{ .. لاميّة العَجَم للطُغرائي .. }

    • { .. لاميّة العَجَم للطُغرائي .. }

      بسم الله الرحمن الرحيم
      للشعر كما تعرفون دُرر تتميّز عن غيرها وتختال ببريقها على أخواتها .. هذه الدرر متناثرة هنا وهناك . وتتفاوت بمقدار لمعانها وجودتها .

      السابقون كانوا يقولون لكبير اللؤلو بـ"الدانة" , وللشعر كذلك دانات تختال على الدرر نفسها .. وهناك دانات ضائعة ومُهملة ولم تحصل على ما يُفترض أن تحصل عليه .. منها هذه القصيدة المعروفة بـ"لاميّة العجم" , بالرغم من عروبة قائلها لكن الوطن غلب الأصل والتطبّع غلب الطبع .

      الطغرائي , من الشعراء المجيدين ومن رجال الدولة السلجوقيّة , فقد كان يتولى وزارتها في عهد السلطان السلجوقي .. وقبل وزارته كان رئيس ديوان الإنشاء ثم عُزِل منه بعد جفوات ومشاكل مع الوالي السابق , قال هذه القصيدة في هذه الفترة وهي من عيون الشعر ... يقول الطغرائي :

      حب السلامة يـــثني عزم صاحبــه **** عن المعالي, ويغري المرء بالكســل
      فــإن جــنــحـــت إلــيه فاتــخذ نفقاً **** في الأرض أو سلّماً في الجو فاعتزل
      ودع غــمار العــلى للمـقدمين على **** ركـــوبها, واقــتـنـع مــنهـن بالــبلـل
      رضى الذليل بخفض العيش مسكنةٌ **** والـــعزُّ عــند رســيــم الأيـنـق الذُّلُلِ
      فــأدرأ بــها في نـحور الـبيد حافـلةٌ **** معــارضــاتٍ مـثـانـي اللـجـمِ بالجدلِ
      إن الــعلى حــدّثتني وهـي صــادقةٌ **** فيــمـا تـُحـدِّثُ إنّ الــعــزّ فــي الـنـُقَـلِ
      لو أن في شرف المأوى بلوغ منى **** لــم تـبـرح الشمس يوماً دارة الحَمَـلِ
      أهــبتُ بالخــطِّ لـو نـاديت مُــستمعاً **** والــخــطُّ عنـي بالـجهّـال فـي شــغُـلِ
      لـعــلّه إن بدا فـــضلـي ونــقــصهُـمُ **** لـعيـنـه , نـام عــنــهم أو تـنـبّه لـــي
      أعــلـل النـفـس بالآمـال أرقـــبـهـــا **** مـا أضـيق الــعيـش لولا فسحة الأملِ
      لـم أرتــضي العــيش والأيــام مقبلةٌ **** فكيــف أرضـى وقـد ولـّت على عجَلِ
      غــالى بــنفسـي عــرفاني بــقيمتـها **** فـصـنـتـها عن رخيص القدر مبـتـذلِ
      وعـادة النـصل أن يزهـو بجوهـــره **** ولــيــس يـعـمــل إلا فـي يــدي بـطلِ
      ما كـنـتُ أوثــر أن يــمـتد بي زمني **** حــتــى أرى دولــة الأوغـاد والسفـل
      تــقــدمتـنـي أنــاسٌ كــان شــوطـهم **** وراء خطــوي, لو أمـشي على مهلِ
      هـــذا جــزاء أمــرئٍ أقـرانه درجوا **** مـــن قــبــلــه فـتـمـنّـى فـسحة الأجلِ
      وإن عـلاني من دوني فــلا عـــجبٌ **** لي أسوةٌ بإنحطاط الشمس عن زحلِ
      فأصبر لها, غـير مختالٍ ولا ضـجرٍ **** في حادث الدهر مايغني عن الحيـــلِ

      *************


      أعدى عدوك أدنـــى من وثقـــــت به **** فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ
      وإنـمــا رجــل الــدنيـــا وواحــــدهــا **** مــن لايـعول فـي الدنيا على رجـلِ
      وحــســن ظـنـك بـالأيـام مــعـجــــزةٌ **** فظن شــرّاً وكـن منهـا على وجَــلِ
      غاضَ الوفاء وفاض الغدر وانفجرت **** مسافة الخلف بين القول والفــعـلِ
      وشــأن صــدقك عــند الــناس كذبهمُ **** وهـــل يــطــابــق مــعــوجٌ بمعتدلِ
      إن كــان ينـجع شــيء فــي ثـبـاتـهمُ **** على العهود, فسبق السيف للــعذلِ


      *************

      يا وارداً سـور عـيـش كـلـه كــدرٌ **** أنــفـــــقـت صـفـوك فـي أيـامــك الأولِ
      فـيـم إقـتـحـامك لج البحر تركبـه **** وأنــت يـكـفـيـك مـنـه مـصّـة الـوشـلِ ؟
      مـلك الـقـناعة لايـخـشى عليه ولا **** يحـتـاج فـيـه إلـى الأنـصــار والـخــولِ
      تـرجو الـبقـاء بـدارٍ لاثـبات لــهـا **** فــهـل سـمـعـت بـظـلٍ غـيـر مـنـتـقلِ ؟!
      وياخـبـيـراً عـلى الأسـرارِ مُطّلـعاً **** أصمت !, ففي الصمت منجاةٌ من الزللِ
      قـد رشـحـوك لأمـرٍ لو فـطنت لـه **** فـأربـأ بـنـفـسـك أن تَـرعـى مـع الهَمَلِِ !