بعض المسائل الخلافية المعروفة
تأليف العلامة السيد عبد الله العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة مسائل خلافيّة يكثر السؤال عنها، كتبتها مع الإشارة إلى الدليل الذي نعتمده فيها. درءاً للشبهات وإزالة لما يعلق في أذهان الكثيرين من تصوّرات خاطئة حولها.
وقد ذكرت فيها على الأغلب الدليل القرآني والروائي المنقول في أمهات الكتب المعتمدة عند من نناقشهم في المسألة، كما اعتمدت على الوجدان والبديهة التي توجد عند كل من يصفي ذهنه عن الشوائب ويبغي الوصول إلى الحقائق والوقائع. أسأله سبحانه أن يجعل فيها النفع والفائدة بمحمد وآله الأطهار. هذا وقد سميته (بعض المسائل الخلافية المعروفة).
1ـ الجمع بين الصلاتين
من المسلّم به أن هناك خمس فرائض واجبة في اليوم والليلة هي فرائض: (الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء). ومن المتفق عليه أن لهذه الفرائض أوقاتاً معينة تؤدى فيها. إنما الكلام في هذه الأوقات بداية ونهاية. والمرجع فيها الدليل من القرآن والأحاديث.
أما القرآن الكريم فإنه يقول: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (1) ومن الواضح في الآية الكريمة أنها تتعرض لثلاثة أوقات هي:
أ. دلوك الشمس.
ب. غسق الليل.
ج. قرآن الفجر.
ولو كانت الأوقات خمسة لكان اللازم ذكرها، لأن الآية في معرض بيان الأوقات.
إذن الأوقات ثلاثة وإن كانت الفرائض خمسة.
فدلوك الشمس وقت للظهر والعصر.
وغسق الليل وقت للمغرب والعشاء.
وقرآن الفجر وقت لصلاة الصبح وهذا واضح جداً.
وأما الروايات فقد تعددت عن أهل البيت (عليهم السلام) بالدلالة على جواز الجمع بين الفرائض (الظهر والعصر)، (المغرب والعشاء) مثل قوله (عليه السلام): إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه. وتجد هذه الروايات في كتب الحديث كالكافي والتهذيب وغيرها.
هذا ما عندنا، أما ما عند غيرنا، فقد روى مسلم في صحيحه هذا الحديث:
(6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (6)، حديث (50-54)
50- (...) وحدّثنا أحمد بن يونس وعون بن سلاّم جميعاً عن زهير، قال ابن يونس: حدثنا زهير، حدّثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال صلّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوفٍ ولا سفر.
قال أبو الزبير: فسألت سعيداً: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني. فقال أراد أن لا يحرج أحداً من أمته).
وهذا الحديث صحيح ومعتبر عندهم والمفروض أن يعمل به فما وجد تركه؟ أذكر حادثة جرت قبل سنوات قليلة، حيث جمع أحد الأئمة صلاتي المغرب والعشاء بسبب المطر، فكتب شخص في صحيفة (الوطن) يعترض عليه بأن المطر كان قليلاً والوسائل موفرة فما الداعي إلى الجمع. حينها انهالت الردود على الكاتب في نفس الصحيفة، وكلها تقريباً كان يستند إلى الحديث السابق على أساس دلالته على جواز الجمع ولو بلا سبب، وحينئذ لا وجه للاعتراض علينا بالجمع، بل هو الحق الذي ينبغي اتّباعه.
وهذان حديثان آخران فانظرهما:
6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (6)، حديث (54-57)
حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطر. (في حديث وكيع) قال قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمّته.
وفي حديث أبي معاوية، قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يخرج أمّته.
7-كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (6-8)، حديث (58-62)
58- (...) وحدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا وكيع، حدّثنا عمران بن حُدير عن عبد الله بن شقيق العقبلي، قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة. فسكت. ثم قال: الصلاة، فسكت. ثم قال: الصلاة فسكت. ثم قال: لا أمّ لك، أتعلّمنا بالصلاة؟ وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
2ـ المسح على الرجلين في الوضوء
نحن نمسح على الرجلين في الوضوء وغيرنا يغسلهما.
نحن نتمسك بقوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (2)، بعد قوله سبحانه: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ).
الآية واضحة الدلالة يفهمها كل من يقرؤها، (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) يقولون إن كلمة (َأَرْجُلَكُمْ) منصوبة، وهذا يعني أنها معطوفة على كلمة (وجوهكم) في أول الآية، فيجب غسل الرجلين.
والجواب: هذا خطأً نحوياً، للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، إذ ما معنى أن يراد غسل الرجلين ثم يفصل بينه وبين غسل الوجه بمسح الرأس؟
وخطأ عقلاً: لإيجابه البلبلة في المعنى وبالتالي الإغراء بالجهل.
وخطأ عرفاً: إذ لا يفهم أحد هذا المعنى لو قرأ الآية.
ما أحسن قول من قال: عطف الأرجل على الوجوه من أقبح الوجوه.
إذن ما وجه النصب؟ الجواب: أنه عطف على محل (بِرُؤُوسِكُمْ) في محل نصب على المفعولية، وأصله: امسحوا رؤوسكم وأرجلكم. وليعلم أن هناك قراءة بكسر لأم الأرجل فلا تبقى شبهة حينئذ.
أعود فأقول: بلا رجوع إلى النحو والصرف فإن كل من يقرأ الآية يفهم هذا المعنى.
وما يفهمه العرف من ظاهر القرآن حجة، وأيّ داع إلى توجيهات وتمحلات لا يقبلها الفهم الطبيعي ولا الدليل النحوي أو العقلي؟ والأنكى من هذا أن الذين يصرون على غسل الرجلين يقولون: لو كنت تلبس حذاءً أو خفّاً فامسح على الحذاء والخف، مع أن الآية الكريمة تقول: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ولم تقل وأحذيتكم أو أخفافكم، سبحان الله! لا يجوز المسح على الرجل ويجوز على الحذاء.
هل المنصوص عليه في القرآن مرفوض وغير المذكور فيه مقبول؟
3ـ الزواج المؤقت
من المعلوم أن الزواج سنة شرعية، وأنه عقد قائم بطرفين، له إيجاب وقبول، وأنه قابل للقيد والشرط، فيقال تزوج فلان بفلانة على شرط كذا وكذا.
وحينئذ فإن أطلق العقد ولم يقيد بمدة معينة كان دائماً، وإن اشترطت فيه المدة كالسنة والشهر كان مؤقتاً.
فالعقد المؤقت هو عقد زواج اشترط فيه شرط هو المدة المعينة، فأي إشكال فيه؟ إذن كل الآيات التي تتحدث عن الزواج تشمله.
كقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (3).
فهذا نكاح، وكقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ) (4).
وهذا زواج، مثله مثل الدائم تماماً، فيه إيجاب وقبول، تقول المرأة: زوجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدة كذا، فيقول الرجل: قبلت التزويج لنفسي بالمهر المذكور والمدة المذكورة (بعد اتفاقهما على المهر والمدة).
كما لابدّ فيه من المهر وتعيين المدّة، ولابد فيه من رضى الطرفين واختيارهما، وكونهما عاقلين، وإذا اشترطنا إذن الولي في زواج البكر الدائم اشترطناه هنا، أما غير البكر كالمطلقة والأرملة المدخول بها فلا حاجة بهما إلى الإذن. نعم وردت روايات معتبرة عن أهل البيت (عليهم السلام) تدل على أن ليس للمرأة هنا نفقة ولا إرث ولا قسم إلا مع الاشتراط في متن العقد.
ومن هنا نعرف أنه تكفينا آيات الزواج بمعمومها لتجويز هذا النكاح. هذا إضافة إلى قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (5).
نلاحظ في الآية الكريمة تعبيرين أحدهما (استمتعتم) والآخر (أجورهن) والأول كناية عن الزواج كما أن الثاني كناية عن المهر، فما السر في هذا مع إمكانية التعبير بكلمة (تزوجتم ومهورهن؟ الظاهر ـ والله أعلم ـ أن هذا الزواج بما أنه مؤقت أشبه بالإجارة لذا عبر عن مهره بالأجرة، وبما أن المقصود الأساسي فيه التمتع عبر عنه بذلك.
فالآية الكريمة كالصّريحة في عقد تمتع مؤقت مهره شبيه بالأجرة، هذا إضافة إلى بعض القراءات التي فيها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن).
كما أن كلمة (من) في (منهنّ) تفيد التبعيض، أي الفترة التي استمتعتم بها من تلك النساء. وبالجملة فالروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في صحة النكاح المنقطع متظافرة يجدها الباحث في كتاب النكاح من الوسائل وغيره من الكتب.
أما في كتب الفريق الآخر فقد ذكرت مجموعة روايات بعضها يدل على أن النبي (صلّى الله عليه وآله) أحلها لفترة ثم حرمها، وبعضها يدل على حليتها أيام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأيام أبي بكر وأنها حرّمت في عهد عمر، لكن التي تدل على أن النبي (صلّى الله عليه وآله) حرّمها معارضة بالقرآن الكريم ـ كما مرّ ـ فهي مرفوضة لمعارضتها للقرآن الكريم حيث نص على زواج المتعة وكل حديث يعارض القرآن فهو مرفوض.
وأمّا التي تدل على التحريم بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) فهي واضحة البطلان ـ إذ لا تشريع بعد الإسلام وبعد الرسول (صلّى الله عليه وآله). وإليك مجموعة أحاديث من صحيح مسلم تنص على جواز العقد المنقطع، دون أن تذكر أن النبي حرّمها بل هي مطلقة وإنما جاء النهي عنها بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو غير مقبول.
16- كتاب النكاح، باب 3، حديث (11-14)، باب نكاح المتعة (6) وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة:
11- (1404) حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني حدّثنا أبي ووكيع وابن بشر عن إسماعيل، عن قيس، قال: سمعت عبد الله يقول: كنّا نغزو مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ليس لنا نساء. فقلنا: ألا نستخصي (7)؟ فنهانا عن ذلك. ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل. ثم قرأ عبد الله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (8).
(...) وحدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جرير عن إسماعيل بن أبي خالد، بهذا الإسناد، مثله، وقال: ثمّ قرأ علينا هذه الآية، ولم يقل: قرأ عبد الله.
12- (...) وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيع عن إسماعيل، بهذا الإسناد. قال: كنّا، ونحن شباب، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي؟ ولم يقل: نغزو.
13- (1405) وحدّثنا محمد بن بشار، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت الحسن بن محمد يحدّث عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أذن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء.
14- (...) وحدّثني أميّة بن بسطام العيشي، حدّثنا يزيد (يعني ابن زُريع)، حدّثنا رَوح (يعني ابن القاسم) عن عمرو بن .. أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتانا، فأذن لنا في المتعة.
كتاب النكاح، باب 3، حديث 15-19.
15- (...) وحدّثنا الحسن الحلواني. حدّثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريح، قال: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء. فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر ثم ذكروا المتعة.
16- (...) حدّثني محمد بن رافع، حدّثنا عبد الرزّاق، أخبرنا ابن جريح، أخبرني أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنّا نستمتع، بالقبضة (9) من التمر والدقيق، الأيّام، على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر، في شأن عمرو بن حريث.
17- (...) حدّثنا حامد بن عمر البكراوي، حدّثنا عبد الواحد (يعني ابن زياد) عن عاصم، عن أبي نضرة، قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آتٍ فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما.
18- (...) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يونس بن محمد، حدّثنا عبد الواحد بن زياد، حدّثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: رخّص رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، عام وطاس (10)، في المتعة ثلاثاً، ثم نهى عنها.
19- (1406) وحدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليثٌ عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه سبرة، أنّه قال: أذن لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء (11).
4ـ وقت صلاة المغرب ووقت الإفطار
يقول سبحانه: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (12).
ويقول سبحانه: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (13).
وهاتان الآيتان صريحتان في أن وقتي صلاة المغرب والعشاء وإفطار الصائم إنما هو الليل.
والليل وقت يشخّصه عرف الناس بلا حاجة إلى تحديده لغةً، فهو مجيء الظلام بعد انتهاء نور النهار، وهذا المعنى مطابق وملائم للوقت الذي نفطر فيه ونصلي المغرب والعشاء، أي بعد غروب قرص الشمس بحوالي ربع ساعة حيث تذهب الحمرة من جانب المشرق وتجيء الفحمة والسواد منه.
أما غروب الشمس فليس ليلاً والدليل بعد العرف الوجدان.
قف عند غروب الشمس في الشارع أو على شاطئ البحر وانظر حولك، هل ترى أنك في الليل؟ أم هو النهار محضاً؟
أو ليس الاحتياط من الأمور المطلوبة شرعاً والحسنة عقلاً؟
فعلى أي أساس تبدأ الصلاة ويأكل الناس بمجرد غروب القرص مع مخالفة ذلك للقرآن والعرف والوجدان والاحتياط. لو وعدت شخصاً بان تأتيه ليلاً فهل ترى وصولك إلى بابه مع غروب الشمس تنفيذاً للوعد، ألا يعترض عليك صاحبك بأن الليل بعد لم يدخل؟
5ـ تقبيل الأضرحة والتبرك بها
التبرك بالمقدسات من الأمور الجيدة الممدوحة عقلاً ونقلاً، وقد جرت عليه سيرة المسلمين قديماً وحديثاً، ففي تركيا وباكستان ومصر والهند وتونس وغيرها نجد المراقد المحترمة للأولياء والأتقياء مقدسة موقرة يتبرك بها الناس، أفترى هؤلاء كلهم مشركين أو يقومون بأفعال الشرك؟ القرآن الكريم كتاب الله سبحانه يتبرك به الناس فيقبلونه ويضعونه على أعينهم دون أن يرى أحدٌ في فعلهم غضاضة أو خطأ.
فما هذه الشنشنة من بعض الناس المعترضة على التبرك بالأضرحة وتقبيلها وغير ذلك. روى البخاري كتاب اللباس، ج7، ص199 هذا الحديث:
باب القبّة الحمراء من أدم: حدّثنا محمد بن عرعرة قال حدثني عمر بن أبي زائدة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال أتيت النبي (عليه السلام) وهو في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالاً أخذ وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله) والناس يبتدرون الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسّح به، ومن لم يصب منه شيئاً، أخذ من بلل يد صاحبه.
هذا الحديث دل على جواز التبرك، بمُلابس أحد الأطهار كماء وضوئه، وتقرير النبي (صلّى الله عليه وآله) وسكوته حجة على الجواز. يتمادى البعض فينهي عن التبرك بالكعبة وتقبيل حيطانها ويخصص التقبيل بالحجر الأسود فقط مستدلاً بقول بعض الصحابة مخاطباً للحجر:
إني أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبّلتك.
والجواب عن هذا واضح: وهو إن كان هذا حجراً لا يضر ولا ينفع فلماذا قبّله رسول الله؟ أفتراه فعله عبثاً؟ حاشا رسول الله عن ذلك، لماذا لم يقبّل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحجار الشوارع، وما أكثرها وما أجملها لو قيست بالحجر الأسود؟ عندما يقبل البعض العلم (علم البلاد) وهو خرقة ملوّنة لا يلام على فعلته، أما إذا قبّل ضريح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو أحد الأطهار من أهل بيته يلام، إن هذا لعجب!
ثم إن القاعدة الفقهية في الأمور التي لم يرد فيها نهي هي الحلّ، كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، وهذا أمر متّفق عليه، فلو قلت لشخص: لبس النظارة حرام، لقال لك: ما الدليل على الحرمة مع أن الأصل الإباحة؟ كذلك تقبيل الأضرحة الأصل فيه الحل، فكل من يدّعي التحريم عليه إقامة الدليل، وإلا كان قوله افتراءً على الدين والشرع.
الحرمة حكم شرع كالوجوب والاستحباب والكراهة تحتاج إلى دليل فمن ادّعاها من دون دليل فهو مفترٍ على الله عزّ وجلّ.
6ـ إقامة المآتم والبكاء على أهل البيت (عليهم السلام)
يقول سبحانه: (قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (14).
ويقول سبحانه: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (15).
عندما نحبّ شخصاً ونودّه فإننا نظهر له حزننا إذا نكب وأصيب. والآية الأولى تذكر أن المودة في القربى هي أجر الرسالة، وهذا سار جارٍ على مدى الدهور، إذ الآية لا تخص قوماً بعينهم، فهل الصلاة أو الصيام أو الحج أو غيرها تخص من كان في عهد رسول الله؟ قطعاً لا، إذن نحن ومن قبلنا ومن يأتي بعدنا مطلوب منهم أن يودّوا قربى الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ومن أظهر صور الموادة أن نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. هل ينبغي أن نفرح يوم عاشوراء ونصوم تبركاً، أم ينبغي أن نحزن لما أصاب آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) فيه، وأيهما المودة حقاً؟
أما الآية الثانية فتنص على أن تعظيم شعائر الله عزّ وجل من تقوى القلوب وأي شعائر أعظم من آل الرسول الكرام؟
الشعائر هي العلامات والآيات الإلهية التي تشمل التكاليف، ومن يقوم بها وبتبليغها، أو ليس البكاء عليهم وإقامة مآتمهم من تعظيمهم، وبالتالي تعظيم الشعائر.
عندما يموت عزيز كالأب والابن يحزن المحب عليه، ويقيم له العزاء والأسبوعية والأربعينية هذا بالنسبة للشخص العادي فكيف بالإمام والمعصوم؟ إننا نرجو لثواب والأجر من الله عزّ وجلّ، بإقامة المآتم والبكاء على أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونتقرب إلى الله سبحانه بذلك وهذا عمل حسن عقلاً وممدوح شرعاً بنص الآيتين المتقدمتين إضافة إلى روايات أهل البيت (عليه السلام) التي تحث على ذلك، فهل مع كل هذا يبقى اعتراض لمعترض.
7ـ الصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع ترك ذكر الآل
روى البخاري في الصحيح ما يلي: في جزء 8، باب الصلاة على النبي
باب الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) حدّثنا آدم حدّثنا شعبة حدّثنا الحكم قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية، إن النبي (صلّى الله عليه وآله) خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك، قال: فقولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
حدّثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خبّاب عن أبي سعيد الخدري، قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك، فكيف نصلي؟ قال قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم.
وأيضا في الجزء السادس كتاب التفسير، ص151:
حدثني سعيد بن يحيى حدثني أبي حدثنا مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
4- كتاب الصلاة، باب (16-17) حديث (64-67)
64- (...) حدّثنا إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر عن عبد الرزاق، معمر، عن قتادة، بهذا الإسناد، وقال في الحديث: (فإن الله عزّ وجلّ قضى على لسان نبيه (صلّى الله عليه وآله) سمع الله لمن حمده).
(17) باب الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد التشهد
65- (405) حدثنا يحيى بن يحيى التميمي. قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر، أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري (وعبد الله بن زيد هو الذي كان أُرى النداء بالصلاة) أخبره عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتانا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونحن في مجلس سعد بن عبادة. فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلّي عليك يا رسول الله! فكيف نصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى تمنّينا أنّه لم يسأله. ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم).
66- (406) حدثنا محمد بن المثنّى ومحمد بن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى. قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هديةً؟ خرج علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك. فكيف نصلّي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد.، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
لكننا نرى كثيراً من الناس يصر على ترك ذكر الآل مع أن الحديث دال على وجوب ذكرهم لأنه أمر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأن يقولوا هكذا وأمره (صلّى الله عليه وآله) واجب الاتباع لقوله تعالى: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (16)، أمّا البعض الآخر فيصر على ذكر الأصحاب كلما ذكر الآل، مع أن الحديث المعتبر لم يذكر الأصحاب، ثم إن الله سبحانه لما شرع الصلاة أمر بأن يقال في التشهد: اللهم صل على محمد وآل محمد، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين فنحن نقوله وغيرنا يقول: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وإذا كان ذكر النبي (صلّى الله عليه وآله) وحده هو الشرع فلم أمر الله سبحانه بذكر الآل معه، إذن فذكر الآل مأمور به من قبل الله عزّ وجلّ ومن قبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كما في الحديث المنصرم وليس لغيرهم كما هو واضح. فمن نقص أو زاد كان مخالفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبالتالي للقرآن والشرع.
8ـ الثقلان: الكتاب والعترة
روى مسلم في صحيحه هذا الحديث:
36- (2408) حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد، جميعاً عن ابن عليّة، قال زهير: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم حدّثني أبو حيان، حدّثني يزيد بن حيّان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم. فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقت لقيت، يا زيد خيراً كثيراً. رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت، يا زيد خيراً كثيراً. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله). قال: يا بن أخي، والله لقد كبرت سنّي وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فما حدّثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلّفونيه. ثم قال: قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً، بماء يدعى خُمّاً (17) بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر ثم قال: (أمّا بعد ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين (18): أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به)، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي). فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم، قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس.
قال: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
ونتساءل أولاً: لماذا التركيز في المدارس على كلمة (كتاب الله وسنتي) دون (عترتي)؟
وثانياً: التخليف يعني قيام الشيء مقام من خلّف، يقال: فلان خليفتي أي يقوم مقامي، إذن أهل البيت مع القرآن يقومان مقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فهل أخذ الناس بهما أم تركوا أهل البيت، سوى شيعتهم وأتباعهم.
ثالثاً: لماذا هذا التركيز والتأكيد عليهم حتى كرر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذه الجملة ثلاث مرات (أذكركم الله في أهل بيتي) ألا يعني ذلك علمه (صلّى الله عليه وآله) بإعراض الناس عنهم بعده، ومن الذي أعرض أليس من يرفض حتى الصلاة عليهم إذا ذكر النبي (صلّى الله عليه وآله).
9 ـ عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)
نحن نعتقد أن الأنبياء جميعاً من آدم إلى نبينا (صلّى الله عليه وآله) معصومون. وكذلك اعتقادنا في الأئمة الاثنى عشر والسيدة الزهراء (عليها السلام). فهم لا يرتكبون ذنباً كبيراً أو صغيراً لا بعد بعثتهم ولا قبلها ولا في طفولتهم ولا في الكبر. دليلنا على ذلك الوجدان والعقل والنقل.
أما الوجدان: فكل عاقل يصفّي وجدانه ونفسه عن الشوائب والإشكالات يرى بوضوح أن القدوة والمبلغ عن الله عزّ وجلّ لابدّ أن يكون طاهراً. فإذا قيل لشخص أن النبي الفلاني يكذب فإنه يقول فوراً: أي نبي هذا؟
وإذا قيل لأحد أن الإمام الفلاني خائن يقول فوراً: أي إمام هذا؟
هذا الوجدان، ثم العقل ينظر في ما يبلغه هذا النبي والإمام ويتوقف في قبوله باعتبار أنه إذا كان قابلاً لصدور المعصية منه فربما كان هذا الذي يقوله غير صحيح وليس حكماً شرعياً، أي أنه قد يكذب فيه.
إن الله سبحانه يقول: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (19)، فجعل رقة القلب وحسن الخلق في الأنبياء كي لا ينفض الناس عنهم.
فكيف بالذنب، أليس نفيه أولى وأقوى. لئلا ينفض الناس عنهم؟
الناس عندما ترى أحد رجال الدين يرتكب خطأ ـ مع أنه غير معصوم ـ تبتعد عنه فكيف بالنبي والإمام؟ وهذا ما يعبر عنه بدليل نقض الغرض.
وأما النقل: فالقرآن الكريم يكفينا كل مؤونة.
يقول سبحانه مخاطباً إبليس (لعنه الله): (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (20)، وكل ذنب يصدر هو سلطان لإبليس.
وحينئذ نسأل من هؤلاء العباد الذين ليس لإبليس عليهم سلطان.
ومن هم العباد المخلصون الذين لا يمكن لإبليس أن يغويهم؟
لا شك أن الأنبياء والأئمة هم القدر المتيقن منهم ـ إذ لم يدع أحد العصمة لغيرهم ولغير السيدة الزهراء، لأنا لو نفينا عنهم فلمن نثبتها ومن المخلص حينئذ؟ فهؤلاء المخلصون.. الذين ليس لإبليس عليهم سلطان ـ هم المعصومون. والمخلصون مستثنون في الآية من الإغواء وكل ذنب ناتج عن إغواء.
إن قلت: ما العمل مع الآيات الظاهرة في صدور المعصية من بعض الأنبياء؟
قلت: القرآن يفسر بعضه بعضاً فلابدّ من تأويل الظاهر حينئذٍ لأجل الصريح أو الأظهر وحمله على ترك الأولى أو مخالفة الأمر الإرشادي، هذا أولاً.
كما أنه لو قام دليل عقلي على شيء بحيث كان قطعياً لزم تأويل النقلي لئلاّ يخالف حكم الشرع، حكم العقل القطعي فإن الشارع سيد العقلاء.
بل إن نفس الآيات الظاهرة في المعصية بادي الرأي لو لوحظت بتأمل تظهر منها قرائن عدم المعصية وأن الأمر لا يعدو كونه ترك أولى أو ترك الأمر الإرشادي.
ولنأخذ مثلاً قوله تعالى: (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (21).
وهذه الآية لعلها أكثر الآيات ظهوراً في حصول المعصية والذنب. لكن بالتأمل في الآيات الأخرى المتعرضة لقضية الأكل من الشجرة يتّضح خلاف ذلك. كيف؟ يقول سبحانه: (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيها وَلا تَضْحى) (22). يعلل سبحانه المنع من الأكل بأن فيه خروجاً من الجنة وبما أنك في الجنة لا تجوع ولا تظمأ ولا تعرى ولا تضحى، فخروجك يسبب لك هذه الأمور كلها، إذن لا تأكل من الشجرة كي لا تتعرض لهذه الأمور لأن الأكل ذنبٌ فيه عقوبة أخروية وغضب الله سبحانه. إذن فالنهي عن الأكل إرشاد لعدم الوقوع في الضرر الدنيوي، لا أنه معصية فيها عقوبة.
إذا اتضح هذا نقول: هناك مجموعة أحاديث مروية في كتب لها وزن وشأن عند غيرنا، وتعتبر حسب موازينهم صحيحة السند، هذه الأحاديث تنسب إلى الأنبياء عموماً ونبينا (صلّى الله عليه وآله) خصوصاً من الأمور ما يخالف العصمة، وما يرفضه العقل رفضاً باتاً. نذكر بعضها لنعرف كم هو الظلم الواقع على الأطهار من الأنبياء وغيرهم فمنها: ما رواه البخاري في صحيحه، ج1، كتاب الوضوء ومسلم في كتاب الطهارة باب 22:
باب البول قائماً وقاعداً
حدّثنا آدم قال حدّثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) سباطة قوم فبال قائماً ثمّ دعا بماء فجئته بماء فتوضأ.
باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدّثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة قال: رأيتني أنا والنبي (صلّى الله عليه وآله) نتماشى فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه فأشار إلي فجئته فقمت عند عقبه حتى فرغ.
73- (273) حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي. أخبرنا أبو خيثمة عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: كنت مع النبي (صلّى الله عليه وآله) فانتهى إلى سباطة قوم (23) فبال قائماً. فتنحّيت. فقال (ادْنُهْ) فدنوت حتّى قمت عند عقبيه فتوضّأ، فمسح على خفّيه.
74- (...) حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا جرير عن منصور، عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى يشدّد في البول. ويبول في قارورة ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. فقال حذيفة: أوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد. فلقد رأيتني أنا ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) نتماشى. فأتى سباطةً خلف حائط. فقام كما يقوم أحدكم، فبال فانتبذت منه، فأشار إلي فجئت فقمت عند عقبيه حتّى فرغ.
(274) حدثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليث، ح وحدّثنا محمد بن رمح بن المهاجر، أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن عروة بن المغيرة عن أبيه...
ولعل مثل هذا الحديث لا يحتاج إلى تعليق، إذ يكفي مجرد تصور الأمر لتبدو بشاعته. إنما نتساءل فقط عن السبب في نسبة مثل هذه الأمور إلى سيد الخلائق أجمعين وفي كتب يفترض أنها صحاح.
وهذا حديث آخر في أحوال موسى بن عمران يرويه البخاري في ج2، ص113، وسلم في كتاب الفضائل في فضائل موسى بن عمران (عليه السلام).
حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوُس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال أرسل ملك الموت إلى موسى (عليهما السلام) فلمّا جاءه صكّه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال أرجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكلّ ما غطّت به يده بكلّ شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عن الكثيب الأحمر.
157- (2372) وحدّثني محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدّثنا) عبد الرزّاق، أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أرسل ملك الموت إلى موسى (عليه السلام). فلمّا جاءه صكّه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه. فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطّت يده بكل شعرة، سنة. قال: أي رب! ثم مه؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدّسة رميةً بحجر، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فلو كنت ثم، لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، تحت الكثيب الأحمر).
تصوّر إمكانية ضرب ملك وهو نور، وتصور نبياً من أولي العزم يضرب ملكاً مقرباً لا لذنب ارتكبه.
ومنها هذا الحديث الذي يدرّس في المدارس يرويه مسلم في صحيحه في باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره (صلّى الله عليه وآله) من معايش الدنيا.
141- (2363) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، كلاهما عن الأسود بن عامر، قال أبو بكر: حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، وعن ثابت، عن أنس، أن النبي (صلّى الله عليه وآله) مرّ بقومٍ يلقّحون. فقال: (لو لم تفعلوا لصلح) قال فخرج شيصاً، فمرّ بهم فقال: (ما لنخلكم؟) قالوا: قلت كذا وكذا. قال: (أنتم أعلم بأمر دنياكم).
بالله عليكم هل يوجد شخص يبلغ الخمسين وأكثر من العمر لا يعرف أن النخيل يلقح ليثمر! وما المقصود من التركيز عليه، الله أعلم وإن كان من المحتمل قوياً أنه لضرب ما يقننه النبي للناس من أمور الخلافة والسياسة، وطرحها باعتبار أن الناس أكثر فهماً لها.
الحديث الآخر الذي يقول: إن الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان متمدداً وعنده جوار يغنين ويضرب الدفوف فيدخل أحد الصحابة ويقول: أمزمارة الشيطان عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقول له النبي: دعهن.. الخ.
ونسأل: إن كانت فعلاً هذه مزمارة الشيطان فكيف يرضى النبي (صلّى الله عليه وآله) بسماعها، وإن لم تكن فلماذا ينهى عنها الصحابي ويسمّيها بهذا الاسم؟ وهذا هو نص الحديث.
باب الحراب والدرق يوم العيد
حدثنا أحمد قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو أن محمد بن عبد الرحمن الأسدي حدثه عن عروة عن عائشة قالت دخل عليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعندي جاريتان تغنيّان بغناء بُعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي (صلّى الله عليه وآله) فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: دعهما. فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإمّا سألت النبي (صلّى الله عليه وآله) وإما قال تشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه خدّي على خدّه وهو يقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي.
10ـ الشفاعة
من المعلوم أن إثبات حكم أو نفيه يحتاج إلى دليل، فإذا قال قائل: هذا يجوز، عليه إقامة الدليل، وإذا قال: لا يجوز عليه إقامة الدليل أيضاً، ومن الأمور التي قام عليها الدليل من القرآن والسنة مسألة الشفاعة، فالقرآن الكريم يصرح بذلك في أكثر من مورد، يقول سبحانه: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) (24)، ويقول سبحانه: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى) (25)، ويقول سبحانه: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (26).
إذن فمن أذن الله له ومن ارتضى ومن اتخذ عند الرحمن عهداً يشفع. وأما السنة: يروي البخاري في صحيحه هذا الحديث:
باب قول النبي (صلّى الله عليه وآله) جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
حدثنا محمد بن سنان قال حدّثنا هشيم قال حدّثنا سيّار هو أبو الحكم قال حدثنا يزيد الفقير قال حدّثنا جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيماً، رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصّة، ويبعث إلى الناس كافةً، وأعطيت الشفاعة. صحيح البخاري، ج1، ص119.
هذا إلى جانب روايات أهل البيت (عليهم السلام) الناصة على هذا الأمر، وأن الشفاعة لا تختص بالأنباء والأئمة (عليهم السلام)، وإنما هناك من المؤمنين من يشفع أيضاً، فهل بعد القرآن وأحاديث الرسول من شيء؟
كل من ينكر الشفاعة ينكر القرآن وينكر الأحاديث الواردة من الفريقين فهو منكر للدين أيضاً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
11ـ السجود على التربة الحسينية
جاءت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تحث وتلزم بالسجود على الأرض أو ما أنبتته ـ غير المأكول والملبوس والمعادن ـ فالسجود إنما يصح على الأرض كالتراب والحصى والرمل والحجر ونحوها أو ما أنبتته الأرض كالخشب والحشائش وورق الأشجار والحصر والقراطيس ونحوها، أما المأكول كالفواكه والحبوب والملبوس كالقطن والصوف والكتان والمعادن كالحديد والنحاس والفضة فكلها لا يصح السجود عليها.
كما مر في بحث الشفاعة السابق الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أعطيت خمساً لم يعطهن الأنبياء قبلي... إلى قوله: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.
فالأرض إذن هي محل السجود ولو جاز السجود على غيرها لما كان لذكرها مزية، ولننظر الآن ما كان يفعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والصحابة في عهده.
كان المسجد النبوي مفروشاً بالحصى والتراب لا غير، ولم تكن به بسط أو فراش آخر. لماذا؟ ألم تكن في ذلك الزمان أفرشة؟ وهل كان الناس يجلسون في بيوتهم على الأرض؟ نعم كانت الأفرشة موجودة لكن لما وجب السجود على الأرض بقي المسجد بلا فراش. هذا وجه زيادة في تأكيد الأمر، روى البخاري أنه كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) خمرة يسجد عليها في بيته إذا أراد الصلاة، والخمرة أما هي الحصيرة المدورة، أو طين مجفف على شكل دائرة، ونحن نعلم أن فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حجة كقوله وتقريره، وواضح أنه لو جاز السجود على غير الأرض لسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فراش منزله، وهذا هو الحديث بل هما حديثان:
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال قوموا فلأصلّ لكم قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبس فنضحته بماء فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصففت واليتيم وراءه والعجوز من وراءنا فصلى لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ركعتين ثم انصرف.
باب الصلاة على الخمرة
حدّثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يصلّي على الخمرة. صحيح البخاري، ج1، كتاب الصلاة
باب إذا أصاب ثوب المصلّى امرأته إذا سجد
حدّثنا مسدّد عن خالد قال حدّثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يصلّي وأنا حذائه وأنا حائض وربما أصابني ثوبه إذا سجد قالت وكان يصلّي على الخمرة.
وحينئذ نقول: كلما سجد الإنسان على أرض ذات مزية وشرف كان ذلك أفضل من السجود على غيرها، ألا ترى أن السجود على أرض مكة أو المدينة أفضل وأقرب إلى القبول، وقد وردت روايات متعددة تدل على أن السجود على تربة الحسين (عليه السلام) ذو فضل ومزية وأنه يخرق الحجب السبع ـ ولعله إشارة إلى قبول العمل ـ لذا التزمنا بالسجود عليها مع تجويزنا للسجود على مطلق الأرض وما أنبتته باستثناء ما مر سابقاً. ومن السخف العجيب قول البعض أن هذا كعبادة الوثن مع أن العبادة تكون للشيء لا عليه، وهل رأيت إلهاً يسجد عليه؟ إذن فالسجود على التربة المقدسة إضافة إلى كونه سجوداً على الأرض وهو منتهى الخضوع فيه من الأجر الشيء الكثير.
12ـ التقية
يقول سبحانه بعد النهي عن ولاية الكفار: (إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (27).
ويقول تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ) (28).
ويقول عزّ وجلّ: (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (29).
نعم، نحن نعتقد بالتقية، أي كتمان العقيدة عمن نخاف ضرره لو علم بها.
وهذا يفعله كل عاقل. فلو كان مسلماً صار بين اليهود أو النصارى وخافهم على نفسه فإنه بالطبع يكتم عنهم، وقد يظهر لهم كلمة الكفر، ولا بأس عليه في ذلك. هذا ما فعله عمار بن ياسر عندما عذبه المشركون، فأظهر لهم كلمة الكفر اضطراراً، وجاء أناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالوا: يا رسول الله إن عماراً قد كفر.
قال (صلّى الله عليه وآله): لا، إن عماراً قد ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه، ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعمار: إن عادوا لك فعد لهم، أي أظهر لهم كلمة الكفر.
هذه القصة ينقلها كل المفسرين عند تعرضهم لقوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ).
نقول للذين يعترضون علينا في أمر التقية: أنتم تفعلونها كل صباح ومساء.
أنتم ترون النساء السافرات في الأسواق، فلم لا تأخذون العصي وتنهونهن عن ذلك؟ تخافون من العقاب ومن السلطة، أليس هكذا؟ إذن اتقيتم.
هذه هي التقية، يقولها القرآن، ويحكم بها العقل، وتنص عليها الروايات، ويفعلها حتى المعترض عليها، بل فعلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيث لم يهدم بنيان الكعبة لحداثة الناس بالإسلام. ثم ألم تكن دعوة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في أول أمرها سرية ثم نزل قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر) فأعلنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لماذا كانت سراً أول أمرها، أليس ذلك تقيّة من الكفار.
إليك عدة أحاديث في مسألة هدم الكعبة، ففي صحيح البخاري، ج2، كتاب الحج:
الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت النبي (صلّى الله عليه وآله) عن الجدر أمن البيت هو، قال نعم، قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت، قال إن قومك قصّرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعاً قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض.
حدّثنا عبيد بن إسماعيل حدّثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم (عليه السلام) فإن قريشاً استقصرت بناءه وجعلت له خلفاً قال أبو معاوية حدّثنا هشام خلفاً يعني باباً.
حدّثنا بيان بن عمرو حدّثنا يزيد حدّثنا جرير بن حازم حدّثنا يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لها يا عائشة لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين باباً شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه قال يزيد وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر وقد رأيت أساس إبراهيم حجارةً كأسنمة الإبل قال جرير فقلت له أين موضعه قال أريكه الآن فدخلت معه الحجر فأشار إلى مكان فقال هاهنا قال جرير فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها.
13ـ تسمية بعض أبناء الأئمة (عليهم السلام) بأسماء معينة
هناك أسماء لبعض أبناء أهل البيت (عليهم السلام) يحاول البعض اتخاذها ذريعة لنفي وجود عداء وخلاف بين أهل البيت (عليهم السلام) وبين أشخاص لهم تلك الأسماء.
يقولون: لو كان هناك عداء فلماذا أسموا أبناءهم بأسمائهم، أو ليس هذا دليل محبتهم لهم؟ وهذا في الحقيقة من أسخف أنواع الاستدلال، لكن ـ مع هذا ـ ينطلي على بعض السذج، ولابد من الإجابة عليه.
هناك أسماء تشيع وتكثر في المجتمعات، ففي هذا المجتمع مجموعة معينة وفي ذاك المجتمع مجموعة أخرى وهكذا، وهذا موجود إلى اليوم، ولو سألت شخصاً من بلد معين عن الأسماء المشهورة في بلده لذكرها لك فوراً. وأنت أيها القارئ لو سألت عن الأسماء المشهورة في بلدك لذكرت عدة منها.
وبعض الأسماء التي سمي بها أبناء الأئمة (عليهم السلام) كانت مشهورة في الجزيرة العربية وليس في التسمية بها أي ارتباط بحب أو بغض للمسمى بها من الآخرين. مثلاً لو كان عندك عدو اسمه محمود، ثم صار لك ولد وسميته محمود، فهل يعني هذا أنك تحب عدوك؟ من الواضح أنه ليس كذلك وإنما تحب الاسم فقط ولعل هذا من الواضحات. هذه هي القضية لا أكثر ولا أقل، فهل نترك التاريخ والأدلة لأجل هذه الإشكالات السخيفة.
14ـ الإمامة والولاية
من أهم الفروق بيننا وبين غيرنا قولنا بإمامة أئمة منصوبين من قبل الله عزّ وجلّ وعدم قبول غيرنا بذلك، بل لعله الفارق الأساسي الذي منه تفرّعت بقية الاختلافات باعتبار أخذنا لأحكامنا عن طريق الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وأخذ الغير لأحكامه من طرق أخرى.
المسألة مفصلة ومبحوث عنها بتفصيل في كتب ضخمة، لكنا نقتصر هنا على شيء موجز نرجو أن ينتفع به من أراد الله نفعه.
يقول سبحانه مخاطباً الملائكة: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (30).
ويقول سبحانه مخاطباً داود (عليه السلام): (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) (31).
ويقول سبحانه مخاطباً إبراهيم (عليه السلام): (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (32).
ويقول سبحانه: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) (33).
لاحظ كلمة الجعل المتكررة في الآيات الكريمة، فإنها نص في أن الخلافة منصب يجعله الله سبحانه لمن يشاء من خلقه وأن الإمامة منصب يعطيه الله تعالى من يراه أهلاً لذلك. فالإمامة والخلافة ليستا مجرد سيطرة شخص على مقاليد الأمور وجلوسه على الكرسي ثم إصدار الأمر والنهي.
إنهما رتبة مجعولة من الشرع، وتعني أن لصاحب هذه الرتبة ولاية على الناس باعتباره إمامهم ويجب على المأمورين اتباعه.
لو قال شخص للناس أنا أبوكم، هل يكون له منصب الأبوة ورتبتها، وهل يكون ولياً كالأب؟ قطعاً لا، فالأبوة واقع حقيقي لا مجرد ادعاء.
كذلك الإمامة والولاية واقع، وليستا مجرد سيطرة شخص، سواء أكانت سيطرته بالقوة أو بالانتخاب أو بأي شكل آخر.
ومعنى الواقع أنه حقاً ولي بجعل من له الجعل وهو الشارع المقدس فيمكنه أن يتصرف في نفوس الناس وأموالهم حسب ما يراه صالحاً، كل ذلك لأنه ولي أمرهم، أما غيره فليس ولياً ليتصرف.
يقول سبحانه: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (34).
الخطاب مع المؤمنين، وهل يصح أن يقول: أيها المؤمنون إن المؤمنين أولياؤكم؟ ثم هذه الولاية المجعولة للذين آمنوا مساوقة لولاية الله ورسوله لأنها في نفس السياق، وأي مؤمن له هذه الولاية؟ لابدّ أنه فرد مخصوص جاءت الآية معينة لهذا الفرد ألا وهو ذلك الشخص الذي أقام صلاته وأتى زكاته وهو راكع فمن هو؟
لم يدع هذا الأمر إلا لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، وبذلك نطقت روايات الشيعة والسنة، لاحظ تفاسير الفريقين.
قد تجد في التفاسير الأخرى من يقول: قيل نزلت في فلان وقيل في فلان، لكنه مجرد قيل، عار عن الدليل، فما قيمته، إنما القيمة للرواية المسندة المعنعنة.
ثم أي شخص تدعى له الولاية ـ غير أمير المؤمنين ـ فالادعاء له مرفوض بالإجماع، إذ لم تقم له إلا حكومة وسيطرة أما بالقوة أو بالانتخاب من الناس، وهذا ليس ولاية شرعية، ألا ترى أنه لو انتخب الناس شخصاً ليكون ولي أمورهم فإنه لا يكون كذلك حقاً إلا بموافقة الشرع له؟ لذا يمكنهم ويحق لهم عزله ولو كان ولياً شرعياً لما صح لهم ذلك.
روت الصحاح حديث المنزلة وهو نص في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإليك الحديث:
(...) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا غندر عن شعبة، ح وحدّثنا محمد بن المثنّى وابن بشّار، قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، سمعت إبراهيم بن سعد عن سعد، عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال لعلي: (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى).
صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة
44- كتاب فضائل الصحابة، باب 4، حديث 30-31
30- (2404) حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر، محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريج بن يونس، كلهم عن يوسف بن الماجشون (واللفظ لابن الصباح)، حدّثنا يوسف، أبو سلمة الماجشون، حدثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعلي: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي).
قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً، فحدّثته بما حدثني عامر، فقال: أنا سمعته فقلت: أأنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على إذنيه فقال: نعم، وإلا فاستكّتا.
31- (...) وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا غندر عن شعبة، ح وحدّثنا محمد بن المثنّى وابن بشّار، قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن الحكم، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: خلّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب، في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي).
32- (...) حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد (وتقاربا في اللفظ) قالا: حدّثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل) عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم. سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول له، خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي) وسمعته يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله) قال فتطاولنا لها فقال: (ادعوا لي عليّاً) فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الرّاية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (35) دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: (اللهم هؤلاء أهلي).
ولننظر الآن منزلة هارون من موسى في القرآن الكريم:
يقول تعالى عن لسان موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) الخ...
يقول تعالى رداً عليه: (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (36).
إذن جعل الله تعالى هارون وزيراً لموسى، وشد به أزره، وأشركه في أمره، بالإضافة إلى نبوته وأخوته.
وقد أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأمر الله عزّ وجلّ ـ لأنه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى) ـ أعطى كل هذه المناصب لأمير المؤمنين واستثنى منها النبوة فعلي (عليه السلام) وزير رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأخوه، وشريكه في أمره أؤكد على كلمة (وشريكه في أمره) ومعنى الشراكة في الأمر أن تبليغ أمر الوحي راجع إليهما، فهما المبلغان للدين والوحي، بمنزلة الشخص الواحد. وهذا بالضبط ما يعطيه قوله تعالى: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) حيث دعا الرسول: (الزهراء والحسنين وأمير المؤمنين)، فالأبناء: الحسنان، والنساء، الزهراء، والأنفس: أمير المؤمنين ولو لم يكن هو المقصود لكان إخراجه معه بلا مبرر وبلا تطبيق للآية.
روى أحمد بن حنبل بالسند الصحيح في مسنده قوله (صلّى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فعلي مولاه) ومعلوم أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مولى كل الخلق، إذن فأمير المؤمنين مولى كل الخلق. والمفهوم من المولى هنا الولاية والأولوية بهم منهم أنفسهم. وهل يحق لأحد أن يتقدم على مولاه، هل يجوز لأحد أن يتقدم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، طبعاً لا يجوز. فإذن لا يجوز ذلك بالنسبة لأمير المؤمنين (عليه السلام).
روى البخاري ومسلم أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش وهذا نص ما روياه:
بابٌ
حدّثني محمد بن المثنّى حدّثنا غندر حدّثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: يكون اثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال: كلّهم من قريش.
هذا ما رواه البخاري كتاب الأحكام، ج1، ص101.
أما ما رواه مسلم فهو بعدة أسانيد هي:
33- كتاب الأمارة، باب1، حديث (4-6)
4- (1820) وحدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدّثنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه، قال: قال عبد الله: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لا يزال هذا الأمر في قريش، ما بقي من الناس اثنان).
5- (1821) حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا جرير عن حصين، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: ح وحدّثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي (واللفظ له) حدّثنا خالد (يعني ابن عبد الله الطحّان) عن حصين، عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي (صلّى الله عليه وآله) فسمعته يقول: (إنما هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فهيم اثنا عشر خليفة) قال: ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، قال فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلّهم من قريش).
6- (...) حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن جبار بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً) ثمّ تكلّم النبي (صلّى الله عليه وآله) بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فقال: كلّهم من قريش.
33- كتاب الأمارة، باب1، حديث (6-10) حديث
(...) وحدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله). بهذا الحديث. ولم يذكر (لا يزال أمر الناس ماضياً).
7- (...) حدثنا هدّاب بن خالد الأزدي. حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثنى عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: (كلّهم من قريش).
8- (...) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا أبو معاوية عن داود، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة. قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى أثنى عشر خليفة). قال: ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه. فقلت لأبي: ما قال؟ (كلّهم من قريش).
9- (...) حدّثنا نصر بن علي الجهضمي، حدّثنا يزيد بن زريع حدّثنا ابن عون، ح وحدّثنا أحمد بن عثمان النوفلي (واللفظ له) حدّثنا أزهر، حدّثنا ابن عون عن الشعبي، عن جابر بن سمرة. قلا: انطلقت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعي أبي. فسمعته يقول: (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثنى عشر خليفة) فقال كلمة صمّنيها (37) الناس. فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلّهم من قريش).
10- (1822) حدّثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة. قالا: حدّثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل) عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة، مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: فكتب إليّ: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يوم جمعة، عشيّة رجم الأسلمي، يقول: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش) وسمعته يقول: (عصيبة (38) من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض).
وهذا الحديث المعتبر السند نص في إمامة اثنى عشر شخصاً بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فمن هم؟ وهل ذكرت أسماء معينة بهذا الصدد لأشخاص؟ نعم، ذكرت الأسماء المباركة للائمة الاثني عشر وهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي، جعفر بن محمد، موسى بن جعفر، علي بن موسى، محمد بن علي، علي بن محمد، الحسن بن علي، الحجة المهدي المنتظر بن الحسن. عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. هؤلاء هم الأئمة الذين اعتقدنا بهم وبإمامتهم ولم يدع أحد إمامة شرعية منصوصة من قبل الله عزّ وجلّ ـ لغيرهم، فتعينت فيهم (عليهم السلام). روت كتب الصحاح عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله: إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. لاحظ أنه (صلّى الله عليه وآله) جعل أهل بيته عدلاً للكتاب، ولم يجعل غيرهم. يكفي هذا والتفصيل في الكتب المطولة.
15ـ سبب نزول (عَبَسَ وَتَوَلَّى)
هناك قولان في سبب نزول آيات سورة عبس، فالمفسرون من غير الشيعة يقولون أنها في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنه عبس لما رأى الأعمى ابن أم مكتوم، فنزلت الآيات تبكيتاً له (صلّى الله عليه وآله)، أما الشيعة فيقولون ـ تبعاً للروايات ـ إن الآيات نازلة في رجل معين من الصحابة هو الذي عبس وتولى.
نحن ندري أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان أعظم الناس أخلاقاً وقد صرح بذلك القرآن الكريم حيث يقول سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (39)، ويقول سبحانه: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (40)، ويقول سبحانه: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (41).
فهل يصدق أحد بعد هذه الآيات كلها أن يعبس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في وجه أعمى قد جاء ليتعلم معالم دينه؟ هذه واحدة.
ثم لنقرأ بقية الآيات الكريمة: (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (42).
تقول الآيات: إنك تهتم بالغني وتتصدى لاستقباله وليس يهمك أنه لا يتزكى المهم أنه غني ذو مال، تصور أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يبيت الأيام طاوياً جائعاً بعد أن ينفق كل ما يملك في سبيل الله عزّ وجلّ هذا الرسول يهتم بالناس ويوقرهم لأنهم أغنياء ولو كانوا فسقة، ويحتقر الفقراء لأنهم فقراء ولو كانوا أخياراً، هل هذه صفات النبوة؟ هل يرضى شخص أن يكون نبيه بهذه المواصفات.
أذكر حادثة جرت مع شخص يعتقد أن الآيات نازلة في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان يؤكد ذلك ويصر عليه ويعتبر أن الدفاع عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، بهذه الأمور مجرد عواطف - كما يقول - ثم قال: إذا لم تكن الآيات نازلة في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ففيمن نزلت إذن، قلت: نزلت في فلان رجل معين من شخصيات الصحابة ـ فغضب الرجل غضباً شديداً وقال: أتتهم رجلاً من الصحابة بمثل هذه التهمة؟ هنا أدع للقارئ التعليق على هذا الأمر، وليتصور أن سيد الخلق وأعظمهم يمكن أن ينسب إليه هذا الكلام أما شخص معين من الصحابة فلا يمكن أن يصدر منه هذا العمل فهل أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أقل شأناً من أحد الصحابة؟ هل تصل الحال بالمسلم أن يرضى بتوجيه النقد والذّم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا يرضى به بالنسبة لشخصٍ من الناس؟
16ـ الصحابة
الصحابي هو من عاش في عصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي مدينته، أو هو من رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسمع حديثه.
هل مجرد كون الإنسان صحابياً يعطيه فضلاً على غيره؟ الجواب: لا. إذ يقول سبحانه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (43). إذن المناط التقوى، ولا ربط لنسب أو حسب أو زوجيّة أو صحبة في الكرامة عند الله عزّ وجلّ، التقوى لا غير هي المهم، ثم إن الصحبة أمر غير اختياري ولا يصح جعله سبباً للفضل، لأن لكل مسلم أن يقول: إلهي لِم لَم تجعلني صحابياً لأنال الفضل؟
يقول سبحانه: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) (44).
إذن كان في المدينة أناس منافقون، مردوا على النفاق، وليسوا فقط عبد الله بن أبي وجماعته لأنهم معلومون، والآية تقول: (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (45)، هؤلاء كلهم صحابة لأنهما رأوا رسول الله وسمعوا حديثه. يقول سبحانه: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (46).
هذه الآية في سورة اسمها سورة المنافقون. تصور كثرتهم حتى نزلت سورة باسمهم، والقرآن مشحون بذكر المنافقين. إن قيل: نقصد الصحابة الأخيار.
قلنا: لماذا إذن تصلون على النبي وصحبه من دون تخصيص، وينبغي أن تقولوا: وصحبه الأخيار.
لماذا تغضبون إذا ذمّ أحدٌ صحابياً وتقولون هذا صحابي فكيف تذمه، المفروض أن ليس الصحابي دائماً خيّراً، وربما كان الذم للمنافق منهم. لماذا تنسبون إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) هذا القول: (أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم)، على أساس أن المقصود بالأصحاب كلّ من رأى الرسول (صلّى الله عليه وآله) وسمع حديثه.
إليك هذا الحديث من صحيح البخاري، ج8، باب في الحوض، ص148.
باب في الحوض، وقول الله تعالى: (إنّا أعطيناك الكوثر)، وقال عبد الله بن زيد قال النبي (صلّى الله عليه وآله) اصبروا حتى تلقوني على الحوض حدّثني يحيى بن حمّاد حدّثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنا فرطكم على الحوض (وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، تابعه عاصم.
لاحظ كلمة (أصحابي) وكلمة (أحدثوا بعك) فمن هؤلاء؟ وماذا أحدثوا؟ المفروض عند غيرنا أن كل الأصحاب بقوا على الخير وعدم التغيير فمن هؤلاء المحدثون؟ يقولون: من سب أحد الصحابة فهو كافر، أو يجب قتله.
ونسأل أولاً: ما الدليل على كفره وقتله؟ هل هناك آية أو حديث يدل على ذلك؟ أم هو مجرد ادعاء؟
ثانياً: لو سبّ أحدٌ شخصاً مسلماً ـ ولنفرضه خيّراً متديّناً ـ هل يوجب هذا كفره أو قتله؟ وكم من السباب يجري اليوم بين المسلمين، فهل كفروا؟
ثالثاً: معلوم تاريخياً أن الصحابة كانوا يختلفون فيما بينهم وربما تسابّوا، بل وصل الأمر إلى ما هو أكثر من السباب ألا وهو التقاتل فيما بينهم فلم لم تكفّروهم؟ هذا معاوية ممن سب أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر ـ ولا زال هناك أناس لا يرضون بلعنه ـ فلم لم يكفّر مع أنه سب أعظم الخلق بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهذا طلحة والزبير حاربا إمامهما وكلهم صحابة فلم لم يكفرا، وهل المحاربة والمقاتلة أقل شأناً من السبّ واللعن (وهذا نفس الحديث السابق من صحيح مسلم كتاب الفضائل).
32- (2297) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وابن نمير، قالوا: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أنا فرطكم على الحوض ولأنازعنّ أقواماً ثم لأغلبنّ عليهم، فأقول: يا رب أصحابي، أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
يقولون: أولئك اجتهدوا.
عجيب الصحابة كلهم مجتهدون، لماذا؟ وعلى أي أساس؟
ربما نقبل افتراضهم أخياراً ذوي فضل برية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أما أنهم مجتهدون فلماذا؟ ألم يكن فيهم البقال والحمّال والجمّال والبنّاء والنجّار وكل مهنة فهل هؤلاء كلهم مجتهدون؟
ثم هذا الذي يذمهم اليوم يمكنه أن يقول: أنا أيضاً مجتهد في رأيي اجتهدت ورأيت أن أذمهم فلماذا ألام؟
لابدّ من نظرة عقلانية بعيدة عن التعصب والهوى والرغبة في إثبات الرأي ولو كان باطلاً لأنّ هذا دين وبعده حساب الآخرة فماذا ينفع العناد والمكابرة.
ثم الأحاديث الواردة في الصحيحين والتي هي بمضمون الحديثين السابقين كثيرة جداً اقتصرنا على الاثنين لعدم الإطالة.
17ـ مصحف فاطمة (عليها السلام)
ورد في الروايات أنه لما توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حزنت السيدة الزهراء (عليها السلام) حزناً شديداً، فأرسل الله تعالى إليها ملكاً لتسليتها، فكان هذا الملك يخبرها بما يكون في مستقبل الزمان، فكانت (عليها السلام) تتسلّى وتأنس بهذه الأخبار. وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يكتب ما يقوله ذلك الملك حتى اجتمع منه مثل مصحفكم ثلاث مرات على بعض الروايات ـ وليس في بعضها كلمة ثلاث مرات ـ هذا هو مصحف فاطمة (عليها السلام)، كتاب فيه أخبار غيبية جاء بها ملك مقرب بأمر الله عزّ وجلّ. وهذا الكلام مكتوب في أمهات كتبنا وموضح بهذا التفصيل. ومع هذا يأتي من يتهمنا بأن لنا قرآنا غير القرآن الكريم. وهذا افتراء محض، لم يقل به أحد من الشيعة، والعجيب أنهم يفترون ذلك مع علمهم بأن مساجد الشيعة مليئة بالمصاحف وهي لا تختلف في حرف عما هو في أي مصحف آخر. وهذا نص الحديث من الجزء الأول من أصول الكافي، ص240 كتاب الحجة.
عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تظهر الزّنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أنّي نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام)، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيّه (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمها ويحدّثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلّما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.
18ـ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
سسبحان الله وتعالى. سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ) (47).
قال موسى (عليه السلام): (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) (48).
هذه الآيات الكريمة الدالة على تنزهه سبحانه عن الشبيه والنظير وعدم إمكان رؤيته عزّ وجلّ مطلقاً وأنه تعالى غير قابل للإدراك بالبصر لا أن هناك مانعاً فعلياً من ذلك ويمكن ارتفاعه يوم القيامة أو في الجنة مثلاً، هذه تكفي لتوجيه وتأويل الآيات التي قد يتوهم من ظاهرها الرؤية في يوم القيامة مثلاً كقوله سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (49)، كما أن الدليل العقلي قاطع وقائم على عدم جسميته سبحانه، واستحالة ذلك عليه فبالملازمة لا رؤية لأنها انعكاس نور العين على جسم معين.. سؤال: ما الدليل العقلي على عدم تجسمه سبحانه؟
الجواب:
أ. هو سبحانه خالق الأجسام فهل خلق نفسه.
ب. الجسم يحتاج إلى حيز من الفراغ والله سبحانه غني.
ج. الفراغ الذي يحتاج الجسم مخلوق فأين كان قبل خلق هذا الفراغ.
د. الجسم مركب من أجزاء وكل جزء يحتاج إلى أجزائه وهذا يعني الحاجة والله غني.
هـ. الجسم منحصر في مكان والله تعالى في كل مكان، وبعبارة أخرى ستخلو منه كل الأمكنة الأخرى لو انحصر في مكان معين.
و. لو كان جسماً لكان كسائر الأجسام والله تعالى ليس كمثله شيء.
دع عنك الاستدلالات العقلية وارجع إلى الوجدان، هل تعتقد أن الله سبحانه رب السماوات والأرض الذي ليس كمثله شيء ذو وجه ويدين ورجلين كأي إنسان؟
وإذا كان بشكل آخر زاد الطين بلة، بعضهم يقول: يأتي الرب يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر!! تصوّر أن القمر ـ وهو مخلوق من مخلوقات الله وجماد منفصل من الشمس ومجموعة صخور ـ يكون لله وجه مثله، يبدو أن القائل لم يجد أجمل من هذه الصورة فشبهه سبحانه وتعالى بها. نستجير بالله من سوء الفهم وكلال الفكر.
وبعضهم يروي أن الرب يضحك، يضحكه آخر من يخرج من النار، هنا من يروي أن الرب يدخل رجله في جهنم فتمتلئ وتقول: قط قط، على أساس أنها رجل ضخمة تسدّ كل فراغ في النار.
وهناك من يروي أنّه سبحانه يكشف عن ساقه يوم القيامة، كيف يكشفها؟ هل يلبس دشداشة أو بنطلوناً فيرفعه؟ إن هذا العجب، إليك هذه الروايات إن لم تصدق:
حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حرمي حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه فتقول قط قط.
حدثنا محمد بن موسى القطّان حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهديّ حدثنا عوف عن محمد بن أبي هريرة رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان، يقال لجهنم هل امتلأت، وتقول هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط.
حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي (صلّى الله عليه وآله) تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي ارحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذاب، أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ، حتى يضع رجله فتقول قط قط قط، فهناك تمتلئ ويزوى بعض إلى بعض ولا يظلم الله عزّ وجلّ من خلقه أحداً وأما الجنة فإن الله عزّ وجلّ ينشئ لها خلقاً، سبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كنّا جلوساً ليلة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
حدثنا آدم حدثنا ورقاء عن ابن عبيد الله عن إسرائيل عن أبي حصين عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما (عتل بعد ذلك زنيم) قال: رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة.
حدثا أبو نعيم حدثنا سفيان عن معبد بن خالد قال سمعت حارثة بن وهب الخزاعي، قال سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقل ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف متضعف لو اتسم على الله لأبرّه، ألا أخبركم بأهل النار كل عتلّ جوّاظ مستكبر (يوم يكشف عن ساق).
حدثنا آدم حدّثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول يكشف ربّنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً.
الحاقّة
عيشةٍ راضية يريد فيها الرضا، القاضية الموتة الأولى التي متُّها، ثم أُحيا بعدها، من أحد عنه حاجزين أحد يكون للجمع وللواحد. وقال ابن عباس: الوتين نياط القلب. قال ابن عباس: طغى كثر، ويقال بالطاغية بطغيانهم، ويقال طغت على الخزّان كما طغى الماء على قوم نوح.
(سأل سائل)
الفصيلة أصغر آبائه القربى إليه ينتمي من انتمى للشّوى اليدان والرجلان والأطراف، وجلدة الرأس يقال لها شواة، وما كان غير مقتل فهو شوىً، والعزون الجماعات وواحدها عزة.
وأحرقى ذكاؤها، فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزّتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال يا رب قدّمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت، فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك، فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره، فيقول لا، وعزّتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك يابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت، فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عزّ وجلّ منه، ثم يأذن له في دخوله الجنة، فيقول تمنّ فيتمنّى حتى إذا انقطع أمنيّته، قال الله عزّ وجلّ: من كذا وكذا أقبل يذكره ربّه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك مثله معه، قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا قوله لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله.
باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود
حدّثنا يحيى بن بكير قال حدّثني بكر بن مضر عن جعفر عن ابن هرمز عن عبد الله بن مالك ابن بحينة أن النبي (صلّى الله عليه وآله) كان إذا صلّى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه وقال الليث حدّثني جعفر بن ربيعة نحوه.
... وحدّثني محمد بن رافع، حدّثنا شبابة، حدّثني ورقاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (تحاجّت النار والجنّة، فقالت النار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم. فقال الله للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار: أنت عذابي، أعذّب بك من أشاء من عبادي. ولكلّ واحدة منكم ملؤها. فأما النار فلا تمتلئ. فيضع قدمه عليها، فتقول: قط قط. فهنالك تمتلئ. ويزوى بعضها إلى بعض.
19ـ الاستغاثة بالنبي والأئمة (عليهم السلام)
يعترض علينا إذا قلنا: يا علي أو يا فاطمة أو يا رسول الله اقضوا حاجتي. يقولون: كيف تستغيثون بخلق الله وتطلبون حوائجكم منهم؟
الجواب: هل تجوز الاستغاثة بإنسان عادي إذا وقع شخص في ورطة؟ لو وقعت في حفرة وناديت صديقك: يا فلان أخرجني: هل هذا حرام؟ لو قلت لإنسان اقض لي حاجتي الفلانية، هل هذا حرام؟ قطعاً لا، فلماذا تكون الاستغاثة بالنبي وأهل بيته، وطلب الحاجات منهم حراماً؟! هل هم أقل شأناً من الناس العاديين؟
إن قلت هؤلاء أموات فالجواب: قوله سبحانه: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (50)، وقوله سبحانه: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (51) إذا كان الشهيد حياً وهو أقل منزلة من النبي وأهل بيته كثيراً، فهل يكون النبي وآله أمواتاً؟! تقول الرواية إن رسول الله استغاث بأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما حاصره الكفار في أحد وفر الناس المدعون للإسلام لم يبق إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) مدافعاً وعدة أشخاص آخرين من غير الأسماء المشهورة ـ لأن ذوي الأسماء والشخصيات كانوا أول الهاربين ـ حينئذ ـ تقول الروايات: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ينادي يا علي ادفع عني هذه الكتيبة فيقوم أمير المؤمنين بدفعها، ثم يقول ادفع عني هذه الكتيبة وهكذا فينزل جبرئيل ويقول يا رسول الله إن هذه لهي المواساة فيقول الرسول (صلّى الله عليه وآله) إنه مني وأنا منه. فإذا كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يستغيث بأمير المؤمنين ويستعين به فلماذا لا نفعلها نحن؟!!
نضيف هنا أيضاً، أن الحرام يحتاج إلى دليل، والأصل الإباحة في الأشياء، فكل من يدعي الحرمة عليه ذكر الدليل عليها وإلا كان مفترياً على الله سبحانه.
هناك من يقول: لم لا نقول يا الله، وجوابه: نحن نقول: يا الله ونقول يا محمد ويا علي ويا فاطمة، وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فإذا قلت: يا الله، هل معناه لا يجوز أن أقول: يا علي.
ما الدليل عليه، أثبت قولك وإلا فأنت مفتر كذاب.
20ـ تحريف القرآن
دائماً توجه إلينا تهمة القول بتحريف القرآن، وفي الحقيقة ينطبق هنا المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت، ذلك أن الذي يتهمنا بذلك ـ لوجود بعض الروايات في الكتب ـ أو لأن عالماً من العلماء قال ذلك، هذا الذي يتهمنا لو راجع صحاح الكتب التي يعتمدها لوجدها تذكر أحاديث تدل على التحريف ولا يمكن التنصل منها لأنها في الصحاح حسب عقيدته وإليك بعضها.
119- (1050) حدّثني سويد بن سعيد، حدّثنا علي بن مسهر عن داود، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن. فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم، فاتلوه، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنّا نقرأ سورة، كنّا نشبّهها في الطول والشدة ببراءة، فنسيتها، غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها بإحدى المسبّحات. فأنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.
صحيح مسلم (باب) لو أن لابن آدم واديين لا تبغي إليهما ثالثاً.
إذا كان مجرد وجود الحديث عندنا يوجب الإشكال علينا فلماذا لا تستشكلون وجوده في صحاح ما تعتمدون؟
وهذه أحاديث أخرى:
صحيح مسلم كتاب الحدود، باب 3-4
باب (4)، رجم الثيب في الزنى
15- (1691) حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى. قالا: حدّثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنّه سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب، وهو جالس على منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن الله قد بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل عليه آية الرجم. قرأناها ووعيناها وعقلناها. فرجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ورجمنا بعده. فأخشى، إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال والنساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف.
فأنكر عليّ وقال ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلمّا سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث به حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب على إن الله بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا ثم إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله...
أما نحن فكثير من الروايات التي قد تفيد تحريفاً وزيادة إما ضعيفة السند أو أن لها تأويلاً ومعنى آخر غير ما يظهر منها، فهل يصح لمن عنده روايات صحيحة في نظره ـ تدل على التحريف ـ أن يعترض على روايات ضعيفة ومأولة؟ وهذا الذي ذكرناه من رواياتهم أقل القليل وإلا فجميعها يحتاج إلى كتاب مستقل.
هذه مساجدنا وبيوتنا مليئة بالمصاحف ونقرأها ليلاً ونهاراً، ثم يأتينا كل يوم من يتهمنا بتحريف القرآن!!
الفهرس
مقدمة
الجمع بين الصلاتين
المسح على الرجلين
الزواج المؤقت
وقت صلاة المغرب ووقت الإفطار
تقبيل الأضرحة والتبرك بها
إقامة المآتم والبكاء على أهل البيت (عليهم السلام)
الصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع ترك ذكر الآل
الثقلان: الكتاب والعترة
عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)
الشفاعة
السجود
التقية
تسمية بعض أبناء الأئمة (عليهم السلام) بأسماء معينة
الإمامة والولاية
سبب نزول (عبس وتولى)
الصحابة
مصحف فاطمة (عليها السلام)
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
الاستغاثة بالنبي والأئمة (عليهم السلام)
تحريف القرآن
الهوامش:
1- سورة الإسراء، الآية 78.
2- سورة المائدة، الآية 6.
3- سورة النور، الآية 32.
4- سورة المعارج، الآية 29.
5- سورة النساء، الآية 24.
6- (نكاح المتعة) قال الإمام النوويّ: الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين: فكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر. ثم أبيحت يوم فتح مكّة، وهو يوم أوطاس، لاتصالهما. ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة. واستمر التحريم. قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل. لا ميراث فيها. وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق. ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض.
7- (ألا نستخص) أي ألا نفعل بأنفسنا ما يفعل الفحول من سلّ الخصي ونزع البيضة بشق جلدها، حتى تخلص من شهوة النفس ووسوسة الشيطان.
8- سورة المائدة، الآية 87.
9- (القبضة) بضم القاف وفتحها، والضم أفصح. قال الجوهري: القبضة بالضم، ما قبضت عليه من شيء. يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر: قال: وربما فتح.
10- (عام أوطاس) هذا تصريح بأنها أبيحت يوم فتح مكة. وهو يوم أوطاس شيء واحد. وأوطاس واد بالطائف. ويصرف ولا يصرف فمن صرفه أراد الوادي والمكان، ومن لم يصرفه أراد البقعة، كما في نظائره. وأكثر استعمالهم له غير مصروف.
11- (كأنها بكرة عيطاء) أما البكرة فهي الفتية من الإبل، أي الشابة القوية، وأما العيطاء فهي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام، والعيط طول العنق.
12- سورة الإسراء، الآية 78.
13- سورة البقرة، الآية 187.
14- سورة الشورى، الآية 23.
15- سورة الحج، الآية 32.
16- سورة الحشر، الآية 7.
17- (خما) اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير مشهور يضاف إلى الغيضة، فيقال: غدير خم.
18- ثقلين قال العلماء: سيما ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل: لثقل العمل بها.
19- سورة آل عمران، الآية 159.
20- سورة الحجر، الآية 42.
21- سورة طه، الآية 121.
22- سورة طه، الآية 118.
23- سباطة قوم: السباطة هي ملقى القمامة والتراب ونحوهما، تكون بفناء الدور، لأهلها. قال الخطابي: ويكون ذلك في الغالب سهلاً منثالاً يخدّ فيه البول، ولا يرتد على البائل. قال ابن الأثير: وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لأنها كانت مواتاً مباحة.
24- سورة البقرة، الآية 255.
25- سورة الأنبياء، الآية 28.
26- سورة مريم، الآية 87.
27- سورة آل عمران، الآية 28.
28- سورة النحل، الآية 16.
29- سورة غافر، الآية 28.
30- سورة البقرة، الآية 30.
31- سورة ص، الآية 26.
32- سورة البقرة، الآية 124.
33- سورة السجدة، الآية 24.
34- سورة المائدة، الآية 55.
35- سورة النساء، الآية 61.
36- سورة طه، الآية 36.
37- صمّنيها: أي أصمّوني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام. قال في المصباح: لا يستعمل الثلاثي متعدياً. ونقل ابن الأثير، في النهاية، الحديث هكذا: أصمّنيها الناس أي شغلوني عن سماعها، فكأنهم جعلوني أصم.
38- عصيبة: تصغير عصبة، وهي الجماعة، أي جماعة قليلة من المسلمين.
39- سورة القلم، الآية 4.
40- سورة آل عمران، الآية 159.
41- سورة التوبة، الآية 128.
42- سورة عبس، الآيات 1-10.
43- سورة الحجرات، الآية 13.
44- سورة التوبة، الآية 101.
45- سورة التوبة، الآية 101.
46- سورة التوبة، الآية 1.
47- سورة الأنعام، الآية 103.
48- سورة الأعراف، الآية 143.
49- سورة القيامة، الآية 22-23.
50- سورة آل عمران، الآية 169.
51- سورة البقرة، الآية 154.
تأليف العلامة السيد عبد الله العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة مسائل خلافيّة يكثر السؤال عنها، كتبتها مع الإشارة إلى الدليل الذي نعتمده فيها. درءاً للشبهات وإزالة لما يعلق في أذهان الكثيرين من تصوّرات خاطئة حولها.
وقد ذكرت فيها على الأغلب الدليل القرآني والروائي المنقول في أمهات الكتب المعتمدة عند من نناقشهم في المسألة، كما اعتمدت على الوجدان والبديهة التي توجد عند كل من يصفي ذهنه عن الشوائب ويبغي الوصول إلى الحقائق والوقائع. أسأله سبحانه أن يجعل فيها النفع والفائدة بمحمد وآله الأطهار. هذا وقد سميته (بعض المسائل الخلافية المعروفة).
1ـ الجمع بين الصلاتين
من المسلّم به أن هناك خمس فرائض واجبة في اليوم والليلة هي فرائض: (الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء). ومن المتفق عليه أن لهذه الفرائض أوقاتاً معينة تؤدى فيها. إنما الكلام في هذه الأوقات بداية ونهاية. والمرجع فيها الدليل من القرآن والأحاديث.
أما القرآن الكريم فإنه يقول: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (1) ومن الواضح في الآية الكريمة أنها تتعرض لثلاثة أوقات هي:
أ. دلوك الشمس.
ب. غسق الليل.
ج. قرآن الفجر.
ولو كانت الأوقات خمسة لكان اللازم ذكرها، لأن الآية في معرض بيان الأوقات.
إذن الأوقات ثلاثة وإن كانت الفرائض خمسة.
فدلوك الشمس وقت للظهر والعصر.
وغسق الليل وقت للمغرب والعشاء.
وقرآن الفجر وقت لصلاة الصبح وهذا واضح جداً.
وأما الروايات فقد تعددت عن أهل البيت (عليهم السلام) بالدلالة على جواز الجمع بين الفرائض (الظهر والعصر)، (المغرب والعشاء) مثل قوله (عليه السلام): إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه. وتجد هذه الروايات في كتب الحديث كالكافي والتهذيب وغيرها.
هذا ما عندنا، أما ما عند غيرنا، فقد روى مسلم في صحيحه هذا الحديث:
(6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (6)، حديث (50-54)
50- (...) وحدّثنا أحمد بن يونس وعون بن سلاّم جميعاً عن زهير، قال ابن يونس: حدثنا زهير، حدّثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال صلّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوفٍ ولا سفر.
قال أبو الزبير: فسألت سعيداً: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني. فقال أراد أن لا يحرج أحداً من أمته).
وهذا الحديث صحيح ومعتبر عندهم والمفروض أن يعمل به فما وجد تركه؟ أذكر حادثة جرت قبل سنوات قليلة، حيث جمع أحد الأئمة صلاتي المغرب والعشاء بسبب المطر، فكتب شخص في صحيفة (الوطن) يعترض عليه بأن المطر كان قليلاً والوسائل موفرة فما الداعي إلى الجمع. حينها انهالت الردود على الكاتب في نفس الصحيفة، وكلها تقريباً كان يستند إلى الحديث السابق على أساس دلالته على جواز الجمع ولو بلا سبب، وحينئذ لا وجه للاعتراض علينا بالجمع، بل هو الحق الذي ينبغي اتّباعه.
وهذان حديثان آخران فانظرهما:
6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (6)، حديث (54-57)
حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطر. (في حديث وكيع) قال قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمّته.
وفي حديث أبي معاوية، قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يخرج أمّته.
7-كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (6-8)، حديث (58-62)
58- (...) وحدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا وكيع، حدّثنا عمران بن حُدير عن عبد الله بن شقيق العقبلي، قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة. فسكت. ثم قال: الصلاة، فسكت. ثم قال: الصلاة فسكت. ثم قال: لا أمّ لك، أتعلّمنا بالصلاة؟ وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
2ـ المسح على الرجلين في الوضوء
نحن نمسح على الرجلين في الوضوء وغيرنا يغسلهما.
نحن نتمسك بقوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (2)، بعد قوله سبحانه: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ).
الآية واضحة الدلالة يفهمها كل من يقرؤها، (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) يقولون إن كلمة (َأَرْجُلَكُمْ) منصوبة، وهذا يعني أنها معطوفة على كلمة (وجوهكم) في أول الآية، فيجب غسل الرجلين.
والجواب: هذا خطأً نحوياً، للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، إذ ما معنى أن يراد غسل الرجلين ثم يفصل بينه وبين غسل الوجه بمسح الرأس؟
وخطأ عقلاً: لإيجابه البلبلة في المعنى وبالتالي الإغراء بالجهل.
وخطأ عرفاً: إذ لا يفهم أحد هذا المعنى لو قرأ الآية.
ما أحسن قول من قال: عطف الأرجل على الوجوه من أقبح الوجوه.
إذن ما وجه النصب؟ الجواب: أنه عطف على محل (بِرُؤُوسِكُمْ) في محل نصب على المفعولية، وأصله: امسحوا رؤوسكم وأرجلكم. وليعلم أن هناك قراءة بكسر لأم الأرجل فلا تبقى شبهة حينئذ.
أعود فأقول: بلا رجوع إلى النحو والصرف فإن كل من يقرأ الآية يفهم هذا المعنى.
وما يفهمه العرف من ظاهر القرآن حجة، وأيّ داع إلى توجيهات وتمحلات لا يقبلها الفهم الطبيعي ولا الدليل النحوي أو العقلي؟ والأنكى من هذا أن الذين يصرون على غسل الرجلين يقولون: لو كنت تلبس حذاءً أو خفّاً فامسح على الحذاء والخف، مع أن الآية الكريمة تقول: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ولم تقل وأحذيتكم أو أخفافكم، سبحان الله! لا يجوز المسح على الرجل ويجوز على الحذاء.
هل المنصوص عليه في القرآن مرفوض وغير المذكور فيه مقبول؟
3ـ الزواج المؤقت
من المعلوم أن الزواج سنة شرعية، وأنه عقد قائم بطرفين، له إيجاب وقبول، وأنه قابل للقيد والشرط، فيقال تزوج فلان بفلانة على شرط كذا وكذا.
وحينئذ فإن أطلق العقد ولم يقيد بمدة معينة كان دائماً، وإن اشترطت فيه المدة كالسنة والشهر كان مؤقتاً.
فالعقد المؤقت هو عقد زواج اشترط فيه شرط هو المدة المعينة، فأي إشكال فيه؟ إذن كل الآيات التي تتحدث عن الزواج تشمله.
كقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) (3).
فهذا نكاح، وكقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ) (4).
وهذا زواج، مثله مثل الدائم تماماً، فيه إيجاب وقبول، تقول المرأة: زوجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدة كذا، فيقول الرجل: قبلت التزويج لنفسي بالمهر المذكور والمدة المذكورة (بعد اتفاقهما على المهر والمدة).
كما لابدّ فيه من المهر وتعيين المدّة، ولابد فيه من رضى الطرفين واختيارهما، وكونهما عاقلين، وإذا اشترطنا إذن الولي في زواج البكر الدائم اشترطناه هنا، أما غير البكر كالمطلقة والأرملة المدخول بها فلا حاجة بهما إلى الإذن. نعم وردت روايات معتبرة عن أهل البيت (عليهم السلام) تدل على أن ليس للمرأة هنا نفقة ولا إرث ولا قسم إلا مع الاشتراط في متن العقد.
ومن هنا نعرف أنه تكفينا آيات الزواج بمعمومها لتجويز هذا النكاح. هذا إضافة إلى قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (5).
نلاحظ في الآية الكريمة تعبيرين أحدهما (استمتعتم) والآخر (أجورهن) والأول كناية عن الزواج كما أن الثاني كناية عن المهر، فما السر في هذا مع إمكانية التعبير بكلمة (تزوجتم ومهورهن؟ الظاهر ـ والله أعلم ـ أن هذا الزواج بما أنه مؤقت أشبه بالإجارة لذا عبر عن مهره بالأجرة، وبما أن المقصود الأساسي فيه التمتع عبر عنه بذلك.
فالآية الكريمة كالصّريحة في عقد تمتع مؤقت مهره شبيه بالأجرة، هذا إضافة إلى بعض القراءات التي فيها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن).
كما أن كلمة (من) في (منهنّ) تفيد التبعيض، أي الفترة التي استمتعتم بها من تلك النساء. وبالجملة فالروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في صحة النكاح المنقطع متظافرة يجدها الباحث في كتاب النكاح من الوسائل وغيره من الكتب.
أما في كتب الفريق الآخر فقد ذكرت مجموعة روايات بعضها يدل على أن النبي (صلّى الله عليه وآله) أحلها لفترة ثم حرمها، وبعضها يدل على حليتها أيام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأيام أبي بكر وأنها حرّمت في عهد عمر، لكن التي تدل على أن النبي (صلّى الله عليه وآله) حرّمها معارضة بالقرآن الكريم ـ كما مرّ ـ فهي مرفوضة لمعارضتها للقرآن الكريم حيث نص على زواج المتعة وكل حديث يعارض القرآن فهو مرفوض.
وأمّا التي تدل على التحريم بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) فهي واضحة البطلان ـ إذ لا تشريع بعد الإسلام وبعد الرسول (صلّى الله عليه وآله). وإليك مجموعة أحاديث من صحيح مسلم تنص على جواز العقد المنقطع، دون أن تذكر أن النبي حرّمها بل هي مطلقة وإنما جاء النهي عنها بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو غير مقبول.
16- كتاب النكاح، باب 3، حديث (11-14)، باب نكاح المتعة (6) وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة:
11- (1404) حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني حدّثنا أبي ووكيع وابن بشر عن إسماعيل، عن قيس، قال: سمعت عبد الله يقول: كنّا نغزو مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ليس لنا نساء. فقلنا: ألا نستخصي (7)؟ فنهانا عن ذلك. ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل. ثم قرأ عبد الله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (8).
(...) وحدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جرير عن إسماعيل بن أبي خالد، بهذا الإسناد، مثله، وقال: ثمّ قرأ علينا هذه الآية، ولم يقل: قرأ عبد الله.
12- (...) وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيع عن إسماعيل، بهذا الإسناد. قال: كنّا، ونحن شباب، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي؟ ولم يقل: نغزو.
13- (1405) وحدّثنا محمد بن بشار، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت الحسن بن محمد يحدّث عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أذن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء.
14- (...) وحدّثني أميّة بن بسطام العيشي، حدّثنا يزيد (يعني ابن زُريع)، حدّثنا رَوح (يعني ابن القاسم) عن عمرو بن .. أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتانا، فأذن لنا في المتعة.
كتاب النكاح، باب 3، حديث 15-19.
15- (...) وحدّثنا الحسن الحلواني. حدّثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريح، قال: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء. فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر ثم ذكروا المتعة.
16- (...) حدّثني محمد بن رافع، حدّثنا عبد الرزّاق، أخبرنا ابن جريح، أخبرني أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنّا نستمتع، بالقبضة (9) من التمر والدقيق، الأيّام، على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر، في شأن عمرو بن حريث.
17- (...) حدّثنا حامد بن عمر البكراوي، حدّثنا عبد الواحد (يعني ابن زياد) عن عاصم، عن أبي نضرة، قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آتٍ فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما.
18- (...) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يونس بن محمد، حدّثنا عبد الواحد بن زياد، حدّثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: رخّص رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، عام وطاس (10)، في المتعة ثلاثاً، ثم نهى عنها.
19- (1406) وحدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليثٌ عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه سبرة، أنّه قال: أذن لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء (11).
4ـ وقت صلاة المغرب ووقت الإفطار
يقول سبحانه: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (12).
ويقول سبحانه: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (13).
وهاتان الآيتان صريحتان في أن وقتي صلاة المغرب والعشاء وإفطار الصائم إنما هو الليل.
والليل وقت يشخّصه عرف الناس بلا حاجة إلى تحديده لغةً، فهو مجيء الظلام بعد انتهاء نور النهار، وهذا المعنى مطابق وملائم للوقت الذي نفطر فيه ونصلي المغرب والعشاء، أي بعد غروب قرص الشمس بحوالي ربع ساعة حيث تذهب الحمرة من جانب المشرق وتجيء الفحمة والسواد منه.
أما غروب الشمس فليس ليلاً والدليل بعد العرف الوجدان.
قف عند غروب الشمس في الشارع أو على شاطئ البحر وانظر حولك، هل ترى أنك في الليل؟ أم هو النهار محضاً؟
أو ليس الاحتياط من الأمور المطلوبة شرعاً والحسنة عقلاً؟
فعلى أي أساس تبدأ الصلاة ويأكل الناس بمجرد غروب القرص مع مخالفة ذلك للقرآن والعرف والوجدان والاحتياط. لو وعدت شخصاً بان تأتيه ليلاً فهل ترى وصولك إلى بابه مع غروب الشمس تنفيذاً للوعد، ألا يعترض عليك صاحبك بأن الليل بعد لم يدخل؟
5ـ تقبيل الأضرحة والتبرك بها
التبرك بالمقدسات من الأمور الجيدة الممدوحة عقلاً ونقلاً، وقد جرت عليه سيرة المسلمين قديماً وحديثاً، ففي تركيا وباكستان ومصر والهند وتونس وغيرها نجد المراقد المحترمة للأولياء والأتقياء مقدسة موقرة يتبرك بها الناس، أفترى هؤلاء كلهم مشركين أو يقومون بأفعال الشرك؟ القرآن الكريم كتاب الله سبحانه يتبرك به الناس فيقبلونه ويضعونه على أعينهم دون أن يرى أحدٌ في فعلهم غضاضة أو خطأ.
فما هذه الشنشنة من بعض الناس المعترضة على التبرك بالأضرحة وتقبيلها وغير ذلك. روى البخاري كتاب اللباس، ج7، ص199 هذا الحديث:
باب القبّة الحمراء من أدم: حدّثنا محمد بن عرعرة قال حدثني عمر بن أبي زائدة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال أتيت النبي (عليه السلام) وهو في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالاً أخذ وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله) والناس يبتدرون الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسّح به، ومن لم يصب منه شيئاً، أخذ من بلل يد صاحبه.
هذا الحديث دل على جواز التبرك، بمُلابس أحد الأطهار كماء وضوئه، وتقرير النبي (صلّى الله عليه وآله) وسكوته حجة على الجواز. يتمادى البعض فينهي عن التبرك بالكعبة وتقبيل حيطانها ويخصص التقبيل بالحجر الأسود فقط مستدلاً بقول بعض الصحابة مخاطباً للحجر:
إني أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبّلتك.
والجواب عن هذا واضح: وهو إن كان هذا حجراً لا يضر ولا ينفع فلماذا قبّله رسول الله؟ أفتراه فعله عبثاً؟ حاشا رسول الله عن ذلك، لماذا لم يقبّل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحجار الشوارع، وما أكثرها وما أجملها لو قيست بالحجر الأسود؟ عندما يقبل البعض العلم (علم البلاد) وهو خرقة ملوّنة لا يلام على فعلته، أما إذا قبّل ضريح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو أحد الأطهار من أهل بيته يلام، إن هذا لعجب!
ثم إن القاعدة الفقهية في الأمور التي لم يرد فيها نهي هي الحلّ، كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، وهذا أمر متّفق عليه، فلو قلت لشخص: لبس النظارة حرام، لقال لك: ما الدليل على الحرمة مع أن الأصل الإباحة؟ كذلك تقبيل الأضرحة الأصل فيه الحل، فكل من يدّعي التحريم عليه إقامة الدليل، وإلا كان قوله افتراءً على الدين والشرع.
الحرمة حكم شرع كالوجوب والاستحباب والكراهة تحتاج إلى دليل فمن ادّعاها من دون دليل فهو مفترٍ على الله عزّ وجلّ.
6ـ إقامة المآتم والبكاء على أهل البيت (عليهم السلام)
يقول سبحانه: (قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (14).
ويقول سبحانه: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (15).
عندما نحبّ شخصاً ونودّه فإننا نظهر له حزننا إذا نكب وأصيب. والآية الأولى تذكر أن المودة في القربى هي أجر الرسالة، وهذا سار جارٍ على مدى الدهور، إذ الآية لا تخص قوماً بعينهم، فهل الصلاة أو الصيام أو الحج أو غيرها تخص من كان في عهد رسول الله؟ قطعاً لا، إذن نحن ومن قبلنا ومن يأتي بعدنا مطلوب منهم أن يودّوا قربى الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ومن أظهر صور الموادة أن نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. هل ينبغي أن نفرح يوم عاشوراء ونصوم تبركاً، أم ينبغي أن نحزن لما أصاب آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) فيه، وأيهما المودة حقاً؟
أما الآية الثانية فتنص على أن تعظيم شعائر الله عزّ وجل من تقوى القلوب وأي شعائر أعظم من آل الرسول الكرام؟
الشعائر هي العلامات والآيات الإلهية التي تشمل التكاليف، ومن يقوم بها وبتبليغها، أو ليس البكاء عليهم وإقامة مآتمهم من تعظيمهم، وبالتالي تعظيم الشعائر.
عندما يموت عزيز كالأب والابن يحزن المحب عليه، ويقيم له العزاء والأسبوعية والأربعينية هذا بالنسبة للشخص العادي فكيف بالإمام والمعصوم؟ إننا نرجو لثواب والأجر من الله عزّ وجلّ، بإقامة المآتم والبكاء على أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونتقرب إلى الله سبحانه بذلك وهذا عمل حسن عقلاً وممدوح شرعاً بنص الآيتين المتقدمتين إضافة إلى روايات أهل البيت (عليه السلام) التي تحث على ذلك، فهل مع كل هذا يبقى اعتراض لمعترض.
7ـ الصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع ترك ذكر الآل
روى البخاري في الصحيح ما يلي: في جزء 8، باب الصلاة على النبي
باب الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) حدّثنا آدم حدّثنا شعبة حدّثنا الحكم قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية، إن النبي (صلّى الله عليه وآله) خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك، قال: فقولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
حدّثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خبّاب عن أبي سعيد الخدري، قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك، فكيف نصلي؟ قال قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم.
وأيضا في الجزء السادس كتاب التفسير، ص151:
حدثني سعيد بن يحيى حدثني أبي حدثنا مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
4- كتاب الصلاة، باب (16-17) حديث (64-67)
64- (...) حدّثنا إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر عن عبد الرزاق، معمر، عن قتادة، بهذا الإسناد، وقال في الحديث: (فإن الله عزّ وجلّ قضى على لسان نبيه (صلّى الله عليه وآله) سمع الله لمن حمده).
(17) باب الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد التشهد
65- (405) حدثنا يحيى بن يحيى التميمي. قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر، أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري (وعبد الله بن زيد هو الذي كان أُرى النداء بالصلاة) أخبره عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتانا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونحن في مجلس سعد بن عبادة. فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلّي عليك يا رسول الله! فكيف نصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى تمنّينا أنّه لم يسأله. ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم).
66- (406) حدثنا محمد بن المثنّى ومحمد بن بشار (واللفظ لابن المثنى) قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى. قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هديةً؟ خرج علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك. فكيف نصلّي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد.، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
لكننا نرى كثيراً من الناس يصر على ترك ذكر الآل مع أن الحديث دال على وجوب ذكرهم لأنه أمر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأن يقولوا هكذا وأمره (صلّى الله عليه وآله) واجب الاتباع لقوله تعالى: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (16)، أمّا البعض الآخر فيصر على ذكر الأصحاب كلما ذكر الآل، مع أن الحديث المعتبر لم يذكر الأصحاب، ثم إن الله سبحانه لما شرع الصلاة أمر بأن يقال في التشهد: اللهم صل على محمد وآل محمد، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين فنحن نقوله وغيرنا يقول: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وإذا كان ذكر النبي (صلّى الله عليه وآله) وحده هو الشرع فلم أمر الله سبحانه بذكر الآل معه، إذن فذكر الآل مأمور به من قبل الله عزّ وجلّ ومن قبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كما في الحديث المنصرم وليس لغيرهم كما هو واضح. فمن نقص أو زاد كان مخالفاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبالتالي للقرآن والشرع.
8ـ الثقلان: الكتاب والعترة
روى مسلم في صحيحه هذا الحديث:
36- (2408) حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد، جميعاً عن ابن عليّة، قال زهير: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم حدّثني أبو حيان، حدّثني يزيد بن حيّان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم. فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقت لقيت، يا زيد خيراً كثيراً. رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت، يا زيد خيراً كثيراً. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله). قال: يا بن أخي، والله لقد كبرت سنّي وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فما حدّثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلّفونيه. ثم قال: قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً، بماء يدعى خُمّاً (17) بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر ثم قال: (أمّا بعد ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين (18): أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به)، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي). فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم، قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس.
قال: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
ونتساءل أولاً: لماذا التركيز في المدارس على كلمة (كتاب الله وسنتي) دون (عترتي)؟
وثانياً: التخليف يعني قيام الشيء مقام من خلّف، يقال: فلان خليفتي أي يقوم مقامي، إذن أهل البيت مع القرآن يقومان مقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فهل أخذ الناس بهما أم تركوا أهل البيت، سوى شيعتهم وأتباعهم.
ثالثاً: لماذا هذا التركيز والتأكيد عليهم حتى كرر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذه الجملة ثلاث مرات (أذكركم الله في أهل بيتي) ألا يعني ذلك علمه (صلّى الله عليه وآله) بإعراض الناس عنهم بعده، ومن الذي أعرض أليس من يرفض حتى الصلاة عليهم إذا ذكر النبي (صلّى الله عليه وآله).
9 ـ عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)
نحن نعتقد أن الأنبياء جميعاً من آدم إلى نبينا (صلّى الله عليه وآله) معصومون. وكذلك اعتقادنا في الأئمة الاثنى عشر والسيدة الزهراء (عليها السلام). فهم لا يرتكبون ذنباً كبيراً أو صغيراً لا بعد بعثتهم ولا قبلها ولا في طفولتهم ولا في الكبر. دليلنا على ذلك الوجدان والعقل والنقل.
أما الوجدان: فكل عاقل يصفّي وجدانه ونفسه عن الشوائب والإشكالات يرى بوضوح أن القدوة والمبلغ عن الله عزّ وجلّ لابدّ أن يكون طاهراً. فإذا قيل لشخص أن النبي الفلاني يكذب فإنه يقول فوراً: أي نبي هذا؟
وإذا قيل لأحد أن الإمام الفلاني خائن يقول فوراً: أي إمام هذا؟
هذا الوجدان، ثم العقل ينظر في ما يبلغه هذا النبي والإمام ويتوقف في قبوله باعتبار أنه إذا كان قابلاً لصدور المعصية منه فربما كان هذا الذي يقوله غير صحيح وليس حكماً شرعياً، أي أنه قد يكذب فيه.
إن الله سبحانه يقول: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (19)، فجعل رقة القلب وحسن الخلق في الأنبياء كي لا ينفض الناس عنهم.
فكيف بالذنب، أليس نفيه أولى وأقوى. لئلا ينفض الناس عنهم؟
الناس عندما ترى أحد رجال الدين يرتكب خطأ ـ مع أنه غير معصوم ـ تبتعد عنه فكيف بالنبي والإمام؟ وهذا ما يعبر عنه بدليل نقض الغرض.
وأما النقل: فالقرآن الكريم يكفينا كل مؤونة.
يقول سبحانه مخاطباً إبليس (لعنه الله): (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (20)، وكل ذنب يصدر هو سلطان لإبليس.
وحينئذ نسأل من هؤلاء العباد الذين ليس لإبليس عليهم سلطان.
ومن هم العباد المخلصون الذين لا يمكن لإبليس أن يغويهم؟
لا شك أن الأنبياء والأئمة هم القدر المتيقن منهم ـ إذ لم يدع أحد العصمة لغيرهم ولغير السيدة الزهراء، لأنا لو نفينا عنهم فلمن نثبتها ومن المخلص حينئذ؟ فهؤلاء المخلصون.. الذين ليس لإبليس عليهم سلطان ـ هم المعصومون. والمخلصون مستثنون في الآية من الإغواء وكل ذنب ناتج عن إغواء.
إن قلت: ما العمل مع الآيات الظاهرة في صدور المعصية من بعض الأنبياء؟
قلت: القرآن يفسر بعضه بعضاً فلابدّ من تأويل الظاهر حينئذٍ لأجل الصريح أو الأظهر وحمله على ترك الأولى أو مخالفة الأمر الإرشادي، هذا أولاً.
كما أنه لو قام دليل عقلي على شيء بحيث كان قطعياً لزم تأويل النقلي لئلاّ يخالف حكم الشرع، حكم العقل القطعي فإن الشارع سيد العقلاء.
بل إن نفس الآيات الظاهرة في المعصية بادي الرأي لو لوحظت بتأمل تظهر منها قرائن عدم المعصية وأن الأمر لا يعدو كونه ترك أولى أو ترك الأمر الإرشادي.
ولنأخذ مثلاً قوله تعالى: (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (21).
وهذه الآية لعلها أكثر الآيات ظهوراً في حصول المعصية والذنب. لكن بالتأمل في الآيات الأخرى المتعرضة لقضية الأكل من الشجرة يتّضح خلاف ذلك. كيف؟ يقول سبحانه: (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيها وَلا تَضْحى) (22). يعلل سبحانه المنع من الأكل بأن فيه خروجاً من الجنة وبما أنك في الجنة لا تجوع ولا تظمأ ولا تعرى ولا تضحى، فخروجك يسبب لك هذه الأمور كلها، إذن لا تأكل من الشجرة كي لا تتعرض لهذه الأمور لأن الأكل ذنبٌ فيه عقوبة أخروية وغضب الله سبحانه. إذن فالنهي عن الأكل إرشاد لعدم الوقوع في الضرر الدنيوي، لا أنه معصية فيها عقوبة.
إذا اتضح هذا نقول: هناك مجموعة أحاديث مروية في كتب لها وزن وشأن عند غيرنا، وتعتبر حسب موازينهم صحيحة السند، هذه الأحاديث تنسب إلى الأنبياء عموماً ونبينا (صلّى الله عليه وآله) خصوصاً من الأمور ما يخالف العصمة، وما يرفضه العقل رفضاً باتاً. نذكر بعضها لنعرف كم هو الظلم الواقع على الأطهار من الأنبياء وغيرهم فمنها: ما رواه البخاري في صحيحه، ج1، كتاب الوضوء ومسلم في كتاب الطهارة باب 22:
باب البول قائماً وقاعداً
حدّثنا آدم قال حدّثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) سباطة قوم فبال قائماً ثمّ دعا بماء فجئته بماء فتوضأ.
باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدّثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة قال: رأيتني أنا والنبي (صلّى الله عليه وآله) نتماشى فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه فأشار إلي فجئته فقمت عند عقبه حتى فرغ.
73- (273) حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي. أخبرنا أبو خيثمة عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: كنت مع النبي (صلّى الله عليه وآله) فانتهى إلى سباطة قوم (23) فبال قائماً. فتنحّيت. فقال (ادْنُهْ) فدنوت حتّى قمت عند عقبيه فتوضّأ، فمسح على خفّيه.
74- (...) حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا جرير عن منصور، عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى يشدّد في البول. ويبول في قارورة ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. فقال حذيفة: أوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد. فلقد رأيتني أنا ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) نتماشى. فأتى سباطةً خلف حائط. فقام كما يقوم أحدكم، فبال فانتبذت منه، فأشار إلي فجئت فقمت عند عقبيه حتّى فرغ.
(274) حدثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا ليث، ح وحدّثنا محمد بن رمح بن المهاجر، أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن عروة بن المغيرة عن أبيه...
ولعل مثل هذا الحديث لا يحتاج إلى تعليق، إذ يكفي مجرد تصور الأمر لتبدو بشاعته. إنما نتساءل فقط عن السبب في نسبة مثل هذه الأمور إلى سيد الخلائق أجمعين وفي كتب يفترض أنها صحاح.
وهذا حديث آخر في أحوال موسى بن عمران يرويه البخاري في ج2، ص113، وسلم في كتاب الفضائل في فضائل موسى بن عمران (عليه السلام).
حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوُس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال أرسل ملك الموت إلى موسى (عليهما السلام) فلمّا جاءه صكّه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال أرجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكلّ ما غطّت به يده بكلّ شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عن الكثيب الأحمر.
157- (2372) وحدّثني محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدّثنا) عبد الرزّاق، أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أرسل ملك الموت إلى موسى (عليه السلام). فلمّا جاءه صكّه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه. فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطّت يده بكل شعرة، سنة. قال: أي رب! ثم مه؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدّسة رميةً بحجر، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فلو كنت ثم، لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، تحت الكثيب الأحمر).
تصوّر إمكانية ضرب ملك وهو نور، وتصور نبياً من أولي العزم يضرب ملكاً مقرباً لا لذنب ارتكبه.
ومنها هذا الحديث الذي يدرّس في المدارس يرويه مسلم في صحيحه في باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره (صلّى الله عليه وآله) من معايش الدنيا.
141- (2363) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، كلاهما عن الأسود بن عامر، قال أبو بكر: حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، وعن ثابت، عن أنس، أن النبي (صلّى الله عليه وآله) مرّ بقومٍ يلقّحون. فقال: (لو لم تفعلوا لصلح) قال فخرج شيصاً، فمرّ بهم فقال: (ما لنخلكم؟) قالوا: قلت كذا وكذا. قال: (أنتم أعلم بأمر دنياكم).
بالله عليكم هل يوجد شخص يبلغ الخمسين وأكثر من العمر لا يعرف أن النخيل يلقح ليثمر! وما المقصود من التركيز عليه، الله أعلم وإن كان من المحتمل قوياً أنه لضرب ما يقننه النبي للناس من أمور الخلافة والسياسة، وطرحها باعتبار أن الناس أكثر فهماً لها.
الحديث الآخر الذي يقول: إن الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان متمدداً وعنده جوار يغنين ويضرب الدفوف فيدخل أحد الصحابة ويقول: أمزمارة الشيطان عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقول له النبي: دعهن.. الخ.
ونسأل: إن كانت فعلاً هذه مزمارة الشيطان فكيف يرضى النبي (صلّى الله عليه وآله) بسماعها، وإن لم تكن فلماذا ينهى عنها الصحابي ويسمّيها بهذا الاسم؟ وهذا هو نص الحديث.
باب الحراب والدرق يوم العيد
حدثنا أحمد قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو أن محمد بن عبد الرحمن الأسدي حدثه عن عروة عن عائشة قالت دخل عليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعندي جاريتان تغنيّان بغناء بُعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي (صلّى الله عليه وآله) فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: دعهما. فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإمّا سألت النبي (صلّى الله عليه وآله) وإما قال تشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه خدّي على خدّه وهو يقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي.
10ـ الشفاعة
من المعلوم أن إثبات حكم أو نفيه يحتاج إلى دليل، فإذا قال قائل: هذا يجوز، عليه إقامة الدليل، وإذا قال: لا يجوز عليه إقامة الدليل أيضاً، ومن الأمور التي قام عليها الدليل من القرآن والسنة مسألة الشفاعة، فالقرآن الكريم يصرح بذلك في أكثر من مورد، يقول سبحانه: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) (24)، ويقول سبحانه: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى) (25)، ويقول سبحانه: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (26).
إذن فمن أذن الله له ومن ارتضى ومن اتخذ عند الرحمن عهداً يشفع. وأما السنة: يروي البخاري في صحيحه هذا الحديث:
باب قول النبي (صلّى الله عليه وآله) جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
حدثنا محمد بن سنان قال حدّثنا هشيم قال حدّثنا سيّار هو أبو الحكم قال حدثنا يزيد الفقير قال حدّثنا جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيماً، رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصّة، ويبعث إلى الناس كافةً، وأعطيت الشفاعة. صحيح البخاري، ج1، ص119.
هذا إلى جانب روايات أهل البيت (عليهم السلام) الناصة على هذا الأمر، وأن الشفاعة لا تختص بالأنباء والأئمة (عليهم السلام)، وإنما هناك من المؤمنين من يشفع أيضاً، فهل بعد القرآن وأحاديث الرسول من شيء؟
كل من ينكر الشفاعة ينكر القرآن وينكر الأحاديث الواردة من الفريقين فهو منكر للدين أيضاً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
11ـ السجود على التربة الحسينية
جاءت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تحث وتلزم بالسجود على الأرض أو ما أنبتته ـ غير المأكول والملبوس والمعادن ـ فالسجود إنما يصح على الأرض كالتراب والحصى والرمل والحجر ونحوها أو ما أنبتته الأرض كالخشب والحشائش وورق الأشجار والحصر والقراطيس ونحوها، أما المأكول كالفواكه والحبوب والملبوس كالقطن والصوف والكتان والمعادن كالحديد والنحاس والفضة فكلها لا يصح السجود عليها.
كما مر في بحث الشفاعة السابق الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أعطيت خمساً لم يعطهن الأنبياء قبلي... إلى قوله: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.
فالأرض إذن هي محل السجود ولو جاز السجود على غيرها لما كان لذكرها مزية، ولننظر الآن ما كان يفعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والصحابة في عهده.
كان المسجد النبوي مفروشاً بالحصى والتراب لا غير، ولم تكن به بسط أو فراش آخر. لماذا؟ ألم تكن في ذلك الزمان أفرشة؟ وهل كان الناس يجلسون في بيوتهم على الأرض؟ نعم كانت الأفرشة موجودة لكن لما وجب السجود على الأرض بقي المسجد بلا فراش. هذا وجه زيادة في تأكيد الأمر، روى البخاري أنه كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) خمرة يسجد عليها في بيته إذا أراد الصلاة، والخمرة أما هي الحصيرة المدورة، أو طين مجفف على شكل دائرة، ونحن نعلم أن فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حجة كقوله وتقريره، وواضح أنه لو جاز السجود على غير الأرض لسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فراش منزله، وهذا هو الحديث بل هما حديثان:
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال قوموا فلأصلّ لكم قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبس فنضحته بماء فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصففت واليتيم وراءه والعجوز من وراءنا فصلى لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ركعتين ثم انصرف.
باب الصلاة على الخمرة
حدّثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال حدثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يصلّي على الخمرة. صحيح البخاري، ج1، كتاب الصلاة
باب إذا أصاب ثوب المصلّى امرأته إذا سجد
حدّثنا مسدّد عن خالد قال حدّثنا سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يصلّي وأنا حذائه وأنا حائض وربما أصابني ثوبه إذا سجد قالت وكان يصلّي على الخمرة.
وحينئذ نقول: كلما سجد الإنسان على أرض ذات مزية وشرف كان ذلك أفضل من السجود على غيرها، ألا ترى أن السجود على أرض مكة أو المدينة أفضل وأقرب إلى القبول، وقد وردت روايات متعددة تدل على أن السجود على تربة الحسين (عليه السلام) ذو فضل ومزية وأنه يخرق الحجب السبع ـ ولعله إشارة إلى قبول العمل ـ لذا التزمنا بالسجود عليها مع تجويزنا للسجود على مطلق الأرض وما أنبتته باستثناء ما مر سابقاً. ومن السخف العجيب قول البعض أن هذا كعبادة الوثن مع أن العبادة تكون للشيء لا عليه، وهل رأيت إلهاً يسجد عليه؟ إذن فالسجود على التربة المقدسة إضافة إلى كونه سجوداً على الأرض وهو منتهى الخضوع فيه من الأجر الشيء الكثير.
12ـ التقية
يقول سبحانه بعد النهي عن ولاية الكفار: (إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (27).
ويقول تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ) (28).
ويقول عزّ وجلّ: (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (29).
نعم، نحن نعتقد بالتقية، أي كتمان العقيدة عمن نخاف ضرره لو علم بها.
وهذا يفعله كل عاقل. فلو كان مسلماً صار بين اليهود أو النصارى وخافهم على نفسه فإنه بالطبع يكتم عنهم، وقد يظهر لهم كلمة الكفر، ولا بأس عليه في ذلك. هذا ما فعله عمار بن ياسر عندما عذبه المشركون، فأظهر لهم كلمة الكفر اضطراراً، وجاء أناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالوا: يا رسول الله إن عماراً قد كفر.
قال (صلّى الله عليه وآله): لا، إن عماراً قد ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه، ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعمار: إن عادوا لك فعد لهم، أي أظهر لهم كلمة الكفر.
هذه القصة ينقلها كل المفسرين عند تعرضهم لقوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ).
نقول للذين يعترضون علينا في أمر التقية: أنتم تفعلونها كل صباح ومساء.
أنتم ترون النساء السافرات في الأسواق، فلم لا تأخذون العصي وتنهونهن عن ذلك؟ تخافون من العقاب ومن السلطة، أليس هكذا؟ إذن اتقيتم.
هذه هي التقية، يقولها القرآن، ويحكم بها العقل، وتنص عليها الروايات، ويفعلها حتى المعترض عليها، بل فعلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيث لم يهدم بنيان الكعبة لحداثة الناس بالإسلام. ثم ألم تكن دعوة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في أول أمرها سرية ثم نزل قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر) فأعلنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لماذا كانت سراً أول أمرها، أليس ذلك تقيّة من الكفار.
إليك عدة أحاديث في مسألة هدم الكعبة، ففي صحيح البخاري، ج2، كتاب الحج:
الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت النبي (صلّى الله عليه وآله) عن الجدر أمن البيت هو، قال نعم، قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت، قال إن قومك قصّرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعاً قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض.
حدّثنا عبيد بن إسماعيل حدّثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم (عليه السلام) فإن قريشاً استقصرت بناءه وجعلت له خلفاً قال أبو معاوية حدّثنا هشام خلفاً يعني باباً.
حدّثنا بيان بن عمرو حدّثنا يزيد حدّثنا جرير بن حازم حدّثنا يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لها يا عائشة لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين باباً شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه قال يزيد وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر وقد رأيت أساس إبراهيم حجارةً كأسنمة الإبل قال جرير فقلت له أين موضعه قال أريكه الآن فدخلت معه الحجر فأشار إلى مكان فقال هاهنا قال جرير فحزرت من الحجر ستة أذرع أو نحوها.
13ـ تسمية بعض أبناء الأئمة (عليهم السلام) بأسماء معينة
هناك أسماء لبعض أبناء أهل البيت (عليهم السلام) يحاول البعض اتخاذها ذريعة لنفي وجود عداء وخلاف بين أهل البيت (عليهم السلام) وبين أشخاص لهم تلك الأسماء.
يقولون: لو كان هناك عداء فلماذا أسموا أبناءهم بأسمائهم، أو ليس هذا دليل محبتهم لهم؟ وهذا في الحقيقة من أسخف أنواع الاستدلال، لكن ـ مع هذا ـ ينطلي على بعض السذج، ولابد من الإجابة عليه.
هناك أسماء تشيع وتكثر في المجتمعات، ففي هذا المجتمع مجموعة معينة وفي ذاك المجتمع مجموعة أخرى وهكذا، وهذا موجود إلى اليوم، ولو سألت شخصاً من بلد معين عن الأسماء المشهورة في بلده لذكرها لك فوراً. وأنت أيها القارئ لو سألت عن الأسماء المشهورة في بلدك لذكرت عدة منها.
وبعض الأسماء التي سمي بها أبناء الأئمة (عليهم السلام) كانت مشهورة في الجزيرة العربية وليس في التسمية بها أي ارتباط بحب أو بغض للمسمى بها من الآخرين. مثلاً لو كان عندك عدو اسمه محمود، ثم صار لك ولد وسميته محمود، فهل يعني هذا أنك تحب عدوك؟ من الواضح أنه ليس كذلك وإنما تحب الاسم فقط ولعل هذا من الواضحات. هذه هي القضية لا أكثر ولا أقل، فهل نترك التاريخ والأدلة لأجل هذه الإشكالات السخيفة.
14ـ الإمامة والولاية
من أهم الفروق بيننا وبين غيرنا قولنا بإمامة أئمة منصوبين من قبل الله عزّ وجلّ وعدم قبول غيرنا بذلك، بل لعله الفارق الأساسي الذي منه تفرّعت بقية الاختلافات باعتبار أخذنا لأحكامنا عن طريق الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وأخذ الغير لأحكامه من طرق أخرى.
المسألة مفصلة ومبحوث عنها بتفصيل في كتب ضخمة، لكنا نقتصر هنا على شيء موجز نرجو أن ينتفع به من أراد الله نفعه.
يقول سبحانه مخاطباً الملائكة: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (30).
ويقول سبحانه مخاطباً داود (عليه السلام): (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) (31).
ويقول سبحانه مخاطباً إبراهيم (عليه السلام): (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (32).
ويقول سبحانه: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) (33).
لاحظ كلمة الجعل المتكررة في الآيات الكريمة، فإنها نص في أن الخلافة منصب يجعله الله سبحانه لمن يشاء من خلقه وأن الإمامة منصب يعطيه الله تعالى من يراه أهلاً لذلك. فالإمامة والخلافة ليستا مجرد سيطرة شخص على مقاليد الأمور وجلوسه على الكرسي ثم إصدار الأمر والنهي.
إنهما رتبة مجعولة من الشرع، وتعني أن لصاحب هذه الرتبة ولاية على الناس باعتباره إمامهم ويجب على المأمورين اتباعه.
لو قال شخص للناس أنا أبوكم، هل يكون له منصب الأبوة ورتبتها، وهل يكون ولياً كالأب؟ قطعاً لا، فالأبوة واقع حقيقي لا مجرد ادعاء.
كذلك الإمامة والولاية واقع، وليستا مجرد سيطرة شخص، سواء أكانت سيطرته بالقوة أو بالانتخاب أو بأي شكل آخر.
ومعنى الواقع أنه حقاً ولي بجعل من له الجعل وهو الشارع المقدس فيمكنه أن يتصرف في نفوس الناس وأموالهم حسب ما يراه صالحاً، كل ذلك لأنه ولي أمرهم، أما غيره فليس ولياً ليتصرف.
يقول سبحانه: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (34).
الخطاب مع المؤمنين، وهل يصح أن يقول: أيها المؤمنون إن المؤمنين أولياؤكم؟ ثم هذه الولاية المجعولة للذين آمنوا مساوقة لولاية الله ورسوله لأنها في نفس السياق، وأي مؤمن له هذه الولاية؟ لابدّ أنه فرد مخصوص جاءت الآية معينة لهذا الفرد ألا وهو ذلك الشخص الذي أقام صلاته وأتى زكاته وهو راكع فمن هو؟
لم يدع هذا الأمر إلا لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، وبذلك نطقت روايات الشيعة والسنة، لاحظ تفاسير الفريقين.
قد تجد في التفاسير الأخرى من يقول: قيل نزلت في فلان وقيل في فلان، لكنه مجرد قيل، عار عن الدليل، فما قيمته، إنما القيمة للرواية المسندة المعنعنة.
ثم أي شخص تدعى له الولاية ـ غير أمير المؤمنين ـ فالادعاء له مرفوض بالإجماع، إذ لم تقم له إلا حكومة وسيطرة أما بالقوة أو بالانتخاب من الناس، وهذا ليس ولاية شرعية، ألا ترى أنه لو انتخب الناس شخصاً ليكون ولي أمورهم فإنه لا يكون كذلك حقاً إلا بموافقة الشرع له؟ لذا يمكنهم ويحق لهم عزله ولو كان ولياً شرعياً لما صح لهم ذلك.
روت الصحاح حديث المنزلة وهو نص في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإليك الحديث:
(...) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا غندر عن شعبة، ح وحدّثنا محمد بن المثنّى وابن بشّار، قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، سمعت إبراهيم بن سعد عن سعد، عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال لعلي: (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى).
صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة
44- كتاب فضائل الصحابة، باب 4، حديث 30-31
30- (2404) حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر، محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريج بن يونس، كلهم عن يوسف بن الماجشون (واللفظ لابن الصباح)، حدّثنا يوسف، أبو سلمة الماجشون، حدثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعلي: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي).
قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً، فحدّثته بما حدثني عامر، فقال: أنا سمعته فقلت: أأنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على إذنيه فقال: نعم، وإلا فاستكّتا.
31- (...) وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا غندر عن شعبة، ح وحدّثنا محمد بن المثنّى وابن بشّار، قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن الحكم، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: خلّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب، في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي).
32- (...) حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد (وتقاربا في اللفظ) قالا: حدّثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل) عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم. سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول له، خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي) وسمعته يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله) قال فتطاولنا لها فقال: (ادعوا لي عليّاً) فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الرّاية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (35) دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: (اللهم هؤلاء أهلي).
ولننظر الآن منزلة هارون من موسى في القرآن الكريم:
يقول تعالى عن لسان موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) الخ...
يقول تعالى رداً عليه: (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (36).
إذن جعل الله تعالى هارون وزيراً لموسى، وشد به أزره، وأشركه في أمره، بالإضافة إلى نبوته وأخوته.
وقد أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأمر الله عزّ وجلّ ـ لأنه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى) ـ أعطى كل هذه المناصب لأمير المؤمنين واستثنى منها النبوة فعلي (عليه السلام) وزير رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأخوه، وشريكه في أمره أؤكد على كلمة (وشريكه في أمره) ومعنى الشراكة في الأمر أن تبليغ أمر الوحي راجع إليهما، فهما المبلغان للدين والوحي، بمنزلة الشخص الواحد. وهذا بالضبط ما يعطيه قوله تعالى: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) حيث دعا الرسول: (الزهراء والحسنين وأمير المؤمنين)، فالأبناء: الحسنان، والنساء، الزهراء، والأنفس: أمير المؤمنين ولو لم يكن هو المقصود لكان إخراجه معه بلا مبرر وبلا تطبيق للآية.
روى أحمد بن حنبل بالسند الصحيح في مسنده قوله (صلّى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فعلي مولاه) ومعلوم أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مولى كل الخلق، إذن فأمير المؤمنين مولى كل الخلق. والمفهوم من المولى هنا الولاية والأولوية بهم منهم أنفسهم. وهل يحق لأحد أن يتقدم على مولاه، هل يجوز لأحد أن يتقدم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، طبعاً لا يجوز. فإذن لا يجوز ذلك بالنسبة لأمير المؤمنين (عليه السلام).
روى البخاري ومسلم أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش وهذا نص ما روياه:
بابٌ
حدّثني محمد بن المثنّى حدّثنا غندر حدّثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: يكون اثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال: كلّهم من قريش.
هذا ما رواه البخاري كتاب الأحكام، ج1، ص101.
أما ما رواه مسلم فهو بعدة أسانيد هي:
33- كتاب الأمارة، باب1، حديث (4-6)
4- (1820) وحدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدّثنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه، قال: قال عبد الله: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لا يزال هذا الأمر في قريش، ما بقي من الناس اثنان).
5- (1821) حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا جرير عن حصين، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: ح وحدّثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي (واللفظ له) حدّثنا خالد (يعني ابن عبد الله الطحّان) عن حصين، عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي (صلّى الله عليه وآله) فسمعته يقول: (إنما هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فهيم اثنا عشر خليفة) قال: ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، قال فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلّهم من قريش).
6- (...) حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن جبار بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً) ثمّ تكلّم النبي (صلّى الله عليه وآله) بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فقال: كلّهم من قريش.
33- كتاب الأمارة، باب1، حديث (6-10) حديث
(...) وحدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله). بهذا الحديث. ولم يذكر (لا يزال أمر الناس ماضياً).
7- (...) حدثنا هدّاب بن خالد الأزدي. حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثنى عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: (كلّهم من قريش).
8- (...) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا أبو معاوية عن داود، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة. قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى أثنى عشر خليفة). قال: ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه. فقلت لأبي: ما قال؟ (كلّهم من قريش).
9- (...) حدّثنا نصر بن علي الجهضمي، حدّثنا يزيد بن زريع حدّثنا ابن عون، ح وحدّثنا أحمد بن عثمان النوفلي (واللفظ له) حدّثنا أزهر، حدّثنا ابن عون عن الشعبي، عن جابر بن سمرة. قلا: انطلقت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعي أبي. فسمعته يقول: (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثنى عشر خليفة) فقال كلمة صمّنيها (37) الناس. فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلّهم من قريش).
10- (1822) حدّثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة. قالا: حدّثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل) عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة، مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: فكتب إليّ: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يوم جمعة، عشيّة رجم الأسلمي، يقول: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش) وسمعته يقول: (عصيبة (38) من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض).
وهذا الحديث المعتبر السند نص في إمامة اثنى عشر شخصاً بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فمن هم؟ وهل ذكرت أسماء معينة بهذا الصدد لأشخاص؟ نعم، ذكرت الأسماء المباركة للائمة الاثني عشر وهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي، جعفر بن محمد، موسى بن جعفر، علي بن موسى، محمد بن علي، علي بن محمد، الحسن بن علي، الحجة المهدي المنتظر بن الحسن. عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. هؤلاء هم الأئمة الذين اعتقدنا بهم وبإمامتهم ولم يدع أحد إمامة شرعية منصوصة من قبل الله عزّ وجلّ ـ لغيرهم، فتعينت فيهم (عليهم السلام). روت كتب الصحاح عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله: إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. لاحظ أنه (صلّى الله عليه وآله) جعل أهل بيته عدلاً للكتاب، ولم يجعل غيرهم. يكفي هذا والتفصيل في الكتب المطولة.
15ـ سبب نزول (عَبَسَ وَتَوَلَّى)
هناك قولان في سبب نزول آيات سورة عبس، فالمفسرون من غير الشيعة يقولون أنها في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنه عبس لما رأى الأعمى ابن أم مكتوم، فنزلت الآيات تبكيتاً له (صلّى الله عليه وآله)، أما الشيعة فيقولون ـ تبعاً للروايات ـ إن الآيات نازلة في رجل معين من الصحابة هو الذي عبس وتولى.
نحن ندري أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان أعظم الناس أخلاقاً وقد صرح بذلك القرآن الكريم حيث يقول سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (39)، ويقول سبحانه: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (40)، ويقول سبحانه: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (41).
فهل يصدق أحد بعد هذه الآيات كلها أن يعبس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في وجه أعمى قد جاء ليتعلم معالم دينه؟ هذه واحدة.
ثم لنقرأ بقية الآيات الكريمة: (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (42).
تقول الآيات: إنك تهتم بالغني وتتصدى لاستقباله وليس يهمك أنه لا يتزكى المهم أنه غني ذو مال، تصور أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يبيت الأيام طاوياً جائعاً بعد أن ينفق كل ما يملك في سبيل الله عزّ وجلّ هذا الرسول يهتم بالناس ويوقرهم لأنهم أغنياء ولو كانوا فسقة، ويحتقر الفقراء لأنهم فقراء ولو كانوا أخياراً، هل هذه صفات النبوة؟ هل يرضى شخص أن يكون نبيه بهذه المواصفات.
أذكر حادثة جرت مع شخص يعتقد أن الآيات نازلة في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان يؤكد ذلك ويصر عليه ويعتبر أن الدفاع عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، بهذه الأمور مجرد عواطف - كما يقول - ثم قال: إذا لم تكن الآيات نازلة في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ففيمن نزلت إذن، قلت: نزلت في فلان رجل معين من شخصيات الصحابة ـ فغضب الرجل غضباً شديداً وقال: أتتهم رجلاً من الصحابة بمثل هذه التهمة؟ هنا أدع للقارئ التعليق على هذا الأمر، وليتصور أن سيد الخلق وأعظمهم يمكن أن ينسب إليه هذا الكلام أما شخص معين من الصحابة فلا يمكن أن يصدر منه هذا العمل فهل أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أقل شأناً من أحد الصحابة؟ هل تصل الحال بالمسلم أن يرضى بتوجيه النقد والذّم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا يرضى به بالنسبة لشخصٍ من الناس؟
16ـ الصحابة
الصحابي هو من عاش في عصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي مدينته، أو هو من رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسمع حديثه.
هل مجرد كون الإنسان صحابياً يعطيه فضلاً على غيره؟ الجواب: لا. إذ يقول سبحانه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (43). إذن المناط التقوى، ولا ربط لنسب أو حسب أو زوجيّة أو صحبة في الكرامة عند الله عزّ وجلّ، التقوى لا غير هي المهم، ثم إن الصحبة أمر غير اختياري ولا يصح جعله سبباً للفضل، لأن لكل مسلم أن يقول: إلهي لِم لَم تجعلني صحابياً لأنال الفضل؟
يقول سبحانه: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) (44).
إذن كان في المدينة أناس منافقون، مردوا على النفاق، وليسوا فقط عبد الله بن أبي وجماعته لأنهم معلومون، والآية تقول: (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (45)، هؤلاء كلهم صحابة لأنهما رأوا رسول الله وسمعوا حديثه. يقول سبحانه: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (46).
هذه الآية في سورة اسمها سورة المنافقون. تصور كثرتهم حتى نزلت سورة باسمهم، والقرآن مشحون بذكر المنافقين. إن قيل: نقصد الصحابة الأخيار.
قلنا: لماذا إذن تصلون على النبي وصحبه من دون تخصيص، وينبغي أن تقولوا: وصحبه الأخيار.
لماذا تغضبون إذا ذمّ أحدٌ صحابياً وتقولون هذا صحابي فكيف تذمه، المفروض أن ليس الصحابي دائماً خيّراً، وربما كان الذم للمنافق منهم. لماذا تنسبون إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) هذا القول: (أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم)، على أساس أن المقصود بالأصحاب كلّ من رأى الرسول (صلّى الله عليه وآله) وسمع حديثه.
إليك هذا الحديث من صحيح البخاري، ج8، باب في الحوض، ص148.
باب في الحوض، وقول الله تعالى: (إنّا أعطيناك الكوثر)، وقال عبد الله بن زيد قال النبي (صلّى الله عليه وآله) اصبروا حتى تلقوني على الحوض حدّثني يحيى بن حمّاد حدّثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنا فرطكم على الحوض (وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، تابعه عاصم.
لاحظ كلمة (أصحابي) وكلمة (أحدثوا بعك) فمن هؤلاء؟ وماذا أحدثوا؟ المفروض عند غيرنا أن كل الأصحاب بقوا على الخير وعدم التغيير فمن هؤلاء المحدثون؟ يقولون: من سب أحد الصحابة فهو كافر، أو يجب قتله.
ونسأل أولاً: ما الدليل على كفره وقتله؟ هل هناك آية أو حديث يدل على ذلك؟ أم هو مجرد ادعاء؟
ثانياً: لو سبّ أحدٌ شخصاً مسلماً ـ ولنفرضه خيّراً متديّناً ـ هل يوجب هذا كفره أو قتله؟ وكم من السباب يجري اليوم بين المسلمين، فهل كفروا؟
ثالثاً: معلوم تاريخياً أن الصحابة كانوا يختلفون فيما بينهم وربما تسابّوا، بل وصل الأمر إلى ما هو أكثر من السباب ألا وهو التقاتل فيما بينهم فلم لم تكفّروهم؟ هذا معاوية ممن سب أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر ـ ولا زال هناك أناس لا يرضون بلعنه ـ فلم لم يكفّر مع أنه سب أعظم الخلق بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهذا طلحة والزبير حاربا إمامهما وكلهم صحابة فلم لم يكفرا، وهل المحاربة والمقاتلة أقل شأناً من السبّ واللعن (وهذا نفس الحديث السابق من صحيح مسلم كتاب الفضائل).
32- (2297) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وابن نمير، قالوا: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أنا فرطكم على الحوض ولأنازعنّ أقواماً ثم لأغلبنّ عليهم، فأقول: يا رب أصحابي، أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
يقولون: أولئك اجتهدوا.
عجيب الصحابة كلهم مجتهدون، لماذا؟ وعلى أي أساس؟
ربما نقبل افتراضهم أخياراً ذوي فضل برية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أما أنهم مجتهدون فلماذا؟ ألم يكن فيهم البقال والحمّال والجمّال والبنّاء والنجّار وكل مهنة فهل هؤلاء كلهم مجتهدون؟
ثم هذا الذي يذمهم اليوم يمكنه أن يقول: أنا أيضاً مجتهد في رأيي اجتهدت ورأيت أن أذمهم فلماذا ألام؟
لابدّ من نظرة عقلانية بعيدة عن التعصب والهوى والرغبة في إثبات الرأي ولو كان باطلاً لأنّ هذا دين وبعده حساب الآخرة فماذا ينفع العناد والمكابرة.
ثم الأحاديث الواردة في الصحيحين والتي هي بمضمون الحديثين السابقين كثيرة جداً اقتصرنا على الاثنين لعدم الإطالة.
17ـ مصحف فاطمة (عليها السلام)
ورد في الروايات أنه لما توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حزنت السيدة الزهراء (عليها السلام) حزناً شديداً، فأرسل الله تعالى إليها ملكاً لتسليتها، فكان هذا الملك يخبرها بما يكون في مستقبل الزمان، فكانت (عليها السلام) تتسلّى وتأنس بهذه الأخبار. وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يكتب ما يقوله ذلك الملك حتى اجتمع منه مثل مصحفكم ثلاث مرات على بعض الروايات ـ وليس في بعضها كلمة ثلاث مرات ـ هذا هو مصحف فاطمة (عليها السلام)، كتاب فيه أخبار غيبية جاء بها ملك مقرب بأمر الله عزّ وجلّ. وهذا الكلام مكتوب في أمهات كتبنا وموضح بهذا التفصيل. ومع هذا يأتي من يتهمنا بأن لنا قرآنا غير القرآن الكريم. وهذا افتراء محض، لم يقل به أحد من الشيعة، والعجيب أنهم يفترون ذلك مع علمهم بأن مساجد الشيعة مليئة بالمصاحف وهي لا تختلف في حرف عما هو في أي مصحف آخر. وهذا نص الحديث من الجزء الأول من أصول الكافي، ص240 كتاب الحجة.
عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تظهر الزّنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أنّي نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام)، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيّه (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمها ويحدّثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلّما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.
18ـ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
سسبحان الله وتعالى. سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ) (47).
قال موسى (عليه السلام): (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) (48).
هذه الآيات الكريمة الدالة على تنزهه سبحانه عن الشبيه والنظير وعدم إمكان رؤيته عزّ وجلّ مطلقاً وأنه تعالى غير قابل للإدراك بالبصر لا أن هناك مانعاً فعلياً من ذلك ويمكن ارتفاعه يوم القيامة أو في الجنة مثلاً، هذه تكفي لتوجيه وتأويل الآيات التي قد يتوهم من ظاهرها الرؤية في يوم القيامة مثلاً كقوله سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (49)، كما أن الدليل العقلي قاطع وقائم على عدم جسميته سبحانه، واستحالة ذلك عليه فبالملازمة لا رؤية لأنها انعكاس نور العين على جسم معين.. سؤال: ما الدليل العقلي على عدم تجسمه سبحانه؟
الجواب:
أ. هو سبحانه خالق الأجسام فهل خلق نفسه.
ب. الجسم يحتاج إلى حيز من الفراغ والله سبحانه غني.
ج. الفراغ الذي يحتاج الجسم مخلوق فأين كان قبل خلق هذا الفراغ.
د. الجسم مركب من أجزاء وكل جزء يحتاج إلى أجزائه وهذا يعني الحاجة والله غني.
هـ. الجسم منحصر في مكان والله تعالى في كل مكان، وبعبارة أخرى ستخلو منه كل الأمكنة الأخرى لو انحصر في مكان معين.
و. لو كان جسماً لكان كسائر الأجسام والله تعالى ليس كمثله شيء.
دع عنك الاستدلالات العقلية وارجع إلى الوجدان، هل تعتقد أن الله سبحانه رب السماوات والأرض الذي ليس كمثله شيء ذو وجه ويدين ورجلين كأي إنسان؟
وإذا كان بشكل آخر زاد الطين بلة، بعضهم يقول: يأتي الرب يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر!! تصوّر أن القمر ـ وهو مخلوق من مخلوقات الله وجماد منفصل من الشمس ومجموعة صخور ـ يكون لله وجه مثله، يبدو أن القائل لم يجد أجمل من هذه الصورة فشبهه سبحانه وتعالى بها. نستجير بالله من سوء الفهم وكلال الفكر.
وبعضهم يروي أن الرب يضحك، يضحكه آخر من يخرج من النار، هنا من يروي أن الرب يدخل رجله في جهنم فتمتلئ وتقول: قط قط، على أساس أنها رجل ضخمة تسدّ كل فراغ في النار.
وهناك من يروي أنّه سبحانه يكشف عن ساقه يوم القيامة، كيف يكشفها؟ هل يلبس دشداشة أو بنطلوناً فيرفعه؟ إن هذا العجب، إليك هذه الروايات إن لم تصدق:
حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حرمي حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه فتقول قط قط.
حدثنا محمد بن موسى القطّان حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهديّ حدثنا عوف عن محمد بن أبي هريرة رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان، يقال لجهنم هل امتلأت، وتقول هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط.
حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي (صلّى الله عليه وآله) تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي ارحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذاب، أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ، حتى يضع رجله فتقول قط قط قط، فهناك تمتلئ ويزوى بعض إلى بعض ولا يظلم الله عزّ وجلّ من خلقه أحداً وأما الجنة فإن الله عزّ وجلّ ينشئ لها خلقاً، سبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كنّا جلوساً ليلة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
حدثنا آدم حدثنا ورقاء عن ابن عبيد الله عن إسرائيل عن أبي حصين عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما (عتل بعد ذلك زنيم) قال: رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة.
حدثا أبو نعيم حدثنا سفيان عن معبد بن خالد قال سمعت حارثة بن وهب الخزاعي، قال سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقل ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف متضعف لو اتسم على الله لأبرّه، ألا أخبركم بأهل النار كل عتلّ جوّاظ مستكبر (يوم يكشف عن ساق).
حدثنا آدم حدّثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول يكشف ربّنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً.
الحاقّة
عيشةٍ راضية يريد فيها الرضا، القاضية الموتة الأولى التي متُّها، ثم أُحيا بعدها، من أحد عنه حاجزين أحد يكون للجمع وللواحد. وقال ابن عباس: الوتين نياط القلب. قال ابن عباس: طغى كثر، ويقال بالطاغية بطغيانهم، ويقال طغت على الخزّان كما طغى الماء على قوم نوح.
(سأل سائل)
الفصيلة أصغر آبائه القربى إليه ينتمي من انتمى للشّوى اليدان والرجلان والأطراف، وجلدة الرأس يقال لها شواة، وما كان غير مقتل فهو شوىً، والعزون الجماعات وواحدها عزة.
وأحرقى ذكاؤها، فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزّتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال يا رب قدّمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت، فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك، فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره، فيقول لا، وعزّتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك يابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت، فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عزّ وجلّ منه، ثم يأذن له في دخوله الجنة، فيقول تمنّ فيتمنّى حتى إذا انقطع أمنيّته، قال الله عزّ وجلّ: من كذا وكذا أقبل يذكره ربّه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك مثله معه، قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا قوله لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله.
باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود
حدّثنا يحيى بن بكير قال حدّثني بكر بن مضر عن جعفر عن ابن هرمز عن عبد الله بن مالك ابن بحينة أن النبي (صلّى الله عليه وآله) كان إذا صلّى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه وقال الليث حدّثني جعفر بن ربيعة نحوه.
... وحدّثني محمد بن رافع، حدّثنا شبابة، حدّثني ورقاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (تحاجّت النار والجنّة، فقالت النار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم. فقال الله للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار: أنت عذابي، أعذّب بك من أشاء من عبادي. ولكلّ واحدة منكم ملؤها. فأما النار فلا تمتلئ. فيضع قدمه عليها، فتقول: قط قط. فهنالك تمتلئ. ويزوى بعضها إلى بعض.
19ـ الاستغاثة بالنبي والأئمة (عليهم السلام)
يعترض علينا إذا قلنا: يا علي أو يا فاطمة أو يا رسول الله اقضوا حاجتي. يقولون: كيف تستغيثون بخلق الله وتطلبون حوائجكم منهم؟
الجواب: هل تجوز الاستغاثة بإنسان عادي إذا وقع شخص في ورطة؟ لو وقعت في حفرة وناديت صديقك: يا فلان أخرجني: هل هذا حرام؟ لو قلت لإنسان اقض لي حاجتي الفلانية، هل هذا حرام؟ قطعاً لا، فلماذا تكون الاستغاثة بالنبي وأهل بيته، وطلب الحاجات منهم حراماً؟! هل هم أقل شأناً من الناس العاديين؟
إن قلت هؤلاء أموات فالجواب: قوله سبحانه: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (50)، وقوله سبحانه: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (51) إذا كان الشهيد حياً وهو أقل منزلة من النبي وأهل بيته كثيراً، فهل يكون النبي وآله أمواتاً؟! تقول الرواية إن رسول الله استغاث بأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما حاصره الكفار في أحد وفر الناس المدعون للإسلام لم يبق إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) مدافعاً وعدة أشخاص آخرين من غير الأسماء المشهورة ـ لأن ذوي الأسماء والشخصيات كانوا أول الهاربين ـ حينئذ ـ تقول الروايات: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ينادي يا علي ادفع عني هذه الكتيبة فيقوم أمير المؤمنين بدفعها، ثم يقول ادفع عني هذه الكتيبة وهكذا فينزل جبرئيل ويقول يا رسول الله إن هذه لهي المواساة فيقول الرسول (صلّى الله عليه وآله) إنه مني وأنا منه. فإذا كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يستغيث بأمير المؤمنين ويستعين به فلماذا لا نفعلها نحن؟!!
نضيف هنا أيضاً، أن الحرام يحتاج إلى دليل، والأصل الإباحة في الأشياء، فكل من يدعي الحرمة عليه ذكر الدليل عليها وإلا كان مفترياً على الله سبحانه.
هناك من يقول: لم لا نقول يا الله، وجوابه: نحن نقول: يا الله ونقول يا محمد ويا علي ويا فاطمة، وإثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فإذا قلت: يا الله، هل معناه لا يجوز أن أقول: يا علي.
ما الدليل عليه، أثبت قولك وإلا فأنت مفتر كذاب.
20ـ تحريف القرآن
دائماً توجه إلينا تهمة القول بتحريف القرآن، وفي الحقيقة ينطبق هنا المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت، ذلك أن الذي يتهمنا بذلك ـ لوجود بعض الروايات في الكتب ـ أو لأن عالماً من العلماء قال ذلك، هذا الذي يتهمنا لو راجع صحاح الكتب التي يعتمدها لوجدها تذكر أحاديث تدل على التحريف ولا يمكن التنصل منها لأنها في الصحاح حسب عقيدته وإليك بعضها.
119- (1050) حدّثني سويد بن سعيد، حدّثنا علي بن مسهر عن داود، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن. فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم، فاتلوه، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنّا نقرأ سورة، كنّا نشبّهها في الطول والشدة ببراءة، فنسيتها، غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها بإحدى المسبّحات. فأنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.
صحيح مسلم (باب) لو أن لابن آدم واديين لا تبغي إليهما ثالثاً.
إذا كان مجرد وجود الحديث عندنا يوجب الإشكال علينا فلماذا لا تستشكلون وجوده في صحاح ما تعتمدون؟
وهذه أحاديث أخرى:
صحيح مسلم كتاب الحدود، باب 3-4
باب (4)، رجم الثيب في الزنى
15- (1691) حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى. قالا: حدّثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنّه سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب، وهو جالس على منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن الله قد بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل عليه آية الرجم. قرأناها ووعيناها وعقلناها. فرجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ورجمنا بعده. فأخشى، إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال والنساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف.
فأنكر عليّ وقال ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلمّا سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث به حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب على إن الله بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا ثم إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله...
أما نحن فكثير من الروايات التي قد تفيد تحريفاً وزيادة إما ضعيفة السند أو أن لها تأويلاً ومعنى آخر غير ما يظهر منها، فهل يصح لمن عنده روايات صحيحة في نظره ـ تدل على التحريف ـ أن يعترض على روايات ضعيفة ومأولة؟ وهذا الذي ذكرناه من رواياتهم أقل القليل وإلا فجميعها يحتاج إلى كتاب مستقل.
هذه مساجدنا وبيوتنا مليئة بالمصاحف ونقرأها ليلاً ونهاراً، ثم يأتينا كل يوم من يتهمنا بتحريف القرآن!!
الفهرس
مقدمة
الجمع بين الصلاتين
المسح على الرجلين
الزواج المؤقت
وقت صلاة المغرب ووقت الإفطار
تقبيل الأضرحة والتبرك بها
إقامة المآتم والبكاء على أهل البيت (عليهم السلام)
الصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع ترك ذكر الآل
الثقلان: الكتاب والعترة
عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)
الشفاعة
السجود
التقية
تسمية بعض أبناء الأئمة (عليهم السلام) بأسماء معينة
الإمامة والولاية
سبب نزول (عبس وتولى)
الصحابة
مصحف فاطمة (عليها السلام)
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
الاستغاثة بالنبي والأئمة (عليهم السلام)
تحريف القرآن
الهوامش:
1- سورة الإسراء، الآية 78.
2- سورة المائدة، الآية 6.
3- سورة النور، الآية 32.
4- سورة المعارج، الآية 29.
5- سورة النساء، الآية 24.
6- (نكاح المتعة) قال الإمام النوويّ: الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين: فكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر. ثم أبيحت يوم فتح مكّة، وهو يوم أوطاس، لاتصالهما. ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة. واستمر التحريم. قال القاضي: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل. لا ميراث فيها. وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق. ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض.
7- (ألا نستخص) أي ألا نفعل بأنفسنا ما يفعل الفحول من سلّ الخصي ونزع البيضة بشق جلدها، حتى تخلص من شهوة النفس ووسوسة الشيطان.
8- سورة المائدة، الآية 87.
9- (القبضة) بضم القاف وفتحها، والضم أفصح. قال الجوهري: القبضة بالضم، ما قبضت عليه من شيء. يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر: قال: وربما فتح.
10- (عام أوطاس) هذا تصريح بأنها أبيحت يوم فتح مكة. وهو يوم أوطاس شيء واحد. وأوطاس واد بالطائف. ويصرف ولا يصرف فمن صرفه أراد الوادي والمكان، ومن لم يصرفه أراد البقعة، كما في نظائره. وأكثر استعمالهم له غير مصروف.
11- (كأنها بكرة عيطاء) أما البكرة فهي الفتية من الإبل، أي الشابة القوية، وأما العيطاء فهي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام، والعيط طول العنق.
12- سورة الإسراء، الآية 78.
13- سورة البقرة، الآية 187.
14- سورة الشورى، الآية 23.
15- سورة الحج، الآية 32.
16- سورة الحشر، الآية 7.
17- (خما) اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير مشهور يضاف إلى الغيضة، فيقال: غدير خم.
18- ثقلين قال العلماء: سيما ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل: لثقل العمل بها.
19- سورة آل عمران، الآية 159.
20- سورة الحجر، الآية 42.
21- سورة طه، الآية 121.
22- سورة طه، الآية 118.
23- سباطة قوم: السباطة هي ملقى القمامة والتراب ونحوهما، تكون بفناء الدور، لأهلها. قال الخطابي: ويكون ذلك في الغالب سهلاً منثالاً يخدّ فيه البول، ولا يرتد على البائل. قال ابن الأثير: وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لأنها كانت مواتاً مباحة.
24- سورة البقرة، الآية 255.
25- سورة الأنبياء، الآية 28.
26- سورة مريم، الآية 87.
27- سورة آل عمران، الآية 28.
28- سورة النحل، الآية 16.
29- سورة غافر، الآية 28.
30- سورة البقرة، الآية 30.
31- سورة ص، الآية 26.
32- سورة البقرة، الآية 124.
33- سورة السجدة، الآية 24.
34- سورة المائدة، الآية 55.
35- سورة النساء، الآية 61.
36- سورة طه، الآية 36.
37- صمّنيها: أي أصمّوني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام. قال في المصباح: لا يستعمل الثلاثي متعدياً. ونقل ابن الأثير، في النهاية، الحديث هكذا: أصمّنيها الناس أي شغلوني عن سماعها، فكأنهم جعلوني أصم.
38- عصيبة: تصغير عصبة، وهي الجماعة، أي جماعة قليلة من المسلمين.
39- سورة القلم، الآية 4.
40- سورة آل عمران، الآية 159.
41- سورة التوبة، الآية 128.
42- سورة عبس، الآيات 1-10.
43- سورة الحجرات، الآية 13.
44- سورة التوبة، الآية 101.
45- سورة التوبة، الآية 101.
46- سورة التوبة، الآية 1.
47- سورة الأنعام، الآية 103.
48- سورة الأعراف، الآية 143.
49- سورة القيامة، الآية 22-23.
50- سورة آل عمران، الآية 169.
51- سورة البقرة، الآية 154.