اللحية في الإعدادية! - جديد عبدالله المهيري

    • اللحية في الإعدادية! - جديد عبدالله المهيري

      عقدتي في المدرسة كانت الرياضيات وبالتحديد عندما يستخدم الأستاذ حروف سين وصاد وعين ويتحدث عن المعادلات والخوارزميات، كنت أحب الرياضيات عندما تتحدث عن الإحصاء والمجموعات والعلاقات لأن هذه أشياء لها ارتباط بالواقع وتحتاج لتفكير منطقي لكن لم أفهم ما علاقة المعادلات والخوارزميات بالواقع، أعوام يقضيها الطلاب وهم يدرسون هذه الأشياء ولا شيء في الكتب يخبرهم متى وأين يمكن تطبيق هذه الأشياء في الواقع، الرياضيات جعلتني أتأخر 3 سنوات في المدرسة، كنت بلحية في الإعدادية! أعني أحد الطلاب القلائل الذين بدأت تظهر لحاهم وهم ما زالوا في المرحلة الإعدادية وأذكر كلام المدير في ذلك الوقت بأنه لن يترك طالباً بلحية في المدرسة وسيتخلص منهم وقد فعل ذلك.

      في الأيام الماضية كنت أفكر في أشياء تمنيت لو أنني تعلمتها في المدرسة لأنها مهارات أحتاجها الآن، معظم إن لم يكن كل ما حفظته في المدرسة نسيته لكن هناك مهارات بدأت في أيام المدرسة وبقيت معي حتى اليوم، لا تسألني عن التاريخ الإسلامي مثلاً وعن تاريخ المعارك والغزوات والخلفاء فكل هذا لا أذكره ولا أجد حفظه يفيدني في شيء لأن المراجع متوفرة ويمكن العودة لها متى ما احتجت لها، على أهمية الموضوع إلا أنني لا أذكر شيئاً منه، لكنني أذكر أول مرة وقفت فيها أمام الطلاب لأدير الدرس.

      كان أستاذ التاريخ المصري ممدوح مختلفاً عن كل المدرسين الذين عرفتهم قبله وبعده، لم يكن يحب الواجبات ولا الدفاتر ولا إثقال كاهل الطلاب بالأنشطة، كان يفضل المشاركة في الفصل والاهتمام الفعلي كوسيلة لتقييم الطلاب، لم يكن من النوع العابس الجاد طوال الوقت ولا الضاحك المبتسم طوال الوقت بل كان يوازن بين الجدية والمزاح وكلما تذكرت ذلك زاد تقديري واحترامي له فهذا توازن صعب، أكثر ما زاد احترامي له أنه لم يكن يتغير بأي شكل عندما يأتي الموجه أو المدير لتقييم أداءه على عكس المدرسين الآخرين.

      مرة طلب مني أن أشرح الدرس، هكذا دون مقدمات، وقفت وقلت بصراحتي الباردة "كيف؟ ما أعرف" فأخبرني عن المطلوب ففعلته وكان أمراً سهلاً، لأول مرة أقف أمام مجموعة من الناس وأفعل شيئاً كشرح درس، لم أكن أعرف أنني قادر على ذلك، ثم أصبحت عادة له أن يطلب مني إدارة الحصة وفعلت ذلك بضع مرات وكان هذا أفضل ما قدمه أي أستاذ لي في المدرسة، هذا ما جعلني بعد ذلك أستطيع الوقوف أمام جمهور لأقدم محاضرة بدون أي مشكلة.

      لو أن الأستاذ ممدوح التزم بالمنهج الدراسي فلن يقدم لي هذا المعروف ولن يعطيني فرصة فهناك منهاج يجب إنجازه قبل الامتحانات، لكنه خرج عن إطار المدرسة والمنهاج ليقدم شيئاً مختلفاً ولو لم يفعل ذلك فلن أذكره حتى اليوم، المؤسف أنني لا أعرف سوى اسمه الأول وأتمنى لو عرفت اسمه بالكامل لعلي أجده الآن في الشبكة، لكنني أدعوا الله له ولن أنسى فضله، لن أنسى أنه كان يعاملني والآخرين باحترام ولا يعاملنا على أننا أطفال.

      أستاذ آخر ومثال سلبي هذه المرة ولا أذكر اسم الأستاذ لأنه لم يستحق أن أتذكره، سبق أن تحدثت عن قصته مرات عدة، هو أستاذ اللغة العربية الذي لم يصدق أنني أستطيع الكتابة وظن أنني نسخت ما كتبته من كتاب ما، كلما فكرت بالأمر أعدت على نفسي أنني أتمنى لو كانت ردة فعله مختلفة وإيجابية لكنت اليوم أذكره بالاسم وأكتب عنه.

      الكتابة مهارة تمنيت لو أنني تعلمتها في المدرسة لكن لم يحدث هذا إلا خارج المدرسة، لم تكن هناك فرصة في المدرسة لممارسة الكتابة كما أفعل الآن وكما فعلت سابقاً في صحيفة الاتحاد، هناك فرق بين الكتابة لحصة تعبير أسبوعية والكتابة لوسيلة إعلامية - أياً كانت الوسيلة - فالتعبير سيقرأه أستاذ يطلب منك أن تكتب بطريقة محددة وغالباً مملة والكتابة لوسائل الإعلام تعني الكتابة بحرية أكبر ومسؤولية أكبر وسيقرأ ما تكتبه العشرات أو المئات وربما الآلاف، الكتابة خارج المدرسة قد تعني الحوار وتبادل الآراء والأفكار والتعرف على عالم مختلف لا يمكن أن تجده في المدرسة.

      تمنيت لو أنني تعلمت القراءة مبكراً في المدرسة ومرة أخرى لا أعني القراءة المدرسية بل قراءة الكتب وحب الكتب وفهم أفكارها، مؤسف حقاً أنني لم أبدأ بالقراءة الجادة إلا بعد أن طردت من المدرسة لغيابي المتكرر في بداية عام دراسي ووجدت ساعات فارغ طويلة فكانت القراءة وسيلة لتمضية الوقت وفتحت باباً لعالم تمنيت لو أنني عرفته مبكراً، لكن من يرغب بالكتب عندما تكون المدرسة سبباً في كراهيتها؟ لم أكن أكره الكتب بل فقط لا أريد المزيد منها بعد ساعات من الجلوس في المدرسة، عندما لم أعد أذهب إلى المدرسة عدت إلى الكتب.

      هناك مهارات أخرى أتمنى لو تعلمتها مبكراً، الطبخ مثلاً! أدرك الآن أن المرء إذا أراد جسماً صحياً فعليه أن يكون مسؤولاً عن إعداد كل ما يأكله بدلاً من الاعتماد على المطاعم أو على الآخرين، مهارة اللياقة الصحية وهذا يشمل الطعام والرياضة، ثقافتنا للأسف لا تشجع الحركة والنشاط ولا تثقف المرء بأهمية ممارسة الرياضة يومياً، الرياضة في المدارس غالباً تعني كرة القدم وقد كنت محظوظاً مرة بوجود مدرس رياضة يعشق كرة السلة فكنت ألعبها كثيراً في ذلك العام، لكن قبل وبعد هذا العام لم أجد أي دافع لممارسة الرياضة في المدرسة.

      ما هي المهارات التي تمنيت لو تعلمتها في المدرسة بدلاً من قضاء سنوات في تعلم مناهج الحشو؟



      المصدر : مدونة عبدالله المهيري