مجرد قصه لوداد الكواري

    • مجرد قصه لوداد الكواري

      تقطن "أم سعيد" في قرية نائية في بيت طيني بالكاد يتسع لها ولزوجها وأولادها الخمسة، والزوج يعمل يوماً ويتعطل شهوراً، وهي تخدم في البيوت المجاورة وتقبض أجرها ملابس مستخدمة وبقايا طعام، وتشكر الله والناس كثيراً، ونادراً ما تشكو. بيد أنها فقدت تماسكها ذات يوم وانهارت تبكي بكاءً مراً.
      وبدأت القصة إثر عودتها مع جاراتها من زيارة لعائلة مقتدرة تقيم في طرف القرية وتتمتع ببعض الجاه ومنزل شيد بالأسمنت والقرميد. ولما كانت أقل الحاضرات قيمة اجتماعية، فإن صاحبة المنزل لم تصافحها ولم تأبه ولم تضيّفها حتى. وعاملوها كخادمة، على الرغم من أنها ذهبت للقيام بواجب. فالعائلة الثرية لديها بنت مريضة بالسرطان، وأبلغهم الأطباء الذين ذهبوا إليهم في العاصمة بأن حالتها ميؤوس منها. ورقدت الصغيرة ذات الأعوام العشرة، بعد أن جف عودها وعافت الطعام والشراب والحياة، تنتظر النهاية، ليستقبل أهلها الأقارب والجيران المتعاطفين معهم، بعد أن سلموا أمرهم لله. وأعود لأم سعيد التي عادت من تلك الزيارة وهي تشعر بحسرة لأول مرة! رفضت توسلات زوجها لها بدخول الحجرة وبقيت في الحوش تبكي وعيناها لا تفارقان السماء، تبتهل إلى الخالق بكلمات عجزت عن شرحها لي.
      وللآخرين. ومع انطلاق صوت الأذان خيل إليها أن هاتفاً يطالبها بالعودة للمنزل الذي احتقرها وأن تسأل عن الفتاة المريضة. وظنت لوهلة أنها جنت، لكن النداء الخفي تكرر، فإذا بقدميها تسيران بها إلى هناك. ومثل المرة السابقة رفضوا أن يستضيفوها، وظلت في بهو الدار تنادي الفتاة بصورت عال وهم يدفعونها للخارج بعد أن ثبت لهم جنونها. وإذا بالصغيرة تعتدل في فراشها بعد غيبوبة طويلة وتطلب ماء. وصعق الجميع وانضم إليهم من كان بالخارج ومن بينهم تسللت الفقيرة المنبوذة لتقول: لقد سمعت هاتفاً يقول لي: “اذهبي إليها وادعي لها” ولم يعرها أحد انتباهاً، كان الكل متسمراً أمام الفتاة التي بدت علامات الحياة تدب فيها من جديد، فانسحبت بهدوء وعادت إلى بيتها.
      وفي اليوم التالي كادت جدران حوشها المتداعي تنهار بفعل الطوابير التي جاءت تنشد العون بعدأن انتشرت قصتها مع الفتاة، ومضت ست سنوات وبلغت شهرة”أم سعيد” المدن وتعدتها لدول الخليج، واقتنت بيتاً أوسع وتطوع أولاد الجيران لإرشاد من يرغب في رؤيتها ووفروا لزوارها مواقف خاصة، ولمَ لا وهي تدعو للجميع من دون أجر؟ ومن يلح في منحها هبة مالية، تقول له أمامك الصندوق ضع ما تجود به نفسك من دون أن أراه. تحسنت حالتها وأصبح الجميع يحترمها وبقيت هي كما هي أم سعيد، التي تشترط على من جاء يطلب دعاءها ليرزق بالخلفة أن يحضر طفله أو طفلته الأولى لتقدم له أو لها هدية من الذهب. وبالطبع ليست هناك وساطة بيننا وبين الله، وباب الدعاء مفتوح للجميع، لكن الله عز وجل يمنح البعض هبات خاصة. وقديماً قالوا: “رب الجلالة إذا وهب لا تسألن عن السبب”.
      وأخيراً “أم سعيد” قامت ببناء مسجد في قريتها وتفكر في إنشاء مستشفى مجاني.. ومشروعاتها الخيرية كثيرة، وتبقى هذه القصة مجرد قصة.