض فقال اذا كان هذا ما حصل فلا بأس وقال ابرهه انا خادمك وانا مطيعك وانا واليك في اليمن ..

      مرت الايام ففكر ابرهه كيف يرضي النجاشي وكيف يضهر ولائه له .. فأمر ببناء كنسيه عظيمه في اليمن وسماها ( القليس ) وامر الناس بلحج اليها بدل الحج الى الكعبه .. ولكن الناس لم تاتي .

      فسمع رجل من الذي يعضمون الكعبه بهذا الامر فقال ماهي هذه االقليس ايردون ان تكون مثل الكعبه كيف فسافر الى اليمن ودخل القليس وقضاء حاجته فيها ولطخ جدرانها بعذرته .. وخرج

      فسمع بذالك أبرهه فقال من فعل ذالك قالواهذا رجل من اهل النسي قال ما النسي قالوا من الذين يعضمون الكعبه قال ماهي الكعبه فأخبوره بذالك فعرف ان الناس لن تحج اليه الى بعد ان يهدم الكعبه

      ففعلا جهز جيش كبيرا للذهاب الى مكه وجعل الذي يقود الجيش فيلا عظيما اسمه محمود لهدم الكعبه .

      وصل أبره الى تخوم الحجاز فخرجت قبيلتان لمحاربته وانتصر عليهم ابرهه واسر كل من حكامهم وصل ابرهه الى مشارف الطائف الطائف لا خير فيهم قالوا احنا مالنا شغل تبي تهدم الكعبه روح اهدمها وعشان نثبت انا صادقين معك نرسل معك رجل يدلك وين الكعبه لأنه ما يعرف الكعبه هو اصلا .. ابرهه .

      فتطوع رجل اسمه ذو رغال وتحرك الجيش, بين مكه والطائف مات ذو رغال واتخذت العرب قبره مرجما له بسبب خيانته للعرب ..

      وصل ابرهه الى مكه .. استسلمت مكه له وامر الفيل محمود بتوجه الى الكعبه وهدمها ولكن الفيل برك على الارض وجهوه الى جهة اليمن قام ومشى وجهوهه الى الكعبه يبرك .

      فبينما هم يعالجون مشكلة الفيل اذا اقبلت غيمة سوداء من بعيد فلما اقتربت فأذا هي الطير الأبابيل

      عصافير كل عصفور معه ثلاث احجار من سجيل في المنقار واحده وفي الرجل اليمين واحده واليسار واحده .

      فكانت ترميهم فتصيب الرجل منهم مع راسه وتخرج مع دبره فيسيح الرجل .. فمات كل جيش ابرهه لذالك يقول الله تبارك وتعالى ( الم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . الم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصفٍ مأكول )


      ولذالك سمى العرب ذالك العام عام الفيل الذي ولد فيه نبي الامه وخير البشر واصفها محمد ابن عبدالله القرشي الهاشمي . صلى الله علية وسلم ..
      خمسين يوماً بعد حادث الفيل ..
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113509[/ATTACH]
      في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.

      في هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.

      لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون.

      عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. زهدوا في الأسرّية الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا مظلما.

      إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.

      استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.

      بعد هذه المئين الثلاث، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.

      فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.

      خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.

      لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.

      وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت الفئة الثانية.

      لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل

      فهل استقيزت قلوبنا
      ِ

      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113510[/ATTACH]
      قوم صالح " ثمود " كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لهم ,

      فلما بعث الله صالح – عليه السلام – نبيا لهم طلبوا منه آيه

      من عند الله لإثبات نبوته واختاروا ان تكون هذه الآيه ناقه حامل

      تخرج من قلب الصخر فأستجاب الله لرسوله وأعطاه العجزه التى طلبوها منه

      قال الله تعالى : {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَتَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} ( هود 64 )





      فأمرهم صالح – عليه السلام – أن يحافظوا عليها ولا يتعرضوا لها

      حين تشرب او تأكل وأن الماء قسمه بينها وبينهم

      فكانت تشرب يوما ويشربون يوما

      وكانت الناقه تعطى اهل ثمود اللبن الذى يكفيهم جميعا فى اليوم الذى تشرب هى فيه من الماء

      قال الله تعالى :{ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } ( القمر 28 )




      ولكن الكفار من القوم لم يتقبلوا هذا الوضع فقرروا ذبح الناقه

      فاختاروا لتلك المهمه شخص منهم اذا شرب الخمر لم يدرك ماذا يفعل

      قال الله تعالى : { فَنَادَوْاصَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ } ( القمر 29 )





      وعندما عقروا الناقه قال لهم صالح تمتعوا ثلاثة ايام لن يمسكم فيها شىء , ثم يألتى وعد الله بالعذاب

      قال الله تعالى : { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } ( هود 65 )





      فاخذتهم الصيحه فاصبحوا كالهشيم ( القش الجاف ) وهذا جزاء من يخالف اوامر الله

      قال الله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ } ( القمر 31 )

      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113511[/ATTACH]

      [align=center]قصة هود عليه السلام مع قومه[/align]
      [align=center][/align]

      [align=center][/align]



      تكريم نوح عليه السلام والذينامنوا معه

      {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} أي اهبط من السفينة بسلامة وأمن {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} أي وخيراتٍ عظيمة عليك وعلى ذرية من معك من أهل السفينة، قال القرطبي: دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ } أي وأمم أخرى من ذرية من معك نمتعهم متاع الحياة الدنيا وهم الكفرة المجرمون {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي ثم نذيقهم في الآخرة العذاب الأليم وهو عذاب جهنم {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} أي هذه القصة وأشباهها من أخبار الغيوب السالفة التي لم تشهدها {نُوحِيهَا إِلَيْكَ} أي نعلمك بها يا محمد بواسطة الوحي {مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} أي لم يكن عندك ولا عند أحدٍ من قومك علمٌ بها من قبل هذا القرآن {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} أي فاصبر على أمر الله بتبليغ الدعوة كما صبر نوح، فإن العاقبة المحمودة لمن اتقى الله، وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين. قصة هود عليه السلام مع قومه
      {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ(50)يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ(51)وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ(52)قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ(53)إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(54)مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ(55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ(57)وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَءامنوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ(58)وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(59)وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ(60)} {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} أي ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد نبياً منهم اسمه هود {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي اعبدوا الله وحده دون الآلهة والأوثان {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي ليس لكم معبودٌ غيره يستحق العبادة {إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ} أي ما أنتم في عبادتكم غير الله إلا كاذبون عليه جل وعلا، لأنه لا إله سواه {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي لا أطلب منكم على النصح والبلاغ جزاءً ولا ثواباً {إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} أي ما ثوابي وجزائي إلا على الله الذي خلقني {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي أتغفلون عن ذلك فلا تعقلون أن من يدعوكم إلى الخير دون إرادة جزاءٍ منكم هو لكم ناصح أمين؟ والاستفهام للإِنكار والتقريع {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} أي استغفروه من الكفر والإِشراك {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي ارجعوا إليه بالطاعة والاستقامة على دينه والتمسك بالإِيمان والتوحيد {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} أي يرسل عليكم المطر غزيراً متتابعاً، رُوي أن عاداً كان حُبس عنهم المطر ثلاث سنين حتى كادوا يهلكون، فأمرهم هودٌ بالتوبة والاستغفار ووعدهم على ذلك بنزول الغيث والمطر، وفي الآية دليل على أن التوبة والاستغفار، سببٌ للرحمة ونزول الأمطار {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} أي ويزدكم عزاً وفخاراً فوق عزكم وفخاركم، قال مجاهد: شدة إلى شدتكم، فإنهم كانوا في غاية القوة والبطش حتى قالوا {من أشدُّ منا قوة}؟ {وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه مصرّين على الإِجرام، وارتكاب الآثام {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} أي ما جئتنا بحجةٍ واضحة تدل على صدقك، قال الآلوسي: وإنما قالوه لفرط عنادهم، أو لشدة عَمَاهم عن الحق {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أي لسنا بتاركين عبادة الأصنام من أجل قولك {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي لسنا بمصدقين لنبوتك ورسالتك، والجملة تقنيطٌ من دخولهم في دينه، ثم نسبوه إلى الخبل والجنون فقالوا {إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} أي ما نقول إلا أصابك بعض آلهتنا بجنون لما سببتها ونهيتنا عن عبادتها، قال الزمخشري: دلت أجوبتهم المتقدمة على أن القوم كانوا جفاةً، غلاظ الأكباد، لا يلتفتون إلى النصح، ولا تلين شكيمتهم للرشد، وقد دلَّ قولهم الأخير على جهلٍ مفرط، وبلَهٍ متناهٍ، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ} أي قال هودٌ إني أشهدُ الله على نفسي {وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} أي وأشهدكم أيضاً أيها القوم بأنني بريءٌ مما تشركون في عبادة الله من الأوثان والأصنام {مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} أي فاحتالوا في هلاكي أنتم وآلهتكم ثم لا تمهلوني طرفة عين،قال أبو السعود: وهذا من أعظم المعجزات، فإنه عليه السلام كان رجلاً مفرداً بين الجم الغفير من عتاة عاد، الغلاظ الشداد، وقد حقّرهم وهيّجهم بانتقاص آلهتهم، وحثهم على التصدّي له فلم يقدروا على مباشرة شيء، وظهر عجزهم عن ذلك ظهوراً بيناً، وقال الزمخشري: من أعظم الآيات أن يُواجه بهذا الكلام رجلٌ واحد أمة عطاشاً إلى إراقة دمه، يرمونه عن قوسٍ واحدة، وذلك لثقته بربه وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم، ومثله قول نوح {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} أي إني لجأت إلى الله وفوضت أمري إليه تعالى مالكي ومالككم {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أي ما من نسمةٍ تدبُّ على وجه الأرض إلا هي في قبضته وتحت قهره، والأخذُ بالناصية تمثيلٌ للملك والقهر، والجملةُ تعليلٌ لقوة توكله على الله وعدم مبالاته بالخلق {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي إن ربي عادل، يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا يظلم أحداً شيئاً {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} أي فإِن تُعرضوا عن قبول دعوتي فقد أبلغتكم أيها القوم رسالة ربي، وما على الرسول إلا البلاغ {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أي فسوف يهلككم الله ويستخلف قوماً آخرين غيركم، وهذا وعيدٌ شديد {وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} أي لا تضرون الله شيئاً بإشراككم {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي إنه سبحانه رقيبٌ على كل شيء، وهو يحفظني من شركم ومكركم {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} أي ولما جاء أمرنا بالعذاب، وهو ما نزل بهم من الريح العقيم {نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءامنوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} أي نجينا من العذاب هوداً والمؤمنين بفضلٍ عظيم ونعمة منا عليهم {وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي وخلصناهم من ذلك العذاب الشديد، وهي الريح المدمرة التي كانت تهدم المساكن، وتدخل في أنوف أعداء الله وتخرج من أدبارهم، وتصرعهم على وجوههم حتى صاروا كأعجاز نخلٍ خاوية {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} الإِشارة لآثارهم أي تلك آثار المكذبين من قوم عاد انظروا ماذا حلّ بهم، حين كفروا بالله، وأنكروا آياته في الأنفس والآفاق الدالة على وحدانيته؟ {وَعَصَوْا رُسُلَهُ} أي عصوا رسوله هوداً، وجمعه تفظيعاً لحالهم، وإظهاراً لكمال كفرهم وعنادهم، ببيان أن عصيانهم له عصيانٌ لجميع الرسل السابقين واللاحقين لاتفاق كلمتهم على التوحيد {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أي أطاعوا أمر كل مستكبر على الله، حائدٍ عن الحق، لا يُذعن له ولا يقبله، يريد به الرؤساء والكبراء {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أي وأُلحقوا باللعنة والطرد من رحمة الله في الدنيا {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي ويوم القيامة أيضاً تلحقهم اللعنة، قال الرازي : جعل اللعن رديفاً لهم ومتابعاً ومصاحباً في الدنيا والآخرة، ومعنى اللعنة الإِبعادُ من رحمة الله تعالى ومن كل خير {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ} هذا تشنيعٌ لكفرهم وتهويلٌ بحرف التنبيه وبتكرار اسم عاد أي ألا فانتبهوا إنَّ عاداً كفروا بربهم إذْ عبدوا غيره، وجحدوا نعمته إذ كذبوا رسوله، فاستحقوا اللعنة في الدنيا، واللعنة في الآخرة {أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} أي أبعدهم الله من الخير، وأهلكهم عن بكرة أبيهم، وهي جملة دعائية بالهلاك واللعنة.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113512[/ATTACH]
      قصة ذو القرنين

      [B]موقع القصة في القرآن الكريم:


      ورد ذكر القصة في سورة الكهف الآيات 83-98.

      قال الله تعالى( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ))

      القصة:

      لا نعلم قطعا من هو ذو القرنين. كل ما يخبرنا القرآن عنه أنه ملك صالح، آمن بالله وبالبعث وبالحساب، فمكّن الله له في الأرض، وقوّى ملكه، ويسر له فتوحاته.

      بدأ ذو القرنين التجوال بجيشه في الأرض، داعيا إلى الله. فاتجه غربا، حتى وصل للمكان الذي تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه. وربما يكون هذا المكان هو شاطئ المحيط الأطلسي، حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه. فألهمه الله – أو أوحى إليه- أنه مالك أمر القوم الذين يسكنون هذه الديار، فإما أن يعذهم أو أن يحسن إليهم.

      فما كان من الملك الصالح، إلا أن وضّح منهجه في الحكم. فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة. أما من آمن، فسيكرمه ويحسن إليه.

      بعد أن انتهى ذو القرنين من أمر الغرب، توجه للشرق. فوصل لأول منطقة تطلع عليها الشمس. وكانت أرضا مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفات تحجب الشمس عن أهلها. فحكم ذو القرنين في المشرق بنفس حكمه في المغرب، ثم انطلق.

      وصل ذو القرنين في رحلته، لقوم يعيشون بين جبلين أو سدّين بينهما فجوة. وكانوا يتحدثون بلغتهم التي يصعب فهمها. وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه أن يساعدهم في صد يأجوج ومأجوج بأن يبني لهم سدا لهذه الفجوة، مقابل خراج من المال يدفعونه له.

      فوافق الملك الصالح على بناء السد، لكنه زهد في مالهم، واكتفى بطلب مساعدتهم في العمل على بناء السد وردم الفجوة بين الجبلين.

      استخدم ذو القرنين وسيلة هندسية مميزة لبناء السّد. فقام أولا بجمع قطع الحديد ووضعها في الفتحة حتى تساوى الركام مع قمتي الجبلين. ثم أوقد النار على الحديد، وسكب عليه نحاسا مذابا ليلتحم وتشتد صلابته. فسدّت الفجوة، وانقطع الطريق على يأجوج ومأجوج، فلم يتمكنوا من هدم السّد ولا تسوّره. وأمن القوم الضعفاء من شرّهم.

      بعد أن انتهى ذو القرنين من هذا العمل الجبار، نظر للسّد، وحمد الله على نعمته، وردّ الفضل والتوفيق في هذا العمل لله سبحانه وتعالى، فلم تأخذه العزة، ولم يسكن الغرور قلبه.

      يقول سيّد قطب رحمه الله: "وبذلك تنتهي هذه الحلقة من سيرة ذي القرنين. النموذج الطيب للحاكم الصالح. يمكنه الله في الأرض, وييسر له الأسباب; فيجتاح الأرض شرقا وغربا; ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر, ولا يطغى ولا يتبطر, ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان, ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق; ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه.. إنما ينشر العدل في كل مكان يحل به, ويساعد المتخلفين, ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل; ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح, ودفع العدوان وإحقاق الحق. ثم يرجع كل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضل الله, ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته, وأنه راجع إلى الله." (في ظلال القرآن).

      يأجوج ومأجوج :

      يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان ، وقيل : عربيان

      وعلى هذا يكون اشتقاقهما من أجت النار أجيجا : إذا التهبت . أو من الأجاج : وهو الماء الشديد الملوحة ، المحرق من ملوحته ، وقيل عن الأج : وهو سرعة العدو. وقيل : مأجوج من ماج إذا اضطرب،ويؤيد هذا الاشتقاق قوله تعالى ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ) ، وهما على وزن يفعول في ( يأجوج ) ، ومفعول في ( مأجوج ) أو على وزن فاعول فيهما

      هذا إذا كان الاسمان عربيان ، أما إذا كانا أعجميين فليس لهما اشتقاق ، لأن الأعجمية لا تشتق

      وأصل يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم وحواء عليهما السلام . وهما من ذرية يافث أبي الترك ، ويافث من ولد نوح عليه السلام . والذي يدل على أنهم من ذرية آدم عليه السلام ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله تعالى : يا آدم ! فيقول لبيك وسعديك ، والخير في يديك . فيقول اخرج بعث النار . قال : وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين . فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ). قالوا : وأينا ذلك الواحد ؟ قال : ( ابشروا فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف) رواه البخاري

      وعن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، وأنهم لو أرسلوا إلى الناس لأفسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا )

      صفتهم

      هم يشبهون أبناء جنسهم من الترك المغول، صغار العيون ، ذلف الأنوف ، صهب الشعور، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة ، على أشكال الترك وألوانهم . وروى الإمام أحمد : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب ، فقال ( إنكم تقولون لا عدو ، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوا حتى يأتي يأجوج ومأجوج : عراض الوجوه ، صغار العيون ، شهب الشعاف ( الشعور ) ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة) .

      وقد ذكر ابن حجر بعض الاثار في صفتهم ولكنها كلها روايات ضعيفة ، ومما جاء فيها أنهم ثلاثة أصناف

      صنف أجسادهم كالأرز وهو شجر كبار جدا

      وصنف أربعة أذرع في أربعة أذرع

      وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى

      وجاء أيضا أن طولهم شبر وشبرين ، وأطولهم ثلاثة أشبار

      والذي تدل عليه الروايات الصحيحة أنهم رجال أقوياء ، لا طاقة لأحد بقتالهم، ويبعد أن يكون طول أحدهم شبر أو شبرين. ففي حديث النواس بن سمعان أن الله تعالى يوحي إلى عيسى عليه السلام بخروج يأجوج ومأجوج ، وأنه لا يدان لأحد بقتالهم، ويأمره بإبعاد المؤمنين من طريقهم ، فيقول لهم ( حرز عبادي إلى الطور)

      أدلة خروجهم

      قال تعالى ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون . واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ) الأنبياء:96-97

      وقال تعالى في قصة ذي القرنين ( ثم أتبع سببا . حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا. قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا . قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما . آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا . فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا. قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا . وتركنا بعضهم يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) الكهف : 92- 99

      وهذه الآيات تدل على خروجهم ، وأن هذا علامة على قرب النفخ في الصور وخراب الدنيا، وقيام الساعة

      وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا يقول ( لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ( وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها ) قالت زينب بنت جحش : فقلت يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم ، إذا كثر الخبث )

      وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفيه ( إذا أوحى الله على عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أولئك على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب إلى الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف( دود يكون في أنوف الإبل والغنم ) في رقابهم فيصبحون فرسى ( أي قتلى ) كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ) رواه مسلم وزاد في رواية – بعد قوله ( لقد كان بهذه مرة ماء ) – ( ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر ، وهو جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض ، هلم فلنقتل من في السماء ، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما )

      وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه في ذكر أشراط الساعة فذكر منها ( يأجوج ومأجوج ) رواه مسلم

      سد يأجوج ومأجوج

      بنى ذو القرنين سد يأجوج ومأجوج ، ليحجز بينهم وبين جيرانهم الذين استغاثوا به منهم. كما قال تعالى ( قالوا يا ذاالقرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا. قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما) الكهف

      هذا ما جاء به الكلام على بناء السد ، أما مكانه ففي جهة المشرق لقوله تعالى ( حتى إذا بلغ مطلع الشمس ) ولا يعرف مكان هذا السد بالتحديد

      والذي تدل عليه الآيات أن السد بني بين جبلين ، لقوله تعالى ( حتى إذا بلغ بين السدين ) والسدان : هما جبلان متقابلان. ثم قال ( حتى إذا ساوى بين الصدفين) ، أي : حاذى به رؤوس الجبلين وذلك بزبر الحديد، ثم أفرغ عليه نحاس مذابا ، فكان السد محكما

      وهذا السد موجود إلى أن يأتي الوقت المحدد لدك هذا السد ، وخروج يأجوج ومأجوج، وذلك عند دنو الساعة، كما قال تعالى ( قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا . وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) الكهف

      والذي يدل على أن هذا السد موجود لم يندك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا . قال : فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان ، حتى إذا بلغوا مدتهم، وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس ، قال الذي عليهم : ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله تعالى، واستثنى. قال : فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه ، فيخرقونه ويخرجون على الناس ، فيستقون المياه ، ويفر الناس منهم ) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم[/B]
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~

    • [ATTACH=CONFIG]113518[/ATTACH]


      قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من زهد يحيى بن زكريا (عليه السلام) أنه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر وبرانس الصوف وإذا هم قد خرقوا ترقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سواري المسجد فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الأحبار والرهبان فقالت له أمه حتى يأتي نبي الله وأؤامره في ذلك فلما دخل زكريا (عليه السلام) أخبرته بمقالة يحيى فقال له زكريا يا بني ما يدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير فقال له يا أبة أ ما رأيت من هو أصغر سنا مني قد ذاق الموت قال بلى ثم قال لأمه انسجي له مدرعة من شعر وبرنسا من صوف ففعلت فتدرع المدرعة على بدنه ووضع البرنس على رأسه ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عز وجل مع الأحبار حتى أكلت المدرعة من الشعر لحمه فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى فأوحى الله عز وجل إليه يا يحيى أ تبكي مما قد نحل من جسمك وعزتي وجلالي لو أطلعت إلى النار إطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه وبدا للناظرين أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل زكريا واجتمع الأحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه فقال ما شعرت بذلك فقال زكريا يا بني ما يدعوك إلى هذا إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني قال أنت أمرتني بذلك يا أبة قال ومتى ذلك يا بني قال أ لست القائل إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاءون من خشية الله قال بلى فجد واجتهد وشأنك غير شأني فقام يحيىفنفض مدرعته فأخذته أمه فقالت أ تأذن لي يا بني أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك وينشفان دموعك فقال لها شأنك فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه فحسر عن ذراعيه ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه فنظر زكريا إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال اللهم إن هذا ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين وكان زكريا (عليه السلام) إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى يحيى (عليه السلام) لم يذكر جنة ولا نارا فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة فجلس في غمار الناس والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول حدثني حبيبي جبرئيل عنالله تبارك وتعالى إن في جهنم جبلا يقال له السكران في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى في ذلك الوادي جب قامته مائة عام في ذلك الجب توابيت من نار في تلك التوابيت صناديق من نار وثياب من نار وسلاسل من نار وأغلال من نار فرفع يحيى (عليه السلام) رأسه فقال وا غفلتاه من السكران ثم أقبل هائما على وجهه فقام زكريا (عليه السلام) من مجلسه فدخل على أم يحيى فقال لها يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لا نراه إلا وقد ذاق الموت فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها يا أم يحيى أين تريدين.
      قالت أريد أن أطلب ولدي يحيى ذكر النار بين يديه فهام على وجهه فمضت أميحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له يا راعي هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا فقال لها لعلك تطلبين يحيى بن زكريا قالت نعم ذاك ولدي ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه قال إني تركته الساعة على عقبه ثنية كذا وكذا فأقعى قدميه في الماء رافعا بصره إلى السماء يقول وعزتك مولاي لأذقت بارد الشراب حتى أنظر إلى منزلتي منك وأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته بين يديها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل فقالت له أم يحيى هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين ففعل وطبخت له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته فنودي في منامه يا يحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري فاستيقظ فقام فقال يا رب أقلني عثرتي إلهي فبعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس وقال لأمه ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة وتعلقت به فقال لها زكريا يا أم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه ولن ينتفع بالعيش فقام يحيى فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه ثم أتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عز وجل مع الأحبار حتى كان من أمره ما كان.

      عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال جمع الخير كله في ثلث خصال النظر والسكوت والكلام فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو فطوبى لمن كان نظره عبرا وسكوته فكرا وكلامه ذكرا وبكى على خطيئته وأمن الناس شره.





      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113519[/ATTACH]

      من وجد الله فماذا فقد ........ و من فقد الله فماذا وجد
      أيوب وزوجته الوفية‏
      دائما ما نردد كلمة صبر أيوب

      فهل تعرف على ماذا صبرنبي الله أيوب
      أيوب عليه السلام نبى من أنبياء الله العظام الذين جاء ذكرهم فى القرآن الكريم .. يعرفه العام والخاص ، فحين يضربون مثلا للصبر يقولون صبر أيوب
      يا تُرى ما قصةُ أيوب عليه السلام؟
      هو من ذرية يوسف عليه السلام ، تزوج سيدة عفيفة
      وأيوب عليه السلام وزوجته الكريمة يعيشان فى منطقة حوران
      وقد أنعم الله عليه بنعم كثيرة فرزقه بنينًا وبنات، ورزقه أراضي كثيرة يزرعها فيخرج منها أطيب الثمار .... كما رزقه قطعان الماشية بأنواعها المختلفة .. آلاف من رؤوس الأبقار ، آلاف رؤوس من الأغنام ، آلاف من رؤوس الماعز وأخرى من الجمال
      وفوق ذلك كله أعلى الله مكانته واختاره للنبوة
      وكان ملاذًا وملجأ للناس جميعًا وبيته قبلة للفقراء لما علموا عنه أنه يجود بما لديه ولا يمنعهم من ماله شيئًا
      و لا يطيق أن يرى فقيرًا بائسًا، و بلغ من كرمه عليه السلام أنه لم يتناول طعامًا حتى يكون لديه ضيفًا فقيرًا
      هكذا عاش أيوب عليه السلام
      يتفقد العمل في الحقول والمزارع ، ويباشر على الغلمان والعبيد والعمال ، وزوجته تطحن وبناته يشاركن الأم
      أما أبناؤه فكانوا يحملون الطعام ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين من أهل القرية ، والخدم والعمال يعملون في المزارع والأراضى والحقول
      وكان يشكر الله .. ويدعو الناس إلى كل خير وينهاهم عن كل شر
      أحب الناسُ أيوب عليه السلام .. لأنه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه .. ويساعد الناس جميعاً .. ولم يتكبر بما لديه ، من مزارع وحقول وماشية وأولاد
      كان يمكنه أن يعيش في راحة ، ولكنه كان يعمل بيده ، وزوجته هي الأخرى كانت تعمل فى بيتها
      راح الشيطان يوسوس للناس قائلاً لهم: إن أيوب يعبد الله لأنه أعطاه هذا الخير العميم والفضل الكثير من البنين والبنات والأموال من قطعان الماشية والأراضى الخصبة .. فأيوب يعبد الله لذلك وخوفاً على أمواله . ولو كان فقيرًا ما عبد الله ولا سجد له
      ووجد الشيطان من يسمع له ويصغي لما يقول من وساوس .. فتغيرّت نظرتهم إلى أيوب عليه السلام وأصبحوا يقولون
      إن أيوب لو تعرض لأدنى مصيبة لترك ما هو فيه من الطاعة والإنفاق فى سبيل الله .. ألا ترون كثرة أولاده وكثرة أمواله وكثرة أراضيه المثمرة ، فلو نزع الله منه هذه الأشياء لترك عبادة الله بل سينسى الله
      ورويدًا رويدًا
      تحول أهل حوران إلى ناقمين على أيوب عليه السلام بعدما كانوا يحبونه حباً جماً .. وأصبحوا يرون أيوب عليه السلام من بعيد فيتحدثون عنه بصورة مؤذية
      بدأت المحنة والابتلاء من الله تعالى
      فبينما كان كل شيء يمضي هادئاً . . فأيوب عليه السلام حامدًا شاكرًا ساجدًا لله تعالى على نعمه الكثيرة .. وأولاده ينعمون ويشكرون الله .. والعمال والعبيد يعملون في الأراضي والمزارع
      أما زوجته فكانت تطحن في الرحى
      وبينما الجميع في عافيةٍ من أمره مغتبطًاً مسرورًا ، إذ وقعت الابتلاءات والمحن
      جاء أحد العمال يجرى ويصيح
      يا سيدى .. يا نبيّ الله!؟
      ماذا حصل ؟! تكلم!؟
      لقد قتلوهم . . قتلوا جميع رفاقي . . الرعاة والفلاحين . . جميعهم قتلوا جرت دماؤهم فوق الأرض...
      كيف حدث ذلك ؟
      هاجمنا اللصوص . . وقتلوا من قتلوا وأخذوا ما معنا من ماشية
      أخذ أيوب عليه السلام يردد : إنا لله وإنّا إليهِ راجِعون
      إن الله سبحانه شاء أن يمتحن أيوب .. وأراد أن يبين للناس أن أيوب عليه السلام رجلاً
      صابرًا محتسبًا ولا يعبده لأنه في غنى وعافية
      في اليوم التالي نزلت الصواعق من السماء على أحد الحقول التابعة لما يملكه أيوب عليه السلام .. وجاء أحد الفلاحين .. كانت ثيابه محترقة وحاله يُرثى له
      هتف أيوب عليه السلام
      ماذا حصل ؟
      النار ! يا نبي الله النار!
      ـ ماذا حدث ؟
      ـ احترق كل شيء . . لقد نزل البلاء . . الصواعق أحرقت الحقول والمزارع . . أصبحت أرضنا رمادًا يا نبي الله . . كل رفاقي ماتوا احترقوا
      قالت زوجة أيوب عليه السلام:
      ما هذه المصائب المتتالية ؟!
      ـ اصبري يا امرأة . هذه مشيئة الله!
      ـ مشيئة الله!!
      أجل .. لقد حان وقت الامتحان .. ما من نبيٍّ إلاّ وامْتحنَ الله قلبه.
      نظر أيوب عليه السلام إلى السماء وقال بضراعة:
      ـ الهي امنحني الصبر
      في ذلك اليوم أمر أيوب عليه السلام الخدم والعبيد بمغادرة منزله .. والرجوع إلى أهاليهم والبحث عن عمل آخر
      وفى اليوم التالى .. حدثت مصيبة تتكسر أمامها قلوب الرجال
      لقد مات جميع أولاده البنين والبنات ، حيث اجتمعوا فى دار لهم لتناول الطعام فسقطت عليهم الدار فماتوا جميعاً
      وازدادت محنة أيوب عليه السلام أكثر وأكثر
      فلقد اُبتلى فى صحته
      وانتشرت الدمامل فى جسمه
      وتحول من الرجل الحسن الصورة والهيئة إلى رجل يفر منه الجميل ولم يبق معه سوى زوجته الطيّبة
      أصبح منزله خالياً لا مال له ، لا ولد ، ولا صحة
      عَلَّمَ أيوبُ عليه السلام زوجته أن هذه مشيئة الله ، وعلينا أن نسلّم لأمره
      حاول الشيطان اللعين أن ينال من قلب أيوب عليه السلام ، فأخذ يوسوس إليه من كل جانب قائلاً : ماذا فعلت يا أيوب حتى يموتَ أولادك وتصابَ فى أموالك ، ثم تصابَ فى صحتك
      فاستعاذ أيوب عليه السلام بالله من الشيطان الرجيم .. وَتَفِلَ على الشيطان الرجيم ففرّ من أمامه . وكذلك فعلت زوجته وطردت وساوس الشيطان
      وكان لا يزداد مع زيادة البلاء إلا صبرًا وطمأنينة
      ويَئِس الشيطان من أيوب وزوجته الصابرين المحتسبين
      فاتجه إلى أهل حوران ينفث فيهم الوساوس حتى جعلهم يعتقدون أن أيوب عليه السلام أذنب ذنباً كبيراً فحلّت به اللعنة
      ونسج الناسُ الحكايات والقصص حول أيوب عليه السلام .. وتطور الأمرُ أكثر حتى ظنوا أن في بقائه خطرًا عليهم
      وعقدوا العزم أن يخرجوا أيوبَ من أرضهم
      وجاؤا إلى منزله .. لم يكن في منزله أحد سوى زوجته قائلين
      نحن نظنّ أن اللعنة قد حلّت بك ونخاف أن تعمّ القرية كلها .. فاخرج من قريتنا واذهب بعيداً عنا نحن لا نريدك أن تبقى بيننا
      غضبت زوجته من هذا الكلام قالت : نحن نعيش في منزلنا ولا يحق لكم أن تؤذوا نبيّ الله فى بيته وفي عقر داره
      فردُّوا عليها بوقاحة : إذا لم تخرجا فسنخرجكما بالقوّة
      لقد حلّت بكما اللعنة وستعمّ القرية كلها بسببكما
      حاول أيوب عليه السلام أن يُفْهِمَ أهل القرية أن هذا امتحان وابتلاء من الله ، وأن الله يبتلي الأنبياء ابتلاءات شديدة حتى يكونوا مثلاً ونموذجًا لتعليم الناس
      قالوا له : ولكنك عصيت الله وهو الذي غضب عليك
      قالت زوجته : انتم تظلمون نبيكم!!
      هل نسيتم إحسانَه إليكم هل نسيتم يا أهل حوران الكساء والطعام الذي كان يأتيكم من منزل أيوب ؟!
      قال أيوب عليه السلام : يا رب إذا كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء . . يا رب سامح هؤلاء على جهلهم ... لو كانوا يعرفون الحق ما فعلوا ذلك بنبيهم
      هكذا وصلت محنةُ أيوب عليه السلام، حيث جاء أهلُ حوران وأخرجوه من منزله
      كانوا يظنّون أن اللعنة قد حلّت به ، فخافوا أن تشملهم أيضاً . نسوا كلّ إحسان أيوب وطيبته ورحمته بالفقراء والمساكين!!
      لقد سوّل الشيطانُ لهم ذلك فاتّبعوه وتركوا أيوب يعاني آلام الوحدة والضعف والمرض .. لم يبق معه سوى زوجته الوفية .. وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة تشبه محنة الأنبياء وعليها أن تقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً
      ضاقت الأحوالُ فمات الولدُ وجفَّ الخيرُ وتصالحت الأمراض والبلايا على جسمه ، فقعد لا يستطيع أن يكسب قوت يومه
      وخرجت زوجته لتعمل في بيوت حوران، تخدم وتكدح في المنازل لقاء قوت يومهما
      وكانت تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله . وقد أعدت لأيوب عليه السلام عريشًا فى الصحراء يجلس فيه وكانت تخاف عليه من الوحوش والحيوانات الضالة، لكن لا حيلة لهما غير ذلك وظل الحال على ذلك أعواما عديدة وهما صابرين محتسبين
      وفى يوم من الأيام
      وبينما كانت الزوجة الصالحة خارج البيت
      مرّ رجلان من أهل حوران – وكانا صديقين له قبل ذلك - توقفا عند أيوب عليه السلام ونظرا إليه، فرأوه على حالته السيئة من المرض والفقر والوحدة
      فقال أحدهما : أأنت أيوب ! سيد الأرض!!
      ماذا أذنبت لكي يفعل الله بك هذا ؟!
      وقال الآخر : انك فعلت شيئاً كبيراً تستره عنا ، فعاقبك الله عليه
      تألّم أيوب عليه السلام . إن الكثير يتهمونه بما هو بريء منه
      قال أيوب عليه السلام بحزن : وعزّة ربي إنّه ليعلم ببراءتي من هذا
      تعجّب الرجلان من صبر أيوب عليه السلام ، وانصرفا عنه في طريقهما وهما يفكّران في كلمات أيوب عليه السلام!!
      أما زوجته الصالحة فقد بحثت عمّن يستخدمها في العمل ، ولكن الأبواب قد أُغلقت في وجهها . . ومع ذلك لم تمدّ يدها
      لأحد وتحت ضغط الحاجة والفقر ، اضطرت أن تقصّ ضفيرتيها لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز
      ثم عادت إلى زوجها وقدّمت له رغيف الخبز.. عندما رأى أيوب عليه السلام ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب
      حلف أيوب عليه السلام أن يضربها على ذلك مائة ضربة، ولم يأكل رغيفه كان غاضباً من تصرّفها ، ما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك ورغم أن زوجة أيوب عليه السلام طلبت منه كثيرا أن يدعوَ الله لكي يزيح عنه هذا البلاء الذى استمر هذه السنوات العديدة فكان يرفض أن يشكوَ إلى لله تعالى!!!
      وتحمّل المرض والبلايا .. وتحمل اتهامات الناس
      لكن بيع زوجته لضفيرتيها هَزّه من الداخل
      فنظر إلى السماء وقال
      يا ربّ إنّي مَسَّني الشّيطان بنصبٍ وعذاب
      يا رب بيدك الخير كله والفضل كله وإليك يرجع الأمر كله
      ولكن رحمتك سبقت كل شئ
      فلا أشقى وأنا عبدك الضعيف بين يدك
      يا ربّ ‍‍.. مَسَّنى الضّر وأنتَ أرحم الرّاحمين
      وهنا .... أضاء المكان بنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء يسلم عليه ويقول:
      نِعْمَ العبد أنتَ يا أيوب إنّ الله يقرِِؤك السّلام ويقول : لقد أُجيبت دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين
      اضرب برجلك الأرض يا أيوب ! واغتسل في النبع البارد واشرب منه تبرأ بإذن الله
      غاب الملاك ، وشعر أيوب بالنّور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض، فانبثق نبع بارد عذب المذاق .... ارتوى أيوب عليه السلام من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه ، وغادره الضعف تماماً.
      و بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا خَرَّ عليه رِجْلُ جَرَادٍ من ذهب فجعل يحثي في ثوبه . فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك.
      خلع أيوبُ عليه السلام ثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً تليق به ، يملؤها العافية والسؤدد
      وشيئاً فشيئاً .. ازدهرت الأرض من حوله وأينعت
      عادت الصحة والعافية .. عاد المال .. ودبّت الحياة من جديد
      عادت الزوجة تبحث عن زوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحة وعافية . فقالت له باستعطاف:
      ـ ألم ترَ أيوب . . أيوب نبي الله ؟!
      ـ أنا أيوب‍‍‍
      ـ أنت ؟! إن زوجي شيخ ضعيف .. ومريض أيضاً!!
      ـ المرض من الله والصحة أيضاً .. وهو سبحانه بيده كل شيء
      ـ نعم .. لقد شاء الله أن يمنّ عليّ بالعافية وأن تنتهي محنتنا ! وأمرها أن تغتسل من النبع ، لكي تعود إليها نضارتها وشبابها
      فاغتسلت في مياه النبع فألبسها الله ثوب الشباب والعافية
      ورزقهما الله بنينا وبنات من جديد
      ووفاء بنذر أيوب عليه السلام أن يضرب زوجته مائة ضربة أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا وهو ملء اليد من حشيش البهائم ، ثم يضربها به فيوفي يمينه و لا يؤلمها ، لأنها امرأة صالحة لا تستحق إلا الخير
      وكان واحدًا من عباد الله الشاكرين فى الرخاء، الصابرين فى البلاء ، الأوَّابين إلى الله تعالى فى كل حال
      وعَرِفَ الناسُ جميعًا قصةَ أيوب عليه السلام وأيقنوا أن المرض والصحة من الله وأن الفقر والثراء من الله.
      ( .... فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )
      سورة الأعراف آية 176
      وسجل الله قصته فى القرآن الكريم فقال تعالى:
      وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
      ( سورة الأنبياء الآية : 83 و 84)
      وقال تعالى:
      وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَامُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ*وَخُذْ
      بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب *

      ( سورة ص الآية : 41 ـ 44)
      عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ . إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
      وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ
      إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
      وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَفَكَانَ خَيْرًا




      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113520[/ATTACH]
      حكاية النبي يونس مع قومه
      كان يونس بن متى نبيا كريما
      أرسله الله إلى قومه فراح يعظهم، وينصحهم
      ويرشدهم إلى الخير، ويذكرهم بيوم القيامة، ويخوفهم من النار
      ويحببهم إلى الجنة، ويأمرهم بالمعروف
      ويدعوهم إلى عبادة الله وحده
      وظل ذو النون -يونس عليه السلام
      ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد
      وجاء يوم عليه فأحس باليأس من قومه
      وامتلأ قلبه بالغضب عليهم لأنهم لا يؤمنون
      وخرج غاضبا وقرر هجرهم
      ووعدهم بحلول العذاب بهم بعد ثلاثة أيام
      ولا يذكر القرآن أين كان قوم يونس
      ولكن المفهوم أنهم كانوا في بقعة قريبة من البحر
      وقال أهل التفسير
      بعث الله يونس عليه السلام
      إلى أهل (نينوى) من أرض الموصل بالعراق
      فقاده الغضب إلى شاطىء البحر حيث ركب سفينة مشحونة
      ولم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم
      فلما خرج من قريته
      وتأكد أهل القرية من نزول العذاب بهم
      قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة
      وندموا على ما كان منهم وتضرعوا إلى الله عز وجل
      وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات
      وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون
      وقد آمنوا أجمعين
      فكشف الله عنهم العذاب الذي استحقوه بتكذيبهم
      السفينة
      أما السفينة التي ركبها يونس
      فقد هاج بها البحر
      وارتفع من حولها الموج
      وكان هذا علامة عند القوم
      بأن من بين الركاب راكباً مغضوباً عليه
      لأنه ارتكب خطيئة
      وأنه لا بد أن يلقى في الماء
      لتنجو السفينة من الغرق
      فاقترعوا على من يلقونه من السفينة
      فخرج سهم يونس
      وكان معروفاً عندهم بالصلاح فأعادوا القرعة
      فخرج سهمه ثانية
      فأعادوها ثالثة
      ولكن سهمه خرج بشكل أكيد
      فألقوه في البحر أو ألقى هو نفسه
      فالتقمه الحوت
      لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها
      وترك قومه مغاضباً قبل أن يأذن الله له
      وأوحى الله للحوت أن لا يخدش ليونس لحما
      ولا يكسر له عظما
      واختلف المفسرون في مدة بقاء يونس في بطن الحوت
      فمنهم من قال
      أن الحوت التقمه عند الضحى وأخرجه عند العشاء
      ومنهم من قال انه لبث في بطنه ثلاثة أيام
      ومنهم من قال سبعة
      يونس في بطن الحوت
      عندما أحس بالضيق في بطن الحوت
      في الظلمات الثلاث
      ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل
      سبح الله واستغفره
      (لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
      فسمع الله دعاءه واستجاب له
      فلفظه الحوت
      (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)
      وقد خرج من بطن الحوت سقيماً عارياً على الشاطىء
      وأنبت الله عليه شجرة القرع
      قال بعض العلماء في إنبات القرع عليه حِكَم جمة
      منها أن ورقه في غاية النعومة
      وكثير وظليل ولا يقربه ذباب
      ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نياً ومطبوخاً
      وبقشره وببزره أيضاً
      وكان هذا من تدبير الله ولطفه
      وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك
      فلما استكمل عافيته
      رده الله إلى قومه الذين تركهم مغاضباً
      ‏فضل يونس عليه السلام
      لقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل يونس عليه السلام
      منها قول النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم
      ‏لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من ‏‏ يونس بن متى
      وقوله عليه الصلاة والسلام
      من قال أنا خير من ‏‏ يونس بن متى ‏ ‏فقد كذب
      ذنب يونس عليه السلام
      نريد الآن أن ننظر فيما يسميه العلماء ذنب يونس
      هل ارتكب يونس ذنبا بالمعنى الحقيقي للذنب؟
      وهل يذنب الأنبياء؟
      الجواب أن الأنبياء معصومون
      غير أن هذه العصمة لا تعني أنهم لا يرتكبون أشياء
      هي عند الله أمور تستوجب العتاب
      المسألة نسبية إذن
      يقول العارفون بالله
      إن حسنات الأبرار سيئات المقربين
      .. وهذا صحيح
      فلننظر إلى فرار يونس من قريته الجاحدة المعاندة
      لو صدر هذا التصرف من أي إنسان صالح غير يونس
      لكان ذلك منه حسنة يثاب عليها
      فهو قد فر بدينه من قوم مجرمين
      ولكن يونس نبي أرسله الله إليهم
      والمفروض أن يبلغ عن الله
      ولا يعبأ بنهاية التبليغ أو ينتظر نتائج الدعوة
      ليس عليه إلا البلاغ
      خروجه من القرية إذن
      في ميزان الأنبياء
      أمر يستوجب تعليم الله تعالى له وعقابه
      إن الله يلقن يونس درسا في الدعوة إليه
      ليدعو النبي إلى الله فقط
      هذه حدود مهمته وليس عليه أن يتجاوزها ببصره أو قلبه
      ثم يحزن لأن قومه لا يؤمنون
      ولقد خرج يونس بغير إذن فانظر ماذا وقع لقومه
      لقد آمنوا به بعد خروجه
      ولو أنه مكث فيهم لأدرك ذلك وعرفه
      واطمأن قلبه وذهب غضبه
      غير أنه كان متسرعا
      وليس تسرعه هذا سوى رغبته أن يؤمن الناس
      وإنما اندفع إلى الخروج كراهية لهم لعدم إيمانهم
      فعاقبه الله وعلمه أن على النبي أن يدعو لله فحسب
      والله يهدي من يشاء
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~

    • [ATTACH=CONFIG]113521[/ATTACH]

      قيل : إن اسم [B]شعيب يثرون بن صيفون بن عنقا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم ، وقيل : هو [B]شعيب بن ميكيل من ولد [B]مدين ، وقيل : لم يكن [B]شعيب من ولد [B]إبراهيم ، وإنما هو ولد بعض من آمن [B]بإبراهيم وهاجر معه إلى [B]الشام ، ولكنه ابن بنت [B]لوط ، فجدة [B]شعيب ابنة [B]لوط ، وكان ضرير البصر ، وهو معنى قوله تعالى : [B]وإنا لنراك فينا ضعيفا ، أي ضرير البصر .

      [ ص: 139 ]
      [B]وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكره قال : [B]ذاك خطيب الأنبياء
      ، بحسن مراجعته قومه ، وإن الله أرسله إلى [B]أهل مدين وهم[B]أصحاب الأيكة .

      والأيكة : شجر ملتف ، وكانوا أهل كفر بالله ، وبخس للناس في المكاييل والموازين ، وإفساد أموالهم ، وكان[B] الله وسع عليهم في الرزق وبسط لهم في العيش استدراجا لهم منه مع كفرهم بالله ، فقال لهم [B]شعيب : [B]ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط .

      [B]فلما طال تماديهم في غيهم وضلالهم ولم يزدهم تذكير [B]شعيب
      إياهم وتحذيره عذاب الله إياهم إلا تماديا ، ولما أراد إهلاكهم سلط عليهم عذاب يوم الظلة ، وهو م[B]ا ذكره [B]ابن عباس في تفسير قوله تعالى : [B]فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم . [B]فقال : بعث الله عليهم وقدة وحرا شديدا فأخذ بأنفسهم ، فخرجوا من البيوت هرابا إلى البرية ، فبعث الل[B]ه عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى اجتمعوا تحتها ، فأرس[B]ل الله عليهم نارا . قال [B]عبد الله بن عباس : [B]فذلك [B]عذاب يوم الظلة .

      [B]وقال [B]قتادة
      : [B]بعث الله [B]شعيبا إلى أمتين : إلى قومه [B]أهل مدين ، وإلى [B]أصحاب الأيكة وكانت الأيكة من شجر ملتف ، فلما أراد الله أن يعذبهم بعث عليهم حرا شديدا ورفع لهم العذاب كأنه[B] سحابة ، فلما دنت منهم خرجوا إليها رجاء بردها ، فلما كانوا تحتها أمطرت عليهم نارا ، قال : فذلك قوله[B] : [B]فأخذهم عذاب يوم الظلة .

      [B]وأما [B]أهل مدين
      فمنهم من ولد [B]مدين بن إبراهيم الخليل ، فعذبهم الله بالرجفة ، وهي الزلزلة ، فأهلكوا .

      [B]قال بعض العلماء : كان قوم [B]شعيب
      عطلوا حدا ، فوسع الله عليهم في الرزق ، ثم عطلوا حدا فوسع الله عليهم في الرزق ، فجعلوا كلما عطلو[B]ا حدا وسع الله عليهم في الرزق ، حتى إذا أراد هلاكهم سلط عليهم حرا لا يستطيعون أن يتقاروا ولا ينف[B]عهم ظل ولا ماء حتى ذهب ذاهب منهم فاستظل تحت ظلة فوجد روحا فنادى أصحابه : هلموا [ ص: 140 ] [B]إلى الروح ، فذهبوا إليه سراعا حتى إذا اجتمعوا إليها ألهبها الله عليهم نارا ، فذلك عذاب يوم الظلة .

      [B]وقد روى [B]عامر
      ، [B]عن [B]ابن عباس أنه قال له : من حدثك ما عذاب يوم الظلة فكذبه [B]. [B]وقال [B]مجاهد : [B]عذاب يوم الظلة هو إظلال العذاب على قوم [B]شعيب .[B]وقال [B]زيد بن أسلم في قوله تعالى : [B]ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، قال : مما كان ينهاهم عنه قطع الدراهم .
      [/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B]

      [B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B]
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~
    • [ATTACH=CONFIG]113522[/ATTACH]قال تعالى:
      وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) (الكهف)
      كان لموسى -عليه السلام- هدف من رحلته هذه التي اعتزمها،, وأنه كان يقصد من ورائها امرا، فهو يعلن عن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة، ومهما يكن الزمن الذي ينفه في الوصول. فيعبر عن هذا التصميم قائلا (أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا).
      نرى أن القرآن الكريم لا يحدد لنا المكان الذي وقت فيه الحوادث، ولا يحدد لنا التاريخ، كما أنه لم يصرح بالأسماء. ولم يبين ماهية العبد الصالح الذي التقاه موسى، هل هو نبي أو رسول؟ أم عالم؟ أم ولي؟

      اختلف المفسرون في تحديد المكان، فقيل إنه بحر فارس والروم، وقيل بل بحر الأردن أو القلزم، وقيل عند طنجة، وقيل في أفريقيا، وقيل هو بحر الأندلس.. ولا يقوم الدليل على صحة مكان من هذه الأمكنة، ولو كان تحديد المكان مطلوبا لحدده الله تعالى.. وإنما أبهم السياق القرآني المكان، كما أبهم تحديد الزمان، كما ضبب أسماء الأشخاص لحكمة عليا.
      إن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب.. وليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي.. إنما نحن أمام علم من طبيعة غامضة أشد الغموض.. علم القدر الأعلى، وذلك علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة.. مكان اللقاء مجهول كما رأينا.. وزمان اللقاء غير معروف هو الآخر.. لا نعرف متى تم لقاء موسى بهذا العبد.
      وهكذا تمضي القصة بغير أن تحدد لك سطورها مكان وقوع الأحداث، ولا زمانه، يخفي السياق القرآني أيضا اسم أهم أبطالها.. يشير إليه الحق تبارك وتعالى بقوله: (عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) هو عبد أخفى السياق القرآني اسمه.. هذا العبد هو الذي يبحث عنه موسى ليتعلم منه.
      لقد خص الله تعالى نبيه الكريم موسى -عليه السلام- بأمور كثيرة. فهو كليم الله عز وجل، وأحد أولي العزم من الرسل، وصاحب معجزة العصا واليد، والنبي الذي أنزلت عليه التوراة دون واسطة، وإنما كلمه الله تكليما.. هذا النبي العظيم يتحول في القصة إلى طالب علم متواضع يحتمل أستاذه ليتعلم.. ومن يكون معلمه غير هذا العبد الذي يتجاوز السياق القرآني اسمه، وإن حدثتنا السنة المطهرة أنه هو الخضر -عليه السلام- كما حدثتنا أن الفتى هو يوشع بن نون، ويسير موسى مع العبد الذي يتلقى علمه من الله بغير أسباب التلقي الني نعرفها.
      ومع منزلة موسى العظيمة إلا أن الخضر يرفض صحبة موسى.. يفهمه أنه لن يستطيع معه صبرا.. ثم يوافق على صحبته بشرط.. ألا يسأله موسى عن شيء حتى يحدثه الخضر عنه.
      والخضر هو الصمت المبهم ذاته، إنه لا يتحدث، وتصرفاته تثير دهشة موسى العميقة.. إن هناك تصرفات يأتيها الخضر وترتفع أمام عيني موسى حتى لتصل إلى مرتبة الجرائم والكوارث.. وهناك تصرفات تبدو لموسى بلا معنى.. وتثير تصرفات الخضر دهشة موسى ومعارضته.. ورغم علم موسى ومرتبته، فإنه يجد نفسه في حيرة عميقة من تصرفات هذا العبد الذي آتاه الله من لدنه علما.
      وقد اختلف العلماء في الخضر: فيهم من يعتبره وليا من أولياء الله، وفيهم من يعتبره نبيا.. وقد نسجت الأساطير نفسها حول حياته ووجوده، فقيل إنه لا يزال حيا إلى يوم القيامة، وهي قضية لم ترد بها نصوص أو آثار يوثق فيها، فلا نقول فيها إلا أنه مات كما يموت عباد الله.. وتبقى قضية ولايته، أو نبوته.. وسنرجئ الحديث في هذه القضية حتى ننظر في قصته كما أوردها القرآن الكريم.
      قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، يدعوهم إلى الله ويحدثهم عن الحق، ويبدو أن حديثه جاء جامعا مانعا رائعا.. بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد المستمعين من بني إسرائيل: هل على وجه الأرض أحد اعلم منك يا نبي الله؟
      قال موسى مندفعا: لا..
      وساق الله تعالى عتابه لموسى حين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟
      أدرك موسى أنه تسرع.. وعاد جبريل، عليه السلام، يقول له: إن لله عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.

      تاقت نفس موسى الكريمة إلى زيادة العلم، وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبة هذا العبد العالم.. سأل كيف السبيل إليه.. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه حوتا في مكتل، أي سمكة في سلة.. وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا الحوت ويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم.. انطلق موسى -طالب العلم- ومعه فتاه.. وقد حمل الفتى حوتا في سلة.. انطلقا بحثا عن العبد الصالح العالم.. وليست لديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه إلا معجزة ارتداد الحياة للسمكة القابعة في السلة وتسربها إلى البحر.
      ويظهر عزم موسى -عليه السلام- على العثور على هذا العبد العالم ولو اضطره الأمر إلى أن يسير أحقابا وأحقابا. قيل أن الحقب عام، وقيل ثمانون عاما. على أية حال فهو تعبير عن التصميم، لا عن المدة على وجه التحديد.
      وصل الاثنان إلى صخرة جوار البحر.. رقد موسى واستسلم للنعاس، وبقي الفتى ساهرا.. وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياة وقفز إلى البحر.. (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا).. وكان تسرب الحوت إلى البحر علامة أعلم الله بها موسى لتحديد مكان لقائه بالرجل الحكيم الذي جاء موسى يتعلم منه.
      نهض موسى من نومه فلم يلاحظ أن الحوت تسرب إلى البحر.. ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت.. وسار موسى مع فتاه بقية يومهما وليلتهما وقد نسيا حوتهما.. ثم تذكر موسى غداءه وحل عليه التعب.. (قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا).. ولمع في ذهن الفتى ما وقع.
      ساعتئذ تذكر الفتى كيف تسرب الحوت إلى البحر هناك.. وأخبر موسى بما وقع، واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أن يذكر له ما وقع، رغم غرابة ما وقع، فقد اتخذ الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا).. كان أمرا عجيبا ما رآه يوشع بن نون، لقد رأى الحوت يشق الماء فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على الرمال.
      سعد موسى من مروق الحوت إلى البحر و(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ).. هذا ما كنا نريده.. إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي فيه بالرجل العالم.. ويرتد موسى وفتاه يقصان أثرهما عائدين.. انظر إلى بداية القصة، وكيف تجيء غامضة أشد الغموض، مبهمة أعظم الإبهام.
      أخيرا وصل موسى إلى المكان الذي تسرب منه الحوت.. وصلا إلى الصخرة التي ناما عندها، وتسرب عندها الحوت من السلة إلى البحر.. وهناك وجدا رجلا.
      يقول البخاري إن موسى وفتاه وجدا الخضر مسجى بثوبه.. وقد جعل طرفه تحت رجليه وطرف تحت رأسه.
      فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك سلام..؟ من أنت؟
      قال موسى: أنا موسى.
      قال الخضر: موسى بني إسرائيل.. عليك السلام يا نبي إسرائيل.
      قال موسى: وما أدراك بي..؟
      قال الخضر: الذي أدراك بي ودلك علي.. ماذا تريد يا موسى..؟
      قال موسى ملاطفا مبالغا في التوقير: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا).
      قال الخضر: أما يكفيك أن التوراة بيديك.. وأن الوحي يأتيك..؟ يا موسى (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا).

      نريد أن نتوقف لحظة لنلاحظ الفرق بين سؤال موسى الملاطف المغالي في الأدب.. ورد الخضر الحاسم، الذي يفهم موسى أن علمه لا ينبغي لموسى أن يعرفه، كما أن علم موسى هو علم لا يعرفه الخضر.. يقول المفسرون إن الخضر قال لموسى: إن علمي أنت تجهله.. ولن تطيق عليه صبرا، لأن الظواهر التي ستحكم بها على علمي لن تشفي قلبك ولن تعطيك تفسيرا، وربما رأيت في تصرفاتي ما لا تفهم له سببا أو تدري له علة.. وإذن لن تصبر على علمي يا موسى.
      احتمل موسى كلمات الصد القاسية وعاد يرجوه أن يسمح له بمصاحبته والتعلم منه.. وقال له موسى فيما قال إنه سيجده إن شاء الله صابرا ولا يعصي له أمرا.
      تأمل كيف يتواضع كليم الله ويؤكد للعبد المدثر بالخفاء أنه لن يعصي له أمرا.
      قال الخضر لموسى -عليهما السلام- إن هناك شرطا يشترطه لقبول أن يصاحبه موسى ويتعلم منه هو ألا يسأله عن شيء حتى يحدثه هو عنه.. فوافق موسى على الشرط وانطلقا..
      انطلق موسى مع الخضر يمشيان على ساحل البحر.. مرت سفينة، فطلب الخضر وموسى من أصحابها أن يحملوهما، وعرف أصحاب السفينة الخضر فحملوه وحملوا موسى بدون أجر، إكراما للخضر، وفوجئ موسى حين رست السفينة وغادرها أصحابها وركابها.. فوجئ بأن الخضر يتخلف فيها، لم يكد أصحابها يبتعدون حتى بدأ الخضر يخرق السفينة.. اقتلع لوحا من ألواحها وألقاه في البحر فحملته الأمواج بعيدا.
      فاستنكر موسى فعلة الخضر. لقد حملنا أصحاب السفينة بغير أجر.. أكرمونا.. وها هو ذا يخرق سفينتهم ويفسدها.. كان التصرف من وجهة نظر موسى معيبا.. وغلبت طبيعة موسى المندفعة عليه، كما حركته غيرته على الحق، فاندفع يحدث أستاذه ومعلمه وقد نسي شرطه الذي اشترطه عليه: (قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا).
      وهنا يلفت العبد الرباني نظر موسى إلى عبث محاولة التعليم منه، لأنه لن يستطيع الصبر عليه (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، ويعتذر موسى بالنسيان ويرجوه ألا يؤاخذه وألا يرهقه (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا).
      سارا معا.. فمرا على حديقة يلعب فيها الصبيان.. حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم ناحية واستسلم للنعاس.. فوجئ موسى بأن العبد الرباني يقتل غلاما.. ويثور موسى سائلا عن الجريمة التي ارتكبها هذا الصبي ليقتله هكذا.. يعاود العبد الرباني تذكيره بأنه أفهمه أنه لن يستطيع الصبر عليه (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا).. ويعتذر موسى بأنه نسي ولن يعاود الأسئلة وإذا سأله مرة أخرى سيكون من حقه أن يفارقه (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا).
      ومضى موسى مع الخضر.. فدخلا قرية بخيلة.. لا يعرف موسى لماذا ذهبا إلى القرية، ولا يعرف لماذا يبيتان فيها، نفذ ما معهما من الطعام، فاستطعما أهل القرية فأبوا أن يضيفوهما.. وجاء عليهما المساء، وأوى الاثنان إلى خلاء فيه جدار يريد أن ينقض.. جدار يتهاوى ويكاد يهم بالسقوط.. وفوجئ موسى بأن الرجل العابد ينهض ليقضي الليل كله في إصلاح الجدار وبنائه من جديد.. ويندهش موسى من تصرف رفيقه ومعلمه، إن القرية بخيلة، لا يستحق من فيها هذا العمل المجاني (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا).. انتهى الأمر بهذه العبارة.. قال عبد الله لموسى: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ).
      لقد حذر العبد الرباني موسى من مغبة السؤال. وجاء دور التفسير الآن..
      إن كل تصرفات العبد الرباني التي أثارت موسى وحيرته لم يكن حين فعلها تصدر عن أمره.. كان ينفذ إرادة عليا.. وكانت لهذه الإرادة العليا حكمتها الخافية، وكانت التصرفات تشي بالقسوة الظاهرة، بينما تخفي حقيقتها رحمة حانية.. وهكذا تخفي الكوارث أحيانا في الدنيا جوهر الرحمة، وترتدي النعم ثياب المصائب وتجيد التنكر، وهكذا يتناقض ظاهر الأمر وباطنه، ولا يعلم موسى، رغم علمه الهائل غير قطرة من علم العبد الرباني، ولا يعلم العبد الرباني من علم الله إلا بمقدار ما يأخذ العصفور الذي يبلل منقاره في البحر، من ماء البحر..
      كشف العبد الرباني لموسى شيئين في الوقت نفسه.. كشف له أن علمه -أي علم موسى- محدود.. كما كشف له أن كثيرا من المصائب التي تقع على الأرض تخفي في ردائها الأسود الكئيب رحمة عظمى.
      إن أصحاب السفينة سيعتبرون خرق سفينتهم مصيبة جاءتهم، بينما هي نعمة تتخفى في زي المصيبة.. نعمة لن تكشف النقاب عن وجهها إلا بعد أن تنشب الحرب ويصادر الملك كل السفن الموجودة غصبا، ثم يفلت هذه السفينة التالفة المعيبة.. وبذلك يبقى مصدر رزق الأسرة عندهم كما هو، فلا يموتون جوعا.
      أيضا سيعتبر والد الطفل المقتول وأمه أن كارثة قد دهمتهما لقتل وحيدهما الصغير البريء.. غير أن موته يمثل بالنسبة لهما رحمة عظمى، فإن الله سيعطيهما بدلا منه غلاما يرعاهما في شيخوختهما ولا يرهقهما طغيانا وكفرا كالغلام المقتول.
      وهكذا تختفي النعمة في ثياب المحنة، وترتدي الرحمة قناع الكارثة، ويختلف ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتج نبي الله موسى إلى تصرف يجري أمامه، ثم يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف ومغزاه ورحمة الله الكلية التي تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة.
      أما الجدار الذي أتعب نفسه بإقامته، من غير أن يطلب أجرا من أهل القرية، كان يخبئ تحته كنزا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.
      ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما قبلها، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه.
      واختفى هذا العبد الصالح.. لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول.. إلا أن موسى تعلم من صحبته درسين مهمين:
      تعلم ألا يغتر بعلمه في الشريعة، فهناك علم الحقيقة.
      وتعلم ألا يتجهم قلبه لمصائب البشر، فربما تكون يد الرحمة الخالقة تخفي سرها من اللطف والإنقاذ، والإيناس وراء أقنعة الحزن والآلام والموت.
      هذه هي الدروس التي تعلمها موسى كليم الله عز وجل ورسوله من هذا العبد المدثر بالخفاء.
      والآن من يكون صاحب هذا العلم إذن..؟ أهو ولي أم نبي..؟
      يرى كثير من الصوفية أن هذا العبد الرباني ولي من أولياء الله تعالى، أطلعه الله على جزء من علمه اللدني بغير أسباب انتقال العلم المعروفة.. ويرى بعض العلماء أن هذا العبد الصالح كان نبيا.. ويحتج أصحاب هذا الرأي بأن سياق القصة يدل على نبوته من وجوه:
      1. أحدها قوله تعالى:
      فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) (الكهف)
      2. والثاني قول موسى له:
      قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) (الكهف)
      فلو كان وليا ولم يكن نبي، لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد. ولو أنه كان غير نبي، لكان هذا معناه أنه ليس معصوما، ولم يكن هناك دافع لموسى، وهو النبي العظيم، وصاحب العصمة، أن يلتمس علما من ولي غير واجب العصمة.
      3. والثالث أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام بوحي من الله وأمر منه.. وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأن خاطره ليس بواجب العصمة.. إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق.. وإذن ففي إقدام الخضر على قتل الغلام دليل نبوته.
      4. والرابع قول الخضر لموسى:
      رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
      يعني أن ما فعلته لم أفعله من تلقاء نفسي، بل أمر أمرت به من الله وأوحي إلي فيه.
      فرأى العلماء أن الخضر نبيا، أما العباد والصوفية رأوا أنه وليا من أولياء الله.
      ومن كلمات الخضر التي أوردها الصوفية عنه.. قول وهب بن منبه: قال الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها. وقول بشر بن الحارث الحافي.. قال موسى للخضر: أوصني.. قال الخضر: يسر الله عليك طاعته.
      ونحن نميل إلى اعتباره نبيا لعلمه اللدني، غير أننا لا نجد نصا في سياق القرآن على نبوته، ولا نجد نصا مانعا من اعتباره وليا آتاه الله بعض علمه اللدني.. ولعل هذا الغموض حول شخصه الكريم جاء متعمدا، ليخدم الهدف الأصلي للقصة.. ولسوف نلزم مكاننا فلا نتعداه ونختصم حول نبوته أو ولايته.. وإن أوردناه في سياق أنبياء الله، لكونه معلما لموسى.. وأستاذا له فترة من الزمن.
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~

    • [ATTACH=CONFIG]113523[/ATTACH]


      عن صهيب -رضي الله عنه- أن رسول الله قال:"كان ملكٌ فيمن كان قبلكم, وكان له ساحر, فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليَّ غلامًا أعلمه السحر. فبعث إليه غلامًا يعلمه, وكان في طريقه إذا سلك راهب, فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه, وكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه, فإذا أتى الساحر ضربه, فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس, فقال: اليوم أعلم آلساحرُ أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. فرماها، فقتلها ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره, فقال له الراهب: أي بُنَيَّ، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، فإن ابتُليت فلا تدُلَّ عليَّ.وكان الغلام يُبرِئ الأكمه والأبرص, ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس الملك وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ها هنا لك أجمع, إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله تعالى, فإن آمنتَ بالله تعالى، دعوتُ الله فشفاك. فآمن بالله تعالى، فشفاه الله تعالى.فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذِّبه حتى دلَّ على الغلام. فقال له الملك: أي بُنَيَّ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله تعالى. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مَفْرِق رأسه فشقه حتى وقع شِقَّاه, ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فوضع المنشار في مفرق رأسه, فشقه به حتى وقع شقاه.ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل, فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه, وإلاَّ فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا, وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل بأصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى.فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر, فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قُلْ: باسم الله رب الغلام. ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه، ثم أخذ سهمًا من كنانته, ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام. ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صدغه، فمات.فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام.فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرُك قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك، فخُدَّت وأُضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه. ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه، اصبري فإنك على الحق"[1].فهذا الحديث وإن كان يحمل في جوانبه رقائق وزهدًا, فإنه يحمل في ثناياه معاني عظيمة, وفوائد جليلة وأفكار بناءة, وهذا ليس بعيدًا عن الحديث النبوي الجليل, فقد أوتي جوامع الكلم، وكان الفقهاء يستنبطون من الحديث الواحد فوائد فقهية وتربوية جمَّة.ولو رحنا نتعمق في هذا الحديث كلمة كلمة، وفقرة فقرة, لتبيَّن لنا أن هذا الحديث من الأحاديث المهمَّة في التربية والتطور والثقة بالله وتصحيح بعض المفاهيم. فمن هذه الفوائد هذه الباقة العطرة:
      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~

    • [ATTACH=CONFIG]113524[/ATTACH]
      موقع القصة في القرآن الكريم:

      [B]ورد ذكر القصة في سورة القلم . آية ( 17 - 33 ) .

      [B]قال الله تعالى:

      [B](( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ))

      [B]وهذا مثل ضربه الله لكفار قريش، فيما أنعم به عليهم من إرسال الرسول العظيم الكريم إليهم، فقابلوه بالتكذيب والمخالفة،

      [B]كما قال تعالى:

      [B](( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَار ))

      [B]القصة:


      [B]قال إبن عباس:

      [B]إنه كان شيخ كانت له جنة، وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه. فلما قبض الشيخ وورثه بنوه -وكان له خمسة من البنين- فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته من قبل ذلك، فراح الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر,
      [B]فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم. فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا، وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف، فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا، حتى نستغني وتكثر أموالنا، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة. فرضي بذلك منهم أربعة، وسخط الخامس وهو الذي قال تعالى: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون).

      [B]فقال لهم أوسطهم: إتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا به، فضربوه ضربا مبرحا. فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم، غير طائع، فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يصرموه إذا أصبحوا، ولم يقولوا إن شاء الله.


      [B]فإبتلاهم الله بذلك الذنب، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه. [تفسير القمي،ج2،ص381].


      [B]* إنها سنة إلهية:


      [B]ولعل في القصة إشارة إلى أن الله تعالى أجرى نفس السنة على المترفين أو طالهم منه شيء من العذاب في الدنيا. وفي رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام تأكيد لذلك، اذ قال: (إن اهل مكة أبتلوا بالجوع كما أبتلي أصحاب الجنة).


      [B]فهذه السنة تنطبق على كل من تشمل الآيات التالية: (ولا تطع كل حلاف مهين* هماز مشاء بنميم* مناع للخير معتد أثيم* عتل بعد ذلك زنيم* أن كان ذا مال وبنين* إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين* سنسمه على الخرطوم) [القلم/ 10-16].


      [B]بعد ذلك يقول ربنا عزوجل: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمونها مصبحين ولا يستثنون).


      [B]أي إختبرناهم بالثروة بمثل ما إختبرنا أصحاب المزرعة. ومادامت السنن الإلهية في الحياة واحدة، فيجب إذن أن يعتبر الإنسان بالآخرين، سواء المعاصرين له أو الذين سبقوه، وأن يعيش في الحياة كتلميذ، لأنها مدرسة وأحداثها خير معلم لمن أراد وألقى السمع وأعمل الفكر وهو
      [B]شهيد.


      [B]بهذه الهدفية يجب أن نطالع القصص ونقرأ التاريخ. فهذه قصة أصحاب الجنة يعرضها الوحي لتكون أحداثها ودروسها موعظة وعبرة للإنسانية.
      [B]ومن الملفت للنظر، إن القرآن في عرضه لهذه القصة لا يحدثنا عن الموقع الجغرافي للجنة، هل كانت في اليمن أو في الحبشة، ولا عن مساحتها ونوع الثمرة التي أقسم أصحابها على صرمها.. لأن هذه الأمور ليست بذات أهمية في منهج الوحي، إنما المهم المواقف والمواعظ والأحداث لمعبرة، سواء فصل العرض أو إختصر.

      [B]* ومكروا ومكر الله:


      [B]فأشار القرآن إلى أنهم كيف أقسموا على قطف ثمار مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئا منها، وتعاهدوا على ذلك. ولكن هل فلحوا في أمرهم؟ كلا..
      [B](فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم).


      [B]إن الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ما كان ليغفل عن تدبير خلقه، وإجراء سننه في الحياة. فقد أراد أن يجعل آية تهديهم إلى الإيمان به والتسليم لأوامره بالإنفاق على المساكين وإعطاء كل ذي حق حقه.. وأن يعلم الإنسان بأن الجزاء حقيقة واقعية، وإنه نتيجة عمله.


      [B]وهكذا يواجه مكر الله مكر الإنسان، فيدعه هباء منثورا، (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين). وإذا إستطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين، فهل إستطاعوا أن يخفوه عن عالم الغيب والشهادة؟ كلا.. وقد أرسل الله تعالى طائفة ليثبت لهم هذه الحقيقة:


      [B](فتنادوا مصبحين* أن أغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين* فإنطلقوا وهم يتخافتون* ان لايدخلنها اليوم عليكم مسكين* وغدوا على حرد قادرين* فلما رأوها قالوا إنا لضالون* بل نحن محرومون) [القلم/ 21-27].


      [B]في تلك اللحظة الحرجة إهتدوا إلى ان الحرمان الحقيقي ليس قلة المال والجاه، وإنما الحرمان والمسكنة قلة الإيمان والمعرفة بالله.
      [B]وهكذا أصبح هذا الحادث المريع بمثابة صدمة قوية أيقظتهم من نومة الضلال والحرمان، وصار بداية لرحلة العروج في آفاق التوبة والإنابة، والتي أولها إكتشاف الإنسان خطئه في الحياة.


      [B]ومن هنا نهتدي إلى أن من أهم الحكم التي وراء أخذ الله الناس بالبأساء والضراء وألوان من العذاب في الدنيا، هو تصحيح مسيرة الإنسان بإحياء ضميره وإستثارة عقله من خلال ذلك، كما قال ربنا عزوجل: (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون).


      [B]* قصة تستحق التأمل:


      [B]فما أحوجنا أن نتأمل قصة هؤلاء الأخوة الذين إعتبروا بآيات الله، وراجعوا أنفسهم بحثا عن الحقيقة لما رأوا جنتهم وقد أصبحت كالصريم، فنغير من أنفسنا ليغير الله ما نحن فيه. إذ ما أشبه تلك الجنة وقد طاف عليها طائف من الله بحضارتنا التي صرمتها عوامل الإنحطاط وال
      [B]تخلف ولو أنهم إستمعوا إلى نداء المصلحين لما أبتلوا بتلك النهاية المريعة. وهكذا كل أمة لا تفلح إلا إذا عرفت قيمة المصلحين، فإستمعت إلى نصائحهم، وإستجابت لبلاغهم وإنذارهم.


      [B]لهذا الدور تصدى أوسط اصحاب الجنة، فعارضهم في البداية حينما أزمعوا وأجمعوا على الخطيئة، وذكرهم لما أصابهم عذاب الله بالحق، وحملهم كامل المسؤولية، وإستفاد من الصدمة التي أصابتهم في إرشادهم إلى العلاج الناجع.


      [B](قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) من هذا الموقف نهتدي إلى بصيرة هامة ينبغي لطلائع التغيير الحضاري ورجال الإصلاح أن يدركوها ويأخذوا بها في تحركهم إلى ذلك الهدف العظيم، وهي: إن المجتمعات والأمم حينما تضل عن الحق وتتبع النظم البشرية المنحرفة، تصير إلى
      [B]الحرمان، وتحدث في داخلها هزة عنيفة (صحوة) ذات وجهين، أحدهما القناعة بخطأ المسيرة السابقة، والآخر البحث عن المنهج الصالح. وهذه خير فرصة لهم يعرضوا فيها الرؤى والأفكار الرسالية، ويوجهوا الناس اليها.
      [B]من هذه الفرصة إستفاد أوسط اصحاب الجنة، بحيث حذر أخوته من أخطائهم، وأرشدهم إلى سبيل الصواب.


      [B](قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين* فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون* قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين* عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون).


      [B]وقصة هؤلاء شبيه بقوله تعالى:

      [B]((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ))

      [B]قيل: هذا مثل مضروب لأهل مكة . وقيل: هم أهل مكة أنفسهم، ضربهم مثلا لأنفسهم. ولا ينافي ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
      [/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B][/B]

      و صــآرت النــــآس تقفي بعــد م تـــآخذ غرضهــآ~