الورق للنسخ الاحتياطي - جديد عبدالله المهيري

    • الورق للنسخ الاحتياطي - جديد عبدالله المهيري

      ملاحظة: المقال نشر أول مرة في مجلة عرب هاردوير.

      النسخ الاحتياطي يعني أن تضع ملفاتك المهمة في وسيلة تخزين منفصلة عن حاسوبك لأن حاسوبك قد يتعرض لأي عطل في أي وقت ويتسبب في ضياع ملفاتك، يحدث هذا مع الأقراص الصلبة التي قد تتعرض لعطل ما وعندها قد لا تصل لملفاتك بسهولة أو قد تحتاج خدمة شركة متخصصة في استرجاع الملفات وهي بالتأكيد ستكون خدمة غالية السعر، حتى لو لم يحدث أي شيء للحاسوب هناك احتمال أن ترتكب خطأ فتحذف ملفات بالخطأ ولا تستطيع أن تسترجعها، لذلك كرر كثيرون في الماضي نصيحة أن تأخذ نسخة احتياطية من ملفاتك المهمة وتفعل ذلك بشكل مستمر تحسباً لأي طارئ.

      لكن ماذا لو نظرنا للبعيد، أعني 200 سنة أو 50 سنة على الأقل، هل يمكن لملفاتنا أن تعيش كل هذا العمر؟ العالم الرقمي عمره قصير جداً مقارنة مع تقنيات أخرى مثل الكتب، هناك كتب عمرها أكثر من 200 عام ولا زالت تحتفظ بنصوصها بل هناك كتب عمرها أكثر من 800 عام، بينما العالم الرقمي لا زال حديثاً نسبياً ومع ذلك فقد ذهبت مصادر عديدة ولم تعد، اختفت وليس هناك إمكانية استرجاعها، أو هي محفوظة في وسائل تخزين يصعب اليوم قرائتها واستعادة ما فيها من بيانات.

      خذ على سبيل المثال شبكة الويب، هناك جزء كبير من الشبكة لم يعد موجوداً وخصوصاً المواقع التي ظهرت في أول عشر سنوات من عمر الويب، لأسباب مختلفة تتوقف المواقع عن العمل ولا يكون هناك نسخة احتياطية منها وبالتالي لا يستطيع أحد الوصول إليها، كذلك الحال مع ملفات في حواسيب قديمة أو وسائل تخزين غير مألوفة كالأقراص المرنة بقياس 3 إنش أو حتى الأقراص المرنة بقياس 3.5 إنش لكنها تحفظ الملفات بطريقة طورتها شركة ما بشكل مختلف تجعلها صعبة القراءة في حواسيب اليوم ولقرائتها لا بد من تطوير برنامج خاص بها.

      ليس كل شيء يستحق أن يحفظ وفي نفس الوقت لا يمكننا أن نعرف ما الذي سيكون له قيمة لأجيال المستقبل، قد تكون مقالات بسيطة كتبها شخص ما عديمة القيمة لهذا الشخص لكنها قد تكون مصدر بحث ومعلومات لشخص ما في المستقبل، كذلك الحال مع الصور والفيديو والصوتيات وغير ذلك، خسارة أن تضيع مواقع كثيرة ظهرت في بدايات الويب، هذه المواقع هي جزء من تاريخ الشبكة ومؤسف أن كثيراً منها لم يعد له وجود.

      ما الحل هنا؟ كيف نحفظ المعلومات الرقمية لأطول مدة ممكنة؟ هناك حلول كثيرة، منها مثلاً وضع نظام نسخ احتياطي يستخدم أقراصاً صلبة متعددة ويمكن استبدال الأقراص التي تعطلت بأخرى جديدة وستبقى البيانات محفوظة، حل آخر قدمته شركات متعددة يكمن في تصميم وسائل تخزين رقمية يمكنها حفظ البيانات بطريقة تضمن استمرار عملها لمئة عام، المشكلة هنا أن تقنيات الحاسوب في مئة عام قد تتغير جذرياً فلا يعود أحد يتذكر كيف يمكن قراءة قرص مدمج أو وسيلة تخزين تستخدم منفذ يو أس بي.

      هناك حل آخر وأعترف أنه حل غير عملي لكنه أثار فضولي، ماذا عن استخدام الورق؟ لم لا نستخدم الورق كوسيلة تخزين طويلة الأمد؟ أول مشكلة قد يطرحها أي شخص هنا هي أنه بالإمكان طباعة الوثائق والنصوص على اختلاف أشكالها لكن كيف ستحفظ ملفاً صوتياً على الورق؟ كيف ستحفظ ملف فيديو على الورق؟ هناك حل!

      برنامج يسمى بايبر باك (Paperback) يقدم حلاً، فهو يتيح للمستخدم طباعة أي ملف بطريقة خاصة ثم يمكن للمستخدم أن يأخذ الورقة التي طبع عليها الملف وينقلها لحاسوب آخر ويستخدم ماسحاً ضوئياً ليدخل البيانات من الورق إلى الحاسوب والبرنامج بدوره يحول الورقة المطبوعة إلى ملف رقمي.

      يبدو الأمر صعباً لكنه بسيط، دعني أشرح ذلك، في المحلات والمتاجر الكبرى هناك ملصق يوضع على البضاعة يحوي شفرة خطية أو (Barcode) وهذه الشفرة هي عبارة عن رقم يشير إلى نوع البضاعة، عندما تذهب إلى صندوق الدفع سترى العامل يستخدم جهازاً يقرأ الشفرة الخطية ليحولها إلى رقم يفهمه الحاسوب وبالتالي يعرف نوع البضاعة وتكلفتها، الشفرة الخطية هنا هي بيانات مطبوعة تحتاج لجهاز خاص لقرائتها.
      كذلك الأمر مع بايبر باك، البرنامج يطبع الملف على شكل مربعات تحوي نقاط عديدة وعند إدخال الورقة إلى حاسوب آخر من خلال ماسح ضوئي سيبحث البرنامج عن هذه النقاط والمربعات وسيفهمها ويحولها إلى بيانات رقمية تشكل ملفاً.

      الفكرة ليست جديدة فقد كانت هناك مجلات في الماضي تعرض برامج مطبوعة على شكل نقاط وخطوط وعلى القارئ أن يستخدم مساحاً ضوئياً لنقل هذا البرنامج من صفحات المجلة إلى حاسوبه، فكرة كانت ضرورية في الماضي عندما كانت المجلات إحدى المصادر المهمة للبرامج.

      بايبر باك يمكنه أن يضع 3 ميغابايت فقط من البيانات على الورق، هذا لوحده يجعله برنامجاً غير عملي لكنه لا يزال في رأيي فكرة ممتعة، كذلك هناك مشكلة الحاجة إلى طابعة وماسح ضوئي لنقل البيانات، لكن في رأيي أن هذا البرنامج الذي طوره المبرمج كنكتة - على حد تعبيره - يمكن أن يصبح حلاً أكثر جدية برفع كمية البيانات التي يمكن نقلها ورفع الدقة كذلك، من يدري لعل الورق يعود ليصبح وسيلة تخزين طويلة الأمد مقارنة مع وسائل التخزين الرقمية.

      على أي حال، هذه دعوة للتفكير الجدي في موضوع أرشفة البيانات الرقمية، مع ازياد المحتويات الرقمية التي لا ترى طريقها إلى الورق ووسائل التخزين الأخرى يزداد أهمية وضع حلول عملية وطويلة الأمد لأرشفة هذه المحتويات.





      المصدر : مدونة عبدالله المهيري