[FONT=&]فلقد سُئل صلى الله عليه وعلى اله وسلم عن البر ماهو؟ فقال: (البر حسن الخلق) وسُئل صلى الله عليه وعلى اله وسلم
عن أكمل المؤمن إيمانا، فقال (أحسنهم خلقا)[/FONT][FONT=&]
ولقد ملك المسلمون في قرونهم الأولى – قرن الخير – أعلى مستوى من التربية الأخلاقية وكان الناس يدخلون في هذا الدين أفواجا،
لما يرونه من حسن المعاملة وجميل الأخلاق، وكانوا يملكون من القدوة أكثر مما يملكون من قوة البيان،
واستطاع ذلك الجيل أن يدخل الناس في دين الله بأخلاقهم وسلوكهم ومعاملاتهم، ومن ضمن الأخلاق التي دعا إليها الإسلام ورغب فيها وحث عليها،
هو خلق الصبر والمصابرة؛ فإن الصبر خلق عظيم حيث عليه الله سبحانه وتعالى في آيات عديدة في القرآن الكريم ومنها: [/FONT]
[FONT=&]قوله تعالى: [/FONT][FONT=&]﴿[/FONT][FONT=&]وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ[/FONT][FONT=&]﴾[/FONT][FONT=&] [البقرة:45]،
وقوله تعالى:[/FONT][FONT=&]﴿[/FONT][FONT=&]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [/FONT][FONT=&]﴾[/FONT][FONT=&] [آل عمران:200]، وكذلك حث النبي الكريم على خلق الصبر وهو الصابر الحليم وهو ذو الخلق العظيم صلى الله عليه وعلى اله وسلم
بقوله: (ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحدا عطاء خيرا له وأوسع من الصبر)[/FONT]
[FONT=&]ولأهمية هذا الموضوع رأيت أن يكون عنوان درسنا لهذه الليلة المباركة (الصبر في الدعوة), وهو درس رأيت أهميته لي ولكم , لأننا إخوتي في الله نقوم في الدعوة شأن أو أبين , فوجودي ووجودكم هنا دعوة , أخلاقنا و تعاملنا مع الزوار والمشرفين والإدارة دعوة , من أجل ذلك وجب علينا تذكير أنفسنا , قال تعالى ( فذك إن الذكرى تنفع المؤمنين [/FONT][FONT=&]سوف يكون درسنا حول عدد من المباحث [/FONT][FONT=&]تعريف الصبر , حكم الدعوة لله , نماذج من الصبر في الدعوة , الخاتمة , والله نسأل التوفيق والسداد لنا ولكم والإخلاص في القول والعمل .
[/FONT]
[FONT=&]تعريف الصبر[/FONT][FONT=&]
[/FONT][FONT=&]الصبر في اللغة هو الحبس [/FONT]
[FONT=&]كما يقال: صبرت الدابة أي حبستها بلا علف، والصبر هو حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل، فإن كان حبس النفس عن الجزع وقت المصيبة سمي صبرا، وإن كان حبس النفس عن الخوف وقت الحرب سمي شجاعة، وإن كان حبس النفس عن الفضول كان قناعة عفة، وإن كان حبس النفس عن الضجر عند النوائب كان حلما ورحابة صدر .[/FONT]
[/FONT][FONT=&]الصبر في اللغة هو الحبس [/FONT]
[FONT=&]كما يقال: صبرت الدابة أي حبستها بلا علف، والصبر هو حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل، فإن كان حبس النفس عن الجزع وقت المصيبة سمي صبرا، وإن كان حبس النفس عن الخوف وقت الحرب سمي شجاعة، وإن كان حبس النفس عن الفضول كان قناعة عفة، وإن كان حبس النفس عن الضجر عند النوائب كان حلما ورحابة صدر .[/FONT]
[FONT=&]وقد أمر الله جل وعلا بالصبر فقال: {يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، قال الحسن: «أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء، ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين وأن يصابروا العداء ».[/FONT][FONT=&]- [/FONT][FONT=&]ومما نقله ابن القيم في مدارج السالكين أنه: "حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس[/FONT][FONT=&]اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية[/FONT][FONT=&].[/FONT][FONT=&]*** وبما أن عنوان درسنا الصبر في الدعوة , فلابد أولا أن نعرف حكم الدعوة لله تعالى .[/FONT][FONT=&]حكم الدعوة لله ؟[/FONT][FONT=&]فإن الدعوة إلى الله تعالى واجبة على عموم الأمة وجوباً كفائيًا وواجبة وجوباً عينيًا على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وقدر علمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [/FONT][FONT=&]بلغوا عني ولو آية. [/FONT][FONT=&]رواه البخاري، هذا هو القول الراجح أن الدعوة واجبة على كل فرد بحسبه.
وذلك لقول الله تعالى آمرًا هذه الأمة بالدعوة إليه سبحانه: [/FONT][FONT=&]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [/FONT][FONT=&][آل عمران:104].
واختلف أهل التفسير في "منكم" هذه هل هي للتبعيض أم لبيان الجنس، ورجح الطبري والقرطبي وابن كثير أنها للتبعيض،
قال القرطبي 4/165: [/FONT][FONT=&]ومن في قوله "منكم" للتبعيض ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء، وقيل: لبيان الجنس، والمعنى: لتكونوا كلكم كذلك، قلت: القول الأول أصح، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية. [/FONT][FONT=&]انتهى.
ويمكن الجمع بين القولين بأن انتصاب طائفة من المسلمين وتفرغهم للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على الأمة، وأن قيام كل فرد بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب قدرته فرض عين،
قال الله تعالى: [/FONT][FONT=&]وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [/FONT][FONT=&][التوبة:122].
قال الحافظ [/FONT][FONT=&]ابن كثير [/FONT][FONT=&]في تفسير الآية السابقة من سورة آل عمران 1/391[/FONT]
[FONT=&]والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [/FONT][FONT=&]من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. [/FONT][FONT=&]وفي رواية: [/FONT][FONT=&]وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. [/FONT][FONT=&]انتهى.[/FONT]
[FONT=&]الصبر في الدعوة:
[/FONT]
[FONT=&]ومعناه[/FONT][FONT=&]: أن يوطن الداعية نفسه على تحمل كل ما يصيبه من أذى في ذات الله، ويصبر ويحتسب؛
لأنه يدعو إلى الانخلاع عن أخلاق وعادات وأعراف وتقاليد تأصلت في الناس حتى صارت كأنها جزء من حياتهم وما أنزل الله بها من سلطان،
وهذا يؤدي إلى معارضته معارضة شديدة، وعليه فما لم يكن الداعية قد وطن نفسه على التحمل والصبر والاحتساب فإنه سيتعب وييأس بسرعة، وبالتالي يكون الفشل وعدم النجاح ».[/FONT][FONT=&]والصبر في الدعوة إلى الله من أهم المهمات وأولى المطلوبات، قال الشيخ ابن عثيمين: «على كل داعية أن يكون: صابرا على دعوته، صابرا على ما يدعو إليه، صابرا على ما يعترض دعوته، صابرا على ما يعترضه هو من الأذى»[/FONT]
[FONT=&]ويعلل ذلك شيخ الإسلام فيقول:» ولابد أن يكون حليما صبورا على الأذى، فإنه لابد أن يحصل[/FONT][FONT=&] أذى، فإن لم يحلم ويصبر يفسد أكثر مما يصلح،
كما قال لقمان لابنه: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}؛ ولهذا أمر الله الرسل - وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بالصبر، كقوله لخاتم رسله [: {يأيها المدثر قم فأنذر...} إلى قوله {ولربك فاصبر}، فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالإنذار وختمها بالصبر»أهـ.[/FONT][FONT=&]منزلة الصبر في الشرع المطهر:[/FONT][FONT=&]حسبنا تكرار مادة الصبر في القرآن لأكثر من سبعين مرة، وحسبنا دورانه مع كل الأنبياء والمرسلين: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}، وحسبنا وصية لقمان لولده: {واصبر على ما أصابك}، ووصية عمير بن حبيب بن حباشة الصحابي الجليل لولده إذ يقول:« إذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر فليوطن نفسه قبل ذلك على الأذى وليوقن بالثواب؛ فإنه من يوقن بالثواب من الله تعالى لا يجد مس الأذى »اهـ.[/FONT][FONT=&]وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب[/FONT][FONT=&] رحمه الله في كتابه الأصول الثلاثة: [بسم الله الرحمن الرحيم اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل: الأولى: العلم، وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة. الثانية: العمل به. الثالثة: الدعوة إليه. الرابعة: الصبر على الأذى فيه.[/FONT][FONT=&]و(الصبر على الأذى فيه) يعني: في العلم والعمل والدعوة إليه، فالضمير يعود إلى جميع ما تقدم، فالإنسان بحاجةٍ إلى أن يصبر حتى يتعلم، وبحاجةٍ إلى أن يصبر ليعمل، وبحاجةٍ إلى أن يصبر ليدعو، والصبر في الأصل هو حبس النفس عن محبوباتها ومنعها من ذلك، والصبر -أيها الإخوة- شأنه عظيم، ولذلك أكثر الله جل وعلا من الأمر به، والثناء على أهله في كتابه، فما من خلةٍ حميدةٍ ولا خصلةٍ فاضلةٍ ولا خلقٍ كريم ٍولا سجايا صالحةٍ ولا أعمال برٍّ وحسناتٍ إلا ومنشؤها الصبر، ولذلك كان الصبر أفضل ما يوفق إليه العبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر).ومعلوم أن العلماء قسموا الصبر إلى ثلاثة أقسام: الأول: الصبر على طاعة الله. الثاني: الصبر عن معصية الله. الثالث: الصبر على أقدار الله. وأفضلها وأشرفها وأكبرها منزلةً هو الصبر على طاعة الله، والفضل لها جميعاً ثابت، قال تعالى:
[/FONT][FONT=&]
[/FONT][FONT=&]وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[/FONT][FONT=&][/FONT][FONT=&]
[النساء:95]، فينبغي للمؤمن أن يحرص على تحقيق الصبر في جميع هذه الأمور.[/FONT][FONT=&]هذه الدعوة لها سلاحان هامان هما: العلم، والصبر.. فهما شرطا صحتها وفاعليتها، أما شرط قبولها عند الله فهو الإخلاص لله سبحانه، فالدعوة لا بد لها من العلم لقوله تعالى: ([/FONT][FONT=&] أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[/FONT][FONT=&])(يوسف: 108)، فالبصيرة: هي العلم، وهي الحكمة في قول الله سبحانه وتعالى: ([/FONT][FONT=&]ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ[/FONT][FONT=&])(النحل: من الآية125)،
وهي الحق في قوله تعالى: ([/FONT][FONT=&]وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[/FONT][FONT=&])(العصر: من الآية3). [/FONT][FONT=&]فالله سبحانه وتعالى ينادي المؤمنين:
( [/FONT][FONT=&]يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين[/FONT][FONT=&]) ، ( [/FONT][FONT=&]يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون[/FONT][FONT=&])،
فهو سبحانه يأمر بالصبر، بل أن نَفُوْقَ عدونا صبرا فنصبر أكثر من صبرهم؛ فإن الفوز والنصر للصابرين،
فهو سبحانه يقول: ([/FONT][FONT=&]كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[/FONT][FONT=&])(البقرة: من الآية249).
[/FONT][FONT=&]والله يأمر نبيه بالصبر مع من يدعوهم فيقول سبحانه: ([/FONT][FONT=&]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[/FONT][FONT=&])(الكهف: من الآية28).
[/FONT][FONT=&]وليكن صبرنا في الدعوة هو السلاح الواقي: ([/FONT][FONT=&]وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[/FONT][FONT=&])(آل عمران: من الآية120)
ولنعلم أن أجر الصابرين عظيم: ([/FONT][FONT=&]ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون[/FONT][FONT=&]) ، ([/FONT][FONT=&]إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب[/FONT][FONT=&]).
[/FONT][FONT=&]نماذج من صبر[/FONT][FONT=&] :
[/FONT][FONT=&]وتاريخ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم خير مثال يوضح الصبر العملي. يثبتون على حجتهم مهما خالف القوم، فهذا نوح يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما لا يمل من دعوتهم ولم يدع عليهم، ولم ينحرف نحوهم رغم كثرة عدد الكافرين ورغم أن زوجه وولده كانوا من الكافرين. فلما أعلمه ربه:
([/FONT][FONT=&]أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن[/FONT][FONT=&])،
دعا عليهم فقال: ([/FONT][FONT=&]رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا* إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا[/FONT][FONT=&])،
وصبر على استهزائهم بدعوته.[/FONT][FONT=&]وكذلك صبر إبراهيم عليه السلام في قومه وكانت الحجة مَنطِقَه الذي يدعوهم به،
فحاج ملكهم الذي ادعى أنه إله من دون الله فبهت الذي كفر. وحاج عبّاد الكواكب فغلبهم، وحاج عبّاد الأوثان بالحجة العملية فأقروا أنهم الظالمون، لكن لما غلبهم بالحجة قالوا: ([/FONT][FONT=&]حرقوه وانصروا آلهتكم[/FONT][FONT=&])، فالعبد الضعيف ينصر إلهه، ضعف الطالب والمطلوب. لكن الله جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم.[/FONT][FONT=&]وكذلك صبر إسماعيل على الذبح ففداه الله بذبح عظيم. وصبر يعقوب على كيد ولده وفراق يوسف فأظفره الله. وصبر يوسف على ترك الشهوة الحرام لما دعته ذات المنصب والجمال فقال: معاذ الله. وصبر على السجن مظلوما. بل لما خير بين الفحشاء والسجن
قال: ([/FONT][FONT=&]رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه[/FONT][FONT=&]). وكان عاقبة صبره أن رفعه الله في الدنيا، ولأجر الآخرة أكبر. [/FONT][FONT=&]
وكذلك صبر أيوب، وصبر داود، وصبر موسى صبرا عظيما على فرعون، بل وعلى بني إسرائيل يدعوهم فيتفلتون، وصبر عيسى عليه السلام حتى أراد قومه صلبه لما لم يستطيعوا مجاراته فأنجاه الله منهم ورفعه إليه: ([/FONT][FONT=&]وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ[/FONT][FONT=&])(النساء: من الآية157)،
وكان صبر نبينا الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الصبر وعاقبته خير عاقبة، وجعل ذكره باقيا حيث جعل الله معجزة كل نبي تنتهي قبل موته،
فلم يبق إلا أكبر معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم وهي التي أبقت في القلوب الإيمان بالأنبياء وبمعجزاتهم وبنزاهتهم وصدقهم وصبرهم في دعوتهم لأممهم.[/FONT][FONT=&]والله سبحانه جعل في كل أمة رسولا، فلما ختم الرسالات جعل الدعاة إلى الله هم الذين يخلفون الرسل في هذه الدعوة فيقومون بها فلابد أن يتخذوا من الصبر والعلم والإخلاص عدة لهم حتى يؤيدهم الله بقوته [/FONT][FONT=&]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً[/FONT][FONT=&])(المائدة: من الآية3).
[/FONT][FONT=&]فمنهج الإسلام منهج كامل لا يحتاج إلى إضافة أو حذف أو تغيير؛ لأن الله أكمله وأتمه ورضيه. من أجل ذلك كانت الدعوة إلى الله بالقرآن والسنة كما فهمها خير القرون الذين زكاهم الله وزكاهم نبيه صلى الله عليه وسلم هو المنهج الصواب الذي يجب علينا أن نصبر على تعلمه ، وأن نعلمه الأهل والأقارب، وأن نصبر على تعليمه للناس.[/FONT][FONT=&]ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الصابر الأول، إمام الصابرين في كل أمر. وجاءه الوحي يعلمه الصبر من أول نزوله حيث جاءه الملك في الغار يقول له: ( اقرأ. قال: "ما أنا بقارئ": قال: " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد"، ثم قال لي: "اقرأ". فمع التكليف ضمه ضمة قوية لتعلم الصبر.
فلما أمره: ([/FONT][FONT=&] وأنذر عشيرتك الأقربين[/FONT][FONT=&]) ، كان أول كافر به عمه أبو لهب فصبر. [/FONT][FONT=&]فلما جاءه قومه يعرضون عليه العروض للتخلي عن الدعوة قال: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أدع هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما فعلت" ، فصبر على الدعوة.
فلما آذاه قومه بالسباب والهجر وسائر صنوف الأذى صبر، فلم يدع عليهم، بل دعا لهم بالهداية.
فلما قاتلوه صبر لقتالهم.
وأخذ يصبر في دعوة الناس، فيقبل من جاهلهم، ويعفو عن مسيئهم ويرشد ضالهم ويحلم على من يسفه عليه. [/FONT]
[FONT=&]ولقد سار سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والصبر. فصابرو في طلب العلم والعمل به والدعوة إليه، فنشر الله بهم الإسلام حتى ملأ آسيا وأفريقية، ودخل أوربا، فنحن بعض ثمار دعوتهم. [/FONT][FONT=&]فالمسلم في حاجة إلى الصبر لتحصيل العلم وطلبه.. فيصبر مع القرآن والسنة حفظا وفهما، ويصبر على لزوم الصحيح من الأفهام ، فلا تغره شبهات أهل الضلال، ولا تنحرف به سبل الشيطان، فتفرق به عن سبيل المؤمنين ، ثم يصبر المسلم على العمل بذلك العلم فتكون القلوب معتقدة الحق والجوارح عابدة لربها مقتدية بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون السلوك موافقا لذلك العلم في النفس والمال وكل أمر لله فيه مقال.[/FONT][FONT=&]ثم يصبر المسلم على ترك المعاصي رغم توفر دواعيها في النفس وتفشيها في المجتمع من حوله، ثم يصبر على دعوة الناس لذلك العلم متحملا صعاب الدعوة صابرا مع المتعلمين، يرفق بهم ، ويحسن إليهم.[/FONT][FONT=&]فلا بد أن يكون لدينا الصبر على طلب العلم، والصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[/FONT][FONT=&] ولكن للاسف نعلن عن بعض المشاريع الدعوية او بعض المبادرات الخيرية [/FONT]
[FONT=&]فلا نصبر ونتكاسل عنها ![/FONT][FONT=&]سبحان الله! النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول[/FONT][FONT=&]: {[/FONT][FONT=&]رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد[/FONT][FONT=&] } [/FONT][FONT=&]ونحن اليوم نملُّ من الدعوة لأن بعض الناس استجابوا وبعضهم لم يستجب[/FONT][FONT=&]![/FONT]
[FONT=&]لقد ظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً لم يمل ولم يكل، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاهد قومه، ودعاهم إلى الله -عز وجل- كثيراً، فطريق الدعوة هو طريق الصبر على الأذى[/FONT][FONT=&]:[/FONT][FONT=&]
][/FONT][FONT=&]وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا[/FONT][FONT=&]
][/FONT][FONT=&]
[[/FONT][FONT=&]إبراهيم:12] والصبر إما على الطاعة، أو عن المعصية، أو على الابتلاء[/FONT][FONT=&].[/FONT]
[FONT=&]و[/FONT][FONT=&] قال بعض أهل العلم[/FONT][FONT=&] : [/FONT][FONT=&]الصبر على الأذى جهاد النفس[/FONT][FONT=&]، وقد جبل الله الأنفس على التألم بما يفعل بها ويقال فيها ; ولهذا شق على النبي - صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&]- [/FONT][FONT=&]نسبتهم له إلى الجور في القسمة ، لكنه حلم عن القائل فصبر لما علم من جزيل ثواب الصابرين وأن الله[/FONT][FONT=&]- [/FONT][FONT=&]تعالى - يأجره بغير حساب ،[/FONT][FONT=&]والصابر أعظم أجرا من المنفق[/FONT][FONT=&]لأن حسنته مضاعفة إلى سبعمائة ، والحسنة في الأصل بعشر أمثالها إلا من شاء أن يزيده ، وقد تقدم في أوائل الإيمان حديث[/FONT][FONT=&]ابن مسعود[/FONT][FONT=&]الصبر نصف الإيمان[/FONT][FONT=&]وقد ورد في الصبر على الأذى حديث ليس على شرط[/FONT][FONT=&][FONT=&]البخاري[/FONT][/FONT][FONT=&]، وهو ما أخرجه[/FONT][FONT=&]ابن ماجه[/FONT][FONT=&]بسند حسن عن[/FONT][FONT=&]ابن عمر[/FONT][FONT=&]رفعه
[/FONT][FONT=&]المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم[/FONT]
[FONT=&]ويقول الشاعر في الصبر:[/FONT][FONT=&]أصبر قليلا فبعد العسر تيسير ...... وكل وقت له أمر وتدبير[/FONT][FONT=&]وللمهيمن في حالاتنا قدر.......... وفوق تدبيرنا لله تدبير[/FONT][FONT=&]أصبر فبالصبر خير لو علمت به..... لكنت باركت شكرا صاحب النعم[/FONT][FONT=&]وأعلم بأنك إن لم تصطبر كرما.... صبرت قهرا على ما خط بالقلم[/FONT][FONT=&]كن حليما إذا بليت بغيظ......... وكن صبورا إذا أتتك مصيبة[/FONT][FONT=&]فالليالي من الزمان حبالى.......... مثقلات يلدن كل عجيبة[/FONT][FONT=&]أصبر قليلا وكن بالله معتصما..... لا تعجلن فإن العجز بالعجل[/FONT][FONT=&]الصبر مثل اسمه في كل نائبة....... لكن عواقبه أحلى من العسل[/FONT][FONT=&]إذا جرحت مساويهم فؤادي...... صبرت على الإساءة وانطويت[/FONT]
[FONT=&]والخلاصة[/FONT][FONT=&] أن على الداعية أن يتحلى بالصبر وضبط النفس والابتعاد عن التهور والانفعال؛
لأن الصبر والاحتساب هدي النبي [ والأنبياء والمرسلين من قبله،
وهو هدي الصالحين من الدعاة والمصلحين،
أما الضجر والتهور فهو من أمراض الدعاة، ومن اتباع الهوى لا الهدى، ومن الاستعجال المذموم
كما حذر الله منه في قوله: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}، وكم من عجلة أدت إلى ندامة،
وكم من إقدام بلا حكمة أورد صاحبه موارد الهلاك بل وجر معه من لا ذنب له ولا مسؤولية، ففقه الدعوة يقوم على العلم والحلم والرفق والصبر،
فهي أركان الدعوة الصحيحة وحماها الذي يحميها - بإذن الله - من الزيغ والزلل في القول والعمل[/FONT]
[FONT=&]هذا وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [/FONT]