من خلال تجربتي واشتراكي في عشرات النقاشات مع الإخوة القراء في المنتدى خلال السنوات الماضية اتضح لي أن هنالك عدة انطباعات واعتقادات خاطئة عن الولايات المتحدة ، وأحد أبرز تلك الاعتقادات الخاطئة هو أن الولايات المتحدة تسيطر سيطرة كاملة على كل ما يحدث في الشرق الاوسط و انها تتحكم في سياسة الحكومات العربية وتملي عليها كيفية التصرف وكأنها تمتلك عصا سحرية تمنحها تلك القدرة العجيبة.
وفي الحقيقة هذه صورة خاطئة تماما و ليست أكثر من مجرد أفكار تراود اولئك الذين يتمتعون بخيال واسع ولكنها في الحقيقة لا تمت للواقع بصلة.
و لا شك في ان الاضطرابات و اعمال العنف التي شهدتها وتشهدها مصر مؤخرا قد نفخت بعض الروح في العروق المتيبسة لهذه النظرية المبتذلة بالاضافة الى نظريات مؤامرة اخرى اكثر اثارة للحيرة.
بالرغم من ان الادارة الأمريكية قد اعلنت عن بعض الاهداف التي لابد للمجتمع الدولي من ان يعمل جادا تجاه تحقيقها سعيا لتأسيس عالم اكثر استقرارا و امانا و ازدهارا الا ان تلك الرؤية و المجهودات التي تبذل من اجل تحقيقها لا يمكن ان تصور على انها بمثابة "مشروع" لاعادة تشكيل اي منطقة في العالم وفقا للشكل الذي يناسبنا.
و من ثم فأن الولايات المتحدة ليس لها اية (خطط) او (تدابير) تهدف لتغيير اوضاع اي منطقة او دولة.
و قد عبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بوضوح وفي اكثر من مناسبة ان الولايات المتحدة سوف تقف دائما بجنب أولئك الذين يسعون الى العيش في سلام و حرية و ازدهار اينما كانوا، ليس فقط لانهم يؤمنون بنفس تلك الحزمة من المبادئ والقيم الاساسية و التي هي بمثابة احجار زاوية الدولة الأمريكية، وأنما لان الأمريكيين يؤمنون أن الرغبة في العيش في حرية وكرامة هي دوافع عالمية.
و لكن هذا لا يعني ان الولايات المتحدة (اصدرت اوامر) جعلت مئات الالاف من المصريين يتظاهرون في الشوارع ضد حكومة محمد مرسي مثلما أن الحكومة الامريكية ايضا لم تحث الافا اخرين من الذين ينادون بأعادته لمنصبه ، كما يدعي البعض. و في الواقع فأن مثل هكذا تلميح هو ليس بمثابة اهانة للشعب المصري العريق فقط و انما هو تشويه تام لطبيعة علاقات الولايات المتحدة بشعوب الشرق الاوسط.
و خلافا لبعض نظريات المؤامرة التي روج لها البعض مباشرة بعد ان انتشرت المظاهرات التي دشنت (الربيع العربي) في عدد من مدن الشرق الاوسط، فأن الولايات المتحدة لم تلعب دورا فاعلا في تحديد نتائج اي من تلك الازمات.
فقد كانت شعوب تونس ومصر وليبيا واليمن هم من ابتدأ و قاد تلك المظاهرات و هم من حدد كل ما حدث بعد ذلك. وهم من سيحدد انسب مسار يجب المضي فيه خلال الفترة الانتقالية التي يمرون بها حاليا و التي سوف تستمر في الأشهر و ربما السنوات المقبلة. و في نفس السياق، من الواضح ان الشعب السوري ايضا يريد ان يخوض ذلك المشوار حيث يمكنه العيش في حرية و امان و كرامة و له كل الحق في ذلك.
و خلافا لتلك الصورة النمطية التي يحاول رسمها البعض، فان الشعوب العربية ليست عبارة عن مجرد حشود لا حول لها ولا قوة يتم استغلالها من قبل حكومات (عميلة) لا تراعي سوى مصالح دول اخرى نظرا لـ (تبعيتها) . فهم اعربوا و بوضوح عن رغبتهم في اداء دور اساسي في تحديد مستقبلهم و ادارة حياتهم.
و كما سبق و ان ذكرت هنا في المنتدى عدة مرات فيما مضى، لا شك في ان أي انسان منطقي و ذو معرفة ولو محدودة بتاريخ البشرية يدرك أن منطقة الشرق الاوسط - مثلها مثل مناطق العالم الاخرى - قد مرت بفترات سادت فيها الاضطرابات و واجهت تحديات سياسية و اقتصادية و اجتماعية صعبة عبر السنين، ليس قبل ان تعزز الولايات المتحدة علاقاتها الثنائية مع دول المنطقة فقط وانما حتى قبل تأسيس الولايات المتحدة كدولة.
تبقى الحقيقة التي لا مجال للتشكيك فيها هي أن الولايات المتحدة الامريكية تؤيد حزمة من المبادئ و المؤسسات و الاليات السياسية و لكنها لا تدعم اشخاصا او احزابا معينة بحد ذاتها.
كما أنني لاحظت مؤخرا أن العديد من الناس في منطقة الشرق الأوسط بالإضافة إلى بعض الإخوة في منتديات -مثل هذا- ينادون شعوب المنطقة بإعادة تقييم قراراتهم وتصرفاتهم وبأسلوب صريح بدلا من توجيه اللوم للآخرين – و خاصة الولايات المتحدة - على كل علل المنطقة. و لا يمكنني إلا أن أتفق معهم تماما.
تحياتي
فهد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية