(الموضوع الذي نشرته في مجلة (الخزينة) لعدد شهر مايو 2013)
كلنا نعرف السيناريو الشهري الذي يكرره أكثر الموظفون في مجتمعاتنا ، فهم يستلمون رواتبهم بداية الشهر ، وينتهون من صرفها في أقل من اسبوعين! ثم يعيشون ما تبقى من أيام الشهر في ضائقة مالية! ويبدؤون يندبون حظوظهم السيئة وظروفهم الصعبة! وهذا وضع متعب بلا شك.
نتساءل اليوم عن السبب الذي يضع هؤلاء في مثل هذه الحالة ، والحقيقة هي أنه لا توجد لدى هؤلاء الأشخاص رؤية مالية واضحة ، أي أنهم يعيشون بلا برنامج مالي تطبيقي ، لذلك هم وبدون إدراك يهدرون طاقاتهم المالية الثمينة ، كالطفل الذي يسكب اللبن في الأرض ثم يرجع يبكي عليه عندما يبدأ يشعر بالجوع!
المال قوة
المال طاقة شديدة الإيجابية والفاعلية ، فالمال يمكنه أن يفعل الكثير من أجلك ومن أجل مستقبل اسرتك ، فهو طاقة قابلة للنمو والتضاعف بلا توقف ، أي أن المال يمكنه أن يجلب لك المزيد والمزيد من الأموال الوفيرة ، وعندما تصل إلى مستوى مالي جيد فإنه يمكنك أن تتمتع بكل ما يمكن أن يوفره لك المال من أسباب الرفاهية والحرية ، من بيت فخم وسيارة فارهة ورحلات ممتعة ومكانة إجتماعية لامعة ، ومن أجل الوصول إلى هذا المستوى المالي الرائع سوف نقدم لك اليوم خطة عملية تساعدك على التوفير من أجل نمو مالي بعيد المدى.
الإدخار.. وتكوين رأس المال
لماذا تقام السدود على الأودية؟ بالطبع أنت تعرف الإجابة ، إنها تقام من أجل تجميع قدر معين من المياه ، لأنه لا يمكن الإستفادة من مياه الأودية الإستفادة المطلوبة إلا إذا كانت بكميات معينة كافية وبهيئة معينة ، والآن ربما بدأت تدرك المغزى من هذا التمثيل وعلاقته بعالم المال!
في عالم التنمية المالية وبحسب الواقع العملي في تنمية المال فإنه من غير المجدي كثيرا أن تستثمر مبالغ نقدية صغيرة ، ومن هنا تأتي ضرورة بناء رأس مال قادر على التحرك داخل سوق الإستثمار وتوليد الأرباح المالية ، ومن أجل بناء رأس المال فأنت تحتاج إلى ضبط سلوكك الإستهلاكي وادخار نسبة مقبولة من دخلك الدوري ، وعموما فإنك إن تمكنت من توفير ما بين 10% إلى 20% من مجمل دخلك فأنت قد تجاوزت أصعب مرحلة من مراحل بناء الثروات ، والآن في طريقك نحو النجاح المالي الواثق.
هل تعرف حاجاتك الأساسية؟
سوف تسهل عليك عملية إدارة دخلك إذا كنت على وعي بالأشياء الأساسية التي تحتاجها فعلا والتي تستحق أن تصرف عليها جزء من نقودك ، وتلك الأشياء التي لا تحتاجها حقا والتي تستطيع تجنب إنفاق النقود فيها ، لأنك إن كنت تصرف نقودك في أشياء لا تحتاجها فعلا فأنت بذلك تهدر طاقاتك المالية الثمينة.
ما هي الحاجات الأساسية إذا؟؟ الأمر فردي ونسبي ، فما يراه أحدهم أنه من أساسياته المهمة يراه آخر أنه مجرد إسراف وتبذير للمال ويجب تجنبه! ولكن تبقى هناك ضوابط عامة يمكن الإسترشاد بها ، ومن خلال المثال التالي سوف تتجلى لك الفكرة بوضوح أكثر:
في مجتمعاتنا المعاصرة أصبح الهاتف النقال أحد الحاجات الأساسية لأغلب الناس تقريبا ، لا بأس في ذلك ، ولكن ليس من الضروري شراء هاتف جديد كل 6 أشهر كما يفعل البعض!! خصوصا إذا كان الهاتف تزيد قيمته على 10% من مجمل دخلك الشهري! والكلام نفسه على كل الكماليات التي أصبحت شبه أساسية في حياتنا والتي لا يمكننا دائما الإستغناء عنها ، كالسيارة والأثاث وغيرها.
ترشيد الإستهلاك
هناك حقيقة يجب علينا الإعتراف بها وملاحظتها ، وهي أننا جميعا -لأسباب نفسية- نميل بشكل أو بآخر إلى الإستهلاك والبذخ في كثير من مظاهر حياتنا ، فنحن لا نكتفي بما يكفينا وحسب ، بل نميل الى البهرجة في الرفاهية ومحاولة الإستمتاع ، فترانا نغالي في شراء الملابس والإكسسوارات ، ونحاول ملاحقة الموضات الإستهلاكية ، وننافس الآخرين في المظاهر المادية والممتلكات ، وكأننا في مسابقة للوصول إلى قمة الإستهلاك غير الواعي!! والجائزة المؤكدة طبعا هي الإفلاس!
الحل هو أن تكون على وعي بمتطلباتك الحقيقية ، وأن تعرف حدود حاجاتك الفعلية ، وأن تبتعد تماما عن عادة الإستهلاك التي لن توصلك إلى أي مكان ، بل إستبدل ذلك ببرنامج ذكي للتوفير والإدخار ، وهذا هو ما يميز الأشخاص العمليين الذين يكسبون النهايات دائما ويحققون ما لا يحققه الآخرون من النجاح المالي والثراء ، والفائز الحقيقي هو من يضحك أخيرا.!!
تنظيم الدخل
عندما ندعوك إلى ترشيد الإستهلاك وضبط النفقات فإننا في الحقيقة نطلب منك ذلك لكي تتمكن من توفير المزيد من النقود الحرة ، وذلك كي تتمكن من إدخار 10% كرصيد تأميني يحمي ظهرك ، ترجع إليه في الضروريات القصوى فقط ، وكذلك من أجل إدخار 10% اخرى كأساس لبناء رأس المال الذي سيكون هو خطوتك العملية الاولى نحو التحرر المالي ، حيث تستثمره فيما بعد في خطة شاملة مدروسة ، فإذا تمكنت من تحقيق هذين الهدفين فأنت تبلي بلاء ماليا حسنا ، وأنت في طريقك إلى الإستقلال المالي الكامل والنجاح.
بادر بالسيطرة على الوحش الإستهلاكي الذي في داخلك قبل أن يلتهم كل مواردك ويلقي بك في حالة بئيسة من الإفلاس والعوز ، وتأكد بأنك تستطيع الوصول إلى مرحلة الإستقلال المالي والرفاهية الحرة إن أنت أحسنت إدارة دخلك المالي ، والبداية هي بالسيطرة على الحالة الإستهلاكية المنفلتة.
ما دمت تنشد الحرية المالية حقا فأنت تحتاج أن تسير في الطريق المؤدي إليها ، وهو طريق الوعي المالي ، وتقدير قيمة المال ، وحسن التدبير المالي ، والتضحية بجنون الإستهلاك من أجل هدف مالي عظيم كنت تحلم به دائما.
المصدر : علي المسكري