[frame='9 80']
كيف تواجه المرأة نشوز زوجها؟
تحقيق: جيهان شعيب
يعتبر نشوز المرأة عاملاً رئيسياً ومبرراً للزوج لهجرها وعقابها، فيما يدينها الشرع الحنيف ان لجأت الى ذلك ويكون
عقابها مضاعفاً ومشدداً أمام رب العالمين سبحانه وتعالى. وإذا كان نشوز المرأة هو المعتاد والمعروف بين أبناء الدين الاسلامي،
فمن غير المعتاد نشوز الرجل وان كان موجوداً ومحدداً وعقوبته يقرها الشارع الحنيف بما يعيد للمرأة حقها ويحفظ
لها كرامتها ويصون كيان أسرتها. حول نشوز الرجل كقضية مؤرقة يتحدث عدد من علماء الدين في التحقيق الآتي:
بداية يشدد الشيخ محمد مصطفى على ان الرجل والمرأة متساويان أمام الله سبحانه وتعالى، لا فرق في نظرة الاسلام لهما من حيث كسبهما للثواب أو حتى الكسب الاقتصادي المشروع، ولا من حيث حريتهما في الاختيار ولا دورهما في تسديد المجتمع للصلاح، ولا من حيث الخضوع للقانون.
يقول الله تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم”. ويقول: “ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا”.
ويقول: هذه النظرة المتساوية تختلف في بعض جوانبها حين يقرر رجل وامرأة بناء حياة زوجية مشتركة، حيث يترتب على ذلك بناء مفاهيم جديدة، يفترض في كل من الرجل والمرأة الالتزام بها كحدود لله سبحانه وتعالى، وان خرق أي مفهوم منها يعد تجاوزاً للتقوى في العلاقات الزوجية، وقد حدد الله تعالى في القرآن الكريم أول مفاهيم التقوى في العلاقات الزوجية، بتعيين القيادة في هذه المؤسسة الجديدة، والتي يتوقع لها في المنظور القريب ان تتوسع عبر عملية الإنجاب، يقول تعالى: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”. وقد يفهم البعض ان إعطاء دور القيادة والمسؤولية في الأسرة للرجل يعد انقاصاً لحق المرأة، ونقضاً للنظرة العامة للاسلام للمرأة حين جعلها متساوية والرجل أمام الله سبحانه وتعالى. لكن التأمل الدقيق في هذا الاختصاص للرجل يكشف عن تحميله مسؤولية أعفيت المرأة منها لمنحها فرصة أوسع لممارسة حاجتها العاطفية في الأمومة. فقضية قوامة الرجل مثالها مثال مؤسسة يصدر مديرها لوائح، فوجود هذا المدير لا يعني أفضليته على غيره، وعدم تنفيذ هذه اللوائح يخل بسير الشركة، وإذا كان هذا في كل مؤسسة، فإن الأسرة التي هي لبنة المجتمع أولى بذلك، وكانت طبيعة الرجل أنسب للقوامة، وإنما جعلت له الطاعة في المعروف لأجل استقامة الأسرة، كما في المثال الذي سقته سابقاً، وفي المحصلة النهائية لهذا الاختصاص بقوامة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية، ينتج تكليف ألزم به الرجل بينما التشريف للمرأة، وقد يحدث اختراق لقانون القوامة في العلاقات الزوجية، إما من الزوجة أو من الزوج أو منهما معاً. وهو ما يسمى النشوز.
أما من الزوجة فحين ترى نفسها أقوى من شخصية زوجها، فتتجاوز ما ينبغي للزوج ان يقرر فيه فيما يتصل بقضايا الأسرة، ولربما اعتبرت المرأة ذلك حقاً طبيعياً لها، ولقد رأيت بعض النماذج من هذا النوع حيث تقرر المرأة حتى ما يفترض في الرجل كحق شرعي له مثل تزويج ابنته، أما الزوج فيخترق هذا القانون حين لا يقوم بمسؤوليته في العلاقة الزوجية ويترك الحبل على الغارب معتبراً نفسه معفياً من أية مسؤولية. ويحدث الاختراق من الزوج أيضاً حين يتعسف في إدارة العلاقة الزوجية فيلجأ للعقاب الصارم على كل صغيرة وكبيرة، مستغلاً ما منحه الله سبحانه وتعالى من قوامة على هذه المرأة، ولقد درج البعض في الماضي والحاضر على اللجوء للتنبيه الجسدي (الضرب المبرح) لفرض الهيمنة وإثبات الرجولة.
فالمراد بنشوز المرأة: خروجها عن طاعة الزوج في غير معصية ترفعاً عليه، واستكباراً عن طاعته، مما يعكر صفاء الأسرة، ويدفع الى التخاصم، ويكون حالها حال الإعراض دائماً، حتى فيما عليها من حقوق للزوج.
الوعظ أولاً
ويوضح ان نشوز الزوج: هو مضارته للزوجة فيما لا حق له فيه، وعدم إمساكه بالمعروف، أو تسريحه للمرأة بغير إحسان، أو تقصيره فيما عليه من حقوق، فكل هذا من نشوزه، وكل ذلك محرم، ويقول: لعل ما يعنينا هنا هو نشوز الزوج، فقد تكلم الكثيرون في نشوز المرأة، وكيفية معالجته منطلقين من فهم الآية الكريمة: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ان الله كان علياً كبيراً”، أما في حالة نشوز الزوج فإن الفقهاء يقولون: ان للزوجة ان تتوسل بوعظه، ان نفع معه، ولا يمكن لها ان تهجره في المضجع كما ان الضرب لا ينفع في حالة الرجل، بل عليها السعي للإصلاح معه.
وهنا ننصح الزوجة بالصبر عليه وعدم العناد ومعالجة الأمور بحكمة، وان تحاول معرفة سبب النشوز من خلال جلسة عائلية هادئة لتصفية الأمور وان تسعى بكل الطرق للصلح واسترضاء الزوج من أجل تحقيق المصلحة العامة للأسرة، وان تعترف بخطئها إذا كان نشوزه بسبب ذلك، ولا يخفى اثر الأطفال في إزالة أي خلاف بين الزوجين فالجميع يهتم بمصلحة الأبناء ويمكن استعمالهم كوسيلة فعالة في إيجاد التقارب والتفاهم بين الزوجة وزوجها.
يقول المولى عز وجل: “وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشّح وان تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً”، فقد وضعت الآية الكريمة العلاج والملاحظ فيها هو تكرار كلمة الصلح وعدم ذكر كلمة الطلاق أو الفراق.
الحكمة والصبر
ويؤكد انه على الزوجة ان تعالج نشوز زوجها بالحكمة والصبر، ويخلص الى انه يحرم النشوز من الزوج كما يحرم من الزوجة، ويصدق على الزوج انه ناشز إذا منع زوجته حقوقها الشرعية الواجبة لها ولو في بعض منها، وأساء خلقه معها وآذاها وضربها بغير سبب مبيح له، ويجب على المرأة والحالة تلك ان تنصحه وتذكره وتتلطف به وتعظه ليرجع عن غيه وظلمه، مع محاولة إدخال بعض الصالحين بغرض الإصلاح وإعادة الأمور الى نصابها بينهما، كالإمام أو العالم أو الداعية، أو رجل صالح من الأسرة، وإذا لم ينجح وينفع فيه وعظها أو محاولات الإصلاح المبذولة معه رفعت أمرها الى القاضي الشرعي حتى يلزمه برعاية حقوقها الشرعية بعد إثبات وجه تظلمها عنده، ولا يحق شرعاً للزوجة هجر زوجها الناشز ولا الإساءة اليه وان رجي بهما عودة الى الحق، وإذا نهى القاضي الشرعي الزوج الناشز فلم ينته عزره بما يراه مناسباً، ولو امتنع من الإنفاق مع قدرته جاز للقاضي ان ينفق عليها من مال الزوج نفسه، ولو ببيع شيء من عقاره إذا توقف عليه فإن تعذر ذلك أجبر على طلاقها أو هيأ القاضي لها الفسخ، ولو هجر الزوج زوجته وترك المبيت معها في ليلتها المخصصة لها ألزمه القاضي الشرعي بقضاء حقها، ووبخه وأنذره بما يقتضيه المقام فإن لم يجد النصح نفعاً عزره بما يراه مناسباً، والأولى ان يتقي الجميع الرب تعالى من رجال ونساء، وأزواج وزوجات، فإن أول متضرر هم الأولاد، من جراء سوء سلوك الوالدين أو أحدهما، والأفضل إعمال قوله تعالى: “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” والله أعلم.
حسن التعامل
ويقول الشيخ محمد سالم النقبي: قال الله تعالى: “ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”، فالزوج سكن ومودة، والزوجة راحة وطمأنينة، يسكن كل واحد منهما الى الآخر، ويرتاح في رحابه. وقد جعل الله تعالى كلا الزوجين سبباً في نسيان الهموم والغموم، وتهوين الصعاب والمشاق، وكل منهما يكمل نقصان الآخر، ويجبر خاطره، ويعين كل واحد منهما الآخر على الطاعة والعبادة.
والعلاقة الأسرية الطيبة تتحقق بتقوى الله تعالى من قبل كلا الزوجين، ومراقبته في السر والعلن، وفي الغيب والشهادة، ويتحقق الاستقرار الأسري إذا نظر كل واحد من الزوجين الى الزواج على انه عبادة يتقرب بها كل واحد منهما الى الله سبحانه، في ظل الحرص على هذه المعاني، وبهذه الدعائم القوية، تنعم الأسرة بالسعادة، وتحيا في جو من المودة، ويسود الاستقرار جو الأسرة، ويقوم البيت السعيد، لأنه عامر بالصلاة والقرآن، تظلله المحبة والوئام، وتنشأ الذرية الصالحة، فتكون قرة أعين للوالدين، ومصدر خير لهما في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: “من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”.
ويلفت انتباه الأزواج الى أنواع من حسن التعامل، مارسها النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، وهذه الأنواع لها أعظم الأثر في استقرار الأسرة، وترابط الزوجين، مركزاً على الأزواج لما آل اليه حال كثير من الأزواج من تساهل في الاهتمام بزوجاتهم، وقلة اهتمام ببيوتهم، وترك رعاية أولادهم فيقول: أول أنواع حسن التعامل الكرم العاطفي بأن يظهر الزوج لزوجته مشاعر الحب والود، فكما ان الزوج يحب ان يسمع من زوجته هذه الكلمات الحلوة الجميلة، والجمل اللطيفة، والعبارات الرقيقة، فكذلك الزوجة تحب ذلك وتطرب له، وتستأنس به، وتشعر بأن لها عند زوجها مكانة خاصة، ومنزلة عالية.
ونضرب أمثلة لذلك من حياة قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وكيف كان يحسن الكلام مع زوجاته، ويتلطف معهن في العبارات، ومن تلك المواقف هذا الموقف الكريم، حين سألت أمنا عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كعقدة الحبل. ثم سألته بعد فترة: كيف العقدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على حالها. أي لم تتغير. فهذا الموقف يدل على حسن العشرة، وعلى التلطف في الحديث، وعلى ان الزوج لا بد ان يعبر عن مشاعره تجاه زوجته، ولا يكتم تلك المشاعر، وهذا ما يسمى بالمشاعر الحية، حيث ان النبي صلى الله عليه وسلم وصف لعائشة رضي الله عنها حبه لها كعقدة الحبل، أي ان الحب مربوط في قلبه، ومؤكد ان هذه الكلمات أدخلت الفرح والسرور على الزوجة، عندما استمعت الى مشاعر زوجها، ولنتخيل مشاعر أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عندما استمتعت لهذه الكلمات، ولنتخيل درجة سعادتها بتلك الكلمات الرقيقة التي تصف حب زوجها لها.
فكون النبي صلى الله عليه وسلم يصف حبه وعاطفته لعائشة رضي الله عنها فمعنى هذا انه يلاطفها ويدللها، ويعطي الزوجة ما تتمنى سماعه من زوجها وحبيبها، وهذا مقام عال في التعامل بين الزوجين، لأن فيه اشباعاً للعاطفة، وراحة للمشاعر، ولهذا روى ابن عساكر عن السيدة عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ما أبالي بالموت بعد ان عرفت انك زوجتي بالجنة.
فمن حسن العشرة والمعاملة بين الزوجين ان يظهر الزوج لزوجته عواطفه نحوها، وها هي زوجة تصف زوجها مادحة فقالت: والله لقد كان ضحوكاً إذا ولج، سكيتاً إذا خرج، آكلاً ما وجد، غير سائل عما فقد.
وثاني أنواع حسن المعاملة: الكرم بالوقت، بأن يجعل الزوج جزءاً من وقته لبيته وأسرته، يتابع أولاده، وينصح أهله، ويرفه عنهم، ويتعرف الى احتياجاتهم، ويوفر طلباتهم، ومن ذلك الموقف اللطيف الخفيف من النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حين سابقها مرتين، ففي المرة الأولى غلبته، وفي المرة الثانية غلبها، وقال: هذه بتلك، أي واحدة بواحدة. قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبين ان تري لعبهم؟ قالت: قلت نعم. فأرسل اليهم فجاؤوا، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده، فوضعت ذقني على يده، وجعلوا يلعبون وأنظر، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسبك؟ وأقول: اسكت مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: يا عائشة.. حسبك؟ فقلت: نعم، فأشار اليهم فانصرفوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله”.
فليس كل الوقت للأصحاب أو العمل، أو الترفيه الشخصي الأناني بحيث يخرج بنفسه فقط، أو الجلوس في المقاهي الساعات الطوال. فهذا الزوج تخلى عن مملكته الصغيرة، وهي بيته وأسرته، ولم تعد لها مكانة مهمة في حياته، ففضل خارج البيت على داخله. وهذا حال بعض الأزواج، ولو سألت الواحد منهم: متى ترى زوجتك؟ قال: وقت النوم، فلا يدري عن احتياجات البيت، ولا يدري عن مشكلات الأولاد، ولا يوجه أبناءه، ولا يسامر زوجته، وتراه يلقي الجمل بما حمل على الزوجة، وهذا مخالف لما أمر الله تعالى به، في قوله: “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً”. ومخالف لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: “كلكم راع، وكلم مسؤول عن رعيته، فالرجل في بيته راع وهو مسؤول عن رعيته”. فالله سبحانه وتعالى سيسأل كل زوج عن رعيته، عن الزوجة والأولاد، هل أحسن اليهم؟ أم فرَّط في حقوقهم وفي متابعتهم؟
الكرم المالي
وثالث أنواع حسن المعاملة، الكرم المالي: بالإنفاق على الزوجة والأسرة، وتلبية احتياجاتهم من طعام وشراب وملبس ومسكن كريم، بأن يهيئ لهم اسباب الحياة الكريمة، ويوفر لهم ما يقيم حياتهم، وألا يبخل عليهم بما يحتاجونه وهو قادر على توفيره، وبعض الأزواج تراه كريماً مع اصحابه، وسخياً مع الناس، ولكنه بخيل ومقتر على أسرته، ولا يوفر لهم أبسط احتياجاتهم، ويتخلى عن التزاماته المالية نحوهم، وترى أفراد اسرته يلجأون الى المحاكم والقضاء من أجل ان يوفر لهم أبسط ما يحتاجون، او يدفعهم الى طلب العون والمساعدة من الشؤون الاجتماعية، أو الجمعيات الخيرية، أو استجداء أهل البر والإحسان من ميسوري الحال. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: “ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها اذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تُقبّح، ولا تهجر إلا في البيت”، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف حقوق الزوجة على زوجها، فذكر توفير الطعام والشراب، وذكر توفير الكسوة واللباس، ونهى عن ضرب الوجه، والنهي هنا يقتضي التحريم، فالضرب على الوجه حرام، لأنه مجمع كرامة الإنسان. ونهى عن سب وشتم المرأة، ونهى عن هجر المرأة، وعن مقاطعتها خارج البيت، فإن ثمة خصام، فحدوده أسوار البيت وجدرانه.
رعاية الأسرة
ومن الأمور التي ينبغي التذكير بها، أهمية قيام الزوج بدوره في بيته، ورعاية اسرته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. فبين النبي صلى الله عليه وسلم ان خير الناس هو الافضل في تعامله مع أهله، والذي يحسن معاشرتهم، ويتلطف في معاملتهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل من يعامل اهله، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم كل زوج ان يهتم بأسرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيراً”.
وأيها الزوج كما أن لك على الزوجة حقوقاً تطالب بها وتغضب اذا أهملتها زوجتك، فكذلك لزوجتك عليك حقوق، وتغضب كما تغضب إذا أنت تهاونت في أدائها، قال الله تعالى: “وَلَهُنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف وللرجال عليهن درجة”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. وقد قيل: كما تدين تدان، فإذا أحسنت الحقوق الواجبة لزوجتك، فتأكد أن الزوجة ستحسن أداء حقوقك.
باب الحوار
وينصح عبدالرحمن الرئيسي العضو الإعلامي بلجنة رباط المودة في عجمان الزوجة التي لا يراعي زوجها فيها الله في معاملته وحق الزوجية بشكل عام، بأن تفتح معه باب الحوار لأنه لا يوازيه اي شيء آخر، وعليها ان تختار المكان والزمان المناسبين للحوار وأن تفكر في الحديث البناء وليس النقاش او الجدال حتى تصل مع زوجها الى حل المعضلات والمشكلات التي تواجه حياتهما الزوجية، وإذا لم تجد في ذلك نفعاً فعليها اللجوء الى احد ذوي القربى من أهل الحكمة والرأي والمشورة لكي ينصح زوجها ويصلح ذات البين بينهما، وعليها ألا تلجأ الى اي شخص في ذلك بل تختار شخصاً ذا خبرة ودراية، وان لم يجد ذلك فعليها اللجوء الى اصحاب الاختصاص في المجال الاسري فإن لم ينفع هذا ايضا فآخر الدواء الكي، وهو اللجوء الى المحكمة او القضاء.
ويقول: في كل ما سبق ينبغي على الزوجة ألا تنسى شيئا مهماً وهو اللجوء الى الله سبحانه وتعالى ليهدي شريكها، وان أخلصت في الدعاء فإن الله جل وعلا بعباده لطيف خبير.
[/frame] تحقيق: جيهان شعيب
يعتبر نشوز المرأة عاملاً رئيسياً ومبرراً للزوج لهجرها وعقابها، فيما يدينها الشرع الحنيف ان لجأت الى ذلك ويكون
عقابها مضاعفاً ومشدداً أمام رب العالمين سبحانه وتعالى. وإذا كان نشوز المرأة هو المعتاد والمعروف بين أبناء الدين الاسلامي،
فمن غير المعتاد نشوز الرجل وان كان موجوداً ومحدداً وعقوبته يقرها الشارع الحنيف بما يعيد للمرأة حقها ويحفظ
لها كرامتها ويصون كيان أسرتها. حول نشوز الرجل كقضية مؤرقة يتحدث عدد من علماء الدين في التحقيق الآتي:
بداية يشدد الشيخ محمد مصطفى على ان الرجل والمرأة متساويان أمام الله سبحانه وتعالى، لا فرق في نظرة الاسلام لهما من حيث كسبهما للثواب أو حتى الكسب الاقتصادي المشروع، ولا من حيث حريتهما في الاختيار ولا دورهما في تسديد المجتمع للصلاح، ولا من حيث الخضوع للقانون.
يقول الله تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم”. ويقول: “ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا”.
ويقول: هذه النظرة المتساوية تختلف في بعض جوانبها حين يقرر رجل وامرأة بناء حياة زوجية مشتركة، حيث يترتب على ذلك بناء مفاهيم جديدة، يفترض في كل من الرجل والمرأة الالتزام بها كحدود لله سبحانه وتعالى، وان خرق أي مفهوم منها يعد تجاوزاً للتقوى في العلاقات الزوجية، وقد حدد الله تعالى في القرآن الكريم أول مفاهيم التقوى في العلاقات الزوجية، بتعيين القيادة في هذه المؤسسة الجديدة، والتي يتوقع لها في المنظور القريب ان تتوسع عبر عملية الإنجاب، يقول تعالى: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”. وقد يفهم البعض ان إعطاء دور القيادة والمسؤولية في الأسرة للرجل يعد انقاصاً لحق المرأة، ونقضاً للنظرة العامة للاسلام للمرأة حين جعلها متساوية والرجل أمام الله سبحانه وتعالى. لكن التأمل الدقيق في هذا الاختصاص للرجل يكشف عن تحميله مسؤولية أعفيت المرأة منها لمنحها فرصة أوسع لممارسة حاجتها العاطفية في الأمومة. فقضية قوامة الرجل مثالها مثال مؤسسة يصدر مديرها لوائح، فوجود هذا المدير لا يعني أفضليته على غيره، وعدم تنفيذ هذه اللوائح يخل بسير الشركة، وإذا كان هذا في كل مؤسسة، فإن الأسرة التي هي لبنة المجتمع أولى بذلك، وكانت طبيعة الرجل أنسب للقوامة، وإنما جعلت له الطاعة في المعروف لأجل استقامة الأسرة، كما في المثال الذي سقته سابقاً، وفي المحصلة النهائية لهذا الاختصاص بقوامة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية، ينتج تكليف ألزم به الرجل بينما التشريف للمرأة، وقد يحدث اختراق لقانون القوامة في العلاقات الزوجية، إما من الزوجة أو من الزوج أو منهما معاً. وهو ما يسمى النشوز.
أما من الزوجة فحين ترى نفسها أقوى من شخصية زوجها، فتتجاوز ما ينبغي للزوج ان يقرر فيه فيما يتصل بقضايا الأسرة، ولربما اعتبرت المرأة ذلك حقاً طبيعياً لها، ولقد رأيت بعض النماذج من هذا النوع حيث تقرر المرأة حتى ما يفترض في الرجل كحق شرعي له مثل تزويج ابنته، أما الزوج فيخترق هذا القانون حين لا يقوم بمسؤوليته في العلاقة الزوجية ويترك الحبل على الغارب معتبراً نفسه معفياً من أية مسؤولية. ويحدث الاختراق من الزوج أيضاً حين يتعسف في إدارة العلاقة الزوجية فيلجأ للعقاب الصارم على كل صغيرة وكبيرة، مستغلاً ما منحه الله سبحانه وتعالى من قوامة على هذه المرأة، ولقد درج البعض في الماضي والحاضر على اللجوء للتنبيه الجسدي (الضرب المبرح) لفرض الهيمنة وإثبات الرجولة.
فالمراد بنشوز المرأة: خروجها عن طاعة الزوج في غير معصية ترفعاً عليه، واستكباراً عن طاعته، مما يعكر صفاء الأسرة، ويدفع الى التخاصم، ويكون حالها حال الإعراض دائماً، حتى فيما عليها من حقوق للزوج.
الوعظ أولاً
ويوضح ان نشوز الزوج: هو مضارته للزوجة فيما لا حق له فيه، وعدم إمساكه بالمعروف، أو تسريحه للمرأة بغير إحسان، أو تقصيره فيما عليه من حقوق، فكل هذا من نشوزه، وكل ذلك محرم، ويقول: لعل ما يعنينا هنا هو نشوز الزوج، فقد تكلم الكثيرون في نشوز المرأة، وكيفية معالجته منطلقين من فهم الآية الكريمة: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ان الله كان علياً كبيراً”، أما في حالة نشوز الزوج فإن الفقهاء يقولون: ان للزوجة ان تتوسل بوعظه، ان نفع معه، ولا يمكن لها ان تهجره في المضجع كما ان الضرب لا ينفع في حالة الرجل، بل عليها السعي للإصلاح معه.
وهنا ننصح الزوجة بالصبر عليه وعدم العناد ومعالجة الأمور بحكمة، وان تحاول معرفة سبب النشوز من خلال جلسة عائلية هادئة لتصفية الأمور وان تسعى بكل الطرق للصلح واسترضاء الزوج من أجل تحقيق المصلحة العامة للأسرة، وان تعترف بخطئها إذا كان نشوزه بسبب ذلك، ولا يخفى اثر الأطفال في إزالة أي خلاف بين الزوجين فالجميع يهتم بمصلحة الأبناء ويمكن استعمالهم كوسيلة فعالة في إيجاد التقارب والتفاهم بين الزوجة وزوجها.
يقول المولى عز وجل: “وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشّح وان تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً”، فقد وضعت الآية الكريمة العلاج والملاحظ فيها هو تكرار كلمة الصلح وعدم ذكر كلمة الطلاق أو الفراق.
الحكمة والصبر
ويؤكد انه على الزوجة ان تعالج نشوز زوجها بالحكمة والصبر، ويخلص الى انه يحرم النشوز من الزوج كما يحرم من الزوجة، ويصدق على الزوج انه ناشز إذا منع زوجته حقوقها الشرعية الواجبة لها ولو في بعض منها، وأساء خلقه معها وآذاها وضربها بغير سبب مبيح له، ويجب على المرأة والحالة تلك ان تنصحه وتذكره وتتلطف به وتعظه ليرجع عن غيه وظلمه، مع محاولة إدخال بعض الصالحين بغرض الإصلاح وإعادة الأمور الى نصابها بينهما، كالإمام أو العالم أو الداعية، أو رجل صالح من الأسرة، وإذا لم ينجح وينفع فيه وعظها أو محاولات الإصلاح المبذولة معه رفعت أمرها الى القاضي الشرعي حتى يلزمه برعاية حقوقها الشرعية بعد إثبات وجه تظلمها عنده، ولا يحق شرعاً للزوجة هجر زوجها الناشز ولا الإساءة اليه وان رجي بهما عودة الى الحق، وإذا نهى القاضي الشرعي الزوج الناشز فلم ينته عزره بما يراه مناسباً، ولو امتنع من الإنفاق مع قدرته جاز للقاضي ان ينفق عليها من مال الزوج نفسه، ولو ببيع شيء من عقاره إذا توقف عليه فإن تعذر ذلك أجبر على طلاقها أو هيأ القاضي لها الفسخ، ولو هجر الزوج زوجته وترك المبيت معها في ليلتها المخصصة لها ألزمه القاضي الشرعي بقضاء حقها، ووبخه وأنذره بما يقتضيه المقام فإن لم يجد النصح نفعاً عزره بما يراه مناسباً، والأولى ان يتقي الجميع الرب تعالى من رجال ونساء، وأزواج وزوجات، فإن أول متضرر هم الأولاد، من جراء سوء سلوك الوالدين أو أحدهما، والأفضل إعمال قوله تعالى: “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” والله أعلم.
حسن التعامل
ويقول الشيخ محمد سالم النقبي: قال الله تعالى: “ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”، فالزوج سكن ومودة، والزوجة راحة وطمأنينة، يسكن كل واحد منهما الى الآخر، ويرتاح في رحابه. وقد جعل الله تعالى كلا الزوجين سبباً في نسيان الهموم والغموم، وتهوين الصعاب والمشاق، وكل منهما يكمل نقصان الآخر، ويجبر خاطره، ويعين كل واحد منهما الآخر على الطاعة والعبادة.
والعلاقة الأسرية الطيبة تتحقق بتقوى الله تعالى من قبل كلا الزوجين، ومراقبته في السر والعلن، وفي الغيب والشهادة، ويتحقق الاستقرار الأسري إذا نظر كل واحد من الزوجين الى الزواج على انه عبادة يتقرب بها كل واحد منهما الى الله سبحانه، في ظل الحرص على هذه المعاني، وبهذه الدعائم القوية، تنعم الأسرة بالسعادة، وتحيا في جو من المودة، ويسود الاستقرار جو الأسرة، ويقوم البيت السعيد، لأنه عامر بالصلاة والقرآن، تظلله المحبة والوئام، وتنشأ الذرية الصالحة، فتكون قرة أعين للوالدين، ومصدر خير لهما في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: “من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”.
ويلفت انتباه الأزواج الى أنواع من حسن التعامل، مارسها النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، وهذه الأنواع لها أعظم الأثر في استقرار الأسرة، وترابط الزوجين، مركزاً على الأزواج لما آل اليه حال كثير من الأزواج من تساهل في الاهتمام بزوجاتهم، وقلة اهتمام ببيوتهم، وترك رعاية أولادهم فيقول: أول أنواع حسن التعامل الكرم العاطفي بأن يظهر الزوج لزوجته مشاعر الحب والود، فكما ان الزوج يحب ان يسمع من زوجته هذه الكلمات الحلوة الجميلة، والجمل اللطيفة، والعبارات الرقيقة، فكذلك الزوجة تحب ذلك وتطرب له، وتستأنس به، وتشعر بأن لها عند زوجها مكانة خاصة، ومنزلة عالية.
ونضرب أمثلة لذلك من حياة قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وكيف كان يحسن الكلام مع زوجاته، ويتلطف معهن في العبارات، ومن تلك المواقف هذا الموقف الكريم، حين سألت أمنا عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كعقدة الحبل. ثم سألته بعد فترة: كيف العقدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على حالها. أي لم تتغير. فهذا الموقف يدل على حسن العشرة، وعلى التلطف في الحديث، وعلى ان الزوج لا بد ان يعبر عن مشاعره تجاه زوجته، ولا يكتم تلك المشاعر، وهذا ما يسمى بالمشاعر الحية، حيث ان النبي صلى الله عليه وسلم وصف لعائشة رضي الله عنها حبه لها كعقدة الحبل، أي ان الحب مربوط في قلبه، ومؤكد ان هذه الكلمات أدخلت الفرح والسرور على الزوجة، عندما استمعت الى مشاعر زوجها، ولنتخيل مشاعر أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عندما استمتعت لهذه الكلمات، ولنتخيل درجة سعادتها بتلك الكلمات الرقيقة التي تصف حب زوجها لها.
فكون النبي صلى الله عليه وسلم يصف حبه وعاطفته لعائشة رضي الله عنها فمعنى هذا انه يلاطفها ويدللها، ويعطي الزوجة ما تتمنى سماعه من زوجها وحبيبها، وهذا مقام عال في التعامل بين الزوجين، لأن فيه اشباعاً للعاطفة، وراحة للمشاعر، ولهذا روى ابن عساكر عن السيدة عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ما أبالي بالموت بعد ان عرفت انك زوجتي بالجنة.
فمن حسن العشرة والمعاملة بين الزوجين ان يظهر الزوج لزوجته عواطفه نحوها، وها هي زوجة تصف زوجها مادحة فقالت: والله لقد كان ضحوكاً إذا ولج، سكيتاً إذا خرج، آكلاً ما وجد، غير سائل عما فقد.
وثاني أنواع حسن المعاملة: الكرم بالوقت، بأن يجعل الزوج جزءاً من وقته لبيته وأسرته، يتابع أولاده، وينصح أهله، ويرفه عنهم، ويتعرف الى احتياجاتهم، ويوفر طلباتهم، ومن ذلك الموقف اللطيف الخفيف من النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حين سابقها مرتين، ففي المرة الأولى غلبته، وفي المرة الثانية غلبها، وقال: هذه بتلك، أي واحدة بواحدة. قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبين ان تري لعبهم؟ قالت: قلت نعم. فأرسل اليهم فجاؤوا، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده، فوضعت ذقني على يده، وجعلوا يلعبون وأنظر، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسبك؟ وأقول: اسكت مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: يا عائشة.. حسبك؟ فقلت: نعم، فأشار اليهم فانصرفوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله”.
فليس كل الوقت للأصحاب أو العمل، أو الترفيه الشخصي الأناني بحيث يخرج بنفسه فقط، أو الجلوس في المقاهي الساعات الطوال. فهذا الزوج تخلى عن مملكته الصغيرة، وهي بيته وأسرته، ولم تعد لها مكانة مهمة في حياته، ففضل خارج البيت على داخله. وهذا حال بعض الأزواج، ولو سألت الواحد منهم: متى ترى زوجتك؟ قال: وقت النوم، فلا يدري عن احتياجات البيت، ولا يدري عن مشكلات الأولاد، ولا يوجه أبناءه، ولا يسامر زوجته، وتراه يلقي الجمل بما حمل على الزوجة، وهذا مخالف لما أمر الله تعالى به، في قوله: “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً”. ومخالف لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: “كلكم راع، وكلم مسؤول عن رعيته، فالرجل في بيته راع وهو مسؤول عن رعيته”. فالله سبحانه وتعالى سيسأل كل زوج عن رعيته، عن الزوجة والأولاد، هل أحسن اليهم؟ أم فرَّط في حقوقهم وفي متابعتهم؟
الكرم المالي
وثالث أنواع حسن المعاملة، الكرم المالي: بالإنفاق على الزوجة والأسرة، وتلبية احتياجاتهم من طعام وشراب وملبس ومسكن كريم، بأن يهيئ لهم اسباب الحياة الكريمة، ويوفر لهم ما يقيم حياتهم، وألا يبخل عليهم بما يحتاجونه وهو قادر على توفيره، وبعض الأزواج تراه كريماً مع اصحابه، وسخياً مع الناس، ولكنه بخيل ومقتر على أسرته، ولا يوفر لهم أبسط احتياجاتهم، ويتخلى عن التزاماته المالية نحوهم، وترى أفراد اسرته يلجأون الى المحاكم والقضاء من أجل ان يوفر لهم أبسط ما يحتاجون، او يدفعهم الى طلب العون والمساعدة من الشؤون الاجتماعية، أو الجمعيات الخيرية، أو استجداء أهل البر والإحسان من ميسوري الحال. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: “ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها اذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تُقبّح، ولا تهجر إلا في البيت”، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف حقوق الزوجة على زوجها، فذكر توفير الطعام والشراب، وذكر توفير الكسوة واللباس، ونهى عن ضرب الوجه، والنهي هنا يقتضي التحريم، فالضرب على الوجه حرام، لأنه مجمع كرامة الإنسان. ونهى عن سب وشتم المرأة، ونهى عن هجر المرأة، وعن مقاطعتها خارج البيت، فإن ثمة خصام، فحدوده أسوار البيت وجدرانه.
رعاية الأسرة
ومن الأمور التي ينبغي التذكير بها، أهمية قيام الزوج بدوره في بيته، ورعاية اسرته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. فبين النبي صلى الله عليه وسلم ان خير الناس هو الافضل في تعامله مع أهله، والذي يحسن معاشرتهم، ويتلطف في معاملتهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل من يعامل اهله، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم كل زوج ان يهتم بأسرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيراً”.
وأيها الزوج كما أن لك على الزوجة حقوقاً تطالب بها وتغضب اذا أهملتها زوجتك، فكذلك لزوجتك عليك حقوق، وتغضب كما تغضب إذا أنت تهاونت في أدائها، قال الله تعالى: “وَلَهُنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف وللرجال عليهن درجة”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. وقد قيل: كما تدين تدان، فإذا أحسنت الحقوق الواجبة لزوجتك، فتأكد أن الزوجة ستحسن أداء حقوقك.
باب الحوار
وينصح عبدالرحمن الرئيسي العضو الإعلامي بلجنة رباط المودة في عجمان الزوجة التي لا يراعي زوجها فيها الله في معاملته وحق الزوجية بشكل عام، بأن تفتح معه باب الحوار لأنه لا يوازيه اي شيء آخر، وعليها ان تختار المكان والزمان المناسبين للحوار وأن تفكر في الحديث البناء وليس النقاش او الجدال حتى تصل مع زوجها الى حل المعضلات والمشكلات التي تواجه حياتهما الزوجية، وإذا لم تجد في ذلك نفعاً فعليها اللجوء الى احد ذوي القربى من أهل الحكمة والرأي والمشورة لكي ينصح زوجها ويصلح ذات البين بينهما، وعليها ألا تلجأ الى اي شخص في ذلك بل تختار شخصاً ذا خبرة ودراية، وان لم يجد ذلك فعليها اللجوء الى اصحاب الاختصاص في المجال الاسري فإن لم ينفع هذا ايضا فآخر الدواء الكي، وهو اللجوء الى المحكمة او القضاء.
ويقول: في كل ما سبق ينبغي على الزوجة ألا تنسى شيئا مهماً وهو اللجوء الى الله سبحانه وتعالى ليهدي شريكها، وان أخلصت في الدعاء فإن الله جل وعلا بعباده لطيف خبير.