بعد خروجي من العمل منذ بضعة أشهر فتحت مذياع السيارة على ما يبدو أنه نهاية حوار المذيع عادل البوسعيدي مع مواطن حول هيمنة الوافدين على القطاع الخاص، لست هنا لمناقشة موضوع البرنامج أولا لأني لم اسمعه كاملا ولكونه ليس مطروحا هنا لذاته، ولكن كان الجزء من الحوار الذي سمعته مذهلا، لقد ترك عندي انطباعا قويا بأن شبابنا (قد شب عن الطوق) فعلا، وأن على مؤسساتنا الحكومية أن تغير لغة الحوار مع هذا الشباب، فالمواطن اليوم ليس هو مواطن السبعينات البسيط، لدينا كوادر بشرية على درجة عالية جدا من الوعي والثقافة والمعرفة، وقدرة عالية جدا على الحوار، لذا فإن اللغة السائدة في الحوار اليوم التي تتميز بالدفاعية وتجميل الصورة لا أراها من وجهة نظري المتواضعة مجدية، ما نراه على الساحة أن المواطن فقد ثقته في المؤسسات الحكومية، وأن المؤسسات فقدت مصداقيتها لديه، أحد أسباب هذا كما أرى هو هذا الأسلوب في التحاور وأخشى ما أخشاه ان تتزايد هذه الهوة بين الطرفين إن لم نبدأ بتغيير منهاج الحوار بيننا شعبا ومؤسسات، لأن المتتبع للبرامج الحوارية التي تستضيف مسؤولين من الجهات الحكومية، يلاحظ أن المسؤول جاء لهدف واحد هو تجميل صورة المؤسسة الحكومية والدفاع المستميت عنها، دون أن يعطي نفسه فرصة الاستماع للطرف الآخر والاستفادة من وجهة نظره كمتلق للخدمة، لأننا ندرك جميعا أن هذه المؤسسات وجدت لسبب واحد هو خدمة المواطن والنهوض بالوطن، بدون الاستماع لوجهة نظر هذا المواطن وما يعانيه من مصاعب في سبيل الحصول على الخدمة بالشكل المرضي لن تستطيع الجهات أن تتقدم، لهجة الدفاع هذه لا تأتي بنتيجة على العكس تماما، ولا لهجة الانكار عندما نكون جميعا على قناعة بأن خطأ ما قد حدث، وهذا طبيعي للغاية، فلا توجد عملية تنموية خالية من الأخطاء، ونعرف جميعا كإداريين ان العملية الادارية الخطأ فيها وارد، لأننا في النهاية بشر، والخطأ سمة بشرية لا يوجد من هو منزه عنها، مهما استمتنا في الدفاع والانكار، ولا عيب ابدا أن نقر بأخطائنا وأن نتراجع عن بعض القرارات التي تثبت لنا التجربة عدم جدواها كالمشاريع التي تحدث عنها المتصل الذي استهللت به موضوع المقالة، والاعتراف بالذنب فضيلة، والاعتذار شجاعة وسمة الكرام النبلاء، ايا كان المخطئ، لقد رأينا جميعا رئيس وزراء اليابان الذي وقف أمام شعبه معتذرا عن تقصير حكومته، لم يقلل ذلك من شأن رئيس الوزراء بل على العكس تماما، علينا الاستفادة من متلقي الخدمة لأنه الوحيد الذي يمكن أن يقيم الخدمة المقدمة من خلال التعبير عن الرضا أو السخط، وهذا يحدده مدى تلبية هذه الخدمات لطموحاته كمستهدف منها، أحيانا كثيرة يعرف المواطن عن المؤسسة أكثر مما يعرفها المسؤول الكبير الذي قد لا تتيح له مشاغله التدقيق في التفاصيل، ذلك أن الأحداث أكثرها تتم في أدنى المستوى الوظيفي، والذي يكون أكثر تواصلا مع متلقي الخدمة ممن يجلسون على رأس الهرم، والأمر ذاته يسري علينا كمواطنين وشركاء في التنمية، عندما نطرح قضية في وسائل الاعلام علينا في المقابل ان نكون صادقين وواقعيين في الطرح بعيدا عن المبالغة والتجني، فهذه البرامج الاعلامية وجدت للخدمة ، وما دعاني لقول ذلك صيغة التجني والمبالغة التي ترد على لسان بعض المتصلين بالبرامج الاذاعية، والمغالطة في طرح القضية في بعض الأحيان ربما بحسن نية من قبل المتصل لإعطاء موضوعه أهمية وزخما، يجب ان يكون الطرح من اجل نصرة القضية موضوع الحوار وليس التشفي و(فضح الآخر) كما عبر عنها أحد المتصلين منذ اسابيع، التنمية في كل مكان عملية مشتركة بين الحكومة والشعب ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم على جانب دون الآخر، وهذا ما عبر عنه صاحب الجلالة سلطان البلاد المفدى في خطابه عندما قال: (انه بدون التعاون بين الحكومة والشعب لن نستطيع أن نبني بلادنا بالسرعة الضرورية للخروج بها من التخلف الذي عانت منه هذه المدة الطويلة،إن الحكومة والشعب كالجسد الواحد، إذا لم يقم عضو منه بواجبه اختلت بقية الأجزاء في ذلك الجسد)، عندما يكون الحوار صادقا ومنطقيا يجبر الاخر على الاستماع له، فكما ذكرت اجبرني فعلا المتصل علي المدحاني على الاستماع، أقنعني بفكرته، واجبرني على الاستماع له لأني شعرت بأن لديه ما يقوله، بعيدا عن المغالطات والتهويل وحب الظهور، هكذا يجب أن يكون حوارنا مع بعض كأطراف شريكة في التنمية، والحوار فن جميل، من الفنون الراقية التي أشعر في بعض الأحيان أنها تنقص البعض منا
المصدر : مدونة ابداعات قلم