اسرار غريبة عن العراق و تحرير المسجد الاقصى كتاب نهاية اسرائيل

    • اسرار غريبة عن العراق و تحرير المسجد الاقصى كتاب نهاية اسرائيل

      وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة


      تبين لنا من خلال هذه القراءة الجديدة لتاريخ بني إسرائيل ، في القرآن والسنّة والتوراة والتلمود ، أن البابليّون هم أصحاب البعث الأول ، وبناءً على ذلك ، يكون العراقيون حصرا وبلا أدنى شك هم أصحاب البعث الثاني . وسيتبين لنا في هذا الفصل ، من خلال قراءة جديدة للواقع بأن اليهود على علم بهذا البعث وأصحابه ، وظنّا منهم بأنهم قادرون على مخالفة أمر الله بمنع تحقق البعث الثاني ، خططوا ونفّذوا وما زالوا يخططون لدرء خطر هذا البعث الموعودين به ، بإبادة أصحابه بشتى الوسائل والسبل ، لقناعتهم بأن بقاء دولتهم يتحتم عليه محو العراق وشعبه عن خريطة العالم .


      حقيقة ما يُضمره الغرب للعراق

      دأبت أمريكا ومن سار في ركبها ، على إعلان عدائها لقيادة العراق الحالية وإبداء الرغبة في إسقاطها ، وجعلت من بقاء القيادة العراقية على سدة الحكم في بغداد وسابقتها في غزو الكويت ، مثالا لعدوانية هذه الحكومة وخطورتها على جيرانها ، وذريعة لإدامة الحصار ولتجريد العراق من مقومات وجوده . ليصل العالم والشعب العراقي إلى قناعة ، بأن المستهدف حقيقة من وراء الإصرار الأمريكي ، على إبقاء الحصار مفروضا على العراق ، هي القيادة العراقية الحالية بتوجهاتها العدوانية ضد جيرانها ، مما يُهدد أمن منطقة الخليج الحيوية للعالم ، وبإسقاط هذه القيادة ستنعم منطقة الخليج بالأمن مجدّدا حسب الرؤى الأمريكية .

      ومع أن أمريكا لا تُبدِ أدنى اهتمام بمصير الشعب العراقي ، بل على العكس من ذلك ، كان وما زال بعض مسؤوليها من اليهود ، يُبدون سعادة عارمة بلا خجل أو مواربة ، بوقوع المزيد من الضحايا في العراق ، حيث الغالبية العظمى من الأطفال ، الذين سقطوا من جراء نقص الأدوية والغذاء ، حين تصرح وزيرة الخارجية الأمريكية ( أولبرايت ) ، في حوار صحفي في محطة (CBS ) : بأن تسبّب أمريكا بموت نصف مليون طفل عراقي أمر يستحق العناء ، إلا أن العالم أجمع ، والشعب العربي وحتى الشعب العراقي ، لم يبحث عن الدوافع الحقيقية لهذا العداء الأمريكي للعراق .

      توراة - إشعياء : 13: 16: كل من يُؤسر يُطعن ، وكل من يُقبض عليه يُصرع بالسيف ، ويُمزّق أطفالهم على مرأى منهم ، وتُنهب بيوتهم وتُغتصب نسائهم .

      توراة - إشعياء : 14: 20-23: فذريّة فاعلي الإثم ، يبيد ذكرها إلى الأبد . أعدّوا مذبحة لأبنائه جزاء إثم آبائهم ، لئلا يقوموا ويرثوا الأرض فيملئوا وجه البسيطة مُدناً . يقول الرب القدير : إني أهبّ ضدهم ، وأمحو من بابل ، اسماً وبقيةً ونسلاً وذريةً ، وأجعلها ميراثاً للقنافذ ، ومستنقعاتٍ للمياه ، وأكنسها بمكنسة الدمار … وهذا ما يُعلنه الرب : ها أنا أُثير على بابل ، وعلى المُقيمين في ديار الكلدانيين ريحا مُهلكة ، وأبعث إلى بابل مُذرّين يُذرّونها ، ويجعلون أرضها قفرا ، ويُهاجمونها من كل جانب في يوم بليّتها . ليوتر ( يُذخّر ) الرامي قوسه وليتدجّج بسلاحه ، لا تعفوا عن شُبّانها ، بل أبيدوا كل جيشها إبادة كاملة ، يتساقط القتلى في أرض الكلدانيين ، والجرحى في شوارعها ( من المدنيين طبعا ) .

      توراة - مزامير 137: 8: يا ابنة بابل المحتم خرابها ، طوبى لمن يُجازيك بما جازيتنا به ، طوبى لمن يُمسك صغارك ويلقي بهم إلى الصخر .

      وباستجابة ( أولبرايت ) وكافة الجوقة اليهودية في الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، لأوامر الرب القدير الواردة في التوراة ، استطاع بنوا إسرائيل من ردّ الصاع صاعين لأهل بابل ، وهكذا يكون العراقيون حصرا من رُدّت لبني إسرائيل الكرة عليهم ، إذ أنهم أنزلوا بالعراقيين أضعاف أضعاف ما أنزله البابليون بهم في المرة الأولى .

      ولو عدنا إلى كامل النصوص التوراتية ، ونظرنا إلى ما يجري حقيقة على أرض الواقع ، لتبين لنا أن المستهدف الحقيقي هو العراق لأنه أرض البعث ، والشعب العراقي لأنه يحمل صفة أهل البعث ، والقيادة العراقية لإرسالها البعوث في كل الحروب العربية الإسرائيلية ، وعدم قبولها وتوقيعها على اتفاقيات الهدنة ، ولإعلانها المتجدّد عن نية البعث بمناسبة وبدون مناسبة في السنوات الأخيرة ، منذ انتهاء حرب الخليج الأولى وحتى هذه اللحظة ، ورفضها لمعاهدات السلام والتطبيع ، ولإصرارها على مقولة فلسطين عربية من البحر إلى النهر ، والدعوة إلى تحرير فلسطين بالقوة .

      وفي حال استطاع الغرب اليهودي إسقاط القيادة العراقية ، فسيكون البديل كما هي العادة قيادة موالية للغرب ، ومعادية للشعب العراقي وللأمة العربية ، المتخمة أصلا بالأعداء من أبناء جلدتنا ، لتزيد الأمة ذلا وهوانا أضعافا مضاعفة ، أما مصير العراق بين يدي هكذا قيادة ، فسيكون بلا شك كما يتمنّى يهود الغرب والشرق ويشتهون ، ليتحقّق لهم ما لم يحلموا بتحقيقه بجيوشهم المدجّجة بالأسلحة المتطورة . وانظر إلى حال ألمانيا بعد الحرب ، وانظر إلى حال الاتحاد السوفييتي ، العدو الثاني للوجود اليهودي في فلسطين كما تُخبر التوراة ، عندما استطاعوا إيصال الخونة – من شعبه – إلى سدة الحكم وما فعلوه به ، لنقول بأن مهمة القيادة المستقبلية للعراق ، فيما لو أُسقطت القيادة الحالية هي :

      1. تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلات صغيرة ، كردية وسنية وشيعية في الشمال والوسط والجنوب .

      2. إثارة الحروب والفتن بين هذه الدويلات لإشغالها عن المهمة الأساسية التي أُنيطت بأصحاب البعث .

      3. تدمير الاقتصاد وإفقار الشعب العراقي ليركض لاهثا وراء قروض صندوق النقد الدولي .

      4. حظر امتلاك وتصنيع الأسلحة .

      تقديم فروض الطاعة والولاء ليهود الغرب والشرق ، وإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل ومباركة عملية السلام .

      فالمعضلة الأساسية لدى الغرب المملوك من قبل اليهود ، هي وجود عراق قوي وقادر ، فكما صدقت نبوءات التوراة في عودتهم من الشتات إلى فلسطين ، فهم يخشون أيضا صدق النبوءات الأخرى ، فيما تصفه في نصوص عديدة من عقاب حتمي ، غاية في البشاعة سينزل بهم بعد العودة إليها ، من قبل أصحاب البعث الأول ، بالرغم مما أُضيف إليها من نصوص قليلة مضللة تُخبر عن ملكهم الأبدي ، نصوص لا تُسمن ولا تغني من جوع تبعث في تخبّطها وعدم منطقيتها ، في نفوسهم القلق أكثر مما تبعث على الطمأنينة . ليجد اليهود أنفسهم ملزمون بتسخير كل إمكانياتهم دون كلل أم ملل ، لدفع قادة الغرب إلى القضاء المبرم على العراق ، وكما هي عادتهم دائما وأبدا يدفعون الآخرين لخوض حروبهم نيابة عنهم ، مذ طلبوا من موسى وربه الذهاب للقتال عنهم ، وحتى حربهم الأخيرة على العراق التي خاضتها ومازالت تخوضها أمريكا وبريطانيا في العلن وفرنسا المنافقة في الخفاء ، والحرب الوحيدة التي كسبها اليهود منفردين في مواجهة جيش ، هي عند دخولهم فلسطين مع طالوت في المرة الأولى ، وكان ذلك بتأييد من الله للقلة المؤمنة ، وبشجاعة نبي الله داود عليه السلام ، فالمسألة لديهم مسألة حياة أو موت ، وبقاء العراق يعني تبخر أحلام الشعب اليهودي بسيادة العالم من القدس .

      ومما يؤذي الأذان اليهودية في الشرق والغرب هو سماعها ، لتصريحات هذه القيادة المتكررة ، بضرورة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وطرد اليهود منها ، مما يقضّ مضطجعهم في فلسطين ، ويُعيد إلى أذهانهم تلك الذكريات الأليمة للبعث الأول ، التي أشبعتها أسفار التوراة وصفا وتفصيلا ، لتتراءى لهم ، صورة نبوخذ نصر وهتلر وصلاح الدين ، دفعة واحدة في شخص الرئيس العراقي .

      الخيارات القائمة أمام اليهود لدرء الخطر العراقي

      1. العمل على بقاء الحصار على ما هو عليه ما أمكنهم ذلك ، ومنع أي محاولة لتفكيكه أو إضعافه ، والاستمرار في نهب ثروات العراق وحرمانه من تطوير أسلحته وتجديدها .

      2. محاولة إسقاط القيادة العراقية ، عن طريق إحداث فتن وثورات داخلية ، أو عن طريق مواجهة عسكرية واسعة النطاق بعد خلق المبررات لها ، باستفزاز جديد للعراق للقيام بعمل عدواني داخلي ، ضد الأكراد في الشمال أو الشيعة في الجنوب ، أو القيام بعمل عدواني خارجي ضد إحدى دول الجوار .

      3. ضرب العراق نوويا كخيار أخير ، وهذا الاحتمال غير قائم حاليا حيث أنه مرفوض عالميا ، فمثل هذا الأمر سيؤلب العالم بأسره ضد أمريكا ومؤيديها . ولكن هذا الاحتمال سيقوى في حال فشلت الخيارات السابقة ، وخاصة عند امتلاك أمريكا للدرع المضاد للصورايخ البالستية .

      ـ والسؤال الآن : هل من الممكن أن يكون هناك ضربة نووية للعراق ؟

      جاء في سفر الرؤيا ما نصه : وسكب الملاك السادس ، كأسه على نهر الفرات الكبير فجفّ ماؤه ، ليصير ممرا لملوك القادمين من الشرق .

      أما في السنة النبوية فقد جاء ما نصه : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا . رواه البخاري ، وأخرجه مسلم والترمذي ، وأبو داود وابن ماجه وأحمد . وفي نص آخر من رواية مسلم : لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ، يحسر أي ينكشف عن .

      يُخبر النص في سفر الرؤيا ، أن شيئا ما سيسكب على نهر الفرات فيجف ماؤه ، ويُخبر الحديث الصحيح عن انحسار الفرات عن كنز من ذهب قبل قيام الساعة ، وانحسار الفرات يعني ذهاب ماءه ، فهل سيكون جفافه نتيجة لما تنتجه الأسلحة النووية من حرارة شديدة عند انفجارها ؟!

      وبالإضافة إلى ما ورد من مخططات لتدمير العراق والإطاحة بقيادته ، كما جاءت في تقرير واشنطن السابق يقول الصحفي فتحي خطاب من القاهرة ، في مقال له في جريدة العرب اليوم الأردنية ( لم أنتبه لتوثيق تاريخ صدورها ، ولكنه على الأرجح كان في بداية شهر 3 /2001 ) :

      حذّر خبراء عسكريون من مُخطط عسكري أمريكي إسرائيلي ، يستهدف فرض السيطرة المُطلقة على المنطقة ، وتطبيق ما يُعرف في ( البنتاغون ) بخطة إعادة دمج المنطقة عسكريا وأمنيا … وأن توجّه ( شارون ) لاستحداث وزارة تعنى بتطوير الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل ، واستحداث وزارة للشؤون الاستخباراتية في سابقة هي الأولى من نوعها ، يأتي في إطار ما تفرضه ضرورات نظام الحماية الأمنية الجديد … وكشف الخبراء العسكريون في مصر ، عن الترتيبات الأمريكية لإنشاء أكبر شبكة صاروخية في منطقة الخليج العربي ، تتمتع بمدى قتالي واسع يشمل العراق وإيران ودولا أخرى ، بالإضافة إلى مناطق شمال إفريقيا والبحر الأحمر ، لضمان أمن منطقة الخليج وملاحقة الطائرات المُغيرة والتدمير السريع لأية أهداف مُعادية ...

      وأكد الخبراء أن وزير الخارجية الأمريكي ( كولن باول ) حصل على موافقة دول خليجية … على إنشاء الشبكة ، التي سيتم تزويدها بأحدث أجهزة الاتصالات الحديثة والإنذار المبكّر ، التي ستكون لها القدرة على التعامل السريع مع العمليات الطارئة ، وقادرة على منع إصابة الشبكة بأي خلل أثناء العمليات العسكرية . وسوف تتحمل دول الخليج النصيب الأكبر ، من تكلفة مشروع هذه الشبكة الصاروخية ، وأن هناك مشاورات واتصالات عسكرية ، للترتيب لإنشاء هذه الشبكة ولإعداد التفصيلات الفنية المتعلّقة بها … وحذّر الخبراء من المُخطط العسكري الإسرائيلي لضرب العراق بالقنابل النيترونية ، والتي سيتم إطلاقها على منطقة غرب العراق وفق إعلان ( شارون ) …

      وأوضح العالم الفيزيائي الدكتور طارق النمر بقوله : أن القنابل النيوترونية النووية هي قنابل إشعاعية ذات أحجام مختلفة ، منها أسطوانات إبرية في حجم القلم ، وتستطيع قتل جميع الكائنات الحية في مساحة قطرها مُحدّد سلفا ، وتأثير كل قنبلة منها يتحدد حسب حجمها ،بحيث يتم زراعتها داخل الأراضي العراقية ، وفي الوقت المحدد سيتم تفجير هذه القنابل بواسطة أشعة الليزر … وأن إسرائيل مهتمة بتجربة أسلحتها الجديدة على أرض العراق ، بعدما نفذت عدة تجارب أسفل مياه خليج العقبة … ولا أستبعد أن تعمل أمريكا وبريطانيا ، على زرع قنابل نيوترونية في مناطق من العراق ، بحيث تبقى بغداد تحت التهديد الدائم ، بتدمير حقول القنابل النيوترونية بواسطة أشعة الليزر في نطاق العقوبات الذكية .

      ما لفت انتباهي في هذا التقرير الصحفي ، هو انسجامه مع المخاوف اليهودية التوراتية ، حيث يُسمّي الدول والمناطق التي تضم الدول المعادية لإسرائيل توراتيا ، ومنها إيران والعراق وليبيا في شمال إفريقيا والسودان وإثيوبيا بمحاذاة البحر الأحمر ، واللتان كانتا قديما دولة واحدة ، ويُشير أيضا إلى ضرورة ضرب العراق حسب ما تدعو وتُحرّض عليه النصوص التوراتية . ولفت انتباهي أيضا التركيز على منطقة غرب العراق ، التي من المتوقع أن يتواجد فيها الجيش العراقي قبل تحرّكه لغزو لإسرائيل .

      وفي تقرير آخر من واشنطن للصفحي محمد دلبح ، نُشر في جريدة الدستور الأردنية ( التاريخ غير موّثق ) يقول فيه :

      تبحث وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) إنتاج قنابل نووية من نوع جديد ، قادرة على اختراق مراكز القيادة ، والتحصينات التي يستخدمها الزعماء والقادة . ونقلت صحيفة ( واشنطن بوست ) عن مصادر في الحكومة الأمريكية والكونغرس قولها : أن الهدف من إنتاج هذه القنابل ، هو تجنّب ما تُسمّ‍يه الحكومة الأمريكية الأضرار الجانبية ، التي تُحدثها الأسلحة التدميرية بأنواعها . ويقول المدافعون عن هذا النوع من القنابل النووية الصغيرة – مقارنة بغيرها – أنها قد تعمل على قيام الولايات المتحدة ، بتخفيض مخزونها الحالي من القنابل النووية ، دون أن تتعرّض مفاهيمها الأمنية لأخطار أو تعديلات . ونسبت الصحيفة إلى مستشاريّ وزير الدفاع الأمريكي ( دونالد رامسفيلد ) قوله : أن الأسلحة النووية الأمريكية الحالية ، لن تردع الرئيس العراقي صدام حسين ، لأنه يعلم بأن الرئيس الأمريكي ، لن يقوم بإلقاء قنبلة نووية – بقوة مائة كيلو طن - على بغداد ، ليُدمّر المدينة بأكملها ، ويقضي على سُكّانها ، بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل … ومن ناحية أخرى يعتزم اتحاد العلماء الأمريكيين ، إصدار تقرير هذا الأسبوع يقول فيه أن إضافة هذا النوع من القنابل النووية إلى المخزون النووي في العالم ، سيجعل استخدام هذا النوع من السلاح أكثر احتمالا .

      أستطيع القول بأن التفكير الأمريكي الإسرائيلي العسكري على المدى القريب ، بعد المعارضة والإدانة العالمية لضربهم بغداد مؤخرا ، سيكون محصورا في الردع وليس في الهجوم ، لعدم وجود ذريعة للهجوم مقبولة دوليا ، ( كذريعة القضاء على أسلحة الدمار الشامل العراقية ) منتظرين فبركة مؤامرة جديدة أو تحرّك عراقي خاطئ ، وأعتقد أنهم سيُحاولون استفزازه في المستقبل القريب بشتى الوسائل والسبل ، ليعلنوا عليه حربهم الشاملة . أما على المدى البعيد - إن لم يُعطهم العراق الذريعة لشنّ تلك الحرب - أستطيع القول ، أنهم وفور امتلاكهم للدرع النووي - الذي سيكون جاهزا بعد خمس سنوات حسب تقديرهم - والذي سيُوفر لهم الحماية من أي ردود فعل نووية ، سيشنّون حربهم المُقدّسة على العراق ، وسيقومون بضربه بوابل من القنابل النووية ، حتى يغدو صحراء قاحلة خاوية على عروشها . لكي يتخلص يهود العالم من هذا الرعب التوراتي المُسلّط على رقابهم ، لينتظروا بسلام ملكهم الذي سيظهر في القدس ، والذي سيعيشون معه أحلامهم الوردية إلى الأبد ، ومن المحتمل جدا أن تكون الضربة النووية للعراق ، كرد فعل أمريكي على الدخول العراقي لفلسطين ، لتبدأ بذلك الحرب العالمية الثالثة .

      الموقف العالمي إزاء العراق

      كانت غاية الغرب في السنوات الأخيرة وما زالت ، هي تدمير العراق تحقيقا لرغبات اليهود في حماية إسرائيل . وما كان للغرب أن يُحقّق هذا الهدف ، بالخروج على الأعراف والمواثيق الدولية بأي شكل من الأشكال ، للقيام بعدوان مباشر ومكشوف على العراق ، وما كان لأمريكا بعظمتها أن تقوم منفردة بعمل عدواني ضد العراق ، لأنها في هذه الحالة ستجابه العالم بأسره . وبما أن مآرب اليهود من خلال إشعال حرب الخليج الأولى لم تتحقّق ، بل على العكس من ذلك تماما ، خرج العراق من هذه الحرب محتفظا بقوته ، وقامت قيادته بتهديد إسرائيل جهارا نهارا ، بحرق نصف إسرائيل حال اعتدائها على أي بلد عربي ، كانت هذه القيادة كمن حكّ لليهود على جرب .

      آنذاك قامت الدنيا ولم تقعد ، طبل وزمر في الشرق والغرب لتأكيد عدوانية العراق ونازيته ، فحرق اليهود هو فعل هتلريّ نازيّ ، وكان ذلك لتهيئة الرأي الغربي والعالمي ، لاستقبال هتلر جديد يسعى لحرق اليهود . وفي الخفاء كانت تُطبخ مؤامرة جديدة ، تمخّضت عن غزو العراق للكويت ، وبذلك استطاعت أمريكا أن تُوجد مبرّرا قانونيا لتدمير العراق ، فغزو العراق للكويت كان مخالفا للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية ، وبذلك استطاعوا إضفاء الشرعية على عدوانيتهم ، لتحقيق مآربهم الحقيقية تحت غطاء الشرعية الدولية ، وبدلا من أن تواجه أمريكا المعتدية العالم بأسره ، أصبحت الضحية العراقية تواجه العالم بعد أن أصبحت معتدية ، كما حصل مع ألمانيا بنفس السيناريو ما قبل الحرب العالمية الثانية وبكل حيثياته ، والسبب هو عداء قيادة البلدين لأسياد العالم ، وبذلك أُجبرت دول العالم المختلفة ، على اتخاذ موقف معادي للعراق ، حتى من قبل حلفاءه التقليديين في ذلك الوقت .

      أما في الوقت الحالي ، فقد بدأت دول العالم مؤخرا تصحو من أكاذيب الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، لتبرير ما تنتهجه من سياسات إزاء العراق ، فكل المبرّرات السابقة لم تعد موجودة ، وأصبحت الأعمال الأمريكية العدوانية تُجابه بالمعارضة الشديدة من قبل أغلب دول العالم . وحتى قرارات الشرعية الدولية ، تميل كثير من الدول ومنها روسيا والصين إلى التغاضي عن البحث في مسألة التزام العراق بها من عدمه ، ومنها مسألة فرق التفتيش عن الأسلحة . بل تعمد هذه الدول أحيانا إلى خرق هذه القرارات سرا ، حتى وصل الأمر بمجلس الدوما الروسي ، إلى المطالبة بالتصويت على عملية رفع الحصار عن العراق من جانب واحد . أما الأكثر تمسكا بقرارات الشرعية الدولية ، فهم الذين يذرفون دموع التماسيح على الشعب العراقي ، بدعوى أنهم حريصون على مصلحة هذا الشعب ، وأن قيادة هذا الشعب ليست حريصة عليه ، بما أنها عصت وتمرّدت على قرارات الشرعية الدولية ، التي جعلوا من يعصيها بمنزلة من عصى الله إن لم تكن أعظم .

      وأما دعوى الأمريكان بأن العراق يُشكل تهديدا للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، وعلى رأسها تدفق النفط بأسعار معقولة واستمرارية فتح الأسواق الخليجية للبضائع الأمريكية فهي دعوى باطلة ، فهذان الأمران هما تحصيل حاصل منذ اغتيال الزعيم العربي الوحيد ، الذي عارض الإله الأمريكي بقطع النفط ليشلّ بذلك العالم الغربي بأسره . وأما التذرّع بعدوانية العراق على جيرانه بغزوه للكويت فهو محض افتراء ، لأن من أجبر العراق على غزو الكويت هم الأمريكان بعلم وحلفائهم الكويتيون بغير علم ، وبتخطيط وتدبير وتشجيع من الأمريكان أنفسهم لكلا الطرفين ، وبمساعدة من العرب أنفسهم . لنخلص إلى القول أن العداء الأمريكي للعراق أصبح غير مبرّر ، في نظر شعوب العالم كافة حتى من قبل الشعب الأمريكي نفسه ، الذي أصبح يُحرج قادته بتفنيد كافة الحجج والذرائع ، التي يُبرّرون فيها مواقفهم المتناقضة من العراق وإسرائيل .

      ولنخلص إلى القول ، أولا ؛ بأن الموقف العالمي إزاء الصراع الأمريكي العراقي ، أصبح مختلفا بل مغايرا لما كان عليه في السابق ، فهناك بعض الدول العظمى وحتى الصغرى منها ، باتت تتخذ موقفا مناهضا لأمريكا ولإسرائيل ، ومتعاطفا مع العراق وفلسطين ، وخير مثال على ذلك موقف كولومبيا في مجلس الأمن المؤيد ، لإرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين ، مبدية عدم اكتراثها بمقاطعات أمريكا الاقتصادية ، وموقفي كل من روسيا والصين . وثانيا ؛ بأن الموقف الأمريكي المعادي للعراق ، عند عدم عزوه للمخاوف التوراتية اليهودية ، يُصبح أمرا لا يُمكن فهمه من قبل الآخرين .

      الموقف العربي من العراق

      دأبت أمريكا على دفع الأمور ، باتجاه جعل الرأي العالمي والعربي والعراقي ، يعتقد بأن السبب في معاناة الشعب العراقي هو القيادة العراقية بتوجهاتها العدوانية ، حتى بات كثير من العرب يعتقدون بأن هذه القيادة هي السبب الحقيقي ، فيما وصل إليه العرب من ذل وهوان وفرقة ، وضياع لثرواتهم النفطية فضلا عما كانوا عليه في السابق . بل مضى الكثير منهم إلى أبعد من ذلك ، فاتهموا هذه القيادة بالتآمر والتواطؤ مع الغرب نفسه ، ضد العرب وضد الشعب العراقي ، ليصبح إسقاط القيادة العراقية مطلبا عالميا وعربيا وعراقيا ، وليبقى رفع المعاناة عن الشعب العراقي مرتبطا بإسقاط القيادة العراقية الحالية . وهذا مما جعل البعض يذهب إلى القول أيضا ، أن الغرب مستفيد من وجود القيادة العراقية على رأس السلطة لذلك لا يرغب بإسقاطها ، وأن الرئيس العراقي متآمر ومتواطئ مع أمريكا للإضرار بشعبه وأمته ، وحتى ضربه لإسرائيل كان فقط لذر الرماد في العيون . ولو أن أمريكا لم تكن مستفيدة من وجوده لعملت على إزاحته ، تأليها من أولئك لأمريكا بغير علم ، وكأنّها القادر على كل شيء .

      وكما أخطأ الشريف حسين بوضع ثقته في الإنكليز في الحرب العالمية الأولى ، وساهم بتنفيذ مخططات اليهود من حيث لا يدري ، أخطأت القيادة العراقية عندما وثقت بأمريكا وبعض مواليها من العرب المتآمرين في ظهر الغيب ، لينطلي عليها معسول الكلام ، فسيق العراق كما يُساق الفهد إلى قفص الصياد ، فدخل حربين مدمرتين كان الهدف منهما تحطيم قدراته ، وعلى ما يبدو أن هذه القيادة استيقظت من غفوتها فور دخولها للكويت ، وعند انكشاف الوجه الحقيقي لأمريكا ولكن بعد فوات الأوان ، فانسحبت من حرب الخليج الثانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ولكن المتآمرون على العراق من عرب وعجم ، لم يُعطوها الفرصة لالتقاط أنفاسها فتوالت قرارات مجلس الأمن تباعا ، وكان الحصار الذي لم يكن في الحسبان وكانت لجان التفتيش وكانت التعويضات ، فحُصر المارد العراقي في قمقم قرارات مجلس الأمن الدولي ، ريثما يجد المتآمرون عليه طريقة للإجهاز عليه تماما .

      كان مقتل القيادة العراقية الأول الذي استغله المتآمرون خير استغلال ، هو ما يتمتع به العراقيون إجمالا من صفات العزة والأنفة ، وعدم قبولهم للذل والهوان والتطاول عليهم من قبل الآخرين . فعندما أُغري الكويتيون بالتطاول على العراق كانت الحرب الانتقامية . وكان المقتل الثاني وما زال هو أن العراقيين رجال حرب وليسوا برجال مكر وكذب ومراء . لذلك كان من السهولة بما كان أن تنطلي عليهم دسائس المكرة الفجرة من الغرب والشرق . وأما رجم القيادة العراقية بالخيانة والتواطؤ مع الغرب من بعض المحبطين العرب ، فذلك أولا : لجهلهم بما يدور في مطابخ الغرب والشرق ضد هذه الأمة بشكل عام وضد العراق بشكل خاص ، وثانيا : لخيبة أملهم فيما عقدوه من آمال على القيادة العراقية لرفع حالة الذل والهوان المزمنة التي يُعانون منها ، وخاصة بعد أن توقفت الصواريخ العراقية عن دكّ معاقل الصهاينة ، قبل أن تتحقّق أحلام الشعب العربي في العزة والكرامة .

      دوافع ومبررات العراق لمحو إسرائيل عن الوجود

      1. التخلّص من الشعور بعقدة الذنب ، حيث أن أفعال القيادة العراقية أضرّت حقيقة بالشعب العراقي والأمة العربية حتى لو كانت عن غير قصد .

      2. تبيض الصفحة ونفي تهمة الخيانة والتواطؤ ، حيث أن القيادة العراقية ، أصبحت متهمة من قبل الآخرين .

      3. ضرورة التعويض عما لحق الشعب العراقي والأمة العربية ، من ذل وهوان نتيجة الانكسار العراقي .

      4. إثبات القدرة العراقية على النهوض بالأمة العربية ، وقيادتها لما تصبو إليه من منازل العز والكرامة ، والتي طالما كانت تتحدث عنها فيما مضى ، ولكنها لم تفلح لغاية الآن ، مما شكّك في مصداقية القيادة العراقية في تصديها لهموم الأمة العربية .

      5. إثبات صدق تبني القيادة العراقية ، لمقولة عاشت فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر ، والتي تُعتبر من أولويات الحزب الحاكم .

      6. الخروج من الوضع المأساوي والمُهين ، الذي نجم عن الحصار الأبدي ، المفروض على العراق منذ أحد عشر عاما .

      7. قطع الطريق على المخططات اليهودية الأمريكية لتدمير العراق التي أصبح العراقيون يعونها تماما .

      8. الانتقام من التطاول الإسرائيلي الجبان بضرب المفاعل النووي العراقي أثناء انشغاله في الحرب مع إيران .

      9. الانتقام من التطاول الأمريكي أثناء وما بعد حرب الخليج الثانية .

      10. إظهار عدم مقدرة أمريكا على حماية مسخها الخداج في المنطقة في أي مواجهة عسكرية حقيقية .

      11. سلبية مواقف القيادات العربية غير المبرّرة من العراق ، ويأس القيادة العراقية وقنوطها من هذه القيادات ، خاصة بعد مؤتمري القمة الأخيرين في القاهرة وعمان .

      12. تعلّق آمال الشعب الفلسطيني اليائس بصحوة المارد العراقي المحاصر ، وخروجه من الإقامة الجبرية في القمقم ، وهذا ما يُظهره الفلسطينيون أثناء مسيراتهم برفع صور الرئيس العراقي والأعلام العراقية .

      13. حاجة الشعوب العربية إلى بطل حقيقي يعيد لها أمجادها ، في زمن عزّت فيه البطولة ، إلا من بطولات على نمط بطولات الدون كيشوت في معاركه مع طواحين الهواء ، التي ما فتئت تتغنى بها وبأبطالها شاشات التلفزة العربية ليلا ونهارا .

      14. العراق غريق لن يخشى البلل ، وعلى ما يبدو أنه سيعمل على مبدأ أنا والطوفان من بعدي ، وإن لم يكسب فلا شيء يخسره .

      15. الاستفزاز أو العدوان الأمريكي القادم بناءً على التحريض اليهودي ، كما ورد في تقرير واشنطن بإثارة مسألة المفتشين ، مع نهاية شهر 11/2001م أو بإثارة فتنة جديدة ، تدفع العراق للقيام بعمل عدواني داخل أو خارج أراضيه .

      النص القرآني يتحدّث عن علاقة ثأرية بين طرفين ولا اعتبار لأي طرف آخر

      يتحدّث النص القرآني في سورة الإسراء عن نزاع بين طرفين ، تربط ما بينهما علاقة ثأرية متأصلة في النفس اليهودية منذ آلاف السنين ، ولا يضع في حسبانه أي طرف آخر مهما عظُم شأنه أو صغُر ، وكأنه لا يوجد على الكرة الأرضية سوى بني إسرائيل وأولئك العباد . وهذا ما نجده في الآية السادسة والخمسين من سورة الإسراء ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ ، فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ ، وَلَا تَحْوِيلًا (56) ولفظ ( الضُّرّ ) ورد في القرآن (29) مرة فقط ، وبمعنى واحد هو الأذى أو العذاب في الحياة الدنيا ، والمعنى الإجمالي للآية بأن الله سبحانه وتعالى ، يُخاطب أُناسا أثناء نزول العذاب بهم متحديا إيّاهم ، بدعوة من اتّكلوا عليهم من دونه لرفع عذاب الله عنهم . ووعد الآخرة هو وعد إلهي لليهود بالعذاب – وليس للمسلمين بالنصر - سيقع لا محالة ، والذين نهاهم الله في نفس السورة عن اتخاذ وكلاء من دونه هم بنوا إسرائيل أنفسهم ، ولن يملك أحد من الجن والأنس رفعه أو حتى تحويله عنهم ، ولكن كيف ؟

      لنتفق أولا على أن تحقق هذا الوعد بغزو العراق لإسرائيل ، يعتمد أساسا على انفراد العراق بإسرائيل ويمكن لهذا الأمر أن يتحقّق في حالتين :

      الاحتمال الأول : أن يكون هذا الغزو مسبوقا بدمار جميع القوى العسكرية التي يمتلكها الغرب وإسرائيل ، كنتيجة لتدخل بشري بقيام حرب نووية عالمية بين الغرب والشرق ، أو كنتيجة لتدخل إلهي بإحداث كوارث طبيعية هائلة في الغرب شبيهة بأحداث يوم القيامة .

      الاحتمال الثاني : أن يكون هذا الغزو ضمن معطيات الواقع الحالي ، مع بقاء جميع القوى العسكرية التي يمتلكها الغرب وإسرائيل . باستخدام العراق لتقنيات وخطط عسكرية بسيطة ، تحمل في طياتها منطق عسكري جديد ، لم تألفه الشعوب ولا تتوقعه ضمن المعطيات الحالية ، يكون من شأنه أثناء الغزو ، إلغاء أو تهميش القدرات العسكرية الإسرائيلية والغربية كليا .

      والاحتمال الأول ضعيف جدا ، حيث أنه يتطلب أن تقوم القوى الغربية بفعل عدواني يُهدّد الاستقرار العالمي ، مما يُجبر القوى الشرقية المتمثلة بروسيا والصين مثلا ، على الرد بشكل عنيف ومدمّر لإعادة الأمور إلى نصابها . وضمن المنظور القريب لا يوجد من الأسباب ، ما يدفع القوى الغربية للقيام بمثل هذا الفعل العدواني . أما الفعل الإلهي بتدمير القوى الغربية فهو أمر مستبعد كليا ، لأن الأحاديث النبوية فيما يُخص الفترة الزمنية التي يظهر فيها المهدي ، تُشير إلى فناء التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية بمجملها ، سواء ما يمتلكه الشرق أو ما يمتلكه الغرب ، ولا تُشير إلى فناء جميع الدول والشعوب التي تمتلك هذه التكنولوجيا ، فكيف فنيت التكنولوجيا بكليتها ولم تفنى الشعوب … ؟!

      وهذا مما يؤكد أمرين ، أولا : بقاء بعض الدول وفناء البعض الآخر ، وثانيا : فناء جميع الأسلحة المتطورة وعلى رأسها الأسلحة النووية من كلا الطرفين . فالدمار القادم للحضارة الغربية برمتها سيتحصّل لا محالة ، وعلى ما يبدو من جرّاء حرب عالمية نووية مدمرة تستنفذ فيها كافة الأسلحة المتطورة من على وجه البسيطة ، مع بقاء بعض الشعوب المنتصرة ، بعد أن تكون ألقت ما في جعبتها من أسلحة على خصومها المنكسرة ، وبذلك يغدو من الممكن قيام الخلافة الإسلامية في ظل غياب تلك القوى لتحكم الكون بأسره ، إذ لا بد للنصر من أسباب ومسببات مادية فضلا عن العقائد الروحية .

      أما الاحتمال الثاني فهو الأقوى ، إذ أن المؤشرات على الساحة العالمية والمحلية ، تؤكد على أن العراق لن يستطيع الصمود حتى وقت متأخر جدا ، فصبر القيادة العراقية بدأ ينفذ ، والتحركات السياسية المتعددة للخلاص من الحصار ، على المستوى الإقليمي والدولي باتت غير مجدية ، ورغم كل ذلك لا يبدو أن هناك ضوء في آخر النفق ، والضغوط والتهديدات الأمريكية في تزايد مستمر ، فلا بد لها من القيام بعمل ما لتحريك الأمور ، أو قلبها رأسا على عقب . وكذلك الأمر بالنسبة للشعب الفلسطيني في فلسطين ، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من الخذلان العربي والعالمي ، فهو أقرب إلى الانهيار منه إلى الاستمرار ، وستكون النتيجة مأساوية على المدى البعيد ، وعلى عكس ما يتوقعه الناس منهم ، فللإنسان طاقة محدودة على الصبر ، وسيبدأ الفلسطينيون مجدّدا بالانسياب إلى الخارج شيئا فشيئا .

      معطيات الواقع الحالي تؤكد حتمية نفاذ هذا الوعد في وقت قريب

      وسرّ قابلية نفاذ هذا الوعد في الوقت الراهن تكمن في أربع معطيات ، أولا : في القيادة الحالية للعراق التي إن زالت لن تتكرّر ، فهي التي تملك إرادة الغزو بعدما تولدت لديها نتيجة عملية مخاض عسيرة ، تمثلت بما لحق بالعراق من ظلم وإجحاف وإذلال في السنوات الأخيرة على عهد هذه القيادة ، وهي المُطالبَة بإزالة هذا الظلم والهوان والثأر ممن تسبّب فيه ، وبعث أولئك العباد المشار إليهم في النص القرآني أساسا - وكما أوضحنا سابقا - قائم على علاقة ثأرية بينهم وبين اليهود غايته الانتقام ليس إلا .

      وثانيا : في القيادة الحالية لإسرائيل ، بقيادة أكثر اليهود إجراما ووحشية ، ودورها في ازدياد حدّة ودموية الانتفاضة الجديدة ، والتي ساهمت وستساهم في استمرارية انغماس يهود إسرائيل في شأنهم الداخلي ، وإهمالهم وعدم التفاتهم لمن يتربّص بهم الدوائر من الخارج ، مما يعطي فرصة أكبر لنجاح الغزو العراقي .

      وثالثا : في حالة المجتمع الإسرائيلي الراهنة ، وخاصة بعد اختياره لقيادة هي الأكثر دموية بين سابقاتها ، وبأغلبية ساحقة مما يُشير إلى أن الشعب بكليته ، أصبح أيضا شعبا دمويا فاسدا ومفسدا ، وعندما تصبح الأمة بأسرها تملك هذه الصفة ، وحسب السنن الإلهية ، نجد أن هلاكها بات وشيكا جدا . وإذا علمنا أن السفاح ( شارون ) يحمل على عاتقه ، تنفيذ مجمل أحلام اليهود التوراتية الواردة في الفصول السابقة قبل نهاية ولايته ، وعلى رأسها هدم المسجد الأقصى ، نستطيع القول بأن هلاك هذه الأمة لن يتجاوز الأربع سنوات على أبعد الاحتمالات .

      ورابعا : في القيادة الحالية الأمريكية غير المتزنة ، التي أعلنت عدائيتها غير المبررة للعراق ، وقامت بضربه فور تسلمها للسلطة دون سابق إنذار ، بالرغم من سياساته التصالحية وتجاوبه الكامل مع قرارات الشرعية الدولية ، وانتهاجه لأسلوب الحوار مع مجلس الأمن _ وكل ذلك لم ولن يُجدي نفعا ، إذ أن المطلوب من العراق هو عبادة إسرائيل التي يعبدون ، وتقديم فروض الطاعة والولاء للسامريّون الجدد في الغرب المتصهين _ والتي أظهرت أيضا في المقابل تغاضيا وصمتا ، على ما تقترفه القيادة الإسرائيلية بشكل غير مسبوق ، مما أثار حفيظة حتى المنافقين من حلفاء أمريكا ، فتعاقبت التنديدات والانتقادات لهذا التصرف الأهوج من قبل المُهرّج الأمريكي بوش .

      هذا ، فضلا عما أثارته القيادة الأمريكية من استياء عالمي ودولي ، لسياستها المعادية لدول الشرق الأقصى والأدنى من روسيا شمالا وحتى اليمن جنوبا ، ومن الصين شرقا وحتى ليبيا غربا ، ولحلفائها الغربيين من الدول غير المنحازة لسياساتها ، وللبشرية جمعاء بعدم توقيعها على اتفاقية الحد من الانبعاث الحراري ، حتى انعكس ذلك على مشاركة أمريكا في اللجان المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة ، فأُسقطت من لجنتي حقوق الإنسان ومكافحة المخدرات ، خلال فترة قصيرة مما يعكس السخط الدولي على أمريكا وسياساتها .

      فضلا عن ذلك ، يأتي مشروع الدرع المضاد للصواريخ المثير للجدل ، والذي تروّج له أمريكا على أنه مشروع دفاعي بحت ، تسعى لامتلاكه متذرّعة بمخاوف غير منطقية من هجوم نووي ، ربما تقوم به إحدى الدول المارقة كإيران وكوريا الشمالية ، أو جماعات إرهابية من الممكن أن تحصل يوما ما على السلاح النووي ، لضمان تأييد حلفائها لهذا المشروع ، الذين أبدوا حوله الكثير من التحفظات ، لعدم قناعتهم بالمسوغات الأمريكية لهذا المشروع . والذي يُجابه أيضا بمعارضة شديدة من قبل روسيا والصين ، كون هذا المشروع سيلغي قوة الردع النووية ، لأي دولة تمتلك السلاح النووي . فالسلاح النووي في الأصل هو قوة ردع كفيلة ، بمنع أي دولة مارقة أو غير مارقة من مجرد التفكير بضرب أمريكا نوويا ، ليتبين لنا أن دوافع أمريكا المعلنة لامتلاك هذا الدرع غير مبررة وغير منطقية .

      أما دوافعها غير المعلنة لامتلاك هذا الدرع ، فهي نابعة من المخاوف التوراتية والإنجيلية ، فيما يتعلّق بالمواجهة المقبلة بين الشرق والغرب ، والتي تناولناها في فصل سابق ، ومحركاتها الرئيسية هي العراق وروسيا والمهدي . وبامتلاك أمريكا لهذا الدرع ، تتحول صواريخها النووية إلى أسلحة هجومية ، قادرة على ضرب أي جماعة ، أو دولة نوويا أو غير نووية من المذكورة آنفا ، في حالة قيامها بتهديد المصالح أو أمن أمريكا وحلفائها ، دون أن تكترث بأي هجوم نووي مضاد حتى من قبل روسيا والصين ، وبذلك تستطيع أمريكا فرض إرادتها على أي دولة بالقوة إن لم تمتثل لسياساتها طواعية ، ضاربة بهيئة الأمم ومجالسها وقراراتها ومواثيقها عُرض الحائط .

      ولو بحثت عمن يسعى بحماس لترويج فكرة هذا الدرع ، في الإدارة الأمريكية ومجلسي الشيوخ والنواب ، لوجدت أنهم في معظمهم من اليهود ومن المتصهينين النصارى من عبدة إسرائيل ، المسكونين بالمخاوف التوراتية والإنجيلية . وأن الهدف المنشود من إقامة هذا الدرع ، هو تمكين النبوءات التوراتية المستقبلية التي توافق أهوائهم وأمانيهم من التحقق ، وتعطيل جميع النبوءات التي تخالفها ، وبذلك تصبح قابلية نفاذ هذا الوعد بالشكل الذي نتحدث عنه شبه معدومة بل مستحيلة ، ففور شعور أمريكا بأي بوادر تحركات عراقي باتجاه إسرائيل ، لن تتردد الإدارة الأمريكية التوراتية في أن تجعل أرض العراق صعيدا جرزا ، دون خوف أو وجل وليصبح اسم العراق نسيا منسيا . هذا إن لم تستبق الأمور كما هي العادة ، بضرب العراق والخلاص من أمره ، حتى قبل أن يُفكر بالتحرك فور امتلاكها لهذا الدرع ، بعد خمس سنوات من البدء في تنفيذه حسب تقديراتها ، ليصبح أمر نفاذ هذا الوعد بعد هذه المدة الزمنية ضربا من الخيال ، فلا بد من تحقق هذا الوعد قبل مضي هذه المدة .

      وقد يقول قائل أن أمريكا لا تخشى أحدا ، ولو أرادت بالعراق السوء لفعلت ، ونقول بأن هذا القول غير صحيح ، فلتدمير القدرة العسكرية التقليدية وأسلحة الدمار الشامل العراقية ، احتاجت أمريكا أولا : مبررا وهو غزو الكويت ، وثانيا : لإجماع أممي لاستصدار قرار باستخدام القوة ، وثالثا : لمشاركة 30 دولة لتنفيذ الهجوم لتوزيع دمه على القبائل ، ومن ثم فُتح المجال لإجراءاتها العدائية المستمرة اتجاه العراق . فلو كانت قادرة فما الداعي لما قامت به من خطوات سبقت الضرب الفعلي للعراق ! ونقول بأن أمريكا لن تجرؤ على ضرب العراق نوويا ، بداعي الخوف على مصالحها أو أمنها ، في ظل امتلاك نفس السلاح ، من قبل دول مناهضة لها ولسياساتها كروسيا والصين ، لأنها بالمقابل ستعطي لهما مبررا لضربها نوويا دون سابق إنذار ، في حال قيام أمريكا بتهديد مصالحهما وأمنهما . فالمخاوف الأمريكية من أسلحة الدمار الشامل تأتي من العراق ، وكما نعلم فإن العراق كان على علاقة طيبة مع أمريكا قبل حرب الخليج الثانية ، ولم يُهدّد يوما لا أمن الولايات المتحدة ولا مصالحها ، وحتى بعد احتلاله للكويت لم يكن ذلك ليُغيّر من طبيعة تلك العلاقة ، والذين هدّد العراق أمنهم قبل جرّه لغزو الكويت وما زال ، وتستطيع صواريخه الكيماوية والبيولوجية أن تصلهم ، هم يهود إسرائيل وهو ما كان قد أيقظ المخاوف التوراتية لأسياد أمريكا من اليهود ، فكان ما كان ووقع ما لم يكن في الحسبان .

      الأجواء الآن مغايرة تماما ، للأجواء التي قامت في ظلها الدولة اليهودية

      منذ أكثر من مائتي سنة ، قام اليهود بوضع مخطط طويل الأمد ، جمعوا فيه ما بين مطامع أرباب المال اليهود في السيطرة الاقتصادية ، وأحلام الحاخامات التوراتية في فلسطين . وكان الهدف النهائي للعمل الجماعي اليهودي وما زال ، هو السيادة الكاملة على كوكب الأرض من خلال حكم ملكي ديكتاتوري ، يتخذ من القدس عاصمة له لتحقيق مطلب الطرفين معا . نظريا وبإغفال القدرة الإلهية التي لا يؤمن اليهود بوجودها ، فإن مخططهم الإفسادي قابل للتحقق على أرض الواقع ، أما عمليا وبإدخال القدرة الإلهية يُصبح أمر تحقق مخططهم هذا ضربا من الخيال .

      وقد تمكن اليهود من خلال هذا المخطط ، من تحقيق السيطرة الاقتصادية ، على العالم الغربي ، بامتلاك الصناعة المصرفية ، وشراء الاستثمارات بكافة أشكالها ، وأهمها الصناعات العسكرية والإعلامية . مما مكّنهم من السيطرة على مجمل سياسيات تلك الدول الداخلية والخارجية ، ومن ثم تم تسخيرها لخدمة أهداف المخطط اليهودي آنف الذكر .

      ولو أمعنت النظر في ظروف المنطقة ، التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية ، لوجدت أنها تتقاطع كليا مع المخططات اليهودية ، بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، في ظل موقف السلطان عبد الحميد ، الرافض حتى لإقامة اليهود فيها كأفراد ، حتى استيئست رسل اليهود من الأمر . ولو أمعنت النظر في نتائج الحربين ، ستجد أنها خدمت المخطط اليهودي بشكل ملفت للنظر ، حيث تمخضت الحرب الأولى عن انهيار الدولة العثمانية ، ومن ثم إصدار وعد بلفور ، ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، ومن ثم فتح باب الهجرة اليهودية . ومن ثم قامت الحرب الثانية ، فتمخّض عنها إنشاء الأمم المتحدة من خمس دول حليفة ومنتصرة ، وفي تلك الأجواء تم استصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين ، من خلال دعم غربي أمريكي بريطاني فرنسي ، وعدم معارضة شرقية روسية صينية ، حيث كان لكل دولة من تلك الدول والمأخوذة بنشوة الانتصار ، أطماع لنيل جزء من الكعكة العالمية بعد الحرب ، وكان أحد المطالب الغربية ، هو تقديم فلسطين لليهود على طبق من ذهب . وفي المقابل ، ستجد أن نتائج هذه الحرب كانت مأساوية على مجمل الدول ، التي شاركت فيها حتى المنتصرة منها ، بما أنها تكبّلت بالديون اليهودية إلى ما لا نهاية ، والمستفيد الوحيد دائما وأبدا ، هم تجّار الحروب من سادات اليهود ، أثرياء وحاخامات ممن يحكمون العالم الغربي في الخفاء .

      ـ لنخلص إلى أن قيام إسرائيل واستمرارها ، اعتمد على عدة أمور :

      1. تمكين بريطانيا من السيطرة على فلسطين لاستصدار وعد بلفور ، الذي لم يكن كافيا لتحقيق الحلم اليهودي ، بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين . ومن ثم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني لتمكين بريطانيا من تنفيذ الوعد ، بفتح أبواب الهجرة وخلق واقع جديد يسمح لليهود بإقامة الدولة .

      2. التضليل الإعلامي المستمر للرأي العالمي ، بترويج مقولة أرض بلا شعب وشعب بلا أرض . بالإضافة إلى التضخيم الإعلامي لمسألة الاضطهاد الأممي لليهود ، وخاصة ترويج حكاية ضحايا المحرقة النازية الستة ملايين . لكسب تعاطف وتأييد الرأي العالمي الغربي ، ومن ثم استغلال الحلفاء الخمسة المنتصرين والمؤسسين للأمم المتحدة ، لاستصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين تمخض عنه قيام دولة إسرائيل ، بطلب وتأييد من الدول الغربية ، وقبول من الدول الشرقية ، حيث كانت حسبة المصالح للدول الخمسة الكبرى آنذاك تسير في مركب واحد ، بينما كانت الدول العربية بأسرها مملوكة من قبل الغرب .

      3. الرعاية الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأمريكية والأوربية المستمرة لإسرائيل في حالتي السلم والحرب .

      ـ والسؤال الآن ، هل الظروف التي أوجدت دولة إسرائيل وحافظت على بقائها واستمراريتها ما زالت قائمة ؟

      1. فور خروج الجيش البريطاني وفور الإعلان عن قيام الدولة اليهودية ، استطاعت الجيوش العربية قهر الجيش الإسرائيلي والوصول إلى مشارف تل أبيب ، ولولا استجابة العرب للأوامر الأمريكية بوقف القتال ، لما استطاع الغرب من إمداد إسرائيل بالعدة والعتاد لما تمكّنت لاحقا من الانتصار ، ولما كان هناك ما يُسمى بدولة إسرائيل ، ولكن قدّر الله وما شاء فعل .

      2. بعد الانفتاح الإعلامي وعالمية وسائل الاتصال وتعدّد مصادر المعلومات ، أُتيح للرأي العالمي وخاصة المناهض لأمريكا وسياساتها ، رؤية الجانب الآخر من الصورة ، الذي عملت وسائل الإعلام الغربية على التعتيم عليه فيما مضى ، فبات الكل يعلم أن فلسطين لم تكن يوما من الأيام أرضا بلا شعب ، بل فيها شعب لا مثيل له بين الشعوب ، له إرادة تفل الحديد ويستحق التقدير والاحترام ، وبات الكل يعلم أن الشعب الذي كان يتباكى من الاضطهاد النازي له ، تبين أنه أكثر نازية ووحشية من النازيين أنفسهم ، فتبدّل التعاطف معه إلى سخطٍ عليه واستياءٍ وخجلٍ عالميّ من أفعاله ، ولولا الفيتو الأمريكي والدعم البريطاني والفرنسي والتخاذل العربي المسلّط على رقاب الفلسطينيين ، والُمحبِط حتى لأنصار القضية الفلسطينية من الشعوب غير العربية ، لما استمرت هذه الدولة النازية الجديدة في الوجود .

      3. ولو تتبعنا كافة الحروب العربية الإسرائيلية ، لوجدنا أن إسرائيل لم تكن قادرة بأي حال من الأحوال على مجابهة الجيوش العربية ، بل لم تكن قادرة على حماية نفسها ، لولا الدعم العسكري الأمريكي البريطاني الفرنسي المعلن والخفي بالسلاح والأفراد ، من خلال الجسور الجوية التي كانت توصل هذا الدعم ، فالمواجهة في كل الحروب لم تكن بين العرب وإسرائيل وإنما كانت بين العرب والغرب ، ولوجدنا أن مجمل نوايا القيادات العربية كانت معروفة باليوم والساعة ، وأن تحركات الجيوش العربية وإمداداتها كانت معلنة ومكشوفة وبطيئة وغير منسقة لتعدد القيادات ، ولوجدنا أن عامل الوقت كان حاسما في مجمل تلك الحروب ، مما كان يُمكّن إسرائيل من الاستعداد وطلب النصرة من الغرب .

      كانت هذه قراءتنا للواقع ، أما معطيات الواقع المنظور كما يقرأها عامة الناس ، والتي لا توحي باقتراب تحقّق وعد الآخرة وبإمكانية الدخول العراقي لفلسطين في ظل هذه المعطيات ، سنحاول تصحيح هذه القراءة ما أمكن ، من خلال رسم صورة للدخول القادم من خلال صور ومشاهد ، من القرآن والتاريخ والواقع ، لتقريب صفة هذا الدخول لذهن القارئ ، وذلك أولا : لتأكيد مصداقية ما جاء به كتاب الله من أمر هذا الوعد قبل تحقّقه ، وعلى النحو الذي أراده رب العزة لا كما أرادته أهواء البشر ، وثانيا : بيان مدى قابلية تحقّق هذا البعث في زمن قريب جدا ، وضمن معطيات الواقع الحالي الذي قد يراه الناس مخالفا لما نذهب إليه جملة وتفصيلا .

      من صور الدخول في القرآن :

      نطرح فيما يلي بعضا من صور الدخول مما ورد ذكره في القرآن الكريم :

      · ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ، فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا ، وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ، وَقُولُوا حِطَّةٌ ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ، وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58 البقرة )

      كان هذا وصف للدخول ، الذي أُمر به بنو إسرائيل على قرية مدين شبه الخاوية ، بعد هلاك أغلبية أهلها بالعذاب ، وتركهم لأرضهم ومساكنهم وممتلكاتهم من الزروع والمواشي ، وهذا ما يُشير إليه قوله تعالى ( فكلوا منها حيث شئتم رغدا ) أي أن ما فيها من خيرات وأنعام ، أصبح في متناول أيديهم بمجرد الدخول ، وهذه العبارة قيلت لآدم وزوجه عند أمرهم بدخول الجنة ، وكان هذا من لطف الله بهم ومنّه وكرمه عليهم ، ولذلك طُلب منهم عند دخول باب القرية ، التعبير بالقول والهيئة عن شكرهم وطاعتهم لله على هذه النعمة التي كانوا قد طلبوها سابقا ، وتحصّلوا عليها دون جهد أو عناء ، إذ لم يُجابهوا بأية ممانعة أو مقاومة ، بل على العكس قوبلوا بالترحيب ، من قبل شعيب والقلة المؤمنة ممن بقي من قومه ، لمصاهرة موسى عليه السلام لهم وإقامته عندهم فيما مضى ، والله أعلم .

      ( قَالَ رَجُلَانِ ، مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ ، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ، ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ، فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ (23 المائدة )

      كان هذا وصف للدخول الذي أُمر به بنو إسرائيل لدخول الأرض المقدّسة المأهولة بالسكان ، في محاولة من رجلين مؤمنين عالمين بواقع الحال ، لتشجيعهم وطمأنتهم ، لعلهم يرجعون عن موقفهم الرافض لدخولها وطرد سكانها الوثنيون والاستيطان فيها بدلا منهم ، حيث يؤكد لهما الرجلان ، بأنهم لن يتعرضوا للأذى عند الدخول وفي حال كانت هناك مواجهة ، فلن يُكلّفهم ذلك سوى كسر الباب بقتل الحراس المتواجدين عليه ومباغتة أهلها في الداخل . وعلى ما يبدو أن موسى عليه السلام قبل أن يأمر بني إسرائيل بالدخول ، كان قد بعث هذين الرجلين للتجسس على أهل المدينة المقدّسة ، فوجدا أن أهلها على غير استعداد للحرب وأنهم لا يملكون جيشا ، ولم يكونوا جبارين حقيقة كما ادعى بنوا إسرائيل لاحقا ، وأنهم لا يملكون سوى بضعة حرّاس على باب المدينة فقط . وعندما أمر موسى قومه بالدخول رفضوا مُتذرعين بجبروت أهلها تقاعسا وخذلانا وجبنا ، فعقّب هذين الرجلين على قول موسى ، بقولهم ذلك تفنيدا لادّعائهم وتوضيحا لحقيقة الأمر كما رأوها بأُمّ أعينهم ، ومع ذلك أصرّ بنو إسرائيل على موقفهم الرافض للدخول بقلة إيمانهم وفسقهم وجبنهم . ودخول كهذا يحتاج للمباغتة كعنصر أساسي ، لمنع الخصم من الاستعداد والجاهزية للقتال ، مما يُقلّل أو يمنع الخسائر في المواجهات المكشوفة ، ويدفع الخصم إلى الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع ، ومن ثم الرحيل عن الأرض .

      ( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ ، إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34 النمل )

      وكان هذا وصفا لدخول الملوك على القرى المتمرّدة والمتطاولة على أمرهم ومكانتهم ، وجاء هذا الوصف على لسان ملكة سبأ ، تحذيرا لقومها من عصيان أمر الملك سليمان عليه السلام ، وهذا الدخول هو الأسوأ على الإطلاق . وانظر في ردّ سليمان عليه السلام عندما تمرّدوا على أمره ولم يأتوه مسلمين كما طلب حين قال ( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37 النمل ) فعصيان أمر الملوك - ذوي القوة والعزة والأنفة - والتطاول عليهم بأي شكل من الأشكال ، يُحمل على أنه تحقير وتقليل من شأنهم ويُعتبر إهانة لا يستطيعون غفرانها ، والرد عليها عادة ما يكون كما هو ظاهر في رد سليمان عليهم ، بإرسال جيش لا قبل للخصم به لا من حيث العدد ولا من حيث العدة ، ونتيجة فعلهم هي كما وصفته ملكة سبأ في الآية الأولى ، وما أكدّ عليه سليمان في الآية الثانية أعلاه .

      وغاية هذا الدخول في العادة تكون للانتقام ورد الاعتبار ، باستباحة الأرض والمال والعرض وبتخريب الممتلكات والقتل والتنكيل في العامة ، وأسر علية القوم وإذلالهم ومن ثم قتلهم والتنكيل بهم وسبي نسائهم وأطفالهم ، وتسخيرهم للعمل كجواري وخدام في القصور إمعانا في إذلالهم ، ودخول كهذا عادة ما تُعلن فيه الرغبة في الانتقام ، ويتم فيه تهديد الخصم مسبقا لإذلاله وإدخال الرعب في قلبه ، مما يكون أدعى لانهياره وسرعة تداعيه عند المواجهة ، في حال تجرّأ على ذلك .

      · ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ ، مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ ، وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا ، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27 الفتح )

      هذه هي المرة الأخرى والوحيدة في القرآن ، التي يرتبط فيها ذكر الدخول بالمسجد وهو دخول المسجد الحرام في مكة ، ولو أمعنت النظر في نص الآية ستجد أنها تصف المسلمين أثناء تأدية العمرة ، وقد جاء في كتب التفسير أن هذه الرؤيا قد تحقّقت فيما سُمّي لاحقا بعمرة القضاء ، في العام التالي لصلح الحديبية فأنزلت هذه الآية تصديقا للرؤيا ووعدا بالفتح ، وأما الدخول العسكري لمكة والمسجد الحرام ، فسُمّي في القرآن فتحا وليس دخولا ، والمعروف أن المسلمين عندما خرجوا لغزو مكة كانوا قد أعدوا عدة الحرب ، وقد روى الإمام مسلم عن جابر : أن رسول الله دخل مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام ، وقال ابن كثير في تفسيره للآية (24) من نفس السورة ، والتي سيرد نصها في الحديث عن فتح مكة أن الرسول عليه الصلاة والسلام : لم يسق عام الفتح هديا وإنما جاء محاربا مقاتلا في جيش عرمرم .

      المقصود بدخول المسجد

      الدخول القادم للمسجد الأقصى لن يكون لتخريبه كما وقع في المرة الأولى ، ولن يكون بقصد الزيارة فقط لأداء عبادة من العبادات ، كما هو الحال عند دخول المسجد الحرام الموصوف في الآية أعلاه ، فالمقصود بقوله تعالى ( وليدخلوا المسجد ) هو الدخول إلى الأرض المباركة التي تحوي هذا المسجد ، أي فلسطين ككل والسيطرة عليها ، وذِكر المسجد الذي هو بمثابة القلب من الجسد بالنسبة للأرض المباركة والمقدّسة ، جاء للإشارة وللتأكيد على أن نفاذ الوعد بشكل كامل ، وسيتحصل أخيرا بدخول القدس لإزالة العلو اليهودي من فلسطين وإنهاء الوجود اليهودي فيها .

      ولو تمعنّت في قوله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ، لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ، وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ (7) ستجد أن الغاية من البعث في الأصل هي إساءة وجوه اليهود ، وستتحصّل هذه الإساءة من جرّاء ما سيقع فيهم من قتل وتنكيل وسبي وفرار . ومن ثم جاء ذكر المسجد ليكون دخول القدس واستعادتها ، نتيجة تأتّى من جرّاء ما وقع في اليهود من إساءة ، والأنكى والأكثر إيلاما لمن بقي من اليهود بعد زوال دولتهم ، هو أن تُتّخذ القدس عاصمة لدولة عربية كبرى ، لتصبح أحلام يهود الشرق والغرب المتعلقة بها هباءً منثورا ، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من التحقق . وبالتالي يكون مجيء لفظ الدخول في هذه الحالة ، تأكيدا لتحرير فلسطين واستعادة المسجد والاستيلاء عليه من قبل المبعوثين ، وأن البعث لم يقتصر على إساءة الوجوه فقط . والتشبيه هنا كان لصفة الدخول منذ اجتيازهم لحدود الأرض المقدّسة ، بما تخلله من قتل وتنكيل وأسر وإذلال حتى وصولهم إلى قلب مدينة القدس ، ليتأكد لنا زوال علوهم منها بشكل كامل قهرا وقسرا ، بالضبط كما حصل في المرة الأولى ، عند دخول البابليين بقيادة نبوخذ نصّر .

      وعلى ما يبدو أن الدخول القادم ، سيجمع بين صفتي الدخول الثاني والثالث المشار إليهما أعلاه ، لأن غاية الدخول القادم تجمع ما بين غايتيهما ، وهما أولا : طرد اليهود وإعادة الأرض لأصحابها الأصليين ، وثانيا : إشباع الرغبة العراقية في الانتقام من اليهود وإذلالهم .

      ومن جانب آخر ، نجد أن قوله تعالى ( ليسوءوا … وليدخلوا … كما دخلوه … ) يصف ما سيجري على أرض فلسطين لحظة الوصول إليها ، وحتى استعادة كامل أرضها . والذي سيجري حقيقة على أرض الواقع حسب الوصف القرآني ليس بمعركة ، وإنما غزو من قبل أمة لا تعرف الرحمة لأمة ضعيفة وجبانة مستباحة الأرض والمال والعرض ، ولو أنك فكّرت بهذا الحدث نظريا كما جاء به النص القرآني ، وحاولت مطابقته مع معطيات الواقع الحالي ستجد بأن عملية تحققه ضرب من الخيال ، ضمن الظروف الراهنة التي تؤكد رجحان كفة موازين القوى العالمية ، لصالح اليهود وحلفائهم الغربيين .

      صور من الواقع

      ـ حال إسرائيل في المنطقة كحال ثري يملك منزلا في منطقة معزولة عن المدينة ، يحتوي على كمٍّ هائلٍ من الكنوز والمقتنيات الثمينة ، ويقتني عتاد جيش كامل من الأسلحة ، من مسدسات وأسلحة رشاشة وقنابل يدوية وصواريخ ، لحماية هذه الممتلكات من هجمات اللصوص .

      فلو أن مجموعة كبيرة من اللصوص لا تملك سوى السلاح الأبيض فكّرت بالسطو على مثل هذا المنزل ، فهل ستنجح ؟!

      · إذا وقع هذا السطو وشعر صاحب المنزل باللصوص وهم خارج الأسوار ، فسيكون بمقدوره الاتصال برجال الأمن ومشاغلتهم بما لديه من الأسلحة متنوعة وفتاكة ، حتى يتمكن من الحصول على المساعدة ، هذا إن لم يكن قد فرق شملهم وأبادهم عن بكرة أبيهم قبل وصول المساعدة إليه ، لتكون إمكانية صدهم في هذه الحالة كبيرة جدا .

      · إذا وقع السطو ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ، إلا بعد دخولهم إلى المنزل والانتشار في أرجاءه فهو خاسر لا محالة ، ولكن أمامه عدة خيارات أولا : الاتصال بالمساعدة التي لن تصل في الوقت المناسب وسيكون ضررها أكثر من نفعها في حال أحس اللصوص بذلك ، فقد يُصبح قتله أمرا محتما وكذلك الحال فيما لو حوصر اللصوص من قبل رجال الأمن داخل المنزل المُتخم بالأسلحة ، ثانيا : المواجهة المسلحة فيما لو لم يتمكن من الاتصال ، والنتيجة مع كثرتهم محسومة لصالحهم بقتله ونهب محتويات المنزل ، وثالثا : الفرار أو الاختفاء والتسليم بالأمر الواقع لتنهب محتويات المنزل .

      · إذا وقع السطو ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص إلا وسكين أحدهم تضغط على حنجرته منبهين إياه من النوم ، هنا ستكون النتيجة محسومة فنهب المنزل أصبح تحصيل حاصل ، وأما أمر نجاته من عدمها فمرهون بأيدي اللصوص .

      ولغزو إسرائيل يتطلب الأمر تجنّب الحالة الأولى ، وهي ما جرت عليه العادة في كافة الحروب العربية الإسرائيلية ، والعمل على ما أمكن على تحقيق الحالة الثالثة أو الحالة الثانية على الأقل ، بهجوم كبير وشامل ومباغت وسريع ، تكفله وحدة القيادة من خلال العمل المنسقّ والمحافظة على السرية التامة ، مما يحرم إسرائيل من الاستعداد ، ويلغي جميع قدراتها الدفاعية والهجومية ويحرمها حتى من القدرة على طلب المساعدة كذلك ، ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة يتطلّب عدة عوامل :

      أولا : إعداد جيش كبير العدد ، يفوق تعداد الجيش الإسرائيلي أضعافا مضاعفة ، يتم تدريبه على كافة الأساليب القتالية الحديثة ، ويكون لإفراده القدرة على تحمل الجهد والجوع والعطش ، والقدرة على البقاء والاستمرارية في أقسى الظروف ، تملؤهم رغبة جامحة بالانتقام ، ويُسيّرهم حقد جارف .

      ثانيا : المحافظة على السرية التامة منذ لحظة الانطلاق حتى الوصول ، لتوفير عنصر المباغتة .

      ثالثا : سرعة الوصول ، باستخدام كافة الوسائل والتقنيات العصرية المتاحة .

      رابعا : شمولية الهجوم ، من خلال تعدد الجبهات .

      خامسا : سرعة الانتشار .

      ـ ولو نظرنا إلى واقع إسرائيل ستجد أنها أشبه بالطفل الخداج الذي يعيش في بيئة مصطنعة ، ويحتاج فيها إلى من يٌقدّم له الحماية والرعاية والعناية المستمرة والحثيثة والإمداد بالغذاء والهواء في الظروف الطبيعية ، وإلى العلاج المكثف في الأزمات الصحية بسبب نقص المناعة وعدم القدرة على المقاومة .

      ومشكلة إسرائيل أن حاضنتها تقع في بيئة معادية ، وهي عرضة لأن يُفتك بها في أي لحظة ، وأن أمريكا القائمة على رعايتها والعناية بها تبعد عنها آلاف الأميال ، وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير لتقديم العون لها كلما ألمّ بها عارض مفاجئ ، وغالبا ما كانت أمريكا تلجأ إلى الحيلة والمماطلة ، في كل مرّة لكسب الوقت كي تؤمن لها العلاج المناسب وتنقذها من الهلاك .

      وللتخلص من هذا المسخ ، يتطلب الأمر المباغتة بالهجوم وسرعة الإنجاز وعدم التأخير أثناء عملية القتل والاستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ، لحرمان القائمة على الرعاية من كسب الوقت ، الذي تحتاجه لتعطيل عملية قتل المسخ ومن ثم لتقوم بإنعاشه ، كما جرت العادة في كافة الحروب العربية الإسرائيلية . ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة يعتمد على ثلاثة عوامل :

      أولا : المباغتة بالهجوم .

      وثانيا : سرعة الإنجاز .

      وثالثا : الاستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد إذ ليس بإمكان أمريكا أن تحيي الموتى ولو فكّرت بذلك فلن تجد من يُؤيّدها .

      صور من التاريخ الإسلامي

      في السنة السادسة للهجرة كان الرسول عليه الصلاة السلام وألف وأربعمائة رجل من المسلمين ، قد أحرموا بالعمرة متوجهين إلى مكة ، فلما علم مشركي قريش بالأمر خرجوا بخيلهم لصدّهم عن دخول المسجد الحرام . فسلك عليه الصلاة والسلام طريقا غير التي كان عليها ، حتى وصل إلى الحديبية بركت الناقة على غير عادتها ، فعلم عليه الصلاة والسلام أنها لن تعدو مكانها ، وبأن العمرة لم تُكتب لهم ذلك العام فأقام ومن معه فيها . فكان فيها الصلح الذي كان من بنوده ، حرمان المسلمين من أداء العمرة في ذلك العام على أن يعودوا لأدائها في العام المقبل فشُقّ ذلك على المسلمين ، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي أراد قتالهم والدخول قسرا ، ولم تهدأ سَوْرة غضبه إلا بعض أن أُنزلت آيات سورة الفتح ، مُبيّنة الحكمة الإلهية التي غفل عنها بعض من أيّد قتال أهل مكة من الصحابة رضوان الله عليهم .

      قال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ ، مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ، وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ، وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ ، لَمْ تَعْلَمُوهُمْ ، أَنْ تَطَئُوهُمْ ، فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ، لَوْ تَزَيَّلُوا ، لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25 الفتح ) فبالرغم من توافر الرغبة الإلهية في تعذيب الكفار وتوافر التأييد الإلهي للمسلمين في مواجهاتهم للمشركين ، وأسر المسلمين لمن خرج لصدّهم عن المسجد من مشركي قريش ، مُنع المسلمين من الدخول لمكة قسرا ، لئلا يُلحقوا الأذى بالمؤمنين غير المعلومين من أهل مكة ، وأنه لو كان هؤلاء ظاهرين ومعلومين ، لسُمح للمسلمين بقتال المشركين ودخول مكة قسرا .

      قلنا في فصل سابق أن صفة دخول المسجد الأقصى ، في المرة الثانية مشابهة لصفة دخوله في المرة الأولى ، والدخول الأول كما علمنا كان من قبل البابليين . ولكن ما نود أن نؤكد عليه هنا ، أن ظروف الدخول الأول مختلفة عن ظروف الدخول الثاني ، فالدخول الأول وقع على كفرة اليهود وفسقتهم ، بعد أن قاموا بإخراج المؤمنين المستضعفين من ديارهم ، وإبعادهم إلى خارج حدود المملكة . وما نراه أمامنا على أرض الواقع في فلسطين ككل ، هو تداخل المدن الفلسطينية بالمدن اليهودية والمستوطنات ، واختلاط السكان من عرب ويهود في بعض المدن وخاصة في مدينة القدس . وهذا الواقع مشابه إلى حد ما ظروف مكة قبل الفتح حيث اختلاط المؤمنين سرّا بالكفار ، وهذا مما ينفي ، والله أعلم ، استخدام القوة بشكل مفرط أثناء الدخول العراقي لفلسطين ، ومما ينفي وقوع مواجهة شاملة في حرب معلنة ومكشوفة ، ولنتعرف على الفكر العسكري لرسول الله عليه الصلاة والسلام ، في كيفية التعامل مع هذا الواقع وكيفية التدبير الإلهي في تنفيذ وعده سنعرض فيما يلي بعض الملامح من فتح مكة .

      لما كان صلح الحديبية دخل بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فاغتنمت جماعة من بني بكر تحالفها مع قريش في السنة الثامنة للهجرة ، فأصابوا من خزاعة ثأرا قديما لهم ، وكانت قريش قد رفدت بني بكر بالسلاح والرجال ، فخرج نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش لبني بكر عليهم ، فوعدهم عليه الصلاة والسلام بالنصر فانصرفوا راجعين ، فخرج أبو سفيان حتى قدم المدينة ليطلب الشفاعة ويشدّ في العقد ويزيد في المدة فرجع خائبا .

      في تلك الأثناء أُمر المسلمون بالجهاد ، وأُخفيت عنهم جهة الخروج في بادئ الأمر كما أُخفي موعد الخروج ، ثم إن رسول الله أخبر الناس قبيل خروجه بفترة قصيرة أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجدّ والتهيؤ ، وقال : اللهم خُذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها . وكلنا يعلم قصة حاطب بن أبي بلتعه ، عندما حاول إعلام قريش بما كان من أمر المسلمين ، فكشف الله أمره عن طريق الوحي فعُمّيت الأخبار عن قريش ونزل جيش الفتح بالقرب من مكة دون أن يشعر به أهلها .

      كان العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام ، قد أعلن إسلامه عند مقدم جيش المسلمين لغزو مكة ، ومما قاله حين نزل رسول الله مرّ الظهران : واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر . فخرج العباس رضي الله عنه ليبحث عن رجل من قريش ، ليطلب لها الأمان من رسول الله عليه الصلاة والسلام ، خوفا من أن يُهلكها جيش المسلمين القادم للانتقام منها لنقض العهد ، فوجد صاحبه أبي سفيان فاستجلبه ليطلب الأمان ، ولولا ما أُعطي أبو سفيان من الأمان لأهل مكة وإطلاق سراحه صباحا ، ليُخبرهم قبل دخول جيش المسلمين لهلكت قريش .

      كانت قريش - بعد أن نقضت العهد - تتوقع خروج الرسول عليه الصلاة والسلام عليها ، ولكنّ معرفتها لوقت خروجه على وجه الدقة ، لم تكن متحصّلة لذلك لم تقم بالاستعداد للمواجهة ، وكانت تعتمد على خبر يأتيها من عمليات التجسس ، التي دأبت على القيام بها منذ نقضها للعهد للبدء في الاستعداد . ولكن ذلك الخبر لم يأت بمشيئة الله حتى كان صباح يوم الفتح على لسان أبي سفيان ، الذي كان قد أسلم داعيا أهل مكة إلى الاستسلام لا داعيا إياهم إلى النفير .

      مقومات وظروف فتح مكة

      كان مُحرّك الخروج على قريش ، هو الرغبة في الانتقام منها لنقضها العهد والثأر لبني خزاعة بالإضافة لدوافع أخرى ، أما رسول الله عليه السلام فكان أرحم بأهل قريش من أنفسهم .

      1. توافر الوعد الإلهي لرسوله وللمؤمنين بالفتح .

      2. حاطة عملية الخروج بالسرية التامة لتوفير عنصر المباغتة ، مما حرم قريش من الاستعداد للمواجهة ، سواء بإعداد العدد والعدة أو بالاستعانة بما حولها من القبائل ، ممن كانوا على عداء مع المسلمين ، ومع أن المسافة ما بين المدينة ومكة تزيد على 400 كم ، وأن وسائل الانتقال كانت بدائية وبطيئة جدا ، تمكّن المسلمون من الوصول ومباغتة أهل مكة من خلال الأخذ بالأسباب والاعتماد على التأييد الإلهي .

      3. تأمين الزيادة العددية لدب الرعب في قلوب المشركين ، وإجبارهم على الاستسلام لانعدام القدرة على المواجهة ، ولسحق أي مقاومة محتملة مهما كان حجمها ، حيث بلغ تعداد الجيش قرابة عشرة آلاف رجل ، وهو نفس العدد الذي استطاعت قريش وحلفائها من القبائل ، جمعه في غزوة الخندق وهو ما حُرمت قريش من فعله عند فتح مكة .

      4. علم المسلمين التام بجغرافية مكة ومحيطها مما أفاد المسلمين قبل وأثناء الدخول .

      5. والأهم من كل ما تقدّم هو التأييد والتمكين والتدبير الإلهي ، من البداية إلى النهاية لإنجاز ذلك الوعد .

      ـ والآن لو طرحنا التساؤل التالي ، أليس من الممكن أن تتوفر ذات المقومات للعراقيين ليُنجز الله وعده لبني إسرائيل ؟!

      1. توافر نفس المُحرّك للخروج وتوافر دوافع ومبررات أخرى طرحناها أعلاه .

      2. توافر الوعد الإلهي بعقاب بني إسرائيل على أيدي العراقيين حتى لو لم يُذكروا بالاسم في النص القرآني .

      3. توافر وحدة القيادة وقدرتها في هذه الحالة على إخفاء أمر الغزو من حيث توقيته وكيفيّته مما يضمن عنصر المباغتة .

      4. القرب المكاني وتوافر آليات النقل الحديثة مما يضمن سرعة الوصول .

      5. توافر الكثرة والاستعداد والتدريب المكثف ، فهذا هو ما يُشاهده القاصي والداني على شاشة التلفزيون العراقي مؤخرا ، ولا يأخذ هذا الأمر على محمل الجدّ ، إلا يهود أمريكا وإسرائيل من المؤمنين بالنبوءات التوراتية ، لدرجة أن ( شارون ) سافر مؤخرا لأمريكا فقط ، لبحث أمر جيش الأقصى الذي يُعدّه الرئيس العراقي ، حيث وعدَه الأمريكان بالتكفل بأمره ، وطلبوا منه الاهتمام بالشأن الداخلي والعمل على تهدئة الأمور ظاهريا ، ومربط الفرس أن العالم لا يُعير أدنى اهتمام للاستعدادات العراقية الجارية حاليا على قدم وساق ، وحتى أمريكا نفسها على ما يبدو تقلل من شأن هذا الجيش ، ولا تتوقع أن يقوم العراق بغزو إسرائيل برا .

      6. توافر التجربة والخبرة الميدانية للقيادات العسكرية العراقية ، بمشاركتها في كافة الحروب العربية الإسرائيلية والحرب الإيرانية ودخولها المفاجئ للكويت .

      7. توافر التأييد والتمكين الإلهي بتذليل السبل أمام العراقيين ، والتي من شأنها تحقيق هذا الوعد بالكيفية التي جاءت بها النصوص القرآنية .

      صفة جيش البعث في التوراة

      ـ سفر يوئيل : 1: 1: هذا ما أوحى به الرب إلى يوئيل بن فثوئيل : اسمعوا هذا أيّها الشيوخ ، وأصغوا يا جميع أهل الأرض ، …

      1: 15: يا له من يوم رهيب ، لأن يوم الرب قريب ، حاملا معه الدمار من عند القدير ، … اصحوا أيها السكارى ، وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمةً قوية قد زحفت على أرضي ، أُمة قوية لا تُحصى لكثرتها ، لها أسنان ليث وأنياب لبؤة ، …

      2: 2: هو يوم ظلمة وتجهّم ، يوم غيوم مُكفهرّة وقتام دامس ، فيه تزحف أمة قوية وعظيمة ، كما يزحف الظلام على الجبال ، أمّة لم يكن لها شبيه في سالف الزمان ، تلتهم النار ما أمامها ، ويُحرق اللهيب ما خلفها ، الأرض أمامها جنة عدن ، وخلفها صحراء موحشة ، يثبون على رؤوس الجبال ، في جلبة كجلبة المركبات ، كفرقعة لهيب نار يلتهم القشّ ، وكجيش عات مُصطفّ للقتال . تنتاب الرعدة منهم كل الشعوب ، وتشحب كل الوجوه ، يندفعون كالجبابرة وكرجال الحرب ، … ، ينسلّون بين الأسلحة من غير أن يتوقفوا ، ينقضّون على المدينة ، ويتواثبون فوق الأسوار ، يتسلّقون البيوت ، ويتسلّلون من الكوى كاللصوص ، ترتعد الأرض أمامهم وترجف السماء ، … ، يجهر الرب بصوته في مُقدّمة جيشه ، لأن جُنده لا يُحصى لهم عدد ، ومن يُنفّذ أمره يكون مُقتدرا ، لأن يوم الرب عظيم ومخيف ، فمن يحتمله ؟! .

      ـ سفر حبقوق : 1: 3: أينما تلفّت أشهد أمامي جورا واغتصابا ، ويثور حولي خصام ونزاع ، لذلك بطلت الشريعة ( تعطلّت ) وباد العدل ، لأن الأشرار يُحاصرون الصدّيق ، فيصدر الحكم مُنحرفا عن الحقّ .

      1: 5: تأمّلوا الأمم وأبصروا ، تعجّبوا وتحيّروا ، لأني مُقبل على إنجاز أعمال ، في عهدكم ، إذا أُخبرتم بها لا تصدّقونها . فها أنا أُثير الكلدانيين ، هذه الأمة الحانقة المُندفعة ، الزاحفة في رحاب الأرض ، لتستولي على مساكن ليست لها ، أمّة مُخيفة مُرعبة ، تستمدّ حُكمها وعظمتها من ذاتها . خيولها أسرع من النمور ، وأكثر ضراوة من ذئاب المساء ، فرسانها يندفعون بكبرياء ، قادمين من أماكن بعيدة ، مُتسابقين كالنسر المُسرع ، للانقضاض على فريسته ، يُقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ، ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبل وصولهم ، فيجمعون أسرى كالرمل . يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ، ويسخرون من الحصون ، يجعلون حولها تلالا من التراب ، ويستولون عليها . ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ، فقوة هؤلاء الرجال هي إلههم .

      2: 3 لأن الرؤيا لا تتحقّق إلا في ميعادها ، وتسرع إلى نهايتها ، إنها لا تكذب ، وإن توانت فانتظرها ، لأنها لا بدّ أن تتحقّق ، ولن تتأخر طويلا .

      اليهودي وصفة الجبن الملازمة له عبر العصور

      كلنا يعلم أن وجود إسرائيل وبقائها ، لا يعتمد في الدرجة الأولى على مقوّماتها الذاتية ، مهما بلغت قوتها العسكرية من عدة وعتاد ، فحصنهم المنيع هو أمريكا بقوتها وعظمتها ، والحصن الآخر هو الطوق الأمني من معاهدات السلام والأحلاف العسكرية ، التي سعوا جاهدين للتوقيع عليها مع دول الجوار . وهذين الحصنين هما ما يتكل عليه اليهود ، كضمانة لاستمرار وجودهم وشعورهم نسبيا بالأمان ، الذي يُمكّنهم من البدء في تنفيذ مشاريعهم التوراتية على أرض فلسطين .

      أما اليهود في الحقيقة فليس لديهم عقيدة أو مبدأ ، ليبذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عنها كما هي الحال عند غيرهم من شعوب الأرض . لذلك تجدهم أشدّ الناس حرصا على الحياة ، فلا يُقاتلون إلا مجبري وفي قرى محصنة أو من وراء جدر ، فعادة الخروج للقتال ليست من شأنهم ، أما الخروج للقتل وسفك دماء غير المقاتلين فهذا أكثر ما يستطيعون القيام به ، وعلى تخوّف من إصابتهم من قبل خصمهم الأعزل ، وهذا ما نشاهده على أرض الواقع هذه الأيام .

      أما في حال المواجهة المعلنة المكشوفة ، فأول ما يُفكّر به الجندي الإسرائيلي المدجّج بالسلاح ، هو البحث عن ملجأ يتحصّن خلفه ، هذا إن تجرأ على القتال ، وإن لم يجرؤ فأول ما يُفكّر به هو أن يولي الأدبار مطلقا لساقيه العنان هاربا إلى حيث لا يدري ، فكيف إذا لم يكن هناك مواجهة بل غزو مفاجئ ، أتخيّل هذا الجندي وفور سماعه بأمر خروج أحفاد نبوخذ نصر ، من بابل وقبل اجتيازهم للحدود العراقية باتجاه إسرائيل ، وقد تسمّر في مكانه وتجمّد الدم في عروقه وشلّت أطرافه . وخلاصة القول أن دولتهم محكوم عليها بالفناء منذ لحظة قيامها ، وهم يعلمون ذلك علم اليقين وأن الجندي الإسرائيلي ، مهزوم بالرعب من قبل أن تبدأ المعركة .

      الكيفية المتوقعة لهذا الدخول

      على ما يبدو ، وبعد هذه القراءة المطوّلة ، أنه لن تكون هناك معركة معلنة ومكشوفة وطويلة الأمد ، تستخدم فيها الآليات الحربية من مدافع ودبابات وصواريخ وطائرات ، وإنما غزو سريع ومباغت لجيش كبير بعدد هائل من الجند المُدرّبين على سرعة الانتقال والانتشار ومزودين بأسلحة خفيفة ، هم أشبه - كما تصورهم التوراة - باللصوص في خفة حركتهم وانسيابهم وتسلّلهم ، وبالنسور بسرعة انقضاضها ، وبالأسود في قوتها وجبروتها وبطشها . وقد لا يخلو الأمر من مواجهات ولكنها ستكون محدودة وقصيرة ربما لا تتعدى كسر الباب ، بمعنى أن العقبة الوحيدة التي ربما تواجه المهاجمين ، لا تعدو عن كونها مقاومة بسيطة على الحدود ، والله أعلم .

      وكون هذا الهجوم مباغتا ، يُفهم من تحذير الإنجيل لليهود بأن من سمع بمحاصرة أورشليم بالجيوش ، إذا كان في الحقل فلا يرجع إلى المدينة ، وإذا كان على سقف المنزل فلا ينزل إلى أسفل ليجلب متاعا أو ما شابه ، أي أن هناك من سيسمع بهذا الغزو بعد خروجه إلى الحقل ، وأن هناك من سيسمع بالغزو بعد صعوده إلى سطح منزله ، والخروج من المدينة إلى الحقل والعودة ربما لا يتجاوز سويعات معدودة ، وأما الصعود إلى سطح المنزل والنزول عنه فربما لا يتجاوز دقائق معدودة . فالفارق الزمني قصير جدا ما بين الحالتين ، فالذي خرج إلى الحقل لم يكن يعلم بالغزو قبل خروجه ، والذي صعد إلى سطح المنزل لم يكن قد سمع بالغزو قبل صعوده .

      ومن المحتمل أن يكون هذا الغزو ليلا ، ومن المحتمل أن يبدأ الهجوم ليل الجمعة لينتهي يوم السبت قبل الظهيرة ، استغلالا لانقطاع أغلب اليهود عن العمل بحجة التزامهم بشريعة حرمة السبت ، التي ما ألزم الله بها إلا أصحاب تلك القرية ، والله أعلم . وسينجم عن هذا الغزو تفريغ كامل لليهود من فلسطين سواء بالقتل أو الفرار ، وسيطرة كاملة على مساحة فلسطين كلها ، وبالتالي فرض واقع جديد يُعيد الأمور إلى نقطة الصفر ، أي ما قبل قيام إسرائيل بخمسين عاما أيام خلو فلسطين من اليهود ، والله أعلم .

      ردود الفعل العالمية المتوقعة

      هذا الحدث السريع والمباغت المرعب والعجيب ، عندما يقع سيُصاب العالم بأسره بالذهول والشلل ربما لشهر أو لعدة أشهر ، وأول ما يُجابه به سماع خبره هو عدم التصديق ، وسيحتاج الغرب اليهودي الحليف لإسرائيل ، إلى وقت طويل ليفيق من هول الصدمة ، وليجد الغرب نفسه عاجزا عن القيام بأي رد فعل سريع ومؤثر للمساعدة فلا إسرائيل ولا يهود ، أما من هم في الصف المناهض لإسرائيل وأمريكا من الشرق فسيصابون بنفس الشعور ، ولكن شعور لا يخلو من الشماتة باليهود إجمالا وبأمريكا بشكل خاص ، أما اليهود إجمالا ويهود أمريكا بشكل خاص ، فسيصابون بخيبة أمل كبيرة وهم يرون أحلاهم التوراتية تتحول إلى سراب .

      وبعد امتصاص الصدمة الأولى ، ستبدأ المواقف العالمية من هذا الحدث في التبلور ، لتجد أمريكا نفسها عندما تبدأ بالتحرك ، لإعادة إحياء الدولة اليهودية بدفع من سادتها اليهود المتربعين على عروشها ، أنها تغني منفردة خارج السرب العالمي ، الذي أضحى مؤيدا ومعجبا بما قدّمه العراقيون ، من حل سحري لتلك المشكلة المستعصية ، التي أرّقت جفون العالم طوال قرن من الزمان .

      فالعرب من وجهة النظر العالمية ، التي باتت مطّلعة على أدق تفاصيل القضية الفلسطينية ، قد استعادوا أرضهم وحقوقهم ، وإسرائيل بما قدّمته من أعمال وحشية وهمجية خلال سنين عمرها ، وعدم استجابتها لقرارات الجهة التي أوجدتها لا تستحق الوجود والبقاء ، فالحق هو عودة فلسطين إلى أهلها العرب ، والباطل هو وجود إسرائيل على أرض العرب ، فإذا جاء الحق وزهق الباطل فليس هناك مشكلة بالنسبة لمجمل دول العالم ، التي لا تقع تحت الانتداب الأمريكي اليهودي المعاصر ، فالمشكلة وُجدت بإقامة إسرائيل في قلب الوطن العربي وزالت هذه المشكلة بزوالها .

      الوعد والموعد والواقع

      وبالعودة إلى الوراء قليلا نجد أن المسلمون استاءوا كثيرا ، عندما مُنعوا من أداء العمرة بصحبة رسول الله عليه الصلاة السلام في السنة السادسة للهجرة ، وما زاد في قهرهم هو ذلك الصلح ، الذي منع دماء المشركين منهم وأبقى المسجد الحرام في أيديهم لمدة عشر سنوات قادمة ، فعقّب سبحانه وتعالى على ذلك قائلا ( فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا … ) والذي كان يعلمه رب العزة مسبقا هو أنهم سيؤدون العمرة في العام التالي ، وأن هذا الصلح الذي استاءوا من عقده مع مشركي قريش ، وأضفى عليهم شعورا باليأس والإحباط ، سيكون هو نفسه سببا ومبررا لفتح مكة عند نقضه من قبل قريش بعد سنتين من إبرامه ، فعقّب بقوله ( … فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27 الفتح ) .

      حتى أكثر المسلمين إيمانا ويقينا وتفاؤلا ، لم يكن يتصور لحظة منعهم من أداء العمرة وإبرام الصلح ، بأن فتح مكة سيكون بعد سنتين فقط ، من تاريخ تلك اللحظة ، وبتلك الصورة الاحتفالية والمشرّفة لتكون تأدية فريضتي الحج والعمرة متاحة لهم في أي وقت شاءوا .

      وبالنظر لواقع المسلمين في غزوة الأحزاب وهم قلة ، وقريش وقبائل الجزيرة بمشركيها ويهودها يتربصون بهم ريب المنون من الداخل والخارج ، هل كان ممن المكن أن يتصور أن هذه الحال ستنقلب رأسا على عقب بعد ثلاث سنوات ، فيغزو المسلمين مكة بعشرة آلاف مقاتل ؟!

      وبالرغم من اختلاف طبيعة الوعود الإلهية من حيث الثواب والعقاب ، إلا أننا نتحدّث هنا عن الوعد بحد ذاته ، لنقول بأن الوعد الإلهي لا يحدّه زمان ولا مكان ولا واقع ، ولا ننسى بأن وعد الآخرة المذكور في سورة الإسراء هو وعد بعقاب اليهود في المقام الأول ، ولكن هناك أسباب ومسببات لا بد أن تأخذ مجراها قبل إتيان أمر الله .

      قال تعالى

      ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ، وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى ، لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ ، وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53 العنكبوت )

      وقال



      ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ، مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ، فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ، فَاعْتَبِرُوا يَأُولِي الْأَبْصَارِ (2 الحشر )