وقفات - جديد ابداعات قلم

    • وقفات - جديد ابداعات قلم


      • وقفت أنتظر العامل الآسيوي الذي كان منهمكا في تنظيف السيارة ليرفع رأسه لألقي عليه تحية الصباح المعتادة، مما أثار حفيظة الرجل الآخر الذي يبدو أنني لم انتبه له وهو يلقي تحية الصباح عليّ بدوره، فقال لي مستنكرا: بالله عليك (تطنشيني أنا) من أجل هذا العامل! صدرت عني ابتسامه بلهاء كردة فعل لعبارة لم أتوقعها أبدا من إنسان على تلك الدرجة من الثقافة والوعي والالتزام الديني الذي عرفته به، كان لسان حالي يقول متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
      • بعد عشر سنوات وجدتها تطرق عليّ باب منزلي وتعرض عليّ إعادة مبلغ من المال كانت قد اقترضته مني منذ ما يزيد عن العقد من الزمن، قالت لي إنها تنوي الذهاب للحج لهذا أرادت تسديد كل ديونها، لكنني أدركت بأن ضمير المرأة قد ألح عليها كثيرا ليذكرها بمبلغ بسيط نسيته أنا كلية، فقلب المؤمن دليله كما يقال، سيظل يذكرنا بالصواب الذي تفرضه الفطرة الإنسانية السوية، لأن الإنسان ولد على الفطرة، وهو مسكون بالخير مهما حاولنا أن نسكت صوت الضمير هذا بتجاهله سيأتي عليه يوم ويتمرد علينا، كل ما علينا القيام به هو الاستماع للصوت بداخلنا، لأن تجاهل صوت الضمير مرارا وتكرارا يخرسه.
      • قال لهم الطبيب إن مرضها ميؤوس منه لأنه دخل في مراحله الأخيرة، فما كان منه إلا أن طلقها تاركا لها طفلين صغيرين ومرضا قاتلا، بلا قريب ولا عائل فهي من جنسية عربية لا تحمل حتى الجنسية العمانية، تزوج بعدها بأشهر قليلة، لكن القدر لم يمهله طويلا فتوفي بسكتة قلبية في أشهر العسل الأولى، وبقيت هي على قيد الحياة، مصداقا لمقولة الامام علي بن ابي طالب: فكم من صحيح مات من غير علة، وكم من سقيم عاش حينا من الدهر!
      • كنت في زيارة عائلية عندما جاءت إحداهن بخبر ترك إحدى معارفنا لبيت الزوجية مصطحبة أطفالها إلى بيت والدها، وخلال دقائق أصدرت الحاضرات حكمهن على الزوجة بأن فيها وفيها وفيها، دون أن يعطين انفسهن فرصة للتفكير في الموضوع وطرح سؤال بسيط: لماذا فعلت ما فعلت؟!، لا تترك المرأة بيت الزوجية وهي كما روت صاحبة القصة (معززة مكرمة) في بيت أهل زوجها، الذي هو رجل لم تلد النساء مثله، المثير في المشهد أن بعض النساء لم يكن يعرفن بطلة القصة من الأساس، ورغم ذلك اصدرن حكما بتجريم المرأة، سألت راوية القصة من أين أتت بالخبر فردت: أخت الشاب زميلتي في العمل وقد روت لي القصة وهي مصدومة مما فعلت زوجة أخيها التي كانت تحظى بمعاملة استثنائية في البيت، سألتها: هل سمعت القصة من الجانب الآخر وأقصد بذلك الزوجة أو أحد أفراد أسرتها أو حتى صديقة مقربة لها؟! فأجابت بالنفي، بالطبع لو سمعت الطرف الآخر ربما كان رأيها مخالفا تماما، لأن للحقيقة وجهين دائما لا تكتمل إلا بهما معا. لم تعجب مداخلتي المرأة التي كانت في غاية الحماس للتفاعل الذي أحدثته قصتها بين الحضور، وأحزنني شخصيا أن نجد في معاناة الآخرين ومآسيهم مادة للتسلية، ويذهلني سرعتنا في إصدار الأحكام جزافا، دون أن نعطي الآخر حق الدفاع عن نفسه. تذكرت الحديث المرفوع عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، حين قال لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) حين ولاه اليمن: «يا علي: إن الناس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضين لأحدهما حتى تستمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء وتعلم عن الحق»، قال علي: (فما زلت بعد قاضياً). لكننا سريعا ما نصدر الأحكام على الآخرين دون أن نعطي أنفسنا فرصة سماع الطرف الآخر، متسببين في كثير من المشكلات التي غالبا ما تؤدي إلى قطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة.
      • دخل عليّ متذمرا لكون الاجتماع قد حدد في هذا الوقت المتأخر من اليوم مما يعني أنهم لن يستطيعوا الخروج باكرا من أجل المباراة، سألت: أية مباراة؟ معلنة جهلي التام بحدث يبدو أن عمان برمة أبيها كانت مشغولة به، فنظر إليّ باستنكار: معقولة ما تعرفين عن المباراة، لازم وحدة مثلك تثقف نفسها، في إتهام بانعدام الثقافة عندي لكوني لا أعرف في شؤون الكرة.
      • كنا في رحلة إلى مخيم في بدية استأجرت وعائلتي سيارة دفع رباعي يقودها أحد السكان المحليين الذي أعطى تعليمات لبقية رفاقنا في الرحلة بأن يتبعوه فقد كانت لديهم سيارات دفع رباعي، أحد الشباب قرر أن يستعرض مهارته في ركوب الرمال فغاصت سيارته في الرمل مما أغضب السائق البدوي الذي أثاره (جهل) هذا الحضري الذي لا يجيد قيادة السيارة، عند وصولنا إلى المخيم بدأ رفيقنا يصب جام غضبه على البدوي (الجاهل) الذي لا يجيد فن التعامل مع الناس.
      الجهل صفة نستسهل رمي الناس بها لكونهم يجهلون ما نعرف نحن.



      المصدر : مدونة ابداعات قلم