بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الأمين وعلى اله الطيبين الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مبارك عليكم الشهر . سالين الله تعالى ان يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم واعمالهم الصالحة وعنا معهم انه ولي ذلك والقادر عليه . امين
في الحقيقة
لقد اخترت ان اشارك بموضوع احسبه مهم لنا كمسلمين وهو ارتكاب المعصية او المعاصي من قبل بعض المسلمين . ثم المجاهرة بها امام الاخرين
ولا يدري الانسان ؟
هل هذة المجاهرة هي من باب التفاخر ام انها تؤكد بان من يقوم بهذا التصرف هو شخص يصر على تحدي توجيهات الله تعالى . لكل مسلم ومسلمة
وكما تعرفوا صاحبكم في الطرح . فهو عندما يطرح موضوعآ معينآ . يحرص على الشمولية قدرالمستطاع حتى تتضح ابعاد الطرح
لـــذا . فانني اعتذر عن طول الموضوع . لانه يستحق الاسهاب حتى نبين كل شي ان شاءالله
كما ان الهدف من الطرح هو اثراء الساحة العمانية . بمثل هذة المجهودات المباركة من جميع من شاركوا في هذا البرنامج القيم
والذي نجيرة لمراقبنا واخونا القدير ( ولد البدو ) فهو من مكنا من هذة المشاركة التي نرجوا من الله ان يوفقنا في الالمام بجوانبها
وحتى نستفيد منها في حياتنا المستقبلية بعد ان نتعرف على ( المعصية واضرارها على من يرتكبها سوى كان مسلم اومسلمة )
[ATTACH=CONFIG]124828[/ATTACH]
لا تنظر الى صغر المعصية ولكن انظر الى عظمة من عصيت
[ATTACH=CONFIG]124829[/ATTACH]
وهذة آية كريمة رتَّبت المعاصي ترتيب تصاعدي، فقال تعالى:
? قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ?
وأكبر معصية..
? وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)?
( سورة الأعراف )
فالإنسان قبل أن يقول كلمةً دون أن يتأكد منها يجب أن يراجع نفسه، فكم من كلمةٍ أضلَّت أُناساً كثيرين.
(( إن الرجل ليتكلم الكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار))
( من الجامع الصغير: عن " أبي هريرة " )
في السنة الصحيحة أن نفراً من أصحاب رسول الله كانوا في سفر، وقد أصاب أحدهم جنابةً، فسأل، فأشير عليه أن يَغْتسل، وبردٌ شديدٌ جداً، فاغتسل فمات،
فقال النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أشد حالات الغضب:
(( قتلوه قتلهم الله هل سألوا إذا لم يعلموا ))
( من زيادة الجامع الصغير: عن " جابر " )
فالإنسان قبل أن يدلي برأيٍ في أمور العقيدة، أو قبل أن يدلي برأيٍ في أمور الفِقه ينبغي أن يكون متأكِّداً،
فهنا الفواحش، الإثم، البَغْي، الشِرك، وفي رأس هذه الذنوب والكبائر..
? وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)?
الله عزَّ وجل في آيتين ، الأولى متعلِّقة بالدنيا، والثانية متعلِّقة بالآخرة قال:
? فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ(7)?
( سورة الأنبياء )
اسأل، والسؤال مفتاح العلم، ومن استشار الرجال استعار عقولهم. وفي أمور الآخرة
? فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59)?
( سورة الفرقان )
أنت أمام خبيرين: عالمٍ بالدنيا وعالِمٍ بالآخرة، فإذا أشكل عليك شيءٌ في أمر الدنيا فاسأل الخبراء المؤمنين،
وإن أشكل عليك شيءٌ في أمر الآخرة فاسأل به خبيرا. أما أن تقول بلا علم هذا شيء مخالف لهذا النص.
النقطة الثانية: أن الإسلام إيجابي وليس سلبي، أيْ أنا عندما أحرم نفسي من الطيّبات التي أُبيحَت لي، والتي سمح الله لي بها،
ليس هذا هو العمل الذي يرضي الله، العمل الذي يرضي الله هو أن أعمل، أن أُقَدِّم..
? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ?
( سورة الأعراف: من آية " 32 " )
من يحرم هذه ؟ هذا التحريم فيه نهي..
? قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ?
المؤمن مباحٌ له أن يأخذ من الطيّبات من دون إسرافٍ ولا مَخْيَلَة،
ولكن هي خالصة للذين آمنوا يوم القيامة، لهم وحدهم يوم القيامة، أما في الدنيا مباحٌ لهم أن يأخذوا منها بالقدر المعتدل المعقول،
فالإسلام ليس فيه حرمان، ولكن فيه تألق، فيه عطاء، أما أحرم نفسي من الشيء المباح تقرباً إلى الله عزَّ وجل !!
الله خلقه لك، خلق هذا الشيء لك كي تشكره عليه، ومن هنا ورد: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ".
فالإنسان مسموحٌ له أن يأكل، مسموح له أن يرتدي ثياب جميلة، مسموح له أن يتزوج، أن يسكن، أن يعمل، لكن ليس مسموحاً له أن يعصي الله عزَّ وجل..
? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ?
لهم. إن هذه الدنيا عرضٌ حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعدٌ صادق يحكم فيه ملكٌ عادل.
النقطة الثالثة: الإنسان يميل ليتهرَّب من المسؤولية، فإذا فعل شيئاً طيباً يعزوه إلى ذاته ؛ أنا فعلت، أنا درست، أنا اجتهدت، أنا تاجرت، أنا أسندت، لا يفتأ يقول أنا،
فإذا فعل معصيةً يقول: إن الله قدرها عليّ. هذا موقف فيه تناقض، الأمر الجيد الإيجابي يعزوه إلى ذاته،
أما إذا وقع بمعصية، زلَّت قدمه، غلبته شهوته، يعزوها إلى الله عزَّ وجل قال تعالى
? وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا?
( سورة الأعراف: من آية " 28 " )
أيْ إن الله قدرها عليه..
? قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ?
وكان فهم سيدنا عمر لهذه الآية رائع، عندما جيء له برجلٍ شاربٍ للخمر، قال:
ـ أقيموا عليه الحد.
قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدَّر عليَّ ذلك.
فقال: أقيموا عليه الحد مرَّتين: مرةً لأنه شرب الخمرَ، ومرةً لأنه افترى على الله،
وقال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
إذا فعل سيئة ليَتُب منها، وليستغفر ربه، ولا يقل: إن الله قدرها عليّ، لأن هذا افتراء على الله، الله عزَّ وجل لا يأمر بالفحشاء.
بحسب هذه الآية:
? يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ?
( سورة الأعراف: من آية " 26 " )
الحقيقة في الآية مَلْمح لك رائع، الإنسان الأمين قد تكون ثيابه رخيصة جداً،
ولكن يلبس ثوباً من أمانته، الأمانة ثوب، العفَّة ثوب، الصدق ثوب، الورع ثوب، العلم ثوب، العلم ثوب، لباس التقوى أن تكون مستقيماً على أمر الله هذا أفضل ثوب،
مهما بلغت في الأناقة، قد ترتدي ثياب بمائة ألف، قد تشتري أغلى ثياب في العالم، وقد ترتدي أجمل قمصان، وأجمل أحذية، لكن..
? وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ?
أنت لا تزهو بثيابك المادية ولكن عليك أن تزهو بثيابك الأخلاقية. هذه واحدة.
الشيء الثاني: الإنسان ينتقل من التعَرِّي مع التوحُّش، إلى ارتداء الثياب مع التَرَقِّي،
أما حينما تنتقل البشرية من الترقّي إلى التعري فهذه نكسةٌ نحو الوراء خطيرة، الإنسان الله عزَّ وجل كرَّمه باللباس،
طبعاً أكثر الحيوانات لها ريش، لها صوف، لها وَبَر، لها ما يَسْتُرَها،
لكن الإنسان خُلقَ عارياً، وهو في أبشع صورةٍ إذا كان عارياً، لكن الله كرَّمه بالثياب، فالآن الإنسان ينتقل من طَوْر الترقّي إلى طَوْر التوحُّش، يخلع عنه ثيابه،
وهذا شيء واضح جداً في المجتمعات المتفلِّتة..
? يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)?
كلمة دقيقة نسوقها لكم: لا يوجد أحد الآن قابض الشيطان، يظنها أشياء من التُراث، الشيطان موجود، وهو يوسوس للمؤمنين، وهو وراء أكثر مُشكلات الناس، الشيطان موجود في القرآن بمئات الآيات، فالإنسان يتجاهل الشيطان، الشيطان يوسوس، والشيطان يدمِّر، والشيطان يغلق، والشيطان يفسِد، والشيطان يفرِّق،
والشيطان يخوِّف، فالشيطان موجود، ففي هذه الآية ربنا عزَّ وجل بيَّن لنا مداخله على الإنسان:
? قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)?
( سورة الأعراف )
فالإنسان الغرقان بالفسق والفجور ليس لديه مشكلة مع الشيطان، مرتاح،
ولكن عندما يتوب إلى الله عزَّ وجل ويلتحق بالمسجد، تأتيه الوساوس، من خلق الله ؟ تأتي الوساوس: الإنسان مخيَّر أو مسيَّر. فهذه الخواطر لم تأتك من قبل،
عندما كان الإنسان غارقاً في المعاصي لا يوجد عنده ولا خاطر مزعج،
فلما سلك طريق الإيمان بدأت هذه الخواطر، الحقيقة هذا موقف للشيطان..
? لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)?
بمعنى حينما يَشْرَعون أن يسلكوا صراطك المستقيم أن أنتظرهم، فشيء طبيعي جداً عندما يتوب الإنسان إلى الله، تأتيه الوساوس ما أنزل الله بها من سلطان،
شيء طبيعي جداً، لا يقلق، فالإنسان عليه أن ينتصر، ليست البطولة أن تنجو من الوسواس، ولكن البطولة أن تنتصر عليه.الآن:
? ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ?
( سورة الأعراف: من آية " 17 " )
في عندنا ست جهات:
يمين يسار، أمام خلف، فوق تحت، الشيطان مسموح له بأربع جهات،
والجهة نحو السماء ممنوعٌ منها،
إنك إن اتَّجهت إلى الله لا يمكن أن يأتيك شيطان، وحينما تفتقر إلى الله، هذه الجهة الأرضية، أيضاً أنت في حرزٍ حريز، بالتذلل والافتقار لا يوجد شيطان،
وبالإقبال على الله ليس هناك شيطان، بقي أربع جهات:
? لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ?
بدعوى الحداثة، والتقدم، والعلم، والأجهزة الحديثة، كل شيء حديث يتناقض مع الدين يروجه الشيطان،
يقول لك: أنت أين عايش ؟ أنت عايش وراء العصر، ألم تشتري هذا الجهاز بعد ؟! إذا في جهاز مُفْسِد يفسد الأسرة، الشيطان يحضك على شرائه،
لأنه أنت أين عايش؟ أنت تصبح متخلف، كيف تعيش ولا يوجد عندك هذا الجهاز ؟ هذه وسوسة من الشيطان، لأن هذا الجهاز سيدمر الأسرة، هذه من بين أيديهم،
كل شيء حديث، مفسد، يتناقض مع الدين الشيطان يروجه لك.
وكل شيء بالتراث، والتقاليد، والعادات يتناقض مع الدين، يقول لك: تراث الأمة، هكذا الآباء، هكذا الأجداد، هكذا جدي علَّمنا، هذه خلاف الأصول.
أنا لا أقبل شيء من التقاليد إذا كان مناقض للدين، ولا أقبل شيء من الحداثة إذا كان مناقض للدين،
فالشيطان يركز على الحداثة المناقضة للدين، والتقاليد المناقضة للدين..
? مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ?
يدخل بالوسوسة، أحياناً الإنسان بوضوئه يتوسوس، بغسله يتوسوس، يدخل في متاهات عديدة، وإذا كان الإنسان مع الشيطان تجده يكبِّر الصغائر، قضية خلافية صغيرة جداً يكبرها ويجعلها مشكلة، ويشق صفوف المسلمين، هل من الممكن أن يتقاتل المسلمون من أجل عدد درجات المنبر؟ هل هذا ممكن ؟ ممكن، وقد كان هذا في البلاد في شرق آسيا، مذابح من أجل أشياء جزئية جداً، وكلما رأيت إنسان يقاتل من أجل قضية صغيرة جداً، ويكبرها، ويجعلها مشكلة، ويشق صفوف المسلمين، ويكفِّرهم، ويتهمهم بالشِرك لأسبابٍ ضئيلةٍ جداً، فاعلم أن هذا مع الشيطان، لأن هدف الشيطان الأكبر أن يشرذم المسلمين.
إذاً عن أيمانهم: نأخذ قضية صغيرة جداً نكبرها، ونكبرها إلى أن نجعلها هي الدين، ونقيِّم الناس في ضوئها، ونكفِّر، ونتَّهم بالشرك، من أجل قضية لا تعدو أن تكون جزئية في الدين، الأكمل أن نطبِّقها، لكن ليس من المعقول أن تكون هي قضية بحد ذاتها. هذه عن أيمانهم، نكبر قضايا، ونجعلها أساسية، ونشق صفوف المسلمين من أجلها..
? وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ?
نأمر بالمعاصي، فعن شمائلهم المعاصي والآثام، وعن أيمانهم إحداث بلبلة بين المسلمين، إحداث تعميق الخلافات، ففي النهاية تجد المسلمون مليون فرقة، مليون طائفة، وكلهم يعادي بعضاً، هذا من فعل الشيطان، ما هم عليه الآن. تجد بقضايا الصيام فرق بأكملها هؤلاء يصومون يوم الخميس، هؤلاء الجمعة، وهؤلاء الأربعاء،
هذا جهل، في قضية صغيرة جداً أنت يجب أن تصوم تسعة وعشرون يوماً أو ثلاثين يوم، يجب أن تعمل مشكلة، يجب تفسق فئة، وتكفر فئة، وتصوِّب فئة من أجل أن تبدأ بيوم رمضان،
يجب أن نعيد عيد أضحى خلاف عرفات، ليس لها علاقة عرفات، هناك من يثبت يوم العيد خلاف يوم عرفات،
نحن ما رأينا الهلال، أرأيت هذه القضايا الصغير يكبروها ليعملوا منها مشكلة، وليعملوا منها شرخ للمسلمين،
وكثير الآن من المحطات الفضائية همها الأوحد شق صفوف المسلمين، يجب أن نأتي باثنين ضد بعضهم، ويتقاتلوا، ويتخاصموا، ويسبوا بعضهم.
? وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ?
المعاصي والآثام..
? مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ?
الحداثة، والتقدم، والعصرنة، وما إلى ذلك، والعلمانية..
? وَمِنْ خَلْفِهِمْ?
التقاليد، وتراث الآباء والأجداد. إذاً هذه مداخل الشيطان، ممنوع أن يكون في الجهة العلوية، في الإقبال على الله وفي التذلل له ممنوع الشيطان،
لكن مسموح له أربع جهات، بكن فخذوا حذركم أيها المؤمنين. أحياناً الإنسان وهو لا يدري ينطق بلسان الشيطان دون أن يشعر. الآية الدقيقة.
? فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ?
( سورة الأعراف )
الوزن هو الحق، فإذا أنت ميزانك في الدنيا غير الحق، فهذه مشكلة كبيرة، في صعق، يوم القيامة أنت وازن الأمور بميزان ثم واجهت ميزان آخر، فبطولتك أن يتوافق ميزانك مع ميزان الشرع، يمكن الآن يعد الإنسان في ميزان الدنيا ذكياً إذا حصَّل مالاً كثيراً من طريقٍ مشبوه، يقول لك: دبَّر حاله، ركَّز وضعه. ولكن كيف ركَّز وضعه ؟ هذا مال حرام، بميزان أهل الدنيا من الممكن أن تكون متفوق إذا حصلت مالاً كثيراً، ممكن أن تكون متفوق إذا بنيت مجدك على أنقاض الناس، ويحترمُك الناس، أما بميزان الآخرة هناك مشكلة كبيرة، فكل بطولتك أن يأتي ميزانك مطابقاً لميزان الشريعة.
وهذه نقطة مهمة على أساس أن الإنسان إذا آمن بالآخرة يصح ميزانه، فإذا واحد آمن بالآخرة أنه سيسأل عن ماله من أين اكتسبته وفيما أنفقته، فجعل دخله حلالاً، عندما جعله حلال، قل دخله، فصار دخله محدود، يأتي إنسان ما عبأ بالدين ؛ جعل ميزانه دنيوي، فجعل تفوّقه بجمع أموالٍ طائلة من طريق غير مشروع، هذا بميزان الدنيا متفوق، أما عند الله ساقط، ساقط من عين الله عزَّ وجل، الإنسان متى يتفوق ؟ إذا جعل ميزانه ميزان للآخرة، فقبل أن يقول كلمةً، قبل أن يفعل شيئاً، قبل أن يأمر، قبل أن ينهى، قبل أن يصل، قبل أن يقطع، يتحرك وفق ميزان الآخرة، فهنا:
? وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)?
1- للذنوب أسباب كثيرة منها ضعف الإيمان.
المعاصي والكبائر إنما تحل بالقلب إذا ضعف الإيمان.
قال ابن الجوزي: مجلس الذكر مأتم الأحزان، هذا يبكي لذنوبه، وهذا يبكى على عيوبه، وهذا يبكي على فوات مطلوبه، وهذا يبكي على إعراض محبوبه.
إذا كان أهل الدنيا أكبر همهم كيف يحصلون شهوات الدنيا، وكيف يصلون إلى أعلى المناصب فيها،
فأهل الإيمان أكبر همهم كيف يستقيمون على طاعة الله عز وجل، وكيف يتوبون من الذنوب وكيف يصلون إلى رضا علام الغيوب. وغفار الذنوب،
فليس في الدنيا والآخرة عباد الله شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما هي عباد الله أسباب كثرة الذنوب والمعاصي؟
وكيف نفطم النفس عنها؟ ونتوب إلى الله عز وجل منها؟
ونذكر من ذلك بحسب الاجتهاد لا الحصر والقطع خمسة أسباب،
نظن أنها من أكثر الأسباب الدافعة إلى معصية الله عز وجل.
السبب الأول: ضعف الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر.
السبب الثاني: الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، وأمره ونهيه.
السبب الثالث: الغرور والأماني.
السبب الرابع: كثرة الفتن، وكثرة الشبهات والشهوات.
السبب الخامس: كثرة مخالطة الفاسقين وعدم الفرار بالدين.
سبب الأول لكثرة الذنوب والمعاصي وهو ضعف الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر،
فلا شك في أن الإيمان إذا ضعف لا يقوى على دفع العباد عن معصية الله عز وجل، ولا يقوى على دفعهم إلى طاعة الله عز وجل.
قال النبي : ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ))
فمن أهمل شجرة الإيمان في قلبه إذا أقبلت رياح الشبهات أو الشهوات تكاد تقلعها من جذورها، والزاني والسارق وشارب الخمر إذا علم حرمة هذه الكبائر،
واعترف بأنه عاص بفعلها لا يكون كافرا عند أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج،
ولكنه وقت المعصية ضعف الإيمان جدا في قلبه، فتجرأ على هذه الكبائر.
لما أتى النبي بالرجل الذي كان يشرب الخمر فلعنه أحد الصحابة قال النبي : ((لا تلعنه إنه يحب الله ورسوله )) ([2]).
فأثبت النبي له محبة الله ورسوله مع أنه يشرب الخمر ولا شك في أن الذي لا يفعل هذه المعاصي أكثر حبا لله عز وجل ولرسوله ممن يفعلها.
فمهما تكامل إيمان العبد أحب أسباب الإيمان، وكره الكفر والفسوق والعصيان.
قال بعض السلف: إني لا أحب أن أعصي الله.
أي لا تأتي معه جوارحه إلى معصية الله عز وجل.
فمقتضى كمال الإيمان أن يحب العبد طاعة الله عز وجل، وأن يبغض معصية الله عز وجل،
قال رسول الله : (( ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا ، وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا ))
وقال : ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار))
فما هي الأسباب التي يتقوى بها الإيمان؟
السبب الأول: هو معرفة الواحد الديان فمهما ازداد علم العبد بالله عز وجل يزداد حبا لله عز وجل، وخشية من الله عز وجل، وتوكلا على الله.
قال النبي : ((أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية))
قال الله عز وجل: إنما يخشى الله من عباده العلماء
قال عبد الله بن مسعود: كفى بخشية الله علما، وكفى باغترار بالله عز و جل جهلا.
قيل للإمام الشعبي: يا عالم فقال: إنما العالم من يخشى الله.
فكلما ازداد علم العبد بربوبية الله عز وجل وأسمائه وصفاته وإلهيته يزداد إيمانا بالله عز وجل، ولذا كان أول واجب على المكلف معرفة الله عز وجل.
قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات:56].
وقال تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك [محمد:19].
السبب الثاني: معرفة النبي : قال تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة [سبأ:46].
وقال تعالى: أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون [المؤمنون:69].
فمعرفة النبي ، وما جبله الله عز وجل عليه من المحاسن والفضائل، وما نزهه الله عنه من القصور والرذائل، وكذا معرفة سيرته ، وكيف أنه لم يغدر مرة واحدة، ولم يكذب ولم يخن، ولم يخلف وعده.
وكان النبي أحسن الناس، وأشجع الناس، وأصدق الناس، وأكرم الناس، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، كل ذلك مما يزيد إيماننا بصدقة، وكذا معرفة معجزاته ، كحنين الجذع، ونبع الماء من بين أصابعه، وانقياد الشجر له ، وتسليم الحجر عليه، وانشقاق القمر لإشارته، وأكبر معجزاته القرآن المبين، فهو المعجزة الباقية إلى يوم الدين.
السبب الثالث: هو الإكثار من النوافل بعد استكمال الفرائض كما في الحديث القدسي: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ))([6]).
السبب الرابع: أن يعيش العبد في أجواء إيمانية وأن يتنفس هواء الإيمان فحضور دروس العلم، ومجالسة الصالحين، وتشييع الجنائز، وعيادة المرضى، والتردد على الأماكن المقدسة للحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي، لا شك في أنه يزيد الإيمان ويقرب إلى الواحد الديان.
السبب: التفكر في مخلوقات الله عز وجل قال تعالى: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب [آل عمران:190]. وقال تعالى: وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون [الذاريات:20-21].
وكان السلف رضي الله عنهم يفضلون تفكر ساعة على قيام ليلة لأن التفكر ساعة قد يثمر في القلب إيمانا أكثر من قيام ليلة.
وسئلت أم الدرداء عن أكثر عبادة أبي الدرداء فقالت: كان أكثر عبادته التفكر.
السبب السادس: معرفة محاسن الإسلام فمهما تدبر المسلم دين الإسلام وجده يأمر بكل خير وبر وصلاح،
وينهى عن كل فاحش وقبيح من الأقوال الأفعال.
يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات [المائدة:4].
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف:33].
السبب السابع : وهو تدبر القرآن قال تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء:82]. فمهما تدبر العبد القرآن علم أنه كلام الله عز وجل ، وقصصه ، وتنزيله ، فمن علامات الإيمان الصادق أن يزداد العبد إيمانا بسماع كلام الله عز وجل قال تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون [الأنفال :2].
وقال تعالى: وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون [التوبة:124-125].
السبب الثامن: المشاركة في الدعوة إلى الله عز وجل ، فدين الله عز وجل هو الروح الذي لا حـياة بدونه، وهو النور الذي من التمس الهدي في غيره أضله الله عز وجل، قال عز وجل:
أو من كان ميتا فأحييناه وجعنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها [الأنعام:122] ، وقال تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [الشورى :52].
فمن أحيا قلوب الناس بدين الله عز وجل وبالدعوة إلى الله عز وجل أحيا الله شجرة الإيمان في قلبه، ونضر قلبه وجوارحه، قال النبي : ((نضر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورُب حامل فقه إلى من هو أفقه منه))([7]).
قال سفيان بن عيينة: لا نجد أحدا من أهل الحديث إلا وفي وجهه نضرة، لدعوة رسول الله .
السبب التاسع: من أسباب زيادة الإيمان أن يطهر العبد قلبه من الحسد والغش والبغضاء للمؤمنين، فإن الشجرة الطيبة شجرة الإيمان قد يخالطها نبت رديء، فلا بد من تنقية الشجرة حتى تثمر الثمرات الطيبة اليانعة، ومهما أهملت الشجرة لا تبلغ الثمرة نضجها وكمالها، فنسأل الله عز وجل أن يبارك في شجرة الإيمان في قلوبنا، وأن يمتعنا بالإيمان حتى نلقاه به.
اسباب وقوع الانسان فى المعاصى
الغفلة عن الهدف
إن من أشد أسباب الجرأة على المعصية: عدم إدراك المرء للهدف الذي خلقه الله عز وجل من أجله، والغاية التي ينبغي أن يعيش من أجلها.
وكثير من الناس تجد أهدافهم محصورة وقاصرة على الدنيا وعلائقها، كل همهم في الحياة إشباع شهواتهم، وإرضاء نزواتهم، والبعض لا يعلم له هدفًا أصلاً،
وإنما يعيش في هذه الحياة هملاً كما يعيش الحيوان، لا يعلم لِمَ خُلق، ولا لِمَ يعيش.
وقد حدد الخالق سبحانه وتعالى للإنسان هدفه وغايته، فقال عز وجل: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون".
إذن، فهدف الإنسان وغايته التي ينبغي أن يعيش من أجلها، هي عبادة الله عز وجل وحده، بالمفهوم الشامل،
وبكل ما تحمله كلمة العبادة من معانٍ صحيحة، وهي التي عرَّفها لنا العلماء بقولهم: (إن العبادة هي كل ما يرضاه الله عز وجل من الأقوال والأفعال، الظاهرة والباطنة).
فكل قول باللسان، وكل فعل بالجوارح، وكل شعور وإحساس ظاهر أو باطن، ينبغي أن يُوجَّه لله عز وجل، ويتحول إلى عبادة له سبحانه وتعالى،
ويعني ذلك دمج كل الأهداف والغايات المحصورة والقاصرة في هذا الهدف الأكبر، وهذا الدمج يعطي لها امتدادًا ورفعة وسموًّا، يربط الإنسان بخالقه عز وجل.
ضعف الإيمان
لا شك في أن ضعف الإيمان بالله عز وجل وباليوم الآخر سبب كبير للإقدام على المعصية، فالعبد يعصي لأنه يحب شيئًا لا يحبه الله أو يبغض شيئًا يحبه الله، أما الإيمان الكامل فيجعل العبد يحب ما يحبه الله عز وجل ويبغض ما يبغضه الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حَتَّى يكُونُ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِه".
والإنسان ساعة المعصية لا يرى الله عز وجل، ولا يرى ثواب المطيعين ولا عقاب العاصين، إنه لا يرى إلا لذة الذنب وتزيين الشيطان له، فهو كالعصفور الذي يرى الحب في الفخ، ولا يرى الفخ الذي فيه هلاكه، فيقتحم مُسرعًا فيهلك والعياذ بالله.
3 - الجهل بالله عز وجل وأمره ونهيه وثوابه وعقابه:
إن الجهل هو السمة المميزة للمجترئين على معصية الله عز وجل؛ لأنهم لو عرفوا ربهم معرفة صحيحة لأحبوه وعظموه وأطاعوا أمره، وعلموا أنه سبحانه وتعالى أهل لأن يُتَّقَى، ولو تعلموا دينهم وشرعهم لوجدوا بغيتهم وسعادتهم فيه،
ولو علموا ثواب الله عز وجل وعقابه لرغبوا في الثواب وخافوا من العقاب.
وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين رفع العلم وثبوت الجهل وظهور المعاصي في آخر الزمان،
فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزنى".
وقال ابن القيم رحمه الله: إن النفوس الجاهلة التي لا علم عندها قد ألبست ثوب الذل والإزراء عليها والتنقص بها أسرع منه إلى غيرها.
وسوسة الشيطان
إن الشيطان هو العدو الأول للإنسان، فهو لا يهنأ ولا يهدأ له بال حتى يستدرج الإنسان إلى المعصية، وهو كما أخبر صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم في العروق".
والشيطان -لعنه الله- يسير معك ويستدرجك خطوة خطوة، ويقتحم بك عقبة عقبة، لا يكل ولا يمل،
فقد قطع العهد على نفسه بذلك.
ولقد حدد ابن القيم -رحمه الله تعالى- ثلاث جهات يدخل منها الشيطان على العبد:
الإسراف في المباحات، والغفلة عن ذكر الله، وتكلُّف ما لا يعنيه.
الاغترار بعفو الله
كثير من الناس يقضي عمره يجمع المعاصي والسيئات، ومع ذلك يتعلق بحبال الأماني، وعنده أمل في أن يدخل الجنة بغير حساب، أو لا تمسه النار إلا أيامًا معدودة.
وتجد هؤلاء يتعلقون بأن الله عز وجل غفور رحيم، وأنه يتجاوز عن السيئات ويعفو ويصفح ويغفر،
وينسون أن الله عز وجل كما أنه غفور رحيم لمن تاب وأناب،
فهو سبحانه وتعالى منتقم جبار لمن عصى واستكبر.
وقد قال عز وجل في سورة الحجر: "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ".
القنوط من رحمة الله
إن بعض العصاة يستعظمون ذنوبهم، وييأسون من إمكانية غفران الله عز وجل لهم؛
وذلك لأنهم أفنوا سنوات طويلة من أعمارهم غارقين في الرذيلة،
لا يتورعون عن حُرمة، مضيعين للفرائض، متبعين للشهوات، متعدين للحدود!!. فيظن الواحد من هؤلاء أنه هالك لا محالة، وأنه سيدخل النار حتمًا، فيجعله هذا الاعتقاد يستمر في عصيانه، ويترك قياده للشيطان يجره حيث شاء!!.
ولقد نسي هذا وأمثاله أن مغفرة الله عز وجل أوسع وأكبر من ذنوبهم وإن كثرت، وأن رحمته سبحانه وتعالى لا تضيق يومًا بخطاياهم وإن تفاقمت، فقد قال عز وجل في سورة الزمر: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم". إن الخوف من الله عز وجل مطلوب، ولكن المبالغة فيه قد تنتهي بالإنسان إلى اليأس من روح الله، والقنوط من رحمته.
الاحتجاج بقدر الله
من الناس من يقول: ما دام كل شيء بقدر الله، فإن الله إذا شاء أن يهديني اهتديت وأقلعت عن المعصية،
وإن لم يشأ أن يهديني فلن أهتدي!!.
وهذه حجة باطلة لا يُقصَد بها إلا الهروب من مواجهة النفس بالحقيقة، فإن الله عز وجل الذي أخبرنا أن كل شيء خلقه بقدر، هو نفسه سبحانه وتعالى الذي أمرنا بطاعته ونهانا عن معصيته، ووعدنا الجزاء الأوفى يوم القيامة.
ولو أن هذا المتكاسل عن العبادة النشيط في المعصية، قيل له: لا تستذكر دروسك، ونم طول العام، ولو قُدِّر لك النجاح ستنجح، أو إذا مرض قيل له: لا تذهب إلى الطبيب ولا تأخذ دواءً، ولو قُدِّر لك الشفاء ستُشفى، لو قيل له ذلك لهب قائلاً: إن كل نتيجة لها سبب يؤدي إليها، ولا بد من الأخذ بهذا السبب لتحقيق هذه النتيجة، فالاستذكار سبب لحصول النجاح، والتداوي سبب لحصول الشفاء**!!.
لماذا نحتج بالقدر في أمر الدين والآخرة، ونأخذ بالأسباب ونجتهد في أمور الدنيا؟!.
الاحتجاج بحسن النية
كثير من الناس يحتجون على انحرافهم ومعاصيهم، وتقصيرهم في القيام بفرائض الإسلام، بحسن نواياهم، وأن الله سبحانه وتعالى رب قلوب، وأنه طالما أن القلب سليم، والنية صالحة فلا تضر المعصية، ولا يضر ترك الفريضة!!.
وقد تضافرت النصوص الشرعية التي تأمر بإصلاح الباطن، مع النصوص الشرعية التي تأمر بإصلاح الظاهر، وبالعبادات والتكاليف الظاهرة، وعلى المسلم أن يجمع بين هذه النصوص وتلك، فيصلح ظاهره وباطنه معًا، فأنت مطالب بإصلاح الاثنين، الظاهر والباطن، وليس أحدهما فقط. يقول عز وجل في سورة الأنعام: "وذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وبَاطِنَهُ إنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ". وقديمًا قالوا: الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
طول الأمل
طول الأمل معناه أن يعتبر الإنسان أن الحياة ستمتد معه وتطول، وأن الموت لا يزال بعيدًا، وأن في العمر متسعًا لمزيد من اللهو والغفلة، والسير في ركاب الشيطان.
وطول الأمل يجعل الإنسان غافلاً عن حقائق كثيرة، وغفلته عن هذه الحقائق لا يجعلها أوهام، ولا يعفيه من التعرض لها، فإنها ستظل حقائق سواء صدَّق بها أو كذَّب، تذكرها أم غفل عنها. فمن هذه الحقائق: حقيقة الموت، وحقيقة الحياة في القبر في عذاب أو في نعيم، وحقيقة البعث يوم النشور، وحقيقة العرض على الملك الجبار، والسؤال عن القليل والكثير، وحقيقة المرور على الصراط، وحقيقة الخلود، إما في جنة عرضها السموات والأرض، وإما في نار وقودها الناس والحجارة. ومن هذه الحقائق أيضًا: حقيقة ضمان الرزق والأجل، وحقيقة حقارة الدنيا وهوانها على الله عز وجل.
حب الدنيا
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "حُبُّ الدُّنيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَة"، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى".
وقال يحيى بن معاذ: الدنيا خمر الشيطان، من شربها لم يفق إلا بين عساكر الموتى، نادمًا بين الخاسرين، قد ترك منها لغيره ما جَمَع، وتعلق بحبل غرورها فانقطع، وقدم على من يحاسبه على الفتيل والنقير والقطمير، فيما كُتِبَ عليه من الصغير والكبير، يوم تزل بالعُصاة القدم، ويندم المسيء على ما قدم.
اتباع الهوى
يقول صلى الله عليه وسلم: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ". ويقول أيضًا: "ثَلاثٌ مُهْلِكَات: شُحٌّ مُطَاعٌ، وهَوًى مُتَّبَعٌ، وإعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ".
وقال السلف: إنما سُمِّي هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار. والهوى يدعو إلى تحصيل اللذة الحاضرة من غير تفكير في العاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلاً، وإن كانت سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الآجل.
اقتحام الشبهات
والشبهات هي الأمور المختلطة التي لا يعلم كثير من الناس، أحلال هي أم حرام، وقد قيل: الشبهة أخت الحرام. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَن اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ".
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا طرق وأسباب معصيته،
وأن يهدينا إلى طريق طاعته وتقواه، وأن يبلغنا رضاه.. اللهم آمين
تعريف الصبر
أيها الإخوة الكرام، يمكن أن يعرف الإيمان بكلمة واحدة: إنه الصبر، لأن الله أودع في الإنسان الشهوات، وبإمكانه من خلالها أن يفعل كل شيء، لكن الله سمح له بأشياء، وحرم عليه أشياء، فحينما يضبط نفسه، ويتحرك في المساحة المسموح بها يكون مؤمناً، وحينما يتحرك من دون قيد أو شرط يكون كافراً، إذاً الإيمان هو الصبر.
الضبط بحث في علم النفس، يوضح هذا البحث الفرق بين الحيوان والإنسان، أيضاً في الحيوان شهوات، عند الحيوان المؤثر يقتضي الإجابة الفورية، كيف ؟ ضع أمام قطة قطعة لحم تجد استجابة فورية في أكلها، تملكها، لا تملكها، يجوز، لا يجوز، لعلها تحرج صاحب هذه اللحمة، مادام هناك طعام تشتهيه فلابد من أن تأكله، الحيوان تضربه فيضربك، لكن أحياناً الأب يضرب ابنه، والابن يبقى واقفاً، لعله يضرب صديقه لو ضربه، أما لو جاء الضرب من قِبل الأب يبقى في مكانه من دون أن يتحرك، الأمثلة كثيرة جداً، فالفرق بين الحيوان والإنسان أن في الحيوان مؤثر الاستجابة، والإنسان مؤثر تفكير استجابة، هذا ينقلنا إلى أن الإنسان أيضاً عنده شهوات، وهناك مؤثرات، لكن الإرادة التي هي قرار يلي المحاكمة، الإرادة تصميم على شيء تصميم على الامتناع، أو على الإقبال، القرار الذي يلي المحاكمة هو الإرادة.
أنواع الصبر
أسباب الصبر عن المعصية، هناك صبر على الطاعة، أنت حينما تصلي عشرين ركعة هذا شيء متعب، إنك تصبر، وأنت في الصلاة، والأقرب إلى الراحة أن تبقى في البيت
هناك صبر على الطاعة، هناك صبر عن المعصية، وهناك صبر على قضاء الله وقدره، فأنواع الصبر ثلاثة.
بنود المحاكمة التي تسبق قرار الابتعاد عن المعصية
الحديث اليوم عن الصبر عن المعصية، المحاكمة التي تسبق قرار الابتعاد عن المعصية ما بنودها ؟
علم العبد بقبحها و دناءتها
لأن القاعدة الأصولية أن الحسن ما حسنه الشرع، وأن القبيح ما قبحه الشرع، ولو ما أعجبك القبيح، ولم يعجبك الحسن، لأن هذا الشرع من عند خالق السماوات والأرض، ومن عند الخبير، وهو أعلم منك بأسباب سلامتك وسعادتك، فالمؤمن مستسلم لله عز وجل.
أضرب على هذا مثلاً دقيقاً: أن عالماً من دمشق ذهب إلى أمريكا، والتقى بمسلم حديث عهد بالإسلام، لكن من أساتذة الجامعات المتفوقين، وطُرح موضوع الخنزير، وهذا العالم الدمشقي جزاه الله خيراً تحدث ساعة وزيادة عن مضار لحم الخنزير، وعن الدودة الشريطية، وعن، وعن... فكان جواب هذا العالم: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه، أنا لا أحتاج لكل هذه التفاصيل، لأن الذي حرمه هو الخالق، ببساطة بالغة أنت مع طبيب تقرأ على لوحته بورد، يحمل البورد، لا تفكر أن تناقشه، لا تفكر أن تعترض عليه، لأنك واثق من علمه، فإذا حرم الله عليك شيئاً كمؤمن لا تحتاج إلى تعليلات، لأن هذا من عند الخبير، قال تعالى:
? وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ?
[ سورة فاطر: الآية 14]
إذاً حينما تعلم أن هذا الشيء محرم، وأن الله ما كان ليحرمه إلا لأنه يفسد عليك سلامتك وسعادتك، ولك ثقة بالله عز وجل تستجيب.
بالمناسبة، هذا الذي لا يقدم على شيء، أو لا يدع شيئاً إلا إذا علم الحكمة منه هذا لا يعبد الله، يعبد ذاته، لذلك قالوا: علة أية أمر أنه أمر.
تصديق سيدنا الصديق لرسول الله حينما قيل له: " إنه عرج إلى السماء قال: إن قال هذا فقد صدق ".
هناك جزء في حياتنا أساسه الثقة، ألا تثق أن هذا القرآن كلام الله ؟ أثق، ألا تثق أن الله هو الخير المطلق والرحمة المطلقة ؟ أثق، إذاً مادام الله قد حرمه انتهى الأمر، قال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله قد حرمه.
العلاقة بين الشيء المحرم ونتائجه علاقة علمية
فحينما يحرم الله شيئاً يجب أن تعلم أن العلاقة بين الشيء المحرم ونتائجه علاقة علمية، معنى علاقة علمية أيْ علاقة سبب بنتيجة، أنا حينما أمنع ابني أن يجلس على مقعد معين فهذا المنع وضعي، المقعد أعد للجلوس، لكنني لسبب أو لآخر منعته على أن يجلس على هذا المقعد بالذات، فإذا جلس فقد عصاني، لكن العلاقة بين المعصية وبين النتيجة ليست علمية، إنما هي وضعية، جلس على مقعد أعد للجلوس، لكن الأب منعه، فلما جلس عاقبه، فالعلاقة بين العقوبة والجلوس ليست علاقة علمية، بل هي علاقة وضعية، الأب وضع هذه القاعدة، أما حينما يضع الابن يده على المدفأة، وهي مشتعلة تحترق اليد، نقول: العلاقة بين وضع اليد واحتراقها علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، أنت حينما توقن أن العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة تستسلم لله عز وجل.
الحياء من الله
فإن العبد متى علم أن الله ينظر إليه، وأنه بمرأى ومسمع، وكان يستحي من ربه، يستحي أن يعصيه، والله مطلع عليه هذا سبب آخر.
علمه اليقيني أن المعاصي تزيل النعم
أنت حينما تعصي الله كأنك تطلب من الله أن يزيل عنك النعم، وهذا المعنى ورد بآية قرآنية، قال تعالى:
? رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ?
[ سورة سبأ: الآية 19]
معنى ذلك أن تكون المسافة بين البلدين مسافة طويلة، لا نبات، ولا شيء من هذا القبيل، أحيانا تنتقل مثلاً من بلد إلى بلد، لكن الطريق كله أخضر، وكله أكمات، وكله أشجار، وكله أنهار، لا تشعر أن المسافة طويلة، أما حينما تنتقل فرضاً من حمص إلى دمشق غير انتقالك من طرطوس إلى اللاذقية، يوجد فرق كبير.
رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ?
يعني يا رب امحق بلادنا، يا رب اجعل بلادنا جرداء، هل في الأرض قوم يدعون بهذا الدعاء ؟ ما معنى الآية إذاً ؟ أنت حينما تعصي الله كأن لسان حالك يقول: يا رب دمرني، يا رب أزل عني النعم، يا رب امحقني، يا رب أفقرني، يا رب عاقبني، لسان حالك هكذا، إذاً السبب الثالث أن المؤمن يوقن أن المعاصي تزيل النعم، قال تعالى:
? لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً?
[ سورة الجن: الآية 16]
? وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ?
[ سورة المائدة: الآية 66]
قال:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
خوف الله وخشية عقابه
إن لكل سيئة عقاباً، حتى إن بعض الشباب ممن تتلمذ على بعض الشيوخ، وقد أعلمه شيخه أن لكل سيئة عقاباً، فلما زلّت قدمه بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب، لم يحدث شيء، مضى أسبوع، وأسبوعان، ثم ناجى ربه فقال: يا رب، لقد عصيتك فلم تعاقبني ؟ قيل: وقع في قلب هذا الشاب: أنْ يا عبدي قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟
أنت حينما تكون في طاعة فالطريق إلى الله سالك، والخط ساخن، والخط مفتوح دائماً، أما حينما تعصي الله فالطريق إلى الله مسدود، والخط غير ساخن، ومقطوع، وما قيمة جهاز هاتف غال جداً، لكن بلا خط هاتفي، لا قيمة له إطلاقاً، فالإنسان حينما يعصي الله يقطع العلاقة بينه وبين الله.
حدثني أخ زار هولندا، وتصفح مجلة رأى فيها إعلانًا لهاتف خلوي، أن رجل دين تشع الأنوار من رأسه موصول بالله مرت فتاة متبذلة، فأحدّ النظر فيها، فأطفأت أنواره، ثم قيل له: بهذا الخط تعيد الاتصال مع الله، هذا كإعلان، لكن الإنسان حينما يعصي الله ينقطع، ويصبح خطه مع الله مقطوعاً، وطريقه إلى الله غير سالك، إذاً السبب الرابع خوف الله وخشية عقابه.
السبب الأقوى لترك المعاصي حب الله
الذي يحب الله عز وجل، والذي يسوق نفسه إلى بابه بدافع الحب هذا أعلى من الذي يسوق نفسه إلى بابه بدافع الخوف، لأن العلاقة التي أرادها الله بين العباد ورب العباد علاقة حب، لذلك الله عز وجل قال:? لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ?
[سورة البقرة: من الآية 256]
لا يريدك إلا أن تأتيه طائعاً، أن تأتيه محباً، أن تأتيه بمبادرة منك، لأنه يحبهم، ويحبونه، أراد الله أن تكون العلاقة بينه وبين عباده علاقة حب، فالذي يعصي الله يعبر عن عدم حبه لله، فحينما تنعقد صلةُ الإنسان بالله يخشى على هذه الصلة أن تنقطع، هو يستقيم لأنه يحب الله، هذا الذي أحب فتاة سواء قيس لبنى أو مجنون ليلى، يحبها وبعيره يحب ناقتها من شدة محبته لها، يضاف إلى هذا البند أن المحبة وحدها لا تكفي، بل لابد من أن تقترن بإجلال المحبوب، فقد يحب الإنسان ابنه الصغير، لكنه لا يجله، ينبغي أن تقترن محبة الله عز وجل بالإجلال، جل جلاله.
بالمناسبة، أنت في علاقاتك الاجتماعية قد تجد إنساناً تحبه، ولا تجله، أو إنسان له والدة يحبها حباً جماً، لكنها غير متعلمة، هو معه دكتوراه، فيحبها، ويتمنى رضاها، وهو في خدمتها، لكنه يعلم أن أفقها ضيق جداً.
مرة امرأة ما صدقت أن الإنسان صعد إلى القمر، الدليل أن حجمه صغير جداً، لا يتسع لإنسان، هكذا ثقافتها، إنسان ألقى درساً في المسجد، وظن أن حبل السرة فيه هواء يتنفس الجنين عن طريقه، فالإنسان أحيانا يكون أفقه محدودًا، ويتكلم، قد تحبه، ولا تجله، وأحيانا يكون عندك أستاذ في الجامعة تقدر علمه، ولا تحبه، تقول عنه: لئيم، قاس، لا يرحم، تجله ولا تحبه، وقد تحبه ولا تجله، لكن أعظم ما في الذات الإلهية أنك بقدر ما تجله بقدر ما تحبه.
? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ?
[ سورة الرحمن: الآية 78]
الفطرة
الله عز وجل فطرك فطرة عالية عزيزة، تحب أن تكون عالياً، تحب أن تكون عزيزاً، هذه الفطرة تمنعك أن تعصي الله، فكيف بإنسان له مكانة في المجتمع، والطريق ممنوع،
لا يمر في الطريق الممنوع مع أنه أقصر، يقول لك: أنا لا أتضعضع أمام شرطي، مكانتي لا تسمح لي أن أعتذر أمام شرطي، فيسلك الطريق الأطول المسموح،
ولا يسلك الطريق الأقصر، لأن مكانته كبيرة جداً.
قوة العلم بحتمية عاقبة المعصية
أحد الأسباب أيضاً التي تمنعك أن تعصي الله: قوة العلم بحتمية عاقبة المعصية، والله أيها الإخوة، وهذا الكلام خذوه على محمله الحقيقي: يكاد المؤمن، يكاد لا تعني أن الشيء وقع، لو قلت: كدت أقع هل وقعت ؟ هذا الفعل عجيب في اللغة، إن أثبته فهو منفي، وإن نفيته فهو مثبت، ما كدت أقع حتى قمت، معنى هذا أنني وقعت، مع أن الفعل منفي، أما كدت أقع، لم تقع، يكاد المؤمن يعلم الغيب، هل يعلم الغيب ؟ لا، أما حينما ترى إنسانا يأكل أموال الناس بالباطل، حينما ترى إنسانا يزهق أرواح الناس بالباطل يجب أن تعلم علم اليقين أنه لابد له من مصير أسود، تكاد تعلم الغيب، لذلك الإنسان المستقيم أنا أكاد أقول: تنتظره حياة طيبة، والإنسان المنحرف أكاد أقول: تنتظره مصائب تلو المصائب، هذه قضايا ثابتة، أنت لو قيل لك: إنسان يركب مركبة في طريق ضيق، عن يمين الطريق واد سحيق، وعن يساره واد سحيق، والطريق كله انعطافات، وفي الليل وفجأة انطفأ ضوء المركبة، تقول: الحادث حتمي، الطريق متعرج، فالحادث بالمئة مئة، هل معنى ذلك أنك تعلم الغيب ؟ لا، تعلم القوانين، و كذلك الذنوب تميت القلوب، وتفقر بعد الغنى، والرزق ينقص بعد العطاء، ويحرم حلاوة الطاعات، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ وكل ذنب يستدعي ذنباً آخر، والإنسان بالتعبير المعاصر باللغة الأجنبية (ديناميكي )، ويقابله (ستاتيك ) أي سكوني، فكل طاعة تستدعي طاعة، يقول: تداعيات، مصطلح يستخدم بالأخبار، المعصية تداعياتها معصية أخرى، معصية ثالثة، رابعة.. والطاعة تداعياتها طاعة ثانية، ثالثة، رابعة، خامسة، ويعلم الإنسان أن هذه المعصية فوت عليه من الخير الشيء الكثير.
ثبات شجرة الإيمان في القلب
شيء آخر يدعو إلى ترك المعاصي، وهو جامع لكل هذه الأسباب: ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، حتى أكون واقعيا المعاصي محببة، هؤلاء المنغمسون بالمعاصي، كالبهيمة تماماً، رأوا قطعة لحم فأقبلوا عليها، ألغيت المحاكمة في أذهانهم، المعاصي تتوافق مع الطبع، والمعاصي تتناقض مع الفطرة، فلذلك لو أن المعاصي غير محببة لابتعد الناس عنها، أكبر شاهد أن العمل الحرام محبب، والعمل الحلال فيه مشقة،
(( أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
، هكذا استرخاء، تأكل ما تشاء، تلتقي مع من تشاء، تفعل ما تشاء، تتكلم ما تشاء،
(( أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))[أحمد]
هناك جهد، يقول لك: تكاليف، أي ذات كلفة، تكلف الإنسان جهداً ومشقة، فقوة الإيمان في القلب تدعو العبد إلى الصبر عن المعاصي، وكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم، وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر، هذا أكبر سبب يعين على الصبر، قوة الإيمان، و هناك شواهد كثيرة من حياتنا.
دخل طالب كلية الطب، فبنى آمالا أن يأخذ دكتوراه، ويسافر إلى بلاد بعيدة فيأتي بالبورد، ويفتح عيادة، وهو في أناقة، في ملبسه، أناقة في بيته، محترم، معزز، مبجل، دخلٌ فلكي، يدعى لمؤتمرات، هذه الصورة الجميلة، وهو يدرس الساعة الثانية، وهو يقول: سأتابِع حتى أنجح، ما الذي يدعوه إلى الصبر على الدراسة ؟ هذه الرؤية لمستقبل الإنسان حينما يتخرج، فلذلك أنت حينما تعلم ماذا ينتظر المؤمن من سعادة أبدية تصبر على كل شيء. والحمد لله رب العالمين
لمعاصي ( ظلم للنفس، ظلم للناس أنواعها.. آثارها النفسية.. أسبابها الدافعة )
معنى المعصية
المعصية : هي رفض التطابق مع إرادة الله.. إرادة الحق والخير.. ولذا كانت المعصية اسماً يطلق على كل فعل يمتنع به الإنسان عن موافقة إرادة الخير، المتمثّلة في القوانين والأحكام، التي جاءت بها الشرائع الإلهية، وأدركتها العقول السليمة، والفطرة النقية، التي لم تمسّها شوائب الضلال والانحراف.
والمعصية في عرف الإسلام، عبارة عن الخروج على الطاعة بترك الواجبات وفعل المحرّمات.
وتعاني البشرية اليوم، من شرور المعاصي التي تعتبر من أخطر أمراض الإنسان وأسباب مآسيه.. وتبذل الأمم والشعوب والحكومات الآن جهوداً ضخمة، لمكافحة المعصية، التي هي الجريمة والرذيلة والانحراف ـ ولكن وفق تصورها الخاص بالجريمة ـ فتنفق الأموال الطائلة، وتجنّد القوى البشرية الكثيفة، وتؤسّس السجون وتقيم المحاكم، وتنشئ المعاهد لدراسة الجريمة، وكيفية علاجها، وتسعى بأساليب علمية وفنية مختلفة في الإعلام والتربية والتوجيه، في محاولة منها لإصلاح الإنسان الشاذّ، وتصحيح سلوكه، حفظاً للأمن، ودفعاً للعدوان، وإصلاحاً لسلوك الأفراد والجماعات ـ حسب وعيها ومفهومها ـ ولكن دونما جدوى، فقد غدت الجريمة، أبرز ظاهرة في حياة الإنسان، وأعقد مشكلة في حياته.
والسبب في ذلك يعود إلى فشل مناهج الإصلاح نفسها، وعجز طريقة العلاج التي لجأ الإنسان إليها، بعد خروجه على قاعدة القانون الإلهي في الحياة، وبعد أن دخلت وسائل مكافحة العصيان والجريمة، هي نفسها في دائرة العصيان والجريمة، ـ في كثير من الأحيان ـ عندما ابتعدت عن تعاليم الله تعالى.
أنواع المعصية
شخَّص الإسلام حقيقة المعصية، وأوضح الأفعال التي تعدُّ معصية في مفهومه وشريعته،
فقد اعتبر تحقّق المعصية يتم فيما يلي من الأعمال والمواقف:
1. التقصير بحقوق الله والاستهانة بها، كالصلاة والصوم والحج.
2. ارتكاب المحرّمات، والجنوح إلى الشذوذ الفردي، كشرب الخمر والرياء والنفاق، والزنا، والتكبّر والغرور، وإيذاء النفس، واللهو المحرّم من رقص وغناء.. الخ. والعاصي في كلتا الحالتين، يعتبر ظالماً لنفسه، لأنه قد عرض نفسه للعقوبة والحرمان، وغضب الله في الآخرة.
3. المعاصي التي يتعدى ضررها إلى الآخرين، ويكون الفرد أو المجتمع ضحية لعدوان العصاة وجريمتهم،
ومرتكب هذه المعصية يسمّى (ظالماً للناس).
وهذه المعاصي تؤدّي إلى هدم النظام الحياتي العام، وإرباك الأمن، كالقتل والسرقة، والخيانة والغيبة، والغشّ والظلم، والغبن والربا والاحتكار.. إلخ.
وبهذا يكون مفهوم المعصية في الشريعة الإسلامية؛
أوسع وأشمل من مفهوم الجريمة أو الجنحة أو الجناية في القوانين الوضعية؛
لأن القانون الوضعي يحصر المخالفات في الصنف الثالث من أصناف المعصية التي تسبّب ضرراً للآخرين،
أما الصنفان الأول والثاني فليسا بجريمة في نظره ولا عقوبة عليهما، وبهذا فتح الباب واسعاً أمام الجريمة والمخالفات، فأصبح المجتمع الإنساني الآن يعاني من الجريمة والشذوذ وكثرة المخالفات،
وصار القانون الوضعي(1) نفسه سبباً لتعاطي الجريمة والتشجيع عليها، عندما أباح الخمر ـ مثلاً ـ ولعب القمار والزنا، فإنه فتح الباب واسعاً لجرائم القتل والسرقة، والتزوير والاختطاف.. الخ، لأن هذه الأخيرة، هي نتيجة حتمية لشرب الخمر والزنا والقمار..
وهكذا فعل عندما أباح الربا والاحتكار، فشجع الظلم، وانتشار الفقر، ونشوء الصراع الدامي والحروب والخراب، وسفك الدماء وتدمير الحضارة.. بعكس التشريع الإسلامي الذي استأصل كل عوامل الجريمة ومظاهرها، إذ جاء تقويم الإسلام شاملاً للسلوك الإنساني، ودافعاً لتطهير وجدان الفرد وذاته الباطنة من عوامل الجريمة، ودوافع التفكير بالمعصية، تمهيداً لتطهير مجتمعه وحياته وعلاقاته من أثر هذا الانحراف والإجرام.
الآثار النفسية للمعصية
المعصية حدث وموقف إنساني، يولد وينمو في داخل الذات الإنسانية، ثم يتجسّد ويظهر نتيجة للاختيار والفعل الذي يمارسه الإنسان.. ولا يمكن لهذا الفعل أو الحدث أن يقع في عالم الإنسان، دون أن يترك بصماته وآثاره على لوحة النفس الإنسانية.. فكل فعل يصدر من الإنسان ـ أخيراً كان أم شرّاً ـ يترك أثره في تكوين الإنسان النفسي، وسلوكه الاعتيادي، فالذنوب والمعاصي إذا ما تراكمت وتجمعت، صنعت حاجباً ضبابياً، يحول بين النفس وبين رؤية النور، وتلمّس طريق الاستقامة.. فهناك علاقة طبيعية، بين تراكم المعاصي، وبين التطبّع والاعتياد على الانحراف وتشكيل شخصية إنسانية معقّدة ومريضة..
وقد تحدّث القرآن الكريم، عن هذه الوضعية الإنسانية المنحرفة، ولخّص تحليلها وأسسها النفسية، وأبعادها السلوكية، قال تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة، 10].
(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين، 14].
(... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف، 5].
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...) [البقرة، 74].
فهذا التحليل القرآني، يمنح الإنسان رؤية علمية، ويبصِّره بأثر المعصية في النفس الإنسانية، ويحذره من المردودات السلبية، التي تنعكس على النفس، وتحوّل الشخص السوي إلى شخص مدمن على الجريمة، معتاد على المعصية.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله))(2).
لذلك أمر الإنسان المسلم أن لا يستهين بذنب، ولا يستصغر معصية، وأن يحاسب نفسه ويستغفر؛ كلما أذنب أو عصى؛ لتتسع المسافات والأبعاد النفسية بينه وبين المعصية، وليبقى يقظ الضمير، سليم النفس، مستقيم السلوك.
أسباب المعصية
العاصي لا يقدم على المعصية، والمجرم لا يفعل الجريمة حين يفعلها، إلاّ وهو واقع تحت تأثير عوامل ودوافع ذاتية، وأخرى خارجية، تقوده إلى تزيين الشرّ والجريمة، وتحبّب له العصيان والانحراف:
( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء) [فاطر، 8].
فيقدم العاصي على ارتكاب تلك الحماقة متأثراً بهذه العوامل أو تلك..
وواقعاً تحت تأثيرها، وهو يوهم نفسه أن ما يفعله كان ضرورياً ومقبولاً.
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً) [الكهف، 103-104].
لذا فهو يبحث عن المبرر المعقول لديه، فيقنع نفسه بصحة فعله، لذلك وضع الإسلام منهجاً متكامل الخطوات،
يعمل على أساس الوقاية والعلاج، لاستئصال المعصية، ومكافحة الجريمة، وإنقاذ الإنسان بتتبّع منابع الجريمة، وأسباب المعصية، وقلع جذورها،
أما هذه الأسباب فأهمها:
الجهل وعدم الوضوح
يلعب الجهل دوراً خطيراً في حياة الإنسان، فهو سبب رئيس من أسباب الضلال والضياع، وهو عامل من عوامل الفساد والانحراف، ذلك لأن الجاهل لا يدرك خطورة فعله، ولا يعرف نتائج سلوكه المشين، لذا فإن الجريمة أو المخالفة، تقلّ بين العلماء والمفكرين والمثقفين، إذا ما قيسوا بالمجتمع الذي ينتمون إليه فكراً وسلوكاً.
ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا، أن العلم الحقيقي، الذي يصون الإنسان عن الجريمة والمعصية بالدرجة الأولى، هو العلم بالله، ومعرفة علاقة الوجود به، وموقع الإنسان من هذا الوجود، ومن تلك العلاقة بالله.. وبدون هذا التشخيص لا يستطيع الإنسان أن يُقوّم حقيقة سلوكه، ونتيجة فعله. لذا ترى بعض العلماء والمفكرين من الذين لا يؤمنون بالله تعالى يقدمون على أبشع الجرائم في التخطيط لحروب الإبادة البشرية، أو صنع وسائل الخراب والدمار.
وصدق الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وآله في جوابه حينما سئل: ((أي الناس شر؟ قال العلماء إذا فسدوا))(3).
إن هذه الطبقة من حملة العلم والثقافة المادية، التي تجهل علاقتها الحقيقية بخالق الوجود، تتساوى مع طبقة الجهّال الذين لم يستضيئوا بنور المعرفة.
والجاهل هو المعرض دائماً عن رسالة الحق، المتنكر لدعوة الخير، لذا جاء في القرآن في وصف هذه الفئة من الناس: (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) [الأحقاف، 23].
(إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ) [النمل، 80 - 81].
فالقرآن يردّ أسباب الكفر والضلال والمعصية إلى الجهل، لأنه يحول بين صاحبه وبين رؤية الحق، لذلك أرسل الله سبحانه الأنبياء والرسل، وحثّ على طلب العلم والمعرفة.. ليتمكن الإنسان من تحصيل خيره وسعادته، فيصغي إلى صوت الحق، ويستجيب لدعوة الخير.
الانحراف النفسي
والعنصر الثاني من عناصر صنع المعصية والجريمة، هو الانحراف النفسي، والمرض الأخلاقي الذي تصاب به الشخصية، بسبب البيئة أو التربية أو الوراثة.. إلخ، لأن النفس البشرية، تكون في بداية تكوّنها سليمة ما لم تطرأ عليها عوامل الانحراف، فإن هي تعرّضت لتلك العوامل المرضية، أمكن معالجتها، وتطهير أعماقها، وتصحيح مسارها؛ لتتطابق مع قانون الفطرة العام، وتصبح قادرة على الالتزام والاستقامة.
أما إذا انحرفت النفس الإنسانية عن خطها الفطري السليم، بسبب اختلال توازنها، واضطراب محفزاتها وغاياتها، ولم تخضع لعملية معالجة وتطهير، فإنها تصاب بحالة مرضية مستعصية، فتجنح للانحراف بدل الاستقامة، وللتفريط بدل الاعتدال.. فتطغى عليها النوازع الشهوانية، والاندفاعات البهيمية.. كالأنانية الميتة، والكبرياء، والحقد، والجشع، والحرص، والانتقام، والشعور بالنقص، والنهم الحسي الذي يقود المريض إلى السقوط تحت وطأة اللذة الحسية وعدم الشبع منها.. إلخ، فيلجأ المريض المنحرف إلى القتل والسرقة والزنا والكذب والاحتيال والغشّ وشرب الخمر والظلم، ورفض الإيمان بالله والتحلّل من قيم الأخلاق، لذلك حشد الإسلام كل الوسائل الكفيلة لاقتلاع جذور الانحراف النفسي، والشذوذ المرضي، لإصلاح الفرد والعودة به من شقاء المعصية إلى طمأنينة الطاعة وسعادتها، فاستعرض القرآن كثيراً من شخصيات المنحرفين، واهتمّ بتحليل تركيبها، وكشف أعماقها السوداء، لكي يعرف الإنسان سبب ضلاله ومعصيته، فقال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [يونس، 75].
(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة، 10].
(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين، 13 - 14].
وبهذا يشرح القرآن حقيقة الدوافع المرضية الكامنة وراء الانحراف والجريمة؛ ليؤكد أن هؤلاء المنحرفين هم ذوو قلوب مريضة، ونفوس منحرفة، يطغى عليهم الفساد والكبرياء، لذلك يتنكرون للحق والرشاد، ويتعمّدون المعصية والضلال، تأثراً بتلك الدوافع المرضية التي غطت وعيهم وإحساسهم السليم.
الحاجة
للإنسان حاجة طبيعية، من الغذاء واللباس والجنس والسكن واللوازم الحياتية المختلفة، فهو يبذل جهوده لتحصيلها، والاطمئنان على توفرها.. فإن حالت دون توفرها الحواجز، وعجز عن تحصيلها في ظل نظام جائر، لا يكفل له حاجته، ولا يسدّ فقره ونواقصه، لجأ إلى المعصية والجريمة.. فيسرق ويقتل ويزني ويكذب ويغشّ ويحتال من أجل أن يشبع حاجته، بطرق محرمة، وبوسائل ملتوية شاذّة.
وقد عالج الإسلام موضوع الحاجة، ووضع التشريعات القانونية، وثبّت القيم الأخلاقية التي تتكفّل بسدّ حاجة كلّ فرد من أفراد المجتمع، وتساعد على استئصال جذور الجريمة وتقريب الأفراد من الطاعة والاستقامة، واعتبر الفقر سبباً من أسباب الانحراف.. فقد ورد في الحديث الشريف: ((نِعْم العون على تقوى الله الغنى))(4).
وورد في حديث آخر: ((غنىً يحجزك عن الظلم خيرٌ من فقر يحملك على الإثم))(5).
ولم يعتبر مخالفة القانون في وقت الاضطرار والضرورات القصوى جريمة ولا معصية؛ لأن المقدم عليها لا يحمل نفسية المجرم، ولا يقصد المعصية أو التجرّؤ والخروج على القانون؛ بل تضطرّه الظروف المحيطة به إلى الخروج والتجاوز المؤقت.
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة، 173].
وبعكس المجتمع الإسلامي، فإن المجتمعات غير الإسلامية، التي يقع أفرادها تحت ضغط الحاجة، يجدون أنفسهم مدفوعين إلى مخالفة القانون والنظام، الذي فرض عليهم الجريمة، عندما لا يضمن لهم سبل العيش السوي، ولم يتكفل ببناء الإنسان وتربيته بعيداً عن أجواء الجريمة والسقوط.
غياب الوازع الذاتي وعدم الإيمان بالجزاء الأخروي
عندما يموت ضمير الإنسان، ويغيب حسّه الأخلاقي.. وعندما يأمن الرقابة، ويطمئن إلى عدم وجود المسؤولية والعقاب.. عندما تجتمع هذه العوامل كلها لشخص لا يؤمن بالله، ولا يعتقد بعالم الجزاء والحساب بعد الموت، فإنه لا يجد حرجاً ولا مانعاً يحول بينه وبين المعصية والجريمة؛ بعكس الإنسان المؤمن، الذي يربّيه الإسلام، ويركّز في نفسه عقيدة الإيمان بالله، عالِم الغيب والشهادة، الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يضيع في حسابه شيء.. فإن مثل هذا الإنسان يشعر برقابة لا تغيب، ويؤمن بأن كل عمل أو تفكير، يصدر عنه، لا يمكن أن يكون بلا حساب أو مسؤولية.. لذلك فإن هذا الإحساس الأخلاقي، والإيمان الروحي، يشكّل وقاية للفرد والمجتمع من السقوط تحت أقدام الجريمة، أو الوقوع في هاوية
المعصية، وما يترتّب عليها من شقاء نعوذ بالله منه.
يقول ابن عباس رضي الله عنه: ليس معنى أضاعوا الصلاة تركوها بالكلية.. ولكن كانوا يجمعونها فيؤخرون صلاة الظهر إلى صلاة العصر
ويؤخرون صلاة المغرب إلى صلاة العشاء.. والغي: واد في جهنم تستعيذ منه النار لشدة حره!
فهل يصر أحد بعد ذلك على جمع الصلوات !!
المعصية والقلب
انتبه المعصية تضعف القلب فالذنب إما أن يميت القلب أو يمرضه مرضا مخوفا أو يضعف قوته ثم ينتهي به إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ منها النبي –صلى الله عليه وسام- (الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال) وكل اثنين منهما قرينان، فالهم والحزن قرينان:والفرق بينهما أن الهم لما هو متوقع والحزن لما هو آت،والعجز والكسل قرينان:لان تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح أن كن لعدم قدرته فهو عجز،وان كان لعدم إرادته فهو كسل.
والجبن والبخل قرينان: فان عدم نفعه للناس ببدنه فهو الجبن وان كان بماله فهو جبن،وغلبة الدين وقهر الرجال قرينان:فان استعلاء الغير عليه أن كان بحق فهو غلبة الدين وان كان بباطل فهو قهر الرجال، والذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الثمانية كما أنها من أقوى الأسباب الجالبة لزوال النعم ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء نعوذ بالله من كل ذلك،والمعصية تلقي الرعب والتخوف في القلب،فلا ترى العاصي إلا خائفا مرعوبا (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ) فمن خرج عن الطاعة أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت مخاوفه مآمن ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف،يحسب كل صيحة عليه وكل مكره قاصدا إليه،وتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان،وقد اجمع السائرون على أن القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، وقوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)،ليس قاصرا على نعيم الآخرة فحسب بل يشمل أيضا نعيم الدني،وقائم أيضا في القبر،والمعصية تصغر النفوس وتحقرها كما أن الطاعة تنميها وتكبرها (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) والمعاصي تسقط المنزلة والكرامة عند الله وعند الخلق فان أكرم الخلق على الله اتقاهم وأقربهم منه منزلة فان عصاه سقط من عينه وأسقطه من قلوب عباده، ومن أعظم نعم الله على العبد أن يرفع بين العالمين ذكره، ويعلي قدره، ولهذا خص أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)،والمعصية تؤثر في العقل فليس هناك من هو اضعف عقلا من رجل يؤثر الفاني على الباقي والمتقطع على الدائم والقليل على الكثير، وما بالك برجل يعصي سيده ويخونه في حرماته وهو يأكل منه ويشرب وفوق ذلك يعيش في بيته وتحت سقفه وهو يعلم انه يرزقه ويهبه، فالعاقل من عمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها، فاربأ بنفسك من أن تستسلم لمعصية وسلم أمرك كله لله،فالمعصية لابد تضرك في دنياك وآخرتك فاحذر منها وان أصاب منك الشيطان يوما فاستغفر وعد إلى ربك تجد منه كل كرم ومحبة.
الجواب الكافي لابن القيم (بتصرف)
نصائح مهمة عن المعصية
أولاً : ننصحك أيها السائل بالبعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها والحذر كل الحذر منها ؛ فإن للمعصية شؤماً على صاحبها ، فإليك بعض آثارها من كلام ابن القيم رحمه الله :
1- " حرمان العلم ، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تُطفئ ذلك النور . ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقُّد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً ، فلا تُطفئه بظلمة المعصية .
2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه " رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه ، وبينه وبين الناس .قال بعض السلف : إني لأعصي الله ، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي .
4- تعسير أموره عليه ، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه ، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا .
5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه ، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل ، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور ، والمعصية ظلمة ، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر ، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده ، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد . قال عبد الله بن عباس : " إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق " .
6- حرمان الطاعة ، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله ، وتقطع طريق طاعة أخرى ، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا ، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة ، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها ، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان .
7- أن المعاصي تزرع أمثالها ، ويُولِّد بعضها بعضاً ، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها .
8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته ، فتقوى إرادة المعصية ، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية ، ... فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيءٍ كثير ، وقلبه معقودٌ بالمعصية ، مُصرٌ عليها ، عازم على مواقعتها متى أمكنه ، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .
9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة ، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ،ولا كلامهم فيه .
وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة ، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ، ويُحدِّث بها من لم يعلم أنه عملها ، فيقول : يا فلان ، عملت كذا وكذا . وهذا الضرب من الناس لا يعافون ، ويُسدُّ عليهم طريق التوبة ،وتغلق عنهم أبوابها في الغالب . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرون ، وإنَّ من المجاهرة : أن يستر الله العبد ثم يُصبح يفضح نفسه ويقول : يا فلان عملت يوم كذا .. كذا وكذا ، فيهتك نفسه وقد بات يستره ربه " رواه البخاري (5949) ومسلم (2744) .
10- أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها ، فكان من الغافلين . كما قال بعض السلف في قوله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } قال : هو الذنب بعد الذنب .
وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية ، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير راناً ، ثم يغلب حتى يصير طبعاً وقفلاً وختماً ، فيصير القلب في غشاوة وغلاف ، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفـله ، فحينئذٍ
الصبر على مجاهدة النفس
إن الإنسان إذا ابتلي في نفسه أو ماله، أو أهله صبر، وهذا نوع، لكن الصبر له أنواع ومنها: الصبر على مرض النفس.
واعلم أخي المسلم أن أعدى عدو لك هو هذه النفس، ولو عاداك الناس كلهم وسلمت من شرها؛ أنّك آمن بإذن الله ولن يضروك أبداً؛ لكن المشكلة هي: (كيف أحترس من عدوي، إذا كان عدوي بين أضلعي؟) والمشكلة هي العدو الداخلي، هذه النفس والهوى والشهوة، وحب الإخلاد إلى الدنيا، والتكاسل عن طاعة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والميل إلى ما يريحها وإن كان مُتعِباً فيما بعد، وهذا من إيثار العاجل، وهكذا طبعت هذه النفس فيجب أن تصبر على ذلك.
بعض الناس عنده نفس غضوبة، فهذا يجب عليه أن يسأل الله دائماً أن يهديه إلى أحب الأخلاق وأحسنها إليه، لكن -أيضاً- من الابتلاء أن أكون إنساناً غضوباً فأصبر على غضبي، وأحاول أن أصبر عليها وأجاهدها؛ فإنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الصبر بالتصبر، نعود النفوس الصبر حتى تستقيم.
بعض الناس مشكلته أنه لينٌ جداً، أي أنه متساهل، وليس عنده فطانة.
وبعض الناس يقول: ليس عندي فطنة، فنقول له: مارس الحياة، واعرف أن فيك هذا العيب، وهذا عليه ألا يثق بكل أحد، إنما يتأكد ويتأنى ويفكر، فلا يعطي كل من طلبه كتبه أو ماله حتى يتأكد من حاجته.
والبعض يشكو من أن نفسه تتوق إلى شيء من مظهر الدنيا فلا يصبر، فهو لا يخرج إلا بالثوب والغترة والشكل المعين، وإلا اعتذر عن الحضور، فهذا عليه أن يعود نفسه رويداً رويداً، على أن يذهب أحياناً بشكل عادي أقل من هذا، قليلاً قليلاً حتى ينتهي هذا الأمر وهكذا.
وهذه النفس مشكلتها أنها حرون مثل الدابة مرة تمشي، ومرة تقف وسط الطريق، لا تتحرك، ولذلك القاعدة التي علَّمنا إياها السلف الصالح في التعامل مع النفس، أنها إذا أسلست لك القياد حركها بسرعة حتى إذا حرنت، تكون قد قطعت مسافة كبيرة، وكل إنسان يجد في نفسه الفتور والخير، فإذا جاءت أوقات الاندفاع والإقبال على الله تعالى فحركها، فإذا جاء وقت الفتور فستجد أنه ليس فتوراً كلياً وإنما إلى حد ما.
فمن أهم ما يصبر عليه هذه النفوس التي بين جنبينا، فبعض الإخوة لم تكمل ما أخبرته به حتى يعطيك رأيه سريعاً فيحكم بسرعة ولا يصبر ويتأنى.
والبعض مشكلته كثرة الكلام، فأصبحت مجالسنا فيها كثرة كلام وقلة ثمرة، وفي الحديث: {كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع } ونترك وكالة أنباء (قالوا) ونرفعها عنا، ولا نتحدث بـ(سمعنا وقالوا) ولكن نتركها ونصبر، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا حديث عظيم جداً في معالجة القلوب والنفوس: {ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب } هو الذي إذا قلت له: اتقِ الله ولا تغضب، وقف.
فيجب أن تجعل أهم شيء تعالجه في حياتك هذه النفس، فإذا وطنتها على أمر الله حتى تصبح مواطئة له، فأبشر بما سبق أن ذكرنا من فضل الله عليك، فتصبح لا تفكر، ولا تهم، ولا تعزم، ولا تعمل، ولا تخطو إلا كما بين الله تعالى في الحديث القدسي: { فبي يسمع وبي يبصر إلى آخره.... }، هذه الحال لا تصل إليها إلا بعد المجاهدة، مع أن كل نفس ركب فيها هذا الأمر إلا من عصم الله من الأخيار والمتقين.
التسلّح بالإيمان المقرون بالعمل الصالح
قال الله تعالى:{ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }
وسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتعاملون بها مع كلّ ما يرد عليهم من أنواع المسرات والأحزان. فيتلقون النّعم والمسارّ بقبول لها، وشكر عليها، ويستعملونها فيما ينفع، فإذا فعلوا ذلك أحسوا ببهجتها وطمعوا في بقائها وبركتها ورجاء ثواب شكرها وغير ذلك من الأمور العظيمة التي تفوق بخيراتها وبركاتها تلك المسرات.
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لِما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه ، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد ، فيحصّلون منافع كثيرة من جراء حصول المكاره، ومن ذلك:المقاومات النافعة ،والتجارب المفيدة ، وقوة النفس ،وأيضا الصبر واحتساب الأجر والثواب وغير ذلك من الفوائد العظيمة التي تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى في الحديث الصحيح بقوله : عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ رواه مسلم في صحيحه رقم 2999
وهكذا يكون النظر الإيجابي إلى الابتلاء ، ومن ذلك :
معرفة حقيقة الدنيا
فإذا علم المؤمن أن الدنيا فانية، ومتاعها قليل، وما فيها من لذة فهي مكدّرة ولا تصفو لأحد. إن أضحكت قليلاً أبكت طويلاً، وإن أعطت يسيراً منعت كثيراً، والمؤمن فيها محبوس كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ رواه مسلم رقم 2956
وهي كذلك نصب وأذى وشقاء وعناء ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها كما جاء عن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ رواه البخاري : الفتح رقم 6512
وموت المؤمن راحة له من غموم دار الدنيا وهمومها وآلامها كما في الحديث : إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيّاً عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الأَرْضِ فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحاً بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا فَإِذَا قَالَ أَمَا أَتَاكُمْ قَالُوا ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطاً عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الأَرْضِ فَيَقُولُونَ مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ المجتبى من سنن النسائي رقم 1810 وصححه الألباني في صحيح النسائي 1309
إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهوّن عليه كثيراً من وقع المصاب وألم الغمّ ونكد الهمّ لأنه يعلم أنه أمر لا بدّ منه فهو من طبيعة هذه الحياة الدنيا.
النظر فيما يحصل للمسلم من تكفير الذنوب وتمحيص القلب ورفع الدرجة ، إذا أصابته غموم الدنيا وهمومها :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ رواه البخاري الفتح 5642
وفي رواية مسلم : (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍ وَلا سَقَمٍ وَلا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ) صحيح مسلم رقم 2573
فليعلم المهموم أن ما يصيبه من الأذى النفسي نتيجة للهمّ لا يذهب سدى بل هو مفيد في تكثير حسناته وتكفير سيئاته، وأن يعلم المسلم أنه لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس كما ذكر بعض السلف ولذلك كان أحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء.
وإذا علم العبد أن ما يصيبه من المصائب يكفّر عنه سيئاته فرح واستبشر، وخصوصاً إذا عوجل بشيء بعد الذنب مباشرة كما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم فيما رواه عَبْد اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ مَهْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَهَبَ بِالشِّرْكِ وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً ذَهَبَ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَنَا بِالإِسْلامِ فَوَلَّى الرَّجُلُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ الْحَائِطُ فَشَجَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرّاً أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ رواه أحمد رحمه الله المسند 4/87 والحاكم في المستدرك 1/349 وفي إسناده الحسن عن عبد الله بن مغفل والحسن مدلس وقد عنعن ولكن روى صالح بن أحمد ببن حنبل قال : قال أبي : سمع الحسن من أنس بن مالك ومن ابن مغفل - يعني عبد الله بن مغفل - : كتاب المراسيل لابن أبي حاتم ص: 45 باب ما يثبت للحسن البصري سماعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الذهبي رحمه الله : قال قائل : إنما أعرض أهل الصحيح عن كثير مما يقول فيه الحسن : عن فلان، وإن كان مما قد ثبت لقيُّه فيه لفلان المعين لأن الحسن معروف بالتدليس ويدلّس عن الضعفاء فيبقى في النفس من ذلك.. السير 4/588
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافى يوم القيامة بذنبه)رواه الترمذي السنن رقم 2396 وهو في صحيح الجامع رقم 308
التحدث بنعم الله
[HR][/HR][HR][/HR]
فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الهم والغم ، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا . فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا تحصى ولا تعدّ وبين ما أصابه من مكروه ، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة ، بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد ، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم ، هانت وطأتها ، وخفت مؤنتها ، وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضا ، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوة أجرها مرارة صبرها.
ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ رواه الترمذي في سننه رقم 2513 وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وهو في صحيح الجامع 1507
فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل، رأى نفسه يفوق قطعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها ، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها .
وكلما طال تأمل العبد في نِعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، رأى ربه قد أعطاه خيراً كثيراً ودفع عنه شروراً متعددة ،
ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ، ويوجب الفرح والسرور.
نسال الله تعالى ان يهدي اليها وان ينفع بها القلوب الغافلة وان يكتب لك من ساهم بها جزيل الاجر والثواب . امين
just_f