انت وين و أنا وين - جديد ابداعات قلم

    • انت وين و أنا وين - جديد ابداعات قلم


      فجأة لاحظت اختفاء بعض الأشخاص من حياتي ممن كانوا قريبين جدا مني، ولكوني كالسمكة التي يصعب عليها العيش بعيدا عن الماء فأنا يصعب علي العيش بعيدا عن الناس خاصة أولئك الذين يشكلون أهمية في حياتي من أفراد اسرتي و أصدقائي و زملائي ممن لهم معزة خاصة في قلبي، بدأت أسأل و ابحث عنهم، محاولة ايجاد شتى الأعذار لهم عملا بمقولة (الغائب حجته معه)، فقد توقفت عن اللوم و العتب على قلة التواصل من قبل من حولي لإدراكي بمشاغلهم و التزاماتهم التي لا تنتهي، لكن ما صدمني حقيقية هو العذر الذي بدأت اسمعه من البعض و الذي تكرر اكثر من مرة الأمر الذي جعل (تطنيشه) أمرا في غاية الصعوبة، كونه شغل حيزا من تفكيري الفترة الماضية، فقد تكررت عبارة (انت وين وأنا وين) من عدة اشخاص، الأمر الذي جعلني أعود للبحث عن نفسي، و أتوقف كثيرا عند عبارة (أنت وين) هذه، لأني مازلت حسب ما أرى اعمل في المكان نفسه منذ ما يزيد عن سبعة عشر عاما، بل إن مقر عملي اصبح اكثر وضوحا الآن بعدما اصبح مطلا على الشارع العام، هاتفي ايضا لم يتغير طوال هذه الفترة، وبريدي الالكتروني اصبح متاحا للملأ من خلال مقالاتي اذن اين ذهبت؟! عدت للسؤال من جديد مطالبة هذه المرة بشرح بعدما عجزت عن شرح العبارة لذاتي، فجاءتني الردود مباشرة لكنها غريبة و غير منطقية على الاطلاق، فالبعض برر بعده عني بشهرتي ككاتبة، وقد صعقت من هذه العبارة أيما صعقة، فلم أكن أظن حتى سماعي لتلك العبارة انني بت مشهورة، فأنا اجزم أن قرائي الذين هم فئة محدودة جدا من قراء جريدة عمان هم قلة، أغلبهم ربما ممن تتاح لهم الجريدة مجانا في جهات عملهم، ولكون مقالي يقع في الملحق الاقتصادي الذي غالبية الشباب يلقون به جانبا، أجزم بأن الكثير لا يقرأ لي، اذن لم يتبق سوى الفئة البسيطة المعنية بالشؤون الاقتصادية وهذا ما لا اسميه شهرة شخصيا! البعض برر ابتعاده عني بالمسمى الوظيفي وهو ما اشعرني انني اصبحت وزيره او حتى امينا عاما للأمم المتحدة، في حين لم لم يكن المسمى سوى تغيير في قرار إداري لم يمس شخصي بأي حال من الأحوال، فكيف كان سببا في ابتعاد الناس عني، عدت هذه المرة للوقوف امام المرآة لعل شيئا آخر زاد في ولم ألحظه، فلم اجد سوى الكيلوجرامات التي زادت في وزني ولم أر أنها مبرر كاف ايضا لاستثنائي من حياة اصدقائي فهي لم تزدني بشاعة بل على العكس احبت شكلي – بالوزن الثقيل – ما المشكلة اذن؟ المحزن في الموضوع اكتشافي انني مارست الأمر ذاته مع اصدقاء و رفاق كانوا جزءا مهما في حياتي للاسباب ذاتها، كثيرون منهم لم يكن لي عذر في استقصائهم من حياتي سوى مناصبهم و مشاغلهم الجديدة، لكن عندما تداركت الأمر وعدت ابحث عنهم وجدتهم كما كانوا دائما قريبين من القلب، ذات البساطة و ذات الصدق وذات المرح الذي عرفته فيهم قبل المناصب، لذا وجدت بأنه من الظلم ان ألوم اصدقائي الذين ابتعدوا عني، فكلانا نصبنا انفسنا قارئي أفكار واصدرنا حكمنا على الطرف الآخر من خلال وجهة نظر تبنيناها، لم تكن تمت للواقع بصلة، بعض الظن إثم فعلا لأنه لن تعرف ما يفكر فيه الطرف الآخر لكونك لست بقارئ أفكار ببساطة شديدة، لا أحد منا يستطيع ان يجزم بما يفكر فيه الطرف الآخر ، وان ادعينا غير ذلك، ذكرني هذا ايضا بعبارة اخرى مفادها لا تحكم على انسان قبل أن تمشي مائة ميل في حذائه، وهو ما يعني أن نضع أنفسنا دائما مكان الطرف الاخر قبل أن نصدر أحكامنا الظالمة، التي قد نخسر بسببها صداقات حقيقية و رفقة شخصيات رائعة مجرد الاقتراب منها يثري حياتنا، الفرص لا تاتي إلا مرة واحدة، اذا لم نغتنمها ذهبت للأبد، بعض الشخصيات ستمر في حياتك، وان لم تعمل بحرص على إبقاء الود معها قد تخسرها إلى الأبد، حينها ستكشتشف أنها كانت معادن قيمة لا تعوض، صحيح أنه مع الوظائف تأتي الكثير من المسؤوليات والأعباء تجعل الآخر لا يستطيع ان يمنحني الوقت الذي كان يمنحنيه قبل المنصب، لكن هذا ليس عذرا لقطع صلتي بالآخرين، فلا بد من ابقاء حبل الوصل ممدودا، فما أدراك أن يأتي لك النصيب بمنصب أعلى من منصب من هجرته، كيف ستكون عودتك حينها، ابتعاد الأحباب عنا قد تكون له أسباب عدة ليس بالضرورة أن يكون الغرور أحدها، فلكل منا ظروفه الحياتية التي تجعله ينعزل حتى عن أقرب الناس له، فقد يكون صديقك يمر بظروف صعبة جدا، مرض أو أزمة مالية أو نفسية، وهو لا يريد ان يزعجك بها، و قد تكون مشاغله ومسؤولياته أحيانا بالضخامة التي لا تسمح له أن يخصص لك الوقت الذي كان يخصصه لك ليس إلا، علينا أن نجد أعذارا للاخرين ولا نثقل على من نحب باللوم و العتاب في كل مرة نراهم فيها!





      المصدر : مدونة ابداعات قلم