أحكام مسبقة - جديد ابداعات قلم

    • أحكام مسبقة - جديد ابداعات قلم

      [h=1][/h]
      كنت أقف متوسطة القاعة استقبل الحضور واستمتع بالحفاوة والاهتمام المنصب علي من كل حدب وصوب عندما لفتت انتباهي بمشيتها الهادئة ووجهها الذي خلا من اية ابتسامة تشي بأنها لاحظت وجودي، جلست على الكرسي الأمامي دون أن تكلف نفسها عناء القاء التحية، أصدرت حكمي سريعا فلدي مخزون كبير من (الأحكام المسبقة) تعودت أن اسبغها على الآخرين من هيئتهم الخارجية، فقررت أن أتجاهلها انتصارا لكرامتي، ثم لحظت مضيفتي تتجه نحو المرأة ثم تشير إليّ بالانضمام اليهما، على الرغم من استنكاري لتصرف مضيفتي التي تطلب مني بكل بساطة أن أتنازل أنا وأذهب لإلقاء التحية على امرأة تجاهلت وجودي، إلا أنني لم ارغب في التخلي عن كياستي فذهبت اليهما، قدمت مضيفتي كل واحدة منا للأخرى ثم أردفت: صديقتي جاءت مساء الأمس من الهند فقد تبرعت لوالدها بكليتها لكنها أصرت على الحضور عندما علمت بأنك من تديرين الحلقة التدريبية هذه رغم مرضها وتعبها، تحول غضبي على المرأة إلى كره لذاتي التي دائما ما تضعني في مواقف كهذه رغم عملي المستمر على تهذيبها وتخليصها من هذه العادات والسلوكيات السلبية، لكن كما تقول الحكمة العمانية الدارجة (بوطبيع ما يجوز عن طبعه)، لطالما ذكرت نفسي بأنني لست بقارئة أفكار وانه من الاستحالة ان أعرف ما يفكر فيه الطرف الآخر أو ما يشعر به، وبالتالي التوقف عن إصدار الأحكام الجاهزة، لأن الله سبحانه وحده علام الغيوب، وبالتالي علي إيجاد الأعذار للاخرين دائما وعدم التسرع في الحكم، فللحقيقة وجهان دائما، والظاهر لا يعبر عن الحقيقة في غالب الأحيان.
      أحكامي المسبقة وقع ضحيتها ابن الفنان وديع الصافي قبل ايام، فقد كان يحكي لي عن دور والده في حياته، وكيف أنه بعد الله كان سببا في كل ماوصل اليه، وأنه يرجع له الفضل الكبير فى زرع تقوى الله في قلبه، وتربيته على القيم والمبادئ، عندما قاطعته قائلة: لكنه وديع الصافي، المطرب المشهور، ولم أتوان عن التعليق بأنني كنت أظن أن المشاهير آباء سيئون لأن لا وقت لديهم لتربية صغارهم، لكنه نظر إلي باستغراب وأجاب: لكن وديع الصافي أعظم والد وأؤكد لك أنه كان والدا رائعا لم يتخلف عن مناسبة من مناسباتنا السعيدة منها وغير السعيدة طوال حياته، جميعنا نحن الأخوة الستة، من حسن حظي أن فادي لم يخبرني بأنه ابن وديع الصافي إلا في لقائنا الخامس على ما أذكر، وإلا ما كان لي أن أتعرف عليه عن قرب، فأحكامي المسبقة عن أبناء المشاهير كانت ستكون حاجزا منيعا بيني وبينه، وكنت سأفوت على نفسي التعرف على شخصية رائعة مثله، كما اضعت على مر السنين على نفسي الكثير من الفرص للتقرب من اناس كشف لي الوقت أن مجرد وجودهم في حياتي يثريها، أدركت ذلك رمضان الماضي عندما عرضت علي المستشارة النفسية والاسرية عائشة النظيرية مشاركتها في إحياء أمسيات رمضانية للمصليات بعد صلاة التراويح في أحد المساجد، قبلت العرض لكن كنت في داخلي متوجسة من لقاء (مصليات) من مستويات مختلفة، وعما إذا كنت سأستطيع جعلهن يتجاوبن معي، لكن أتاحت لي هذه الأمسيات اللقاء بشخصيات رائعة جدا، تعلمت منهن أكثر بكثير مما علمتهن، فقد جاءت كل امرأة بمخزون من التجارب الثرية وقصص البطولات التي لا نسمع عنها إلا في القصص، والتقيت بنماذج رائعة جدا من ربات البيوت اللائي قلبن الآية عندي فقد كن على درجة عالية جدا من الثقافة والوعي والعزم على احداث فارق في حياة أسرهن والمجتمع الذي ينتمين اليه، من بين تلك الاناث امرأة شابة علمت منها أنها ربة بيت، لكنها حاضرة في كل أمسية ونادرا ما كانت تحضر بدون ضيفة جديدة، فاجأتني بما قالته في إحدى الأمسيات تعليقا على تصرفها ذاك: أنا لا أملك علمك وفصاحتك وقلمك لكن لا أريد هذا أن يكون مانعا لي من نشر الوعي بين النساء ومساعدتهن من خلال إحضارهن لمحاضراتك، إلهي كم أثارت هذه المرأة في من حماس وثقة وعزم، ما كنت أظن أنه يمكن أن يتوفر في ربة بيت شابه مثلها، لم تستسلم لعدم معرفتها وبما يمكن أن ينظر اليه غيرها على أنه معوقات، ودواع للاستسلام، فحولته إلى مصدر قوة لعمل فارق في حياة النساء من حولها، تلك الأمسيات جعلت من رمضان هذا العام شهرا مميزا حقا فقد التقيت بنساء رائعات حقا، أعدن لي الأمل في هذا الجيل من النساء، فهن يمتلكن قوة وإصرار ووعيا عاليا جدا!
      أحكامنا المسبقة التي نسبغها على من حولنا بسبب اختلافات عرقية ودينية وثقافية أحيانا، نضعها حاجزا بيننا وبين الآخرين بالفعل تضيع علينا فرص اكتشاف الآخر الذي من الممكن أن يثري حياتنا، ويفتح لنا آفاقا واسعة من المعرفة والمتعة في آن واحد.



      المصدر : مدونة ابداعات قلم