أقبل علي مجموعة من الإخوة الخليجيين في بهو الفندق الذي كنت أنزل فيه في مراكش الأسبوع المنصرم، لم أبدأ بالسؤال عن الأحوال حتى انهالت علي عبارات الشكوى والتذمر، بدءا من الرحلة المتعبة ـ سفرهم كان على الدرجة الأولى على أحد أفضل خطوط الطيران في العالم ـ مرورا بالمطار التعيس الذي يخلو من المرافق، وانتهاء بالفندق الذي لا يرقى لأن يكون بثلاث نجمات لا خمس، بعدها بدقائق أقبلت علي امرأتان فاضلتان من السودان، بادرت بسؤالهما عن رحلتهما، فكانت الإجابة: الحمدلله كانت رحلة سهلة ومريحة رغم طول خط الرحلة، المرأتان خرجتا من الخرطوم على الدرجة السياحية - إلى دبي ومن دبي إلى الدار البيضاء، امتدت الرحلة بهما اثنين وعشرين ساعة، سألت عن رحلة القطار من الدار البيضاء إلى مراكش، فقالتا لي بفرح: كانت جميلة وحسنا فعلنا بالسفر عبر القطار فقد أتاحت لنا الرحلة رؤية جزء كبير من المغرب، ـ ونحمد الله ـ أننا جئنا في الوقت المناسب للمشاركة في حفل الاستقبال، فقد أتاح لنا التعرف على المشاركين قبل بدء أعمال المؤتمر، وعلى سؤالي عن الفندق ردت المرأتان: لم نتخيل أن المؤتمر يعقد في منتجع إن منظر الخضرة التي تحيط بالمكان مذهلة حقا، لا أبالغ إن قلت بانني أشفقت فعلا على إخواني الخليجيين، وعلى غيرهم ممن لا يتاح له الاستمتاع بإبداع الخالق في كونه، من تنوع جغرافي رائع، إلى اختلاف اللغات والثقافات والحضارات، وكم غبطت المرأتين على روحهما الجميلة تلك، التي لا ترى إلا الجمال من حولها، يالها من نعمة عظيمة لا يدركها إلا من منّ الخالق عليه بها، فهو يرى الجانب المضيء من الأمور والوجه الأجمل للأشياء، مما يضفي على كل لحظة من حياته متعة، وعلى عكس الشاكي الباكي، فهو لا يرى إلا الجانب المظلم، فكما أن بعض الزملاء لم ير في المغرب التي تتربع على عرش أفضل وجهة سياحية بالنسبة للكثيرين، بثراء جغرافيتها بالمناظر الخلابة، وعراقة حضارتها وتنوع ثقافتها، لم يروا فيها ما يستحق المشاهدة، ولم يستوقفهم في ذلك المنتجع سوى الذبابة التي تسربت من الباب المفتوح إلى المطعم أثناء تناولهم لوجبة الإفطار، كذلك هي حياة الكثيرين من حولنا فهم لا يرون إلا النصف الفارغ من الكوب على الدوام، فيمضون العمر يندبون حظهم العاثر، وهو ما يشغل تفكيرهم عن الاستمتاع بالنعم الكثيرة التي أنعم الخالق بها عليهم!
كان أمين عام الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي الدنماركي يمشي بجواري في الجولة السياحية التي أخذنا فيها المنظمون إلى ساحة الفناء، اجمل معالم مراكش وأثراها بالأنشطة الثقافية والاجتماعية وأغربها، فهي تعج بكل ما لم تر عين الزائر من ألعاب سحرية، وقراءة الكف، وترويض الثعابين، ونقش الحناء، والرقص والغناء وبيع الأطعمة بكل أشكالها والمنتجات بشتى أنواعها، عندما نظر إلى مروض الثعابين قائلا: أليس مذهلا هذا الفن، أنظري إلى هذا التناغم الرائع بين حركة الثعبان والرجل، قاطعته إحدى رفيقاتنا باشمئزاز قائلة: يا لها من تصرفات غريبة، ومشاهد مقززة، إنهم يمارسون السحر علنا، ويأكلون الطعام المكشوف!
اليوم التالي كان موعدنا لزيارة حديقة ماجوريل، في قلب مراكش، وهي حديقة صممها الفنان الفرنسي الذي حملت اسمه بنفسه، وأحضر لها نباتات من شتى بقاع الأرض، وعند موته اشتراها مصمم الأزياء ايف سان لوران وأضاف لها كثيرا من الأشجار أيضا كما فتحها للعامة ليستمتعوا بجمالها مقابل رسوم، الحديقة من أجمل ما شاهدت عيني من الحدائق، تصميمها رائع، فيه من الحميمية والتناسق ما يدهش الزائر فعلا، في زاوية أشجار الصبار وحدها اكثر من خمسين نوعا من الصبار الشوكي مختلف الأشكال والأنواع والأوراق يجعل الزائر يخر ساجدا لعظمة الخالق الذي أبدع في خلقه، كان جو المكان روحانيا بشكل خيالي، وساحرا بشكل مذهل حقا، زملاؤنا اعتذروا عن الحضور وفضلوا الذهاب للتسوق مبررين عدم رغبتهم برؤية (حدائق) فبلادنا مليانه بها!
غالبا ما كنت الوحيدة التي أنزل في تلك الساعة المبكرة من الصباح إلى مطعم الفندق مع بعض السياح الغربيين، أختار لي طاولة في الحديقة، وهذا يتيح لي أن أحظى بمعاملة خاصة من عبدالرزاق، ذلك النادل العجوز الذي يصر على أن أتناول الحريرة الساخنة كل يوم، وعندما يرى وجبة الإفطار بدون الحريرة يهرع إلى المطبخ يستعجل الطباخين لإعدادها، قد لا تكون هي أفضل حريرة ذقتها في حياتي، لكن حتما ذلك الاهتمام الصادق من ذلك النادل العجوز كان يجعل لها طعما لا مثيل له!
اقتربت مني بعض النساء من جنسيات مختلفة وأنا أهم بالخروج من القاعة في آخر يوم من المؤتمر واحتضنني بدفء مودعات، تأثرت فعلا بتلك اللمسة الإنسانية، لا شك أن أجمل ما في أي فعالية هو هذا التواصل الإنساني الرائع مع أناس من شتى بقاع المعمورة تكتشف أن ما يجمعنا أكثر بكثير من الفوارق بيننا، إنها هذه العلاقات التي تثري الحياة فعلا، وهي المكسب الحقيقي من أي فعالية!
كان أمين عام الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي الدنماركي يمشي بجواري في الجولة السياحية التي أخذنا فيها المنظمون إلى ساحة الفناء، اجمل معالم مراكش وأثراها بالأنشطة الثقافية والاجتماعية وأغربها، فهي تعج بكل ما لم تر عين الزائر من ألعاب سحرية، وقراءة الكف، وترويض الثعابين، ونقش الحناء، والرقص والغناء وبيع الأطعمة بكل أشكالها والمنتجات بشتى أنواعها، عندما نظر إلى مروض الثعابين قائلا: أليس مذهلا هذا الفن، أنظري إلى هذا التناغم الرائع بين حركة الثعبان والرجل، قاطعته إحدى رفيقاتنا باشمئزاز قائلة: يا لها من تصرفات غريبة، ومشاهد مقززة، إنهم يمارسون السحر علنا، ويأكلون الطعام المكشوف!
اليوم التالي كان موعدنا لزيارة حديقة ماجوريل، في قلب مراكش، وهي حديقة صممها الفنان الفرنسي الذي حملت اسمه بنفسه، وأحضر لها نباتات من شتى بقاع الأرض، وعند موته اشتراها مصمم الأزياء ايف سان لوران وأضاف لها كثيرا من الأشجار أيضا كما فتحها للعامة ليستمتعوا بجمالها مقابل رسوم، الحديقة من أجمل ما شاهدت عيني من الحدائق، تصميمها رائع، فيه من الحميمية والتناسق ما يدهش الزائر فعلا، في زاوية أشجار الصبار وحدها اكثر من خمسين نوعا من الصبار الشوكي مختلف الأشكال والأنواع والأوراق يجعل الزائر يخر ساجدا لعظمة الخالق الذي أبدع في خلقه، كان جو المكان روحانيا بشكل خيالي، وساحرا بشكل مذهل حقا، زملاؤنا اعتذروا عن الحضور وفضلوا الذهاب للتسوق مبررين عدم رغبتهم برؤية (حدائق) فبلادنا مليانه بها!
غالبا ما كنت الوحيدة التي أنزل في تلك الساعة المبكرة من الصباح إلى مطعم الفندق مع بعض السياح الغربيين، أختار لي طاولة في الحديقة، وهذا يتيح لي أن أحظى بمعاملة خاصة من عبدالرزاق، ذلك النادل العجوز الذي يصر على أن أتناول الحريرة الساخنة كل يوم، وعندما يرى وجبة الإفطار بدون الحريرة يهرع إلى المطبخ يستعجل الطباخين لإعدادها، قد لا تكون هي أفضل حريرة ذقتها في حياتي، لكن حتما ذلك الاهتمام الصادق من ذلك النادل العجوز كان يجعل لها طعما لا مثيل له!
اقتربت مني بعض النساء من جنسيات مختلفة وأنا أهم بالخروج من القاعة في آخر يوم من المؤتمر واحتضنني بدفء مودعات، تأثرت فعلا بتلك اللمسة الإنسانية، لا شك أن أجمل ما في أي فعالية هو هذا التواصل الإنساني الرائع مع أناس من شتى بقاع المعمورة تكتشف أن ما يجمعنا أكثر بكثير من الفوارق بيننا، إنها هذه العلاقات التي تثري الحياة فعلا، وهي المكسب الحقيقي من أي فعالية!
المصدر : مدونة ابداعات قلم