لحياة في القرية كانت تقوم على الثالوث.. النخلة والفلج والحمار ◄ كنتُ ضمن الدفعة الأولى التى نالت الشهادة الإعدادية فى السلطنة
◄ العلاقات الاجتماعية فى السابق كانت أمتن والوشائج أقوى بفضل لقاءات "السبلة"
◄ نلت الماجستير من جامعة الزيتونة في "أصول بيت المال فى عُمان وأثرها الحضاري"
الشيخ أحمد بن سعود السيابى أمين عام مكتب المفتى العام للسلطنة.. رجل قهر الصعاب، وسعى جاهدًا لتجاوز التحديات التي كانت تحول بينه وبين تحقيق أهدافه في التحصيل العلمي والارتقاء الوظيفي؛ فكان أن وفقه الله فيهما معًا؛ حيث يتسنَّم حاليًا منصب أمين عام مكتب المفتى العام للسلطنة؛ متدرجًا من أدني درجات السلم الوظيفي إلى أعلاها؛ كاتبًا ثم مساعد أمين مكتبة، وموجه تربية إسلامية، ورئيس قسم العلاقات العامة، ثم مدير دائرة المدارس القرآنية؛ فمدير مكتب المفتي، ومدير عام للشؤون الإسلامية، مدير عام لمكتب الإفتاء، ومستشار للأوقاف والشؤون الإسلامية، وقائم بأعمال وكيل الأوقاف والشئون الإسلامية.
أما مسيرة التحصيل، فقد بدأها بالدراسة التقليدية في مسجد الخور بمسقط في اللغة العربية والشريعة الإسلامية، ومن ثم حصل على ليسانس من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة بيروت العربية، ثم دبلوم عالٍ في الشريعة الإسلامية من دار العلوم-جامعة القاهرة، وماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الزيتونة-بتونس.
متابعة - قسم المحليات
إذن.. مسيرة طويلة وشاقة قطعها الشيخ أحمد في رحلتيْ التحصيل والعمل، وقد استحوذتْ تفاصيل هذه الرحلة على حديث الشيخ في صالون "الرؤية"، الذي سعد باستضافته لإضاءة جوانب من مسيرته العلمية والعملية.
النشأة والتكوين العلمي
ويستهل الشيخ أحمد السيابي حديثه بالإشارة إلى بدايات نشأته فى منطقة (نفعا)، والتي بدأت فيها ملامح شخصيته بالتشكُّل بتأثير المجتمع الذى كان يعيش فيه، ودراسة وحفظ القرآن، إضافة إلى ما اتسمت به تلك الفترة من تنقل بين المناطق بحثًا عن العلم.. ويبدو أن التنقل هو قدر شيخنا حيث ظل يلازمه حتى عندما تم توظيفه؛ حيث تنقل كثيرًا بين الوزارات والمؤسسات؛ ومنها وزارتا التربية والأوقاف والشؤون الدينية.
ويقول الشيخ أحمد السيابى: "أبصرت النور فى بلدة نفعا التابعة لولاية بدبد فى العام 1954م حسبما أخبرني والدي، وكانت الحياة فيها بدائية حيث لا علاج ولا مستشفيات ولا مواصلات أو اتصالات، وكانت الحياة قائمة على الثلاثي: النخلة والفلج والحمار. الحمار كوسيلة للتنقل، والفلج كمورد مائي، والنخلة كمصدر للغذاء. ونفعا هى منطقة مكوَّنة من قبيلة واحدة وهي قبيلة "السيابيين"، أو يمكن اعتبارها عاصمة القبيلة أو مقر برلمان القبيلة، إلى جانب انتشار أبناء القبيلة فى ولاية نخل والباطنة، إلا أن مشيخة القبيلة موجودة فى نفعا.
ويمضي الشيخ واصفًا الحياة الاجتماعية وقتئذ: التواصل الاجتماعى كان مزدهرًا؛ نظرًا للبساطة والترابط؛ مما يجعل الجميع على معرفة ببعضهم البعض. ويقول: بالنسبة لى كنت أعرف كل رجل وامراة في نفعا؛ مما يدل على أن التواصل الاجتماعى كان قويًّا جدًّا على عكس الآن.
ويضيف: كانت رعاية النخلة تمثل الاهتمام بالزراعة، وتوسع نطاق المعرفة بالاخرين؛ حيث يتيح التجمعات والزيارات واللقاءات. ويرى الشيخ أحمد أن الزمن الآن اختلف كثيرًا، فلم يعد التواصل كما كان؛ فالفرد الآن لا يعرف أبناء أعمامه؛ بسبب تباعد المساكن والمسافات، وتوزعهم على المناطق، كما أن البيئة لم تعد كسابق عهدها، إضافة إلى أن المنازل أصبحت محصورة فى القوالب الأسمنتية والحديدية. أما فى السابق فالبيوت كانت مفتوحة ومتصلة مع بعضها البعض؛ الرجال لهم أماكن، والنساء أيضًا لهن مواقع يتجمَّعن فيها، وكل هذا يُعزز لُحمة التواصل الاجتماعي ويمتِّن وشائج القربى.
ويستطرد: بعد صلاة الفجر، يكون التجمع فى "السبلة"، ويُعد من العيب ألا يحضر الرجل للسبلة، أو أن يشرب قهوته فى منزله، ولابد أن يتناولها مع المجموعة فى الحارة، وبعد صلاة الفجر وتلاوة القران يتجمَّع الرجال في "السبلة"، وتقدَّم القهوة والتمر، وبعدها يتم التوجه إلى الأعمال، وتكون العودة مرة أخرى عقب تناول وجبة الغداء التي كانت قبل صلاة الظهر، وكانوا يتسامرون ثم يصلون العشاء في الساعة التاسعة، والتقديم الذى حدث الآن وافد على مسقط من زنجبار، حيث تكون صلاة العشاء أولًا، ومن ثم الذهاب إلى المنازل لتناول وجبة العشاء.
ويواصل السيابي حديثه عن التواصل الاجتماعي بالقول: العلاقات الاجتماعية كانت قوية جدًّا، الأب مرتبط بابنه، والأم بابنتها، فالابن يلازم والده باستمرار، والأم تصطحب ابنتها إلى تجمعات النساء، على مستوى الحارة مرتين أو ثلاث مرات فى اليوم حتى يتم الاعتياد على هذا التقارب، وترسيخًا للمبادئ والقيم، ولكن -وفي الوقت نفسه- لايُسمح لهم بالحديث، وإذا حدث وأن بادر أحد الأبناء بالكلام في حضور الرجال يُنظر إليه شذرًا؛ الأمر الذي انعكس على سلوك العُمانيين فأصبحوا لا يُبادرون بالحديث أو فتح النقاش فى موضوع ما، ولكن هذه "العقدة" -كما وصفها- تم حلها بعد ذلك بالاتصال بالآخرين داخل وخارج عُمان، وعن طريق الأسفار والدراسة فى الخارج والندوات والمؤتمرات وغير ذلك.
الدراسة فى نفعا وختم القرآن
ويروي الشيخ أحمد أن الدراسة كانت تقوم على تعليم الصلاة والقرآن، وتقتصر على الأماكن التى تدرس علوم الشريعة واللغة العربية فى سمائل ونزوى وبهلا، والتى كانت تشكل مركز حضارة علمية فى عُمان، وكان الناس في السابق يحرصون على تعليم أبنائهم وإدخالهم مدارس القرآن "الكتاتيب"؛ حيث لا يترك ولد أو بنت فى سن الخامسة أو السادسة من العمر، دون أن يلحق بتلك المدارس، ويقول: كان والدي قد أوفدني إلى معلم القرآن آنذاك خليفين بن حميد السيابى، وأن دراسة القرآن لم تكن تعتمد على الحفظ، بل على الدراسة النظرية، و(نفعا) كان بها أربع مدارس قرآنية، وقد ختمت القرآن فى الثامنة من عمري.
ويواصل: ختمت القران، وبقيت فى البلد، وعملت مع والدي في تجارته، وكنت أطمح إلى مواصلة التعليم، وكان والدي على علم بأن لدي شغفًا في تلقي العلم
◄ العلاقات الاجتماعية فى السابق كانت أمتن والوشائج أقوى بفضل لقاءات "السبلة"
◄ نلت الماجستير من جامعة الزيتونة في "أصول بيت المال فى عُمان وأثرها الحضاري"
الشيخ أحمد بن سعود السيابى أمين عام مكتب المفتى العام للسلطنة.. رجل قهر الصعاب، وسعى جاهدًا لتجاوز التحديات التي كانت تحول بينه وبين تحقيق أهدافه في التحصيل العلمي والارتقاء الوظيفي؛ فكان أن وفقه الله فيهما معًا؛ حيث يتسنَّم حاليًا منصب أمين عام مكتب المفتى العام للسلطنة؛ متدرجًا من أدني درجات السلم الوظيفي إلى أعلاها؛ كاتبًا ثم مساعد أمين مكتبة، وموجه تربية إسلامية، ورئيس قسم العلاقات العامة، ثم مدير دائرة المدارس القرآنية؛ فمدير مكتب المفتي، ومدير عام للشؤون الإسلامية، مدير عام لمكتب الإفتاء، ومستشار للأوقاف والشؤون الإسلامية، وقائم بأعمال وكيل الأوقاف والشئون الإسلامية.
أما مسيرة التحصيل، فقد بدأها بالدراسة التقليدية في مسجد الخور بمسقط في اللغة العربية والشريعة الإسلامية، ومن ثم حصل على ليسانس من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة بيروت العربية، ثم دبلوم عالٍ في الشريعة الإسلامية من دار العلوم-جامعة القاهرة، وماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الزيتونة-بتونس.
متابعة - قسم المحليات
إذن.. مسيرة طويلة وشاقة قطعها الشيخ أحمد في رحلتيْ التحصيل والعمل، وقد استحوذتْ تفاصيل هذه الرحلة على حديث الشيخ في صالون "الرؤية"، الذي سعد باستضافته لإضاءة جوانب من مسيرته العلمية والعملية.
النشأة والتكوين العلمي
ويستهل الشيخ أحمد السيابي حديثه بالإشارة إلى بدايات نشأته فى منطقة (نفعا)، والتي بدأت فيها ملامح شخصيته بالتشكُّل بتأثير المجتمع الذى كان يعيش فيه، ودراسة وحفظ القرآن، إضافة إلى ما اتسمت به تلك الفترة من تنقل بين المناطق بحثًا عن العلم.. ويبدو أن التنقل هو قدر شيخنا حيث ظل يلازمه حتى عندما تم توظيفه؛ حيث تنقل كثيرًا بين الوزارات والمؤسسات؛ ومنها وزارتا التربية والأوقاف والشؤون الدينية.
ويقول الشيخ أحمد السيابى: "أبصرت النور فى بلدة نفعا التابعة لولاية بدبد فى العام 1954م حسبما أخبرني والدي، وكانت الحياة فيها بدائية حيث لا علاج ولا مستشفيات ولا مواصلات أو اتصالات، وكانت الحياة قائمة على الثلاثي: النخلة والفلج والحمار. الحمار كوسيلة للتنقل، والفلج كمورد مائي، والنخلة كمصدر للغذاء. ونفعا هى منطقة مكوَّنة من قبيلة واحدة وهي قبيلة "السيابيين"، أو يمكن اعتبارها عاصمة القبيلة أو مقر برلمان القبيلة، إلى جانب انتشار أبناء القبيلة فى ولاية نخل والباطنة، إلا أن مشيخة القبيلة موجودة فى نفعا.
ويمضي الشيخ واصفًا الحياة الاجتماعية وقتئذ: التواصل الاجتماعى كان مزدهرًا؛ نظرًا للبساطة والترابط؛ مما يجعل الجميع على معرفة ببعضهم البعض. ويقول: بالنسبة لى كنت أعرف كل رجل وامراة في نفعا؛ مما يدل على أن التواصل الاجتماعى كان قويًّا جدًّا على عكس الآن.
ويضيف: كانت رعاية النخلة تمثل الاهتمام بالزراعة، وتوسع نطاق المعرفة بالاخرين؛ حيث يتيح التجمعات والزيارات واللقاءات. ويرى الشيخ أحمد أن الزمن الآن اختلف كثيرًا، فلم يعد التواصل كما كان؛ فالفرد الآن لا يعرف أبناء أعمامه؛ بسبب تباعد المساكن والمسافات، وتوزعهم على المناطق، كما أن البيئة لم تعد كسابق عهدها، إضافة إلى أن المنازل أصبحت محصورة فى القوالب الأسمنتية والحديدية. أما فى السابق فالبيوت كانت مفتوحة ومتصلة مع بعضها البعض؛ الرجال لهم أماكن، والنساء أيضًا لهن مواقع يتجمَّعن فيها، وكل هذا يُعزز لُحمة التواصل الاجتماعي ويمتِّن وشائج القربى.
ويستطرد: بعد صلاة الفجر، يكون التجمع فى "السبلة"، ويُعد من العيب ألا يحضر الرجل للسبلة، أو أن يشرب قهوته فى منزله، ولابد أن يتناولها مع المجموعة فى الحارة، وبعد صلاة الفجر وتلاوة القران يتجمَّع الرجال في "السبلة"، وتقدَّم القهوة والتمر، وبعدها يتم التوجه إلى الأعمال، وتكون العودة مرة أخرى عقب تناول وجبة الغداء التي كانت قبل صلاة الظهر، وكانوا يتسامرون ثم يصلون العشاء في الساعة التاسعة، والتقديم الذى حدث الآن وافد على مسقط من زنجبار، حيث تكون صلاة العشاء أولًا، ومن ثم الذهاب إلى المنازل لتناول وجبة العشاء.
ويواصل السيابي حديثه عن التواصل الاجتماعي بالقول: العلاقات الاجتماعية كانت قوية جدًّا، الأب مرتبط بابنه، والأم بابنتها، فالابن يلازم والده باستمرار، والأم تصطحب ابنتها إلى تجمعات النساء، على مستوى الحارة مرتين أو ثلاث مرات فى اليوم حتى يتم الاعتياد على هذا التقارب، وترسيخًا للمبادئ والقيم، ولكن -وفي الوقت نفسه- لايُسمح لهم بالحديث، وإذا حدث وأن بادر أحد الأبناء بالكلام في حضور الرجال يُنظر إليه شذرًا؛ الأمر الذي انعكس على سلوك العُمانيين فأصبحوا لا يُبادرون بالحديث أو فتح النقاش فى موضوع ما، ولكن هذه "العقدة" -كما وصفها- تم حلها بعد ذلك بالاتصال بالآخرين داخل وخارج عُمان، وعن طريق الأسفار والدراسة فى الخارج والندوات والمؤتمرات وغير ذلك.
الدراسة فى نفعا وختم القرآن
ويروي الشيخ أحمد أن الدراسة كانت تقوم على تعليم الصلاة والقرآن، وتقتصر على الأماكن التى تدرس علوم الشريعة واللغة العربية فى سمائل ونزوى وبهلا، والتى كانت تشكل مركز حضارة علمية فى عُمان، وكان الناس في السابق يحرصون على تعليم أبنائهم وإدخالهم مدارس القرآن "الكتاتيب"؛ حيث لا يترك ولد أو بنت فى سن الخامسة أو السادسة من العمر، دون أن يلحق بتلك المدارس، ويقول: كان والدي قد أوفدني إلى معلم القرآن آنذاك خليفين بن حميد السيابى، وأن دراسة القرآن لم تكن تعتمد على الحفظ، بل على الدراسة النظرية، و(نفعا) كان بها أربع مدارس قرآنية، وقد ختمت القرآن فى الثامنة من عمري.
ويواصل: ختمت القران، وبقيت فى البلد، وعملت مع والدي في تجارته، وكنت أطمح إلى مواصلة التعليم، وكان والدي على علم بأن لدي شغفًا في تلقي العلم