ما يجب على المريض
تلقين الميت ما يجب على الحضور عمله ما يجب على أهل الميت الوصية النعي غسل الميت تكفين الميت الصلاة على الميت
اتباع الجنائز الجلوس قبل وضع الجنازة الدفن تلقين الميت التعزية زيارة القبور ما ينفع الميت بعد موته
ما يجب على المريض
انه ليس للموت سببا إلا انتهاء الأجل ، ( ولكل أجل كتاب ) ، ( فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ) ، فقد يعيش الإنسان طويلا بعلة ومرض وقد يموت وهو بصحة وعافية ، وإذا مرض الإنسان فعليه أن يرضى بقضاء الله ، ويصبر على قدره ، ويحسن الظن بربه ، ذلك خير له ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " . وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى " . رواه مسلم .
• وينبغي على المريض أن يكون بين الخوف والرجاء ، يخاف عقاب الله على ذنوبه ، ويرجو رحمة ربه ، لحديث أنس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو بالموت ، فقال : كيف تجدك ؟ قال : والله يا رسول الله إني أرجو الله ، وإني أخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن ، إلا أعطاه الله ما يرجو ، وأمنه مما يخاف " . أخرجه الترمذي .
الوصية
* وله أن يوصي بالثلث من ماله ، ولا يجوز الزيادة عليه ، بل الأفضل أن ينقض منه لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فمرضت مرضا أشفيت منه على الموت ، فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثي إلا ابنة لي ، أفأوصي بثلثي مالي ؟ قال : لا . قال : قلت : بشطر مالي ؟ قال : لا . قلت : فثلث مالي ؟ قال : الثلث ، والثلث كثير ، إنك يا سعد أن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ( وقال بيده ) ، إنك يا سعد لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت عليها ، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك . ( قال : فكان بعد الثلث جائزا ) " . أخرجه أحمد .
* وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " لما حضر غزوة أحد ، دعاني أبي من الليل ، فقال : ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإني لا أترك بعدي أعز على منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن على دينا فاقض ، واستوص بإخوتك خيرا . فأصبحنا ، فكان أول قتيل . . . . . . " الحديث . أخرجه البخاري .
* ويحرم الإضرار في الوصية ، كأن يوصي بحرمان بعض الورثة من حقهم من الإرث ، أو يفضل بعضهم على بعض فيه ، لقوله تبارك وتعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون . . . . مما قل أو كثر نصيبا مفروضا . . } ( 6 - 12 ) وفي الأخيرة منها : { من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار ، وصية من الله ، والله عليم حليم } . ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ، من ضار ضاره الله ، ومن شاق شاقه الله " . أخرجه الدار قطني .
* ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم ، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز ، كان من الواجب أن يوصي المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة عملا بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ، وقودها الناس والحجارة ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون} ( سورة التحريم : 6 ) . ولذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصون بذلك ، والآثار عنهم بما ذكرنا كثيرة ، فلا بأس من الاقتصار على بعضها :
أ - عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال في مرضه الذي مات فيه : " ألحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا ، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم " . أخرجه مسلم والبيهقي
ب - عن أبي بردة قال : " أوصى أبو موسى رضي الله عنه حين حضره الموت قال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بي المشي ، ولا تتبعوني بمجمر ، ولا تجعلن على لحدي شيئا يحول بيني وبين التراب ، ولا تجعلن على قبري بناء ، وأشهدكم أني برئ من كل حالقة ، أو سالقة ، أو خارقة ، قالوا ، سمعت فيه شيئا ؟ قال : نعم ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد والبيهقي .
ج - عن حذيفة قال : " إذا أنا مت فلا تؤذنوا بي أحدا ، فإني أخاف أن يكون نعيا ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النعي " . أخرجه الترمذي .
تلقين الميت
فإذا حضره الموت ، فعلى من عنده أمور :
أ - أن يلقنوه الشهادة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتا كم لا إله إلا الله ، ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر ، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه ) " . وكان يقول : " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وفي حديث آخر : " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " . رواه مسلم .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق . رواه البخاري .
وليس التلقين ذكر الشهادة بحضرة الميت وتسميعها إياه ، بل هو أمره بأن يقولها خلافا لما يظن البعض ، والدليل حديث أنس رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من الأنصار ، فقال : يا خال قل : لا إله إلا الله ، فقال : أخال أم عم ؟ فقال : بل خال ، فقال : فخير لي أن أقول : لا إله إلا الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم " . أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم .
ب - أن يدعوا له ، ولا يقولوا في حضوره إلا خيرا ، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا حضرتم المريض أو الميت ، فقولوا خيرا ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " أخرجه مسلم والبيهقي .
* أن يغمضوا عينيه ، ويدعون له أيضا لحديث أم سلمة قالت : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة ، وقد شق بصره ، فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فان الملائكة يؤمنون على ما تقولون ، ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، أفسح له في قبره ، ونور له فيه " . أخرجه مسلم وأحمد .
* أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه لحديث عائشة رضي الله عنها : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة " . أخرجه الشيخان في صحيحيهما .
* وأما قراءة سورة ( يس ) عنده ، وتوجيهه نحو القبلة فلم يصح فيه حديث ، بل كره سعيد بن المسيب توجيهه إليها ، وقال : " أليس الميت امرأ مسلما ؟ " وعن زرعة بن عبد الرحمن أنه شهد سعيد بن المسيب في مرضه وعنده أبو سلمة بن عبد الرحمن فغشي على سعيد ، فأمر أبو سلمة أن يحول فراشه إلى الكعبة . فأفاق ، فقال : حولتم فراشي ؟ فقالوا نعم ، فنظر إلى أبي سلمة فقال : أراه بعلمك ؟ فقال : أنا أمرتهم فأمر سعيد أن يعاد فراشه . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " بسند صحيح عن زرعة .
* وهذا في غير من مات محرما ، فإما المحرم ، فإنه لا يغطى رأسه ووجهه لحديث ابن عباس قال : " بينما رجل واقف بعرفة ، إذ وقع عن راحلته فوقصته ، أو قال : فأقعصته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ( وفي رواية : في ثوبيه ) ولا تحنطوه ( وفي رواية : ولا تطيبوه ) ، ولا تخمروا رأسه ( ولا وجهه ) ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " . أخرجه الشيخان .
أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " أسرعوا بالجنازة . " الحديث
أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه ، ولا ينقلوه إلى غيره ،لأنه ينافي الإسراع المأمور به في حديث أبي هريرة المتقدم ، ونحوه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " لما كان يوم أحد ، حمل القتلى ليدفنوا بالبقيع ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم - بعدما حملت أمي أبي وخالي عادلتهما على ناضح لتدفنهم في البقيع فرجعناهما مع القتلى حيث قتلت ) " .
أخرجه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه
ولذلك قالت عائشة لما مات أخ لها بوادي الحبشة فحمل من مكانه : " ما أجد في نفسي ، أو يحزني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه "
أخرجه البيهقي بسند صحيح .
* أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله ، ولو أتى عليه كله ، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه ، فإن لم تفعل ، وتطوع بذلك بعضهم جاز ، وفي ذلك أحاديث
الأول : عن سعد بن الاطول رضي الله عنه : " أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم ، وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، قال : فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخاك محبوس بدينه ( فاذهب ) فاقض عنه ( فذهبت فقضيت عنه ، ثم جئت ) قلت : يا رسول الله ، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة ، وليست لها بينة ، قال أعطها فإنها محقة ، ( وفي رواية : صادقة ) " . أخرجه ابن ماجه وأحمد والبيهقي .
الثاني: عن جابر بن عبد الله قال : مات رجل ، فغسلناه وكفناه وحنطناه ، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز ، عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، فجاء معنا ، ( فتخطى ) خطى ، ثم : قال لعل على صاحبكم دينا ؟ قالوا نعم ديناران ، فتخلف ، ( قال : صلوا على صاحبكم ) ،
فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة : يا رسول الله هما علي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هما عليك وفي مالك ، والميت منهما برئ ؟
فقال : نعم ، فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة ما صنعت الديناران ، قال : قد قضيتهما يا رسول الله ،
قال الآن حين بردت عليه جلده " . أخرجه الحاكم
غسل الميت
وغسل الميت فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي سقط من بعيره اغسلوه بماء وسدر فإن كان الميت رجلا لا زوجة له فأولى الناس بغسله الأب ثم الجد ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم لأنهم أحق بالصلاة عليه فكانوا أحق بالغسل ، وإن كان له زوجة جاز لها غسله لما روت عائشة رضي الله عنه ها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى أسماء بنت عميس لتغسله وهل تقدم على العصبات ؟ فيه وجهان : أحدهما أنها يقدم لأنها تنظر منه إلى ما لا تنظر العصبات وهو ما بين السرة والركبة والثاني يقدم العصبات لأنهم أحق بالصلاة عليه وإن ماتت امرأة ولم يكن لها زوج غسلها النساء وأولاهن ذات رحم محرم ثم ذات رحم غير محرم ثم الأجنبية فإن لم يكن نساء غسلها الأقرب فالأقرب من الرجال على ما ذكر وإن كان لها زوج جاز له أن يغسلها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا وأقول وارأساه فقال : [ بل أنا يا عائشة وارأساه ثم قال وما ضرك لم مت قبلي لغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ] وهل يقدم على النساء على وجهين : أحدهما يقدم لأنه ينظر إلى ما لا ينظر النساء منها والثاني تقدم النساء على الترتيب الذي ذكرناه فإن لم يكن نساء فأولى الأقرباء بالصلاة فإن لم يكن فالزوج وإن طلق زوجته طلقة رجعية ثم مات أحدهما قبل الرجعة لم يكن للآخر غسله لأنها محرمة عليه تحريم المبتوتة وإن مات رجل ولم يكن هناك إلا امرأة أجنبية أو ماتت امرأة وليس هناك إلا رجل أجنبي ففيه وجهان : أحدهما ييمم والثاني يستر بثوب ويجعل الغاسل على يده خرقة ثم يغسله فإن مات كافر فأقاربه الكفار أحق بغسله من أقاربه المسلمين لأن للكافر عليه ولاية وإن لم يكن أقارب من الكفار جاز لأقاربه من المسلمين غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا أن يغسل أباه وإن ماتت ذمية ولها زوج مسلم كان له غسلها لأن النكاح كالنسب في الغسل وإن مات الزوج قال في الأم : كرهت لها أن تغسله فإن غسلته أجزأه لأن القصد منه التنظيف وذلك يحصل بغسلها وإن مات هل لها غسله ؟ فيه وجهان : قال أبو علي الطبري لا يجوز لأنها عتقت بموته فصارت أجنبية والثاني يجوز لأنه لما جاز له غسلها جاز لها غسله كالزوجة
وينبغي أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر رضي الله عنه ه أنه قال : لا يغسل موتاكم إلا المأمونون ولأنه إذا لم يكن أمينا لم يأمن أن لا يستوفي الغسل وربما ستر ما يظهر من جميل أو يظهر ما يرى من قبيح ويستحب أن يستر الميت عن العيون لأنه قد يكون في بدنه عيب كان يكتمه وربما اجتمع في موضع من بدنه دم فيراه من لا يعرف فيظن أن ذلك عقوبة وسوء عاقبة ويستحب أن لا يستعين بغيره إن كان فيه كفاية وإن احتاج إلى معين استعان بمن لا بد له منه ويستحب أن يكون بقربه مجمرة حتى إذا كانت له رائحة لم تظهر والأولى أن يغسل في قميص لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلوه وعليه قميص يصبون عليه الماء ويدلكونه من فوقه ولأن ذلك أستر فكان أولى والماء البارد أولى من الماء المسخن لأن البارد يقويه والمسخن يرخيه وإن كان به وسخ لا يزيله إلا المسخن أو البرد شديدا ويخاف الغاسل من استعمال البارد غسله بالمسخن وهل تجب نية الغسل ؟ فيه وجهان : أحدهما لا تجب لأن القصد منه التنظيف فلم تجب فيه النية كإزالة النجاسة والثاني تجب لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة عين فوجبت فيه النية كغسل الجنابة ولا يجوز للغاسل أن ينظر إلى عورته لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ويستحب أن لا ينظر إلى سائر بدنه إلا فيما لا بد منه ولا يجوز أن يمس عورته لأنه إذا لم يجز النظر فالمس أولى ويستحب أن لا يمس سائر بدنه لما روي أن عليا كرم الله وجهه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يتبع بها ما تحت القميص .
فصل : والمستحب أن يجلسه إجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا لما روى القاسم بن محمد قال : توفي عبد الله بن عبد الرحمن فغسله ابن عمر فنفضه نفضا شديدا ثم عصره عصرا شديدا ثم غسله ولأنه ربما كان في جوفه شيء فإذا لم يعصره قبل الغسل خرج بعده وربما خرج بعد ما كفن فيفسد الكفن وكلما أمر اليد على البطن صب عليه ماء كثيرا حتى إن خرج شيء لم تظهر رائحته ثم يبدأ فيغسل أسافله كما يفعل الحي إذا أراد الغسل ثم يوضأ كما يتوضأ الحي لما روت أم عطية قالت : لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : إبدؤوا بميامنها ومواضع الوضوء ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل ويدخل إصبعه في فيه ويسوك بها أسنانه ولا يفغر فاه ويتتبع ما تحت أظافره إن لم يكن قد قلم أظافره ويكون ذلك بعود لين لا يجرحه ثم يغسله ويكون كالمنحدر قليلا حتى لا يجتمع الماء تحته فيستنقع فيه ويفسد بدنه ويغسله ثلاثا كما يفعل الحي في وضوئه وغسله فيبدأ برأسه ولحيته كما يفعل الحي فإن كانت اللحية متلبدة سرحها حتى يصل الماء إلى الجميع ويكون بمشط منفرج الأسنان ويمشطه برفق حتى لا ينتف شعره ثم يغسل شقه الأيمن حتى ينتهي إلى رجله ثم شقه الأيسر حتى ينتهي إلى رجله ثم يجرفه على جنبه الأيسر فيغسل جانب ظهره كذلك لحديث أم عطية والمستحب أن تكون الغسلة الأولى بالماء والسدر لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره : [ إغسلوه بماء وسدر ] ولأن السدر ينظف الجسم ثم يغسل بالماء القراح شيئا من الكافور لما روت أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا كان في آخر غسلة من الثلاث أو غيرها فاجعلي فيه شيئا من الكافور ] ولأن الكافور يقويه وهل يستحب الغسل بالسدر من الثلاث أم لا ؟ فيه وجهان : قال أبو إسحاق : يعتد به لأنه غسل بما لم يخالطه شيء ومن أصحابنا من قال : لا يعتد به لأنه ربما غلب عليه السدر فعلى هذا يغسل ثلاث مرات أخر بالماء القراح والواجب منها مرة واحدة كما قلنا في الوضوء ويستحب أن يتعاهد إمرار اليد على البطن في كل مرة فإن غسل الثلاث ولم يتنظف زاد حتى يتنظف والسنة أن يجعله وترا خمسا أو سبعا لما روت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ] والفرض مما ذكرناه النية وغسل مرة واحدة وإذا فرغ من غسله أعيد تليين أعضائه وينشف بثوب لأنه إذا كفن وهو رطب ابتل الكفن وفسد وإن غسل ثم خرج منه شيء ففيه ثلاث أوجه : أحدهما يكفيه غسل الموضع كما لو غسل ثم أصابته نجاسة من غيره والثاني يجب منه الوضوء لأنه حدث فأوجب الوضوء كحدث الحي والثالث يجب الغسل منه لأنه خاتمة أمره فكان بطهارة كاملة وإن تعذر غسله لعدم الماء أو غيره يمم لأنه تطهير لا يتعلق بإزالة عين فانتقل فيه عند العجز إلى التيمم كالوضوء وغسل الجنابة .
وإن كانت امرأة غسلت كما يغسل الرجل وإن كان لها شعر جعل ثلاث ذوائب وتلقى خلفها لما روت أم عطية في وصف غسل بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ضفرنا ناصيتها وقرناها ثلاث قرون ثم ألقيناها خلفها .
ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من غسل ميتا فليغتسل ] ولا يجب ذلك وقال في البويطي : إن صح الحديث قلت بوجوبه والأول أصح لأن الميت طاهر ومن غسل طاهرا لم يلزمه بغسله طهارة كالجنب وهل هو آكد أو غسل الجمعة ؟ فيه قولان : قال في القديم : غسل الجمعة آكد لأن الأخبار فيه أصح وقال في الجديد : الغسل من غسل الميت آكد وهو الأصح لأن غسل الجمعة غير واجب والغسل من غسل الميت متردد بين الوجوب وغيره ويستحب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه أن يتحدث به وإن رأى ما يكره لم يجز أن يتحدث به لما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة ]
تكفين الميت
وبعد الفراغ من غسل الميت ، يجب تكفينه ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث المحرم الذي وقصته الناقة : " . . . وكفنوه . . . . . . " . متفق عليه
- والكفن أو ثمنه من مال الميت ، ولو لم يخلف غيره لحديث خباب بن الأرت قال : " هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ، نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم يوجد له شئ ، ( وفي رواية : ولم يترك ) إلا نمرة ، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه ، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضعوها مما يلي رأسه ( وفي رواية : غطوا بها رأسه ) ، واجعلوا على رجليه الاذخر . أخرجه البخاري ، ومسلم
- وينبغي أن يكون الكفن :
- 1) طائلا سابغا يستر جميع بدنه لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه . " أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذ كر رجلا من أصحابه قبض فكفن غير طائل ، وقبر ليلا ، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك :
- فعن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ( إن استطاع ) " . أخرجه مسلم
قال العلماء : " والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته وستره ، وتوسطه ، وليس المراد به السرف فيه والمغالاة ، ونفاسته " .
- 2) البياض ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " البسوا من ثيابكم البياض ، فإنها خير ثيابكم ، وكفنوا فيها " . أخرجه أبو داود ، والترمذي .
- 3) أن يكون ثلاثة أثواب ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية ، من كرسف ، ليس فيهن قميص ، ولا عمامة ( أدرج فيها إدراجا ) " . والمرأة في ذلك كالرجل ، إذا لا دليل على التفريق .
- 4) تبخيرة ثلاثا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمرتم الميت ، فأجمروه ثلاثا " . أخرجه أحمد . وهذا الحكم ، لا يشمل المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته الناقة " . . . ولا تطيبوه . . . " .
- ولا يجوز نزع ثياب الشهيد الذي قتل فيها ، بل يدفن وهي عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد : " زملوهم في ثيابهم " . أخرجه أحمد ( 39 - ويستحب تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير وحمزة بن عبد المطلب .
- فعن شداد بن الهاد : " أن رجلا من الأعراب ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ، ثم قال : أهاجر معك ، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة ( خيبر ) غنم النبي صلى الله عليه وسلم ( فيها ) شيئا ، فقسم ، وقسم له ، فأعطى أصحابه ما قسم له ، وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاءهم دفعوه إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قال : قسمته لك قال : ما على هذا تبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمي إلى ههنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت ، فأدخل الجنة ، فقال : إن تصدق الله يصدقك ، فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل ، قد أصابه سهم حيث أشار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو ؟ قالوا : نعم ، قال : صدق الله فصدقه ، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قدمه فصلى عليه ، فكان فيما ظهر من صلاته : اللهم هذا عبدك ، خرج مهاجرا في سبيلك ، فقتل شهيدا ، أنا شهيد على ذلك " . أخرجه النسائي ، والطحاوي
- والمحرم يكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته الناقة : " . . . وكفنوه في ثوبيه ( اللذين أحرم فيهما ) . . كما تقدم ذكره .
الصلاة على الميت
والصلاة على الميت المسلم فرض كفاية ، لأمره صلى الله عليه وسلم بها في أحاديث أذكر منها حديث زيد بن خالد الجهني : " أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صلوا على صاحبكم " ، فتغيرت وجوه الناس لذلك ، فقال : " إن صاحبكم غل في سبيل الله " ، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين " . أخرجه مالك في " الموطأ ، وأبو داود ، والنسائي وابن ماجه وأحمد
ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما :
الاول : الطفل الذي لم يبلغ ، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه ابراهيم عليه السلام ، قالت عائشة رضي الله عنها : " مات ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا ، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " . أخرجه أبو داود وأحمد وإسناده حسن ، كما قال الحافظ في " الإصابة " ، وقال ابن حزم : " هذا خبر صحيح " .
الثاني : الشهيد ، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد وغيرهم ،
ولكن ذلك لا ينفي مشروعية الصلاة عليهما بدون وجوب كما يأتي من الأحاديث فيهما في المسألة التالية :
وتشرع الصلاة على من يأتي ذكرهم :
الاول : الطفل ، ولو كان سقطا ( وهو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه ) :
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الانصار ، فصلى عليه ، قالت عائشة : فقلت : طوبى لهذا ، عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل سوءة ، ولم يدركه .
قال : أو غير ذلك يا عائشة ؟ خلق الله عز وجل الجنة ، وخلق لها أهلا ، وخلقهم ، في أصلاب آبائهم . وخلق النار وخلق لها أهلا ، وخلقهم في أصلاب آبائهم "
أخرجه مسلم والنسائي وأحمد .
الثاني : الشهيد ، وفيه إحاديث كثيرة ، أكتفي بذكر بعضها .
1 . عن شداد بن الهاد : " أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم آمن به واتبعه ، ثم قال : أهاجر معك . . فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم " . . ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته ، ثم قدمه فصلى عليه . . " . أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح .
2 . عن عبد الله الزبير : " أن رسول الله صلى اله عليه وسلم أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى يصفون ، ويصلي عليهم . وعليه معهم " . أخرجه الطحاوي في معاني الآثار
3 . عن أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مثل به وأيضا ، على أحد من الشهداء غيره . يعني شهداء أحد، أخرجه أبو داود بسند حسن .
الثالث : من قتل في حد من حدود الله ، لحديث عمران بن حصين " أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى ،
فقالت : يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها ،
فقال : أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني بها ، ففعل ، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ،
ثم صلى عليها ، فقال له عمر : تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ،
وهل وجدت توبة أفضل من أن جاءت بنفسها لله تعالى أخرجه مسلم وأبو داود .
الرابع : الفاجر المنبعث في المعاصي والمحارم ، مثل تارك الصلاة والزكاة مع اعترافه بوجوبهما ، والزاني ومدمن الخمر ، ونحوهم من الفساق فإنه يصلي عليهم ، إلا أنه ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليهم ، عقوبة وتأديبا لأمثالهم ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . وفي ذلك أحاديث :
1 . عن أبن قتادة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها ، فان أثني عليها خير قام فصلى عليها ، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها ، ولم يصل عليها " أخرجه أحمد
2 . عن جابر بن سمرة قال " مرض رجل ، فصيح عليه ، فجاء جاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد مات ، قال : وما يدريك ؟ قال : أنا رأيته ، قال رسول الله : إنه لم يمت ، قال : فرجع فصيح عليه ، فقالت امرأته ، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأخبره فقال الرجل : اللهم العنه قال : ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص ، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه مات ، فقال ما يدريك ؟ قال : رأيته ينحر نفسه بمشقص معه قال : أنت رأيته ؟ قال : نعم ، قال : إذا لا أصلي عليه . أخرجه بهذا التمام أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم .
الخامس : المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه فإنه يصلى عليه ، وإنما ترك رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة عليه في أول الأمر ، وفيه أحاديث :
1 . عن سلمة بن الأكوع قال : " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا : صل عليها ، فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : لا ، قال : فهل ترك شيئا ؟ قالوا : لا ، فصلى عليه . ثم أتي بجنازة أخرى فقالوا : يا رسول الله صل عليها ، قال : هل عليه دين ؟ قيل : نعم ، قال فهل ترك شيئا ؟ قالوا : ثلاثة دنانير [ قال : فقال بأصابعه ثلاث كيات ] ، فصلى عليها . ثم أتي بالثالثة ، فقالوا : صل عليه ، قال : هل ترك شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : هل عليه دين ؟ قالوا : ثلاثة دنانير ، قال : صلوا على صاحبكم ، قال [ رجل من الأنصار يقال له ، أبو قتادة : صل عليه يا رسول الله وعلي دينه ' . أخرجه البخاري وأحمد .
2 . عن جابر رضي الله عنه نحوها وزاد في آخره : فلما فتح الله على رسوله قال : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، ومن ترك دينا فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته ' . رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح .
3 . عن أبي هريرة : ' أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين ، فيسأل : هل ترك لدينه من قضاء ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه ، وإلا فلا : قال : صلوا على صاحبكم ، فلما فتح الله عليه الفتوح قال : . أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم [ في الدنيا والآخرة ، إقرؤوا إن شئتم : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) ] ، فمن توفي وعليه دين [ ولم يترك وفاء ] فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فهو لورثته " . أخرجه البخاري ومسلم والنسائي .
السادس : من دفن قبل أن يصلى عليه ، أو صلى عليه بعضهم دون بعض ، فيصلون عليه في قبره ، على أن يكون الامام في الصورة الثانية ممن لم يكن صلى عليه . وفي ذلك أحاديث
1 . عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " مات رجل - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده - فدفنوه بالليل ، فلما أصبح أعلموه ، فقال : ما منعكم أن تعلموني ؟ قالوا : كان الليل ، وكانت الظلمة ، فكرهنا أن نشق عليك قبره ، فأتى قبره فصلى عليه ، [ قال : فأمنا ، وصفنا خلفه ] ، [ وأنا فيهم ] ، [ وكبر أربعا ] " أخرجه البخاري .
2 . عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن امرأة سوداء كانت تقم ( وفي رواية تلتقط الخرق والعيدان من ) المسجد ، فماتت ، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل عنها بعد أيام ، فقيل له انها ماتت ، فقال : هلا كنتم آذنتموني ؟ ( قالوا : ماتت من الليل ودفنت ، وكرهنا أن نوقظك ) ، ( قال : فكأنهم صغروا أمرها . فقال دلوني على قبرها فدلوه ، ( فأتى قبرها فصلى عليها ) ثم قال : [ قال ثابت ( أحد رواة الحديث ) : عند ذاك أو في حديث آخر ] : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله عز وجل منورها لهم بصلاتي عليهم " . أخرجه البخاري
السابع : من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه ، صلاة الحاضر ، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب ، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لحديث أبي هريرة : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نعى للناس [ وهو بالمدينة ] النجاشي [ أصحمه ] [ صاحب الحبشة ] في اليوم الذي مات فيه : [ قال : إن أخا قد مات ( وفي رواية : مات اليوم عبد لله صالح ) [ بغير أرضكم ] [ فقوموا فصلوا عليه ] ، [ قالوا : من هو ؟ قال النجاشي ] [ وقال : استغفروا لأخيكم ] ، قال : فخرج بهم إلى المصلى ( وفي رواية : البقيع ) [ ثم تقدم فصفوا خلفه ] [ صفين ] ، [ قال : فصففنا خلفه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت ] [ وما تحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه ] [ قال : فأمنا وصلى عليه ] ، وكبر ( عليه ) أربع تكبيرات " . أخرجه البخاري ومسلم
وتجب الجماعة في صلاة الجنارة كما يجب في الصلوات المكتوبة ، بدليل في :
الأول : مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها .
الاخر : قوله صلى الله عليه وسلم : " صلوا كما رأيتموتي أصلي " . أخرجه البخاري .
وأقل ما ورد في انعقاد الجماعة فيها ثلاثة ، ففي حديث عبد الله بن أبي طلحة : " أن طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزلهم ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو طلحة وراء وأم سليم وراء أبي طلحة ، ولم يكن معهم غيرهم " . أخرجه الحاكم .
63 - وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين في يبلغون مائة كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه " . وفي حديث آخر : " غفر له " . أخرجه مسلم
وقد يغفر للميت ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين لم يخالط توحيدهم شئ من الشرك لقوله : " مامن رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " . أخرجه مسلم .
64 - ويستحب أن يصفوا وراء الامام ثلاثة صفوف فصاعدا لحديثين رويا في ذلك :
الأول : عن أبي أمامة قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ومعه سبعة نفر فجعل ثلاثة صفا ، واثنين صفا واثنين صفا . رواه الطبراني في الكبير .
الثاني : عن مالك بن هبيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مامن مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسامير إلا أوجب ( وفي لفظ : إلا غفر له ) .
إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء ، صلي عليها صلاة واحدة ، وجعلت الذكور - ولو كانوا صغارا - مما يلي الإمام ، وجنائز الإناث مما يلي القبلة ، وفي ذلك أحاديث :
الأول : عن نافع عن ابن عمر : " أنه صلى على تسع جنائز جميعا ، فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة ، فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له : زيد ، وضعا جميعا ، والإمام يومئذ سعيد بن العاص ، وفي : الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة ، فوضع الغلام مما يلي الإمام " فقال رجل : فأنكرت ذلك ، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة ، فقلت : ما هذا قالوا : هي السنة " . أخرجه النسائي .
ويجوز أن يصلى على كل واحدة من الجنائز صلاة ، لأنه الأصل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في شهداء أحد ،فعن ابن عباس قال : " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة . أمر به فهيئ إلى القبلة ، ثم كبر عليه تسعا ، ثم جمع إليه الشهداء ، كلما أتي بشهيد وضع إلى حمزة ، فصلى عليه ، وعلى الشهداء معه حتى صلى عليه ، وعلى الشهداء اثنين وسبعين صلاة " أخرجه الطبراني في معجمه الكببر من طريق محمد بن اسحاق حدثني . محمد بن كعب القرظي والحكم بن عتيبة عن مقسم ومجاهد عنه .
وفي الصلاة على الجنازة في المسجد ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا ، فوقف به على حجرهن يصلين عليه ، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد ، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك ، وقالوا : هذه بدعة ، ، ما كانت الجنائز يدخل بها إلى المسجد فبلغ ذلك عائشة ، فقالت : ما أسرع الناس إلى أن يعيشوا مالا علم لهم به ، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد ، [ والله ] ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء [ وأخيه ] إلا في جوف المسجد " أخرجه مسلم .
لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز كما كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الغالب على هديه فيها " وفي ذلك أحاديث :
الأول: عن جابر قال : " مات رجل منا ، فغسلناه . . ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله بالصلاة عليه فجاء معنا . . فصلى عليه . . " أخرجه الحاكم .
االثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، خرج إلى المصلى ، فصف بهم وكبر أربعا " . . أخرجه الشيخان .
ولا تجوز الصلاة عليها بين القبور ، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه . " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور " . أخرجه الأعرابي في " معجمه والطبراني في " المعجم الأوسط .
ويقف الإمام وراء رأس الرجل ، ووسط المرأة ، وفيه حديثان
الأول : عن أبي غالب الخياط قال : " شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل ، فقام عند رأسه ، ( وفي رواية : رأس السريز ) فلما رفع ، أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار ، فقيل له : با أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصل عليها ، فصلى عليها ، فقام وسطها ، ( وفي رواية : عند عجيزتها ، وعليها نعش أخضر ) وفينا العلاء بن زياد العدوي ، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال : يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حيث قمت ، ومن المرأة حيث قمت قال : نعم ، قال : فالتفت إلينا العلاء فقال : احفظوا ) أخرجه أبو داود
الثاني : عن سمرة بن جندب قال : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى على أم كعب ماتت وهي نفساء ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
للصلاة عليها وسطها " . أخرجه البخاري ومسلم .
- ويكبر عليها أربعا أو خمسا ، إلى تسع تكبيرات ، كل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأيها فعل أجزأه ، والأولى التنوع ، فيفعل هذا تارة ، وهذا تارة ،
كما هو الشأن في أمثاله مثل أدعية الاستفتاح وصيغ التشهد والصلوات الإبراهيمية ونحوها ، وإن كان لابد من التزام نوع واحد منها فهو الأربع لان الأحاديث فهيا أكثر .
- ويشرع له أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى ،فعن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ،
ووضع اليمنى على اليسرى " . أخرجه الترمذي والدار قطني .
-
78 - ثم يقرأ عقب التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة لحديث طلحة بن عبد الله بن عوف قال : صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب ( وسورة ، وجهر حتى أسمعنا ، فلما فرغ أخذت بيده ، فسألته ؟ فـقال : ( إنما جهرت ) لتعلموا أنها سنة ( وحق ) " . أخرجه البخاري .
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ،
وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : لا يقرأ في الصلاة على الجنازة ، إنما هو الثناء على الله :
والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ، والدعاء للميت ، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة "
واستدل النووي بهذه الزيادة على استحباب سورة قصيرة ، وليس في الحديث ما يدل على كونها قصيرة ، فلعل الدليل على ذلك ما تقدم من طلب الاستعجال بالجنازة إلى قبرها ، والله أعلم .
79 - ويقرأ سرا ، لحديث أبي أمامة بن سهل قال : " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة ( سرا ) . ثم يكبر ثلاثا ، والتسليم عند الآخرة " . أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح
- ويدعوا فيها بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : " اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت ( وفي رواية : كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا ( وفي رواية : زوجة ) خيرا من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر ، ومن عذاب النار ، قال : فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت " . أخرجه مسلم والنسائي .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " . أخرجه ابن ماجه .
الثالث : عن واثلة بن الأسقع قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين ، فأسمعه يقول : اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك ، فقه فتنة القبر ، وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق ، فاغفر له وارحمه ، إنك الغفور الرحيم " أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في
الرابع : عن يزيد بن ركانة بن المطلب قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال : " اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان محسنا فزد في حسناته ، إن كان مسيئا فتجاوز عنه " . ( ثم يدعوا ما شاء الله أن يدعو ) " . أخرجه الحاكم .
وله شاهد من طريق سعيد المقبري أنه سأل أبا هريرة : كيف تصلي على الجنازة فقال : أنا لعمر الله أخبرك ، أتيعها من أهلها ، فإذا وضعت كبرت وحمدت الله ، وصليت على نبيه ، ثم أقول : اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك : كان يشهد أن لا إله ألا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنت أعلم به ، اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ، اللهم لا تحرمنا أجرة ، ولا تفتنا بعده " . أخرجه مالك ( 1 - 227 ) وعنه محمد بن الحسن ( 164 - 165 ) وإسماعيل القاضي في " فضل الصلاة صلى الله عليه وسلم " رقم 5 ( 93 ) 27وسنده موقوف صحيح جدا ، وقد ساق الهيثمي منه الدعاء مرفوعا من حديث أبي هريرة وقال : رواه أبو يعلى ورجاله ورجال الصحيح " . وقد تقدم بلفظ آخر فيه الجملة الاخيرة منه ، وهو النوع ( الثاني ) ( ص 124 )
- ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة إحداهما عن يمينه ، والأخرى عن يساره لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس ، إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة " . أخرجه البيقهي
-
- وقد ثبت في " صحيح مسلم " وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين في الصلاة ، فهذا يبين أن المراد بقوله في الحديث الأول : " مثل التسليم في الصلاة " أي التسليمتين المعهودتين . ويحتمل أنه يعني بالإضافة إلى ذلك أنه كان يسلم تسليمة واحدة أيضا ، بالنظر إلى أن ذلك كان من سنته صلى الله عليه وسلم في الصلاة أيضا ، أي أنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يسلم تسليمتين وتارة تسليمة واحدة لكن الأول أكثر .
-
- - ويجوز الاقتصار على التسليمة الأولى فقط ، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ، فكبر عليها أربعا ، وسلم تسليمة واحدة " . أخرجه الدار قطني
-
- ويشهد له مرسل عطاء بن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة .
أخرجه البيهقي معلقا . ويقويه عمل جماعة من الصحابة به ، فقد قال الحاكم عقبه : " قد صحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمه واحدة " .
قلت : وقد وافقه الذهبي ، وأسند البيهقي غالب هذه الآثار ، وزاد فيهم " واثلة ابن الاسقع وأبي إمامة وغيرهم " . وفي إطلاق الصحة على رواية ابن أبي إوفى نظر عندي ، لان في سندها الجراح بن مليح وهو ضعيف كما سبق قريبا ، إلا أن يكون وقع للحاكم من طريق أخرى ، وذلك مما لا أظنه ، وإلى هذه الآثار ذهب الإمام أحمد في المشهور عنه ، وقال أبو داود : " سمعت أحمد سئل عن التسليم على الجنازة ؟ قال : هكذا ، ولوى عنقه عن يمينه ( وقال : السلام عليكم ورحمة الله ) " . قلت وزيادة " وبركاته " في هذه التسليمة مشروعة خلافا لبعضهم ، لثبوتها في بعض طرق حديث ابن مسعود المتقدم في التسليمتين في الفريضة ، ومثلها في هذه المسألة صلاة الجنازة كما سبق ، وذكر ابن قاسم الغزي في شرحه استحبابها هنا في التسليمتين ، ورد ذلك عليه الباجوري في حاشيته فذهب إلى عدم مشروعيتها هنا ولا في الفريضة والصواب ما ذكرنا .
- والسنة أن يسلم في الجنازة سرا ، الإمام ومن وراءه في ذلك سواء ، لحديث أبي أمامة المتقدم في المسألة بلفظ : " ثم يسلم سرا في نفسه حين ينصرف ، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامة " . وله شاهد موقوف ، أخرج البيهقي عن ابن عباس أنه :
" كان يسلم في الجنازة تسليمة خفية " . وإسناده حسن . ثم روى عن عبد الله بن عمر أنه : " كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه " . وإسناده صحيح .
-
- ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي تحرم الصلاة فيها إلا لضرورة ، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ، أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " . أخرجه مسلم وزاد البيهقي :
" قال : قلت لعقبة : أيدفن بالليل ؟ قال : نعم ، قد دفن أبو بكر بالليل "
قلت : والصواب ما قاله الحافظ ، فقد ذكر ابن القيم في " زاد المعاد " عن الإمام أحمد أنه قال : " هذا حديث منكر " ، ولعله يعني " حديث فرد " فإن هذا منقول عنه في بعض الأحاديث المعروفة الصحة . واعلم أنه لا يخدج في ثبوت الحديث أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ابنه إبراهيم . لان ذلك لم يصح عنه وإن جاء من طرق ، فهي كلها معلولة إما بالإرسال ، وإما بالضعف الشديد ، كما تراه مفصلا في " نصب الراية
وقد روى أحمد عن أنس أنه سئل : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم ؟ قال : لا أدري . وسنده صحيح . ولو كان صلى عليه ، لم يخف ذلك على أنس إن شاء الله ، وقد خدمه عشر سنين .
وأما رفع الأيدي في الصلاة
وأما رفع الأيدي في الصلاة فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شيئ من تكبيرة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط ، فلا يجوز فعل ذلك ، لأنه عمل في الصلاة لم يأت به نص ، وإنما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر ورفع يديه في كل خفض ، ورفع ، وليس في صلاة الجنازة رفع ولاخفض ، والعجب من قول أبي حنيفة برفع الأيدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة ، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم .
حمل الجنازة
ويجب حمل الجنازة واتباعها ، وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين ، فقوله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم ( وفي رواية : يجب المسلم على أخيه ) خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " . أخرجه البخاري
واتباعها على مرتبتين :
الاولى : اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها .
والأخرى : اتباعها من عند أهلها حتى يفرغ من دفنها . وكل منهما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كنا مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ( يعني المدينة ) ، إذا حضر منا الميت آذنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فحضره واستغفر له ، حتى إذا قبض ، انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى يدفن ، وربما طال ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما خشينا مشقة ذلك عليه ، قال بعض القوم لبعض : لو كنا لا نؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد حتى يقبض ، فإذا قبض آذناه ، فلم يكن عليه في ذلك مشقة ، ففعلنا ذلك ، وكنا نؤذنه بالميت بعد أن يموت ، فيأتيه فيصلي عليه ، فربما انصرف ، وربما مكث حتى يدفن الميت ، فكنا على ذلك حينا ، ثم قلنا لو لم يشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، وحملنا جنازتنا إليه حتى يصلي عليه عند بيته لكان ذلك أرفق به ، فكان ذلك الأمر إلى اليوم " . أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم
ولا شك في أن المرتبة الأخرى أفضل من الأولى لقوله صلى الله عليه وسلم : " من شهد الجنازة ( من بيتها ) ، ( وفي رواية من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ) حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهد ها حتى تدفن ، ( وفي الرواية الأخرى : يفرغ منها ) فله قيراطان ( من الأجر ) ، قيل : ( يا رسول الله ) وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين . ( وفي الرواية الأخرى : كل قيراط مثل أحد ) " . أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود .
وفي بعض الشواهد عن أبي هريرة زيادات مفيدة لعله من المستحسن ذكرها :
" وكان ابن عمر يصلي عليها ، ثم ينصرف ، فلما بلغه حديث أبي هريرة قال : أكثر علينا أبو هريرة ، وفي رواية : فتعاظمه ، فأرسل خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حطي رجع إليه الرسول ، فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة ، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .
ولأبي هريرة رضي الله عنه حديث آخر في فضل شهود الجنازة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من شهد منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : من أطعم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة " . أخرجه مسلم في " صحيحه " والبخاري
وهذا الفضل في إتباع الجنائز ، إنما هو للرجال دون النساء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن اتباعها ، وهو نهي تنزيه ، فقد قالت أم عطية رضي الله عنها : " كنا ننهى ( وفي رواية : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن إتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا " . أخرجه البخاري ومسلم .
- ولا يجوز أن تتبع الجنائز ، بما يخالف الشريعة ، وقد جاء النص فيها على أمرين : رفع الصوت بالبكاء ، واتباعها بالبخور ، وذلك في وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار " . أخرجه أبو داود وأحمد من حديث أبي هريرة . وفي سنده من لم يسم ، لكنه يتقوى بشواهده المرفوعة ، وبعض الآثار الموقوفة .
أما الشواهد ، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتبع الميت صوت أو نار ، قال الهيثمي : " رواه أبو يعلى .
وعن ابن عمر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع جنازة معها رانة " . أخرجه ابن ماجه وأحمد من طريقين عن مجاهد عنه . وهو حسن بمجموع الطريقين .
وأما الآثار ، فعن عمرو بن العاص أنه قال في وصيته : " فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار " . أخرجه مسلم وأحمد .
وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : " لا تضربوا علي فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ( وفي رواية : بنار ) " . رواه أحمد وغيره بسند صحيح .
ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة ، لأنه بدعة ، ولقول قيس ابن عباد : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز " . أخرجه البيهقي .
ولان فيه تشبها بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشئ من أنا جيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين .
وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الآلات الموسيقية أما مها عزفا حزينا كما يفعل في بعض البلاد الإسلامية تقليدا للكفار . والله المستعان .
ويجب الإسراع في السير بها ، سيرا دون الرمل ، وفي ذلك أحاديث :
الأول : " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها ، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " . أخرجه الشيخان ، والسياق لمسلم ، وأصحاب السنن الأربعة ، وصححه الترمذي وأحمد والبيهقي من طرق عن أبي هريرة ، وله حديث آخر بنحو الآتي .
الثاني : " إذا وضعت الجنازة ، واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شئ إلا الإنسان ، ولو سمعه لصعق " . أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي وأحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
قول رويدا رويدا
الثالث : عن عبد الرحمن بن جوشن قال : " كنت في جنازة عبد الرحمن بن سمرة ، فجعل زياد ورجال من مواليه يمشون على أعقابهم أمام السرير ، ثم يقولون : رويدا رويدا بارك الله فيكم : فلحقهم أبو بكرة في بعض سكك المدينة فحمل عليهم بالبغلة ، وشد عليهم بالسوط ، وقال : خلوا والذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنكاد أن نرمل بها رملا " . أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد .
50 - ويجوز المشي أمامها وخلفها ، وعن يمينها ويسارها ، على أن يكون قريبا منها ، إلا الراكب فيسير خلفها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب يسير خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها ، خلفها وأمامها ، وعن يمينها ، وعن يسارها ، قريبا منها ، والطفل يصلى عليه ، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة " . أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي .
وكل من المشي أمامها وخلفها ، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا ، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها " . أخرجه الطحاوي ( 1 / 278 ) من طريقين عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن . قلت : وهذا سند صحيح على شرط الشيخين .
51 - لكن الأفضل المشي خلفها ، لأنه مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : " واتبعوا الجنائز " .
ويؤيده قول علي رضي الله عنه : " المشي خلفها أفضل من المشي أمامها ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف "والطحاوي والبيهقي وكذا ابن حزم في " المحلى " .
ويجوز الركوب بشرط أن يسير وراء ها لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب يسير خلف الجنازة . . " . لكن الأفضل المشي ، لأنه المعهود عنه صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد أنه ركب معها بل قال ثوبان رضي الله عنه : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها ، فلما انصرف أتي بدابة فركب ، فقيل له ؟ فقال : إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون ، فلما ذهبوا ركبت " . أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
وأما حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز ، وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات ، فهذه الصورة لا تشرع البتة ، وذلك لأمور :
الأول : أنها من عادات الكفار ، وقد تقرر في الشريعة أنه لا يجوز تقليدهم فيها . الثاني : أنها بدعة في عبادة ، مع معارضتها للسنة العملية في حمل الجنازة ، وكل ما كان كذلك من المحدثات ، فهو ضلالة اتفاقا .
الثالث : أنها تفوت الغاية من حملها وتشييعها ، وهي تذكر الآخرة ، كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في أول هذا الفصل بلفظ : " . . . واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة " . أقول : إن تشييعها على تلك الصورة مما يفوت على الناس هذه الغاية الشريفة تفويتا كاملا أو دون ذلك ، فإنه ممالا يخفى على البصير أن حمل الميت على الأعناق ، ورؤية المشيعين لها وهي على رؤوسهم ، أبلغ في تحقيق التذكر والاتعاظ من تشييعها على الصورة المذكورة .
الرابع : أنها سبب قوي لتقليل المشيعين لها والراغبين في الحصول على الأجر، ذلك لأنه لا يستطيع كل أحد أن يستأجر سيارة ليشيعها "
الخامس : أن هذه الصورة لا تتفق من قريب ولا من بعيد مع ما عرف عن الشريعة المطهرة السمحة من البعد عن الشكليات والرسميات ، لاسيما في مثل هذا الأمر الخطير –الموت- والحق أقول : إنه لو لم يكن في هذه البدعة إلا هذه المخالفة ، لكفى ذلك في ردها فكيف إذا انضم إليها ما سبق بيانه من المخالفات والمفاسد وغير ذلك .
والقيام لها منسوخ ، وهو على نوعين :
أ - قيام الجالس إذا مرت به .
ب - وقيام المشيع لها عند انتهائها إلى القبر حتى توضع على الأرض . والدليل على ذلك حديث علي رضي الله عنه ، وله ألفاظ :
الأول : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة فقمنا ، ثم جلس فجلسنا " . أخرجه مسلم وابن ماجه وأحمد .
الثاني : " كان يقوم في الجنائز ، ثم جلس بعد " . رواه مالك وعنه الشافعي في " الأم " وأبو داود .
الرابع : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع ، وقام الناس معه ، ثم قعد بعد ذلك ، وأمرهم بالقعود " .
الخامس : من طريق إسماعيل بن مسعود بن الحكم الزرقي عن أبيه قال : " شهدت جنازة بالعراق ، فرأيت رجالا قياما ينتظرون أن توضع ، ورأيت علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يشير إليهم أن اجلسوا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالجلوس بعد القيام " . أخرجه الطحاوي بسند حسن .
تكرار الصلاة على الميت
يمكن تكرار الصلاة على الميت لمن لم يصلي عليه ، أي يوضع الميت ثم يصلى عليه مرة ومرات لمن لم يسبق أن صلى عليه ، كما فعل مع الرسول صلى الله عليه وسلم
بأنه وضع على شفير قبره ثم جاء الناس أفواجا وجماعات وآحادا يصلون عليه حتى فرغوا من الصلاة عليه قاموا ودفنوه صلى الله عليه وسلم .
اجتماع أكثر من جنازة
فإن اجتمع جنائز قدم إلى الإمام أفضلهم فإن كان رجل وصبي وامرأة وخنثى قدم الرجل إلى الأمام ثم الصبي ثم الخنثى المشكل ثم المرأة لما روي عن ابن عمر رضي الله عنه ه أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة وروى عمار بن أبي عمار أن زيد بن عمر بن الخطاب وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه هما ماتا فصلى عليهما سعيد بن العاص فجعل زيدا مما يليه وأمه مما يلي القبلة وفي القوم الحسن والحسين وأبو هريرة وابن عمر ونحو ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين والأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة فإن صلى عليهم صلاة واحدة جاز لأن القصد من الصلاة عليهم الدعاء لهم وذلك يحصل بالجمع في صلاة واحدة .
رفع اليدين في الصلاة .
والسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لما روي أن عمر رضي الله عنه ه كان يرفع يديه على الجنازة في كل تكبيرة وعن عبد الله بن عمر والحسن بن علي رضي الله عنه هم مثله وعن زيد ابن ثابت وقد رأى رجلا فعل ذلك فقال أصاب السنة ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فيسن لها رفع اليدين كتكبيرة الإحرام في سائر الصلوات
الدعاء للميت
وأدنى الدعاء ما يقع عليه الاسم والسنة أن يقول ما رواه أبو قتادة وذكره الشافعي رحمه الله قال : يقول اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين وبأي شيء دعا جاز لأنه قد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية مختلفة فدل على أن الجميع جائز
الصلاة على القبر لمن لم يصلي الجنازة
من لم يصل على الجنازة صلى على القبر لما روي أن مسكينة ماتت ليلا فدفنوها ولم يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرها من الغد وإلى أي وقت تجوز الصلاة على القبر ؟ فيه أربعة أوجه : أحدها يصلي عليه إلى شهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر
والثاني يصلي عليه ما لم يبل لأنه إذا بلي لم يبق ما يصلي عليه
والثالث يصلي عليه من كان من أهل الفرض عند موته لأنه كان من أهل الخطاب بالصلاة عليه
وأما من ولد بعده أو بلغ بعد موته فلا يصلي عليه لأنه لم يكن من أهل الخطاب بالصلاة عليه
والرابع أنه يصلي عليه أبدا لأن القصد من الصلاة على الميت الدعاء والدعاء يجوز في كل وقت
الصلاة على السقط
فصل : إذا استهل السقط أو تحرك ثم مات غسل وصلي عليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا استهل السقط غسل وصلي عليه وورث ] ولأنه قد ثبت له حكم الدنيا في الإسلام والميراث والدية فغسل وصلى عليه كغيره وإن لم يستهل ولم يتحرك فإن لم يكن له أربعة أشهر كفن بخرقة ودفن وإن تم له أربعة أشهر ففيه قولان : قال في القديم : يصلى عليه لأنه نفخ فيه الروح فصار كمن استهل وقال في الأم : لا يصلى عليه وهو الأصح لأنه لم يثبت له حكم الدنيا في الإرث وغيره فلم يصل عليه فإن قلنا يصلى عليه غسل كغير السقط وإن قلنا لا يصلى عليه ففي غسله قولان : قال في البويطي : لا يغسل لأنه لا يصلى عليه فلا يغسل كالشهيد وقال في الأم : يغسل لأن الغسل قد ينفرد عن الصلاة كما نقول في الكافر .
إتباع الجنائز
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع : أمرنا بإتباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الداعي ونصر المظلوم وإبرار القسم ورد السلام وتشميت العاطس ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير والديباج والقسي والإستبرق رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان ) . قيل : وما القيراطان ؟ قال : ( مثل الجبلين العظيمين ) . رواه البخاري .
الجلوس قبل وضع الجنازة
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه .رواه البخاري . أي إذا كان غير متبعها ، وقد أختلف في كونها توضع من على مناكب الرجال ، وقيل حتى توضع في اللحد .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع . رواه البخاري .
وهو يوضح أن المراد بالغاية المذكورة من كان معها أو مشاهدا لها، وأما من مرت به فليس عليه من القيام إلا قدر ما تمر عليه أو توضع . وروى أحمد من طريق سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة مرفوعا " من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع " وفي هذا السياق بيان لغاية القيام ، وأنه لا يختص بمن مرت به فقط .
دخول الميت الى القبر
فصل : ويستحب أن يضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل فيه سلا لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا ولأن ذلك أسهل ويستحب أن يقول عند إدخاله القبر بسم الله وعلى ملة رسول الله لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا أدخل الميت القبر والمستحب أن يضجع في القبر على جنبه الأيمن لقوله صلى الله عليه وسلم [ إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه ] ولأنه يستقبل القبلة فكان أولى ويوسد رأسه بلبنة أو حجر كالحي إذا نام ويجعل خلفه شيء يسنده من لبن أو غيره حتى لا يستلقي على قفاه ويكره أن يجعل تحته مضربة أو مخدة أو في تابوت لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إذا أنزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض وعن أبي موسى : لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئا وينصب اللبن على اللحد نصبا لما روي عن سعد بن أبي وقاص قال : اصنعوا بي كما صنعتم برسول الله صلى الله عليه وسلم انصبوا علي اللبن وأهيلوا علي التراب ويستحب لمن على شفير القبر أن يحثو في القبر ثلاث حثيات من التراب لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثى في قبر ثلاث حثيات من التراب ويستحب أن يمكث على القبر بعد الدفن لما روى عثمان رضي الله عنه ه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت يقف عليه وقال [ استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل ] .
تلقين الميت
اقامة العزاء وعمل السرادقات
باب غسل الميت وغسل الزوج امرأته والمرأة زوجها
قال الشافعي ويفضي بالميت إلى مغتسله ويكون كالمنحدر قليلا ثم يعاد تليين مفاصله ويطرح عليه ما يواري ما بين ركبتيه إلى سرته ويستر موضعه الذي يغسل في
فلا يراه أحد إلا غاسله ومن لا بد له من معونته عليه ويغضون أبصارهم عنه إلا فيما لا يمكن غيره ليعرف الغاسل ما غسل وما بقي ويتخذ إناءين إناء يغرف به من الماء المجموع فيصب في الإناء الذي يلي الميت فما تطاير من غسل الميت إلى الإناء الذي يليه لم يصب الآخر وغير المسخن من الماء أحب إلي إلا أن يكون برد أويكون بالميت ما لا ينقيه إلا المسخن فيغسل به ويغسل في قميص ولا يمس عورة الميت بيده ويعد خرقتين نظيفتين لذلك قبل غسله ويلقي الميت على ظهره ثم يبدأ غاسله فيجلسه إجلاسا رفيقا ويمر يده على بطنه إمرارا بليغا والماء يصب عليه ليخفي شيء إن خرج منه وعلى يده إحدى الخرقتين حتى ينقي ما هنالك ثم يلقها لتغسل ثم يأخذ الأخرى ثم يبدأ فيدخل أصبعه في فيه بين شفتيه ولا يفغر فاه فيمرها على أسنانه بالماء ويدخل طرف أصبعيه في منخريه بشيء من ماء فينقي شيئا إن كان هناك ويوضئه وضوء الصلاة ويغسل رأسه ولحيته حتى ينقيهما ويسرحهما تسريحا رفيقا ثم يغسله من صفحة عنقه اليمنى وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه ثم يعود إلى شقه الأيسر فيصنع به مثل ذلك ثم يحرفه إلى جنبه الأيسر فيغسل ظهره وقفاه وفخذه وساقه اليمنى وهو يراه متمكنا ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيصنع به مثل ذلك ويغسل ما تحت قدميه وما بين فخذيه وأليتيه بالخرقة ويستقصي ذلك ثم يصب على جميعه الماء القراح وأحب أن يكون فيه كافور قال : وأقل غسل الميت فيما أحب ثلاثا فإن لم يبلغ الإنقاء فخمسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن غسل ابنته : [ اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور ] قال : ويجعل في كل ماء قراح كافورا وإن لم يجعل إلا في الآخرة أجزأه ويتتبع ما بين أظافره بعود ولا يخرج حتى يخرج ما تحتها من الوسخ وكلما صب عليه الماء القراح بعد السدر حسبه غسلا واحدا ويتعاهد مسح بطنه في كل غسلة ويقعده عند آخر غسله فإن خرج منه شيء أنقاه بالخرقة كما وصفت وأعاد عليه غسله ثم ينشف في ثوب ثم يصير في أكفانه وإن غسل بالماء القراح مرة أجزأه ومن أصحابنا من رأى حلق الشعر وتقليم الأظفار ومنهم من لم يره قال المزني : وتركه أعجب إلي لأنه يصير إلى بلى عن قليل ونسأل الله حسن ذلك المصير قال الشافعي ولا يقرب المحرم الطيب في غسله ولا حنوطه ولا يخمررأسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما ولا تخمروا رأسه ] ولقوله صلى الله عليه وسلم : [ لا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ] وإن ابنا لعثمان توفى محرما فلم يخمر رأسه ولم يقربه طيبا قال : وأحب أن يكون بقرب الميت مجمرة لا تنقطع حتى يفرغ من غسله فإذا رأى من الميت شيئا لا يتحدث به لما عليه من ستر أخيه قال : وأولاهم بغسله أولاهم بالصلاة عليه ويغسل الرجل امرأته والمرأة زوجها غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعلي امرأته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم و [ قالت عائشة : لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه ] قال : وليس للعدة معنى يحل لأحدهما فيها ما لا يحل له من صاحبه وبغسل المسلم قرابته من المشركين ويتبع جنازته ولا يصلي عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا فغسل أبا طالب
just_f
