[h=1]الخلافات العربية ومصير الأزمة السورية [/h] الثلثاء, 28 مايو 2013
محمــد أبو الفضــل -
في كل الأزمات التي مرت بها المنطقة العربية خلال السنوات، كانت الخلافات سمة أساسية بين دولها. وجرى تقسيم المواقف غالبا بين دول التي معك ودول الـ«ضـد»،
وبدت هذه الظاهرة واضحة بشدة في ملف التسوية السياسية مع إسرائيل، فهناك معسكر مع التسوية وآخر مع الحرب، أو فريق يسمى بـ «المعتدلون»
وآخر أطلق عليه وصف «المتشددون»، وفي كل مرة يتم فيها التطرق لعملية السلام بين العرب وإسرائيل، كانت هذه التصنيفات حاضرة،
ولا توجد مشقة في فرز المواقف السياسية، لكن الآن المسألة أصبحت أكثر تعقيداً بالنسبة للأزمة المحتدمة في سوريا، حيث تجاوز التقسيم شكله السابق (التقليدي)
وأضيف إليه ملمحان، هما دول الـ«البين بين» أي الدول التي لا هي مع النظام السوري ولا هي مع المعارضة، ودول مواقفها متذبذبة، حسب تطورات الأحداث،
تارة تجدها مع بشار الأسد، وثانية في معسكر معارضيه،وتتحكم درجة الخطورة والتهديدات في عملية التناوب أو الانتقال،
للدرجة التي وصل فيها البعض إلى تفضيل عدم تحديد موقف بعينه.
خلال الأيام الماضية تصاعدت الخلافات العربية من المؤتمر الدولي لحل الأزمة السورية، المعروف بجنيف-2،
وحدثت انقسامات في اجتماع اللجنة العربية المكلفة متابعة الملف السوري الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي، وشددت بعض الدول على صعوبة حسم المعركة عسكريا، وقال: هذا المعسكر الذي تقف فيه الجزائر والعراق بوضوح، وآخرون على استحياء، أنه مهما طال الزمن لا بد من أن يكون الحل سياسياً،
وجلوس ممثلين عن النظام السوري والمعارضة معا، ودعم هذا الفريق مشاركة الدول العربية ونظام بشار حضور مؤتمر جنيف-2
المتوقع انعقاده في العاشر من يونيو القادم ، وكان التغير الظاهر في اجتماع اللجنة العربية
هو اقتراب نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية من رؤية الأخضر الإبراهيمي المبعوث العربي - الدولي، الذي يؤمن بضرورة التسوية السياسية بين الجانبين.
وقد بدت معالم الخلاف جلية في، مدى قانونية إصدار اللجنة العربية
التي تضم، قطر ومصر والجزائر والعراق والسودان والسلطنة والسعودية والكويت والإمارات والبحرين ونبيل العربي،
لقرارات ملزمة أم توصيات ترفع لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، ودار جدل حول عقد اجتماع وزاري عربي - عربي في 5 يونيو القادم ،
للتوصل إلى موقف موحد قبل انطلاق المؤتمر الدولى، ويخشى كثير من المراقبين أن يكشف الاجتماع الوزاري عمق الخلافات العربية، وتدخل الجامعة العربية (جنيف 2) ودولها منقسمة على نفسها، كما اعترضت الجزائر والعراق على رغبة بعض الدول العربية للتوجه إلى مجلس الأمن واستباق نتائج المؤتمر الدولي، ففي هذه الحالة سوف تزداد مسافة الخلافات؛ لأن التصميم على هذا الاتجاه معناه تغليب الأدوات العسكرية وقطع الطريق على الحلول السياسية، ومعناه أيضاً وضع الكرة تماما في ملعب مجلس الأمن وتقزيم الدول العربية إلى أدنى مستوى له، حيث سيكون تابعاً لمواقف القوى الكبرى، التي يمكن في لحظة معينة تتفاهم على طريقة الحسم، دون اعتبار لأي مصالح سورية أو عربية.
الواقع أن الارتباك الحاصل في المواقف العربية، أمر طبيعي في أزمة مركبة وشائكة، لا أحد يعلم جيداً الحدود الفاصلة بين أطرافها الداخلية وامتداداتها الخارجية، ولا أحد يعرف النتائج التي يمكن أن تترتب على التدخلات العسكرية ونهاية العمليات المسلحة التي تقوم بها المعارضة السورية، كما أن المصالح الكبيرة التي تتحكم في مواقف بعض القوى الإقليمية والدولية تساهم بدور بارز في الوجهة التي سوف تتجه إليها الأزمة، وقد وصلت قناعة بعض الدول إلى أن اللا حل أصبح بمثابة حل، بمعنى أن استمرار الحال على ما هو عليها أضحى مرضياً لتلك الدول، التي تخشى من تداعيات نجاح النظام السوري في قمع معارضيه، حيث سيخرج من المعركة أشد قوة وشراسة، وبالطبع سوف يميل إلى تصفية حساباته، وتخشي أيضاً من انتصار المعارضة المفتتة والمنقسمة على أمرها؛ لأنها بذلك ستكون الدولة معرضة للتمزق، في ظل التباين اللافت في صفوفها، ناهيك عن ارتفاع صوت الجماعات الإسلامية المتشددة وما يمكن أن تؤدي إليه توجهاتها من فتح جبهات جديدة في الأزمة مع دول مجاورة، سواء بالتحالف مع البعض أو الدخول في معارك جانبية مع آخرين، ولعل لعبة التناقضات العربية تبدو واضحة في الموقف المصري من هذه الأزمة.
وهنا أتذكر تأكيد السفير الروسي بالقاهرة في أحد تصريحاته، أن هذه الأزمة كان يمكن تحجيمها واحتواء مخاطرها لو أن القاهرة «بعافية سياسية»، والمقصود هو إدراك الخطورة والتدخل قبل فوات الآوان، لكن الغريب أن مصر عندما قررت الاقتراب منها، عقب انتخاب الرئيس محمد مرسي في نهاية يونيو من العام الماضي، بدت مرتبكة، وانحازت في البداية لطبقات المعارضة السورية، متأثرة بانحيازات أيديولوجية معينة، ثم طرحت مبادرة رباعية (مصر والسعودية وتركيا وإيران) على قمة مكة الإسلامية الاستثنائية، لم تتوافر لها الأدوات اللازمة للنجاح، حتى فترت واختفت بعيداً عن الأضواء السياسية والإعلامية، والمثير أن لدى مصر الآن شبكة قوية من العلاقات مع الأطراف الرئيسية في الأزمة، لم تستثمرها لاكتشاف كراماتها الإقليمية الجديدة، وقدرتها على القيام بأدوار مؤثرة.
فقد زار الرئيس مرسي أربعا من الدول الرئيسية في الأزمة السورية، هي إيران وتركيا والصين وروسيا، وأشارت التصريحات الصادرة على لسان مسؤولين في القاهرة وفي الدول التي ذهب إليها الرئيس لتقارب في الأفكار حيال كثير من الأزمات، حتى إيران التي بدت أحياناً على طرفي نقيض مع الموقف المصري في هذه الأزمة، استقبلت مؤخراً عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية المصري للشؤون الخارجية والسفير محمد رفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وخلال لقائه معهما قال الرئيس أحمدي نجاد «رؤي إيران ومصر تجاه القضية السورية تأتي في مسار واحد»، كما أن القاهرة لديها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وتفاهمات مع إسرائيل ومعظم الدول الغربية، ومع ذلك لم نر دوراً مؤثراً أو اهتماماً يتواءم مع أهمية سوريا بالنسبة لمصر، وهو دليل آخر على قلة الخبرة والعجز، والارتباك في التصرفات والذي بدأ ينتقل من الساحة الداخلية إلى الخارجية حسبما يرى بعض المهتمين.
في تقديري أن مصير المؤتمر الدولي (جنيف 2) سيتوقف على ثلاثة عوامل أساسية، أولها مدى التفاهمات المنتظرة بين الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في الأزمة، وقد رأينا تغيراً متصاعداً في موقف الولايات المتحدة، والاقتراب من التنسيق مع روسيا، بمعنى عدم استبعاد أن تتوصل الدولتان إلى تفاهم بشأن الخروج من المأزق الراهن، وهو ما يفضي إلى صدمة في بعض الأوساط العربية التي تتعامل مع الأزمة بطريقة «استاتيكية»، وثانيها حجم الإجماع في صفوف المعارضة السورية، فالسخونة التي شهدها مؤتمر اسطنبول قبل أيام، والتراشقات التي بدأت تظهر على السطح بين أطيافها المختلفة تشي بمزيد من الانقسامات، بما يمنح بشار الأسد فرصة للرهان على هذا التشرذم، وثالثها يتعلق بعمق التوافق العربي على الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وهو رهان صعب يجب أن تتمسك به الدول كمؤشر للطريقة التي سيتم التعامل بها مع الأزمة، فما فائدة سقوط بشار ونظامه وتسقط معه سورية إلى مستنقع التقسيم، الذي لن يقف عندها فقط؟ بالتالي على جامعة الدول العربية أن تدخل المؤتمر الدولي ولديها رؤية محددة وإجابة على السؤال الصعب، كيف يرحل الأسد وتبقى سوريا؟
just_f