ظل ذلك الطفل يحوم حول الطفلين الآخرين اللذين كانا لاهيين باكتشاف لعبة جديدة أحضرت لأحدهما، وهو ينظر إلى اللعبة بحذر، مترقبا على ما يبدو دعوة للمشاركة في اللعب، وعندما فشل في الحصول على مبتغاه أخذ مكانه بقرب والدته على الكرسي المقابل وقال: كم هي سخيفة هذه اللعبة، وبدأ يسرد عددا من العيوب في اللعبة، استحضرت هذا الموقف في الحقيقية عندما جاءتني إحدى الفتيات تشتكي من صويحبات لها ما فتئن يسخرن منها منذ التحاقها ببرنامج للتدريب على القيادة والتواصل، ويحطن من قدر البرنامج والمشاركين فيه، كانت الفتاة مستاءة وهي تنقل لي ردات فعل رفيقاتها، وتعبّر لي عن حيرتها في الاستمرار رغم السخرية اليومية أو حرمان نفسها من البرنامج الذي وجدت فيه ما كانت تطمح إليه من فرصة في النمو والتطور وتنمية الذات، استوقفني الموضوع كثيرا رغم مرور أشهر على حدوثه، ذلك انه تكرر منذ أيام مع شخص آخر بدا لي عدوانيا وصديقة لي تناقشه في الموضوع ذاته محاولة إقناعه بالمشاركة في برنامج القيادة ذاك، بدا لي أنه ليس هناك فرق بين الطفل والبالغ في التعبير عن الخوف أو الحرمان من أمر ما، فكما أن ردة فعل الطفل كانت تظهر عكس ما كان يرد قوله، يحدث أن نتصرف نحن الكبار بالطريقة ذاتها عندما نفشل في الحصول على ما نريد، أو نعجز عن تحقيق ما حققه الغير، فتظهر غيرتنا بطرق معاكسة لما يجول في ذواتنا، فزملاء تلك الفتاة يصارعون خوفا من نوع آخر هو الخوف من مواجهة الجمهور الذي قد يضطرهم إلى الانخراط في هكذا برنامج، لكنهم يخفون هذا الخوف تحت رداء من التهكم واللامبالة، وهي اضعف حالات التعبير، وتدل على شخصية انهزامية في الوقت الذي يعتقد صاحبها أنه يتقمص صورة الشجاعة والإقدام، فلا تبتئس لنقد الآخرين وعبارات التثبيط التي يمارسونها ضدك، فهي تعني انك تسير في الطريق الصحيح، وكن رؤوفا بذاتك ولا تحملها مالا تحتمل من الحزن والإحباط، كذلك عليك أن تكون متفهما لمن يصب عليك عبارات النقد، فهو خائف ليس إلا، وأكثر من الخوف هو يغبطك لأنك تجرأت على ما لم يتجرأ هو عليه، كثيرة من الأحيان لا نقول ما يعبّر عن دواخلنا وإنما نستخدم الكلمات كأقنعة نخفي خلفها لحظات الضعف والخوف التي نشعر بها، فأحيانا كثيرة تكتشف أن من ضمن من يحاربك هو أقرب الناس لك، البعض يستاء لذلك ويستغرب كيف أن احب الناس إلى قلبي هو من يقف ضد طموحي ونجاحي، إلا أن ذلك مرة أخرى طريقة من نحب في التعبير عن خوفهم من أن يفقدونا ربما، أو خوفا علينا من الفشل، كما تقول الحكمة العربية: كلٌ يرى الناس بعين طبعه، لذا فإن أحبابك الذين يخافون النجاح يتوقعون منك أيضا أن تكون خائفا، فيحاولون الوقوف في طريقك ليجنبوك ألم الفشل ليس إلا، وأحيانا كثيرة يعتقد من نحب بأننا إن صعدنا القمة سيخسروننا لأننا سنخلفهم وراءنا، ولذا خوفا من فقداننا يتصرف أحيانا أحباؤنا بشيء من القسوة والعدوانية تجاهنا إذا صرحنا عن طموحاتنا وأحلامنا في النجاح، لذا ليس عليك أن تبتئس من صيحات الاستهزاء التي تسمعها، تعلم أن تقرأها بشكل صحيح ليس إلا، فهي تقول لك إنك تسير في الطريق الصحيح لكنك مغبوط ومحسود، فامض ولا تلتفت وراءك، ويوما ما سيتوقف هذا النقد، من يدر قد تتحول يوما ما إلى قدوة ومثل أعلى لمن يستهزئون بك الآن، وقد ينضم إليك من يسخر منك اليوم إن بقيت صامدا ومتفهما من حولك، لكن إن استسلمت وتراجعت فستكون تلك طامة كبرى لهم قبل أن تكون طامة كبرى لك، فلعل الخائفين من حولك يراقبونك عن كثب، محاولين أن يستمدوا قوتهم منك، إن تراجعت فأنت لن تخذل نفسك بقدر ما تخذلهم، إن كنت فعلا مؤمنا بما تفعل، أيا كان ما تسعى له سواء كان الانضمام لبرنامج توستماسترز للقيادة والخطابة أم بدء مشروع خاص بك تعلم أن تقرأ رسائل من حولك بشكل إيجابي، وتعلم أن تتفهم ضعفهم واحتياجهم للحظة شجاعة يستطيعون من خلالها كسر حاجز الجليد الذي يقف عائقا بينهم وبين ما يطمحون إليه، الحياة لا تعطينا ما نريد بدون مقابل، أحيانا كثيرة لا يكون هذا المقابل سوى هذه العثرات الصغيرة التي تضعها الحياة أمامنا لامتحاننا ربما أو ربما لتقويتنا وشد عزمنا لنكون أهلا للنجاح الذي سنجنيه من التجربة، وهذه العراقيل البسيطة هي ما تعطي للنجاح في النهاية طعمه اللذيذ، الذي يجعل المرء يشعر بأن النتيجة كانت بالفعل تستحق هذا العناء.
المصدر : مدونة ابداعات قلم