قراءة فى أوراق سبتمبر####محمـود شنب

    • قراءة فى أوراق سبتمبر####محمـود شنب

      ~!@@ad

      فى الخامس من سبتمبر عام 1981 قام السادات بأوسع حملة اعتقالات عرفتها البلاد ، حيث أودع فى السجون ما يقرب من 1500 شخص دفعة واحدة ، وكأنه أراد بهذا العمل أن يثبت للعالم أنه مازال صاحب الكلمة العليا فى بلاده بعد أن زادت حدة المعارضة الشعبية له بعد اتفاقية كامب ديفيد المشئومة .

      بعد حملة الاعتقالات بأيام وبالتحديد فى 10 سبتمبر 1981 أقام الرئيس السادات مؤتمرًا صحفيًا عالميًا فى قرية ميت أبو الكوم .. فى هذا المؤتمر سأله مراسل التليفزيون الأمريكى ( إن ـ بى ـ سى ) سؤالاً محرجًا وقال له : هل طلب منك الرئيس ريجان اتخاذ مثل هذا القرار ؟!! ... غضب السادات كثيرًا وخرج عن شعوره وقال لمراسل التليفزيون الأمريكى : ( لولا اننا نعيش الديمقراطية فى مصر لما سمحت لك بهذا السؤال ولاتخذت إجراء ضدك ووضعتك فى السجن لأننى لا أسمح لأى قوة أجنبية بالتدخل فى قرارتى ) بعدها تدارك الرئيس الموقف وحاول أن يصور ما قاله على أنه نوعًا من المداعبة والممازحة ، لكن التوتر ساد المؤتمر وظلت الأسئلة تسير على نفس الوتيرة وفى نفس الاتجاه مما دفع السادات لأن يعيد مقولته المشهورة : ( إن للديمقراطية أنياب ومخالب أكثر شراسة من الدكتاتورية ) .

      طبعًا لم تكن فى مصر ديمقراطية ولا يحزنون .. الديمقراطية هى التى كان يعيشها الصحفى الأمريكى ، بينما الدكتاتورية هى التى كانت سائدة فى مصر والغالبة على فكر السادات ، ومن هنا جاء انفعاله على الصحفى والإدعاء بأنه لا يسمح لأى قوة أجنبية بالتدخل فى شئونه وهو الغارق حتى الأذن فى المستنقع الأمريكى ..

      ومرت الأيام وظهرت معالم الجريمة وأصبحت مصر لا حول لها ولا قوة فى المنطقة بعد أن خرجت من الصراع العربى الإسرائيلى وأصبحت تقف على الحياد بين المسلم واليهودى وبين العربى والصهيونى .

      مَن فكر فى السلام مع إسرائيل يرقد الآن فى قبره ولا يعرف نتائج مغامراته ولا عواقب نزواته .. التجارب الخاطئة للحكام تدفع ثمنها الشعوب .

      لم يكن لدى السادات حين فكر فى السلام مع إسرائيل أى عمق دينى أو وطنى .. لم يفهم أن منظومة الحياة لا يقررها المخلوق ولكن يقررها الخالق الذى خلق كل شئ بقدر وجعل الحياة قائمة على صراع الخير والشر إلى يوم الدين حتى يميز الله الخبيث من الطيب ، ولذلك كانت أضحوكة أن يطلق السادات على حرب أكتوبر مقولة أنها آخر الحروب ، فالحروب باقية بقاء الحياة .. يقول تعالى : (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز )) الآية 40 ـ سورة الحج .

      وعلى هذا الأساس ستظل الصراعات ما بقيت الحياة وإلى أن ينطق الحجر والشجر ويقول : يا مسلم خلفى يهودى تعالى فاقتله .

      يرقد الآن فى قبره صاحب دولة العِلم والإيمان وبطل الحرب والسلام والزعيم المؤمن وكبير العائلة وواحد من أشيك عشرة رجال فى العالم ..

      يرقد الآن فى قبره الرجل الذى أنبت للديمقراطية أنياب وجعل للعيب قانون وسن للخونة منهج وجعل للصوص كيان ودستور ..

      يرقد الآن فى قبره من لا يعرف مدى الهوان الذى ألحقه بشعبه والخراب الذى جلبه لأمته ..

      مات وترك خليفته على نهجه وقد تمسك خلفه باتفاقية كامب ديفيد ووضعها فى منزلة ربما تفوق منزلة القرآن والسُنة على أساس أن الله غفور رحيم وأن إسرائيل لا تغفر ولا ترحم .. يعيش وهو على استعداد لأن يخالف كل شئ إلا اتفاقية كامب ديفيد ، ويتهاون فى كل شئ إلا فى بند واحد من بنودها ..

      لقد أقاموا لكامب ديفيد ضريح وجعلوه من الأئمة ومن أولياء الله الصالحين ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فرحين بما أصاب الإسلام فى مقتل وسعداء بخدمة الأسياد ولعق الأحذية والرقود على بيض الهوان !!

      ما فائدة أن يحكى التاريخ ذات يومًا قصة خراب مالطة ، وما فائدة البكاء على اللبن المسكوب إذا كنا فى كل يوم نسكب غيره ؟!!

      وعلى الرغم من خطورة ما فعله السادات إلا أنها أفعال لا ترقى لما يفعله الآن مبارك بعد أن غيب مصر عن العالم وجعل شعبها فى ذيل الأمم .. لقد قتل فينا الولاء والانتماء وحتى الحياء ، وشارك أمريكا فى تدمير العراق ، وشارك شارون فى تدمير فلسطين ، وشارك الأعداء فى محاربة الدين ، وبدد ثوابت الأمة ، وغير مناهج التعليم ، وجفف منابع الخير ، ووضع فى سجون مصر أكثر مما وضعته أمريكا فى سجن أبو غريب ...!!

      كثيرًا ما كنت أفكر ...

      البلاد التى تنجب العظماء كيف تنجب هؤلاء ؟!!

      بلد الأزهر كيف أنجب سيد طنطاوى ؟!!

      بلد صلاح الدين كيف أنجب أكراد أمريكا ؟!!

      بلد عمر المختار كيف أنجب القذافى ؟!!

      بلد أحمد عرابى ومصطفى كامل وسعد زغلول وعمر مكرم ومحمود سامى البارودى .. كيف أنجب السادات ومبارك وكل من يدور فى فلكهم ؟!!

      كيف أنجبت أرض الكنانة أنور السادات أول من حرر شهادة ميلاد رسمية لإسرائيل ، وجعل للنبت الغير شرعى كيان ودولة وحق فى الحياة ؟!!

      كيف أفسد ميكانيكى السيارات كل سيارات العرب ، وفكك كل مراكبنا العربية متوهمًا أن بإمكانه إصلاح كل شئ ، وعندما فشل فى إعادة تجميع الأجزاء المبعثرة توجه إلى لص أمريكى يملك معرض للسيارات .. إدعى اللص أنه يملك مفاتيح كل شئ ووعد الميكانيكى الجاهل بإصلاح السيارة العربية ، وعاد الميكانيكى سعيد يزف إلى قومه البشرى قائلاً : إن 99% من أدوات الإصلاح فى يد أمريكا .. بعد قليل أفاده اللص بأنه لا أمل فى إصلاح السيارة ونصحه بأن يترك هذه السيارة المفككة ويتوجه إلى صديق له يبحث عن سائق .. فرح الميكانيكى الجاهل وزف الخبر إلى قومه .. عارضوه وقالوا له : إحذر إنه يهودى .. قال لهم : إحذروا أنتم فأنا منوفى وسوف أجعل للديمقراطية أنياب تنهش فى لحم كل من يخالفنى .. زاد غضب القوم ففتح لهم السجون وزج فيها من كل زوجين اثنين .. من العمال ومن الفلاحين .. من الأميين ومن المثقفين .. من الإسلاميين ومن الشيوعيين .. من الأقباط ومن المسلمين .. من المدنيين ومن العسكريين ، ثم أغلق باب السجن وألقى بأجزاء السيارة المفككة فى القناة وعبر على ظهرها إلى تل أبيب .. لم يصدق اليهود أعينهم وهم يشاهدوا زعيم أقوى دولة عربية يهبط من على سلم الطائرة المصرية ويسلم على أحفاد الخنازير ويقول لهم : أرسلنى السيد الأمريكى للعمل سائق لديكم .. ضحك الخنازير وقالوا له : إننا نعد أنفسنا لقيادة العالم فكيف نحتاج إلى سائق .. نريد من يعمل لدينا فى وظيفة مندوب يسوق لنا البضاعة ويفتح لنا الأسواق .. قال الميكانيكى : أنا لها .. أنا لها ... تقدم الخنزير الكبير من الميكانيكى الحقير وقال له : يا سيدى .. من اليوم أنت أملى وسندى وموضع تقديرى وحبى .. سأجعلك حديث العالم .. ستحصد من خلفى الجوائز والألقاب ، وسأنقلك من التراب إلى السحاب .. قال الميكانيكى : إعلم يا مسيو رابين أن أحدًا فى المنطقة لا يجرؤ على اعتراضى ، وفى بلادى أودعت كل من خالفونى السجون ، ولتكن حرب أكتوبر هى آخر الحروب ، وشهدائنا وشهدائكم فى الجنة .. ألسنا أولاد عم يا سيد رابين ؟!! ... ضحك رابين وقل : تلك سيارتك التى ستعمل عليها من الآن .. أنظر إليها جيدًا .. إنها تحمل أرقام أمريكية ونجمة داوود السداسية .. فرح الميكانيكى بركوب السيارة ولم يعد يحتمل أدنى معارضة .. تبرأ منه الأعمام والأخوال ونقلوا مقر العائلة بعيدًا عن أرض الكنانة .. لم يعبأ المعتوه بما جرى وزاد فى العند والضلال .. أرسل له اليهودى وقال له : إنك الآن تصنع التاريخ فلا تقلق ، سأجعلك تفوز بجائزة نوبل للسلام ، وسأغدق عليك بالمحبة والسلام ، وسأجعل كل من خالفك يأتى إليك راكعًا .. قال الميكانيكى متعجبًا : كيف وقد تبرأ الجميع منى ؟!! .. قال اليهودى : كثيرًا منهم سبقوك فى الخيانة وأتوا إلىَّ سرًا ، ولكنى أحبك لأنك قدمت إلىَّ جهارًا نهارًا وجهرت بحبى على مسمع من العالم كله ، ونصيحتى إليك أن تجمع هلافيت مجلس الأمة لتوثيق العلاقة التى تربطنا واستبعد من حولك كل من يعارضك الرأى ويعيش فى جهل الماضى ، وتلك قائمة بأسماء الشرفاء .. تخلص منهم قبل أن يتخلصوا منك ، واعلن لشعبك أن الرخاء قادم مع السلام ، واجعل "يوسف" على خزائن الأرض و"صفوت" على خزائن السماء ، وعين نائبك من أبناء قبيلتك وليكن مبارك عليك وعلينا ، ثم اذهب إلى المنصة وانظر إلى السماء نظرتك الأخيرة وابتسم للحياة وأنت تودعها ، واكتب على باب قبرك : عاش من أجل الحرب ومات من أجل السلام ... قال الميكانيكى : لا أفهم كثيرًا مما تقول لكنى لا أريد غير رضاك .. قال اليهودى : سترقى إلى السماء معززًا مكرمًا وسط هدير المدرعات وأزير الطائرات وصيحات الجنود وفوهات البنادق .

      لم يمضى كثيرًا حتى تحققت النبوءة وتخلص السادس من أكتوبر ممن أهانه ، وهلك السادات وترك المنطقة تموج بالأحداث وكأنها إحدى لوحات فاروق حسنى العبثية .. سقط الميكانيكى وفى يده قصاصة صغيرة مكتوب فيها باقى النبوءات ( إبن قبيلتك سيفنى أمتك ، والأزهر سيصبح أزعر ، وبلد المختار سينجب حمار ، والياور سيخلف صلاح الدين ، وبوش سيصبح أميرًا للمؤمنين ، وسيقف على باب شارون كل يوم ألف حقير يطلب كل منهم وظيفة مندوب مبيعات .. لن يجد طفل فلسطين من يحميه غير الله ، ولن تجد المرأة فى العراق من يحمى شرفها غير المقاومة ، وسيصبح خادم الحرمين خادم الحرميين ..

      ودار الزمان دورته وصدقت كل النبوءات ، وأصبحت الأمة مشتتة ومفككة بعد أن كانت أمة واحدة .. رائدة وقائدة .

      وتلك واحدة من أشهر قصص الخيانة فى التاريخ .. رجل أراد أن يصنع لنفسه مجد فأضاع مجد أمته ، وغدًا سيكشف التاريخ كل شئ ، ولكن ما فائدة أن يحكى التاريخ بعد أن تتغير الجغرافيا ؟!!

      ألم قائم ، وظلم واقع ، وعدل غائب ، وحق ضائع .. تلك هى معالم حياتنا بعد السلام ، فما فائدة أن يحكى التاريخ ، وما فائدة البكاء على اللبن المسكوب ؟!!

      نعيش زمن رفع العدل فيه العصابة عن عينيه ليميز الشريف من الضعيف .. ترك الشريف وما سرق ، وأخذ الضعيف بما سرق ، وأصبح العدل حبر على ورق ، ومن يملك القوة يملك كل شئ ، والقوة تجعل الكلب أسد .. يضع ساق على ساق .. والضعف يجعل الأسد فأر يلعق جراحه فى هوان وانكسار !!

      فلنبكى على أحوالنا فى مصر قبل أن نبكى على أحوال الأهل فى العراق وفلسطين .. نبكى كثيرًا ولا نخشى نفاد الدموع ، فثلاثة أرباع الجسد ماء ، والدموع تفوق الدماء .. يسقط الشهيد فى بركة دماء فتبكى عليه الأرض والسماء .. ثلاثة أرباع الجسد ماء .. الماء العذب دموع المستضعفين ، والماء المالح عرق الكادحين .. تروى المياه العذبة حقول الغاصبين ، وتغسل المياه المالحة صدور الساقطين ، ويجلس على الشاطئ الآخر بعض أطفال المسلمين ينتظرون نفايات المترفين التى تقذفها الأمواج على رمال الفقراء ، فيسعد اليتيم بفوارغ التيم ، ويفرح المسكين بأطباق الميلامين ، وبين الأبناء يجلس الأب الحزين يحلم بسكين تقذفها الأمواج وبلوح خشب يعبر عليه إلى بلاد الرافدين لينضم إلى قوافل المجاهدين .. فى كل يوم تغيب الشمس ويضعف الأمل ، ومع كل فجر جديد يعود الأمل وينظر الأب إلى الأمواج وينتظر السكين ولوح الخشب الأمين .. تحدثه نفسه وتضع له الأولويات .. إذا ملكت السكين فاقتل بها حاكمك قبل أن تقتل عدوك .. تخلص من الخائن أولاً حتى تحمى ظهرك .. طهر بلادك من الرجس حتى إذا عدت من العراق بعد أن ينصره الله .. لا تجد فى انتظارك قضية جديدة اسمها العائدون من العراق ، فلا توجد لدينا قضايا اسمها العائدون من إسرائيل ولا العائدون من أمريكا .. كل قضايانا تحمل أسماء بلاد المسلمين .. العائدون من الشيشان .. العائدون من أفغانستان .. العائدون من البلقان ، وغدًا العائدون من العراق .

      إذا نظرنا حولنا سنجد الأردن يقتل أربعة من أبناءه نجحوا فى عبور الحدود إلى فلسطين حاملين الأسلحة إلى المجاهدين هناك .. ننظر إلى اليمن نجد طائراته تدق حصون المجاهدين .. لقد ظهرت طائرات الشاويش عبدالله التى لم نسمع عنها أبدًا لتقصف كل من يعلن العداء لأمريكا ، وإذا نظرنا إلى السعودية نجدها لا ترحم كل من ينطق بكلمة فى حق أمريكا .. الكويت تفعل ذلك .. البحرين تفعل ذلك .. المغرب تفعل ذلك .. مصر تفعل ذلك .. كل الدول العربية تفعل ذلك ...!!

      وعلى الجانب الآخر من سبتمبر نجحت المقاومة الإسلامية فى كل من أفغانستان والعراق فى استدراج الكلب الأمريكى خارج دياره وبعيدًا عن مسكنه وإلى حيث تريد المقاومة بغية إذلاله وتركيعه واستنزاف جهده وطاقته ، وما نشاهده اليوم على أرض العراق وأفغانستان وفلسطين يُعد أكبر دليل على عبقرية المقاومة الإسلامية وحسن تخطيطها بعد أن نجحت بقيادة الشيخ أسامه بن لادن فى تحريك وعى الشباب العربى واستنهاض عزيمته الجهادية وفتح آفاق رحبة نحو الجهاد واستخلاص الحقوق .. هذه المقاومة نجحت أيضًا ـ وبنفس القدر ـ فى تعرية الأنظمة العميلة وكشف كل من كانوا يتمسحون فى القرآن والسنة ويتغنوا بالدين والعروبة .

      واليوم ونحن فى زمن القهر الداخلى والخطر الخارجى نحتاج إلى ألف أسامه بن لادن .. نحتاج إلى من يتبنى فكر هذا الرجل ويعشق فلسفته .. نحتاج إلى من يُسخر ماله الخاص فى سبيل نصرة دينه وعقيدته ، وليس لمن يسرق المال العام من أجل نزواته وشهواته .. نحتاج إلى من يفضل النوم فى الكهوف على النوم فى القصور ابتغاء مرضاة الله .. نحتاج لمن يحمل راية أسامه بن لادن فى كل قطر عربى ، ويكون جديرًا بحملها بنفس العزيمة ونفس الإخلاص وثبات اليقين وحسن التوكل على الله .

      إن أسامه بن لادن يساوى عند الله أمة كاملة ، ولله المثل الأعلى فقد قال جل شأنه عن سيدنا إبراهيم انه كان أمة قانتـًا لله .

      وسيذكر التاريخ يومًا أنه فى عز الغطرسة الأمريكية وفى عز استكبارها وعلوها فى الأرض ـ استطاع فرد مسلم يدعى أسامه بن لادن غزو أمريكا فى عقر دارها وتلقينها درس قاس ، وفعل بها ما لم تستطع فعله أى دولة على مستوى العالم ، وما حدث فى الحادى عشر من سبتمبر لم يكن فيلمًا سينمائيًا تميز بعظمة الإخراج أو روعة التمثيل ، وإنما كان واقعًا أقرب إلى الخيال من الحقيقة ، وما حدث كان بمثابة البناء الهندسى للعبقرية الإسلامية وروعة من التخطيط الإيمانى الذى أوقف الزحف الشيطانى وألزمه حدوده .

      إن أسامه بن لادن كان أمة قانتـًا لله اصطفاه واجتباه دون أن يكون نبيًا أو رسولاً .. لم يكن فكره كفكر معمر القذافى الذى يسبه الآن فى القنوات الفضائية إرضاءً لأمريكا .. القذافى قسم حياته الطويلة إلى قسمين : قسم فجر فيه الطائرات والملاهى بغرض الزعامة والشهرة ، وقسم آخر دفع فيه التعويضات لكل ما أسقط من طائرات وما أحدث من تفجيرات ، فجاء كل ما فعله هباءً منثورًا ، ولذلك فقد كان عداء القذافى لبن لادن أشد من عداء أمريكا له ، ولم يكن غريبًا أن يتبرع القذافى بدمه وماله لضحايا الأبراج التى أسقطها بن لادن فى مثل هذه الأيام .

      لقد قدم كل من أسامه بن لادن ومعمر القذافى قربانـًا إلى الله ، فتقبل الله قربان بن لادن ولم يتقبله من القذافى ، لأن الله يتقبل من عباده الصالحين والفرق كبير بين من يشترى مقعدًا فى الدنيا وبين من يشترى مقعدًا فى الجنة .. الفرق كبير بين من أضاع أموال بلاده فيما لا يفيد وبين من أنفق أمواله الخاصة فى خدمة الإسلام وتمكين جنود الحق .

      لقد أثبت القذافى أن أحدًا لا يمكن أن يجاريه فى الغباء ، بينما أثبت بن لادن أن أحدًا لا يمكن أن يبلغه فى التخطيط والعبقرية ، والعبقرية هنا لا تكمن فى طائرة تصطدم بمبنى وإنما فى التمكن من كسر أنف المغرور فى عقر داره .. العبقرية أتت فى عدم الخوف إلا من الله ولم تكن فى دفع التعويضات إلى القتلة رغبة فى كراسى الحكم وخوفـًا من شياطين الأرض .

      تحية إلى شيخ المجاهدين فى ذكرى غزوة نيويورك وواشنطن ودعوات إلى الله أن يحفظه للإسلام ذخرًا وفخرًا وأن يجنبه كل مكروه وسوء وألا يمكن الأعداء منه .. إنه نعم المولى ونعم النصير ، ولعنة الله على السادات ومن سار على هديه إلى يوم الدين .
      ~!@@ad ~!@@ad